الخطايا السبع لأجهزة الأمن المصرية في سيناء
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
إيلاف ترصد أوجه القصور على صعيدي المنع والردع
الخطايا السبع لأجهزة الأمن المصرية في سيناء
نبيل شرف الدين من القاهرة: بعيداً عن التبريرات التي تسوقها أجهزة الأمن المصرية في معرض دفاعها عن أدائها في سيناء، فإن هناك ما يمكن وصفه بالإجماع بين خبراء الأمن والمراقبين لأداء أجهزة الأمن على ارتكابها عدة أخطاء فادحة في التعامل مع تنامي التيار الأصولي المسلح في شبه جزيرة سيناء، وأن هناك عدة جوانب قصور شابت المعالجة الأمنية لتفجيرات سيناء، سواء على صعيد المنع أو الردع، ففي ما يتعلق بأوجه القصور في إجراءات المنع، أي تلك التي سبقت الأحداث فمن الواضح أنه على الرغم من القبض على عشرات المتهمين والمشتبه بهم في التفجيرات السابقة في طابا وشرم الشيخ فإنه لم يتسنلأجهزة الأمن حصيلة كافية من المعلومات حول طبيعة وحجم انتشار الخلايا المتطرفة في شبه الجزيرة التي تشكل ثلث مساحة مصر .
أما على صعيد إجراءات الردع، أي تلك اللاحقة على التفجيرات التي طالت "دهب والجورة" فقد ارتكبت أجهزة الأمن نفس الأخطاء التي سبق أن وقعت فيها خلال معالجتها لسلسلة التفجيرات في طابا وشرم الشيخ، سواء في ما يتعلق بأسلوب توسيع دائرة الاشتباه، وما يترتب عليه من إلقاء القبض على المئات، وما يثيره هذا السلوك من احتقان في مجتمع قبلي كسيناء، الذي تقدر بعض الإحصاءات سكانه بنحو350 ألف من البدو الرحّل، الذين يتنقلون عادة خلال الصيف والشتاء برفقة شيخ العشيرة، وهو منصب يتوارثه الأنباء عن الآباء .
وعموماً يمكننا هنا أن نجمل الخطايا السبع الأكثر أهمية، التي وقعت بها أجهزة الأمن المصرية، وتحديداً تلك التابعة لوزارة الداخلية على النحو التالي تفصيله بعد :
1 ـ ضعف المعلومات عن خارطة مجموعات التطرف الجديدة في سيناء :
وهو كما أسلفنا الخطأ الأكثر وضوحاً، فعلي الرغم من وقوع سلسلة تفجيرات سابقة في طابا وشرم الشيخ واعتداء على القوة متعددة الجنسيات، غير أنه وكما اتضح لاحقاً فإن معلومات أجهزة الأمن عن حجم انتشار أفكار وتنظيمات "السلفية الجهادية" بين الشباب السيناوي مازالت ضئيلة وإلا كانت الأجهزة قد تمكنت من رصد الواقع هناك جيداً بالقدر الذي يمكنها من توقع تكرار مثل تلك التفجيرات، واتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون تكرارها أو حتى تقليل حجم الخسائر حال وقوعها، وعدم وجود دراسات ترصد طبيعة تلك المجموعات الجديدة، وتتوقع مخاطر التقاء الأفكار الجهادية الراديكالية بالبيئة البدوية المحافظة شبه المنغلقة على عاداتها وتقاليدها، وهو ما يعني إفراز نماذج بالغة القسوة والتطرف والحدة .
2ـ الجهل بخصوصية المكان وثقافته :
يطبق رجال الأمن في سيناء ذات الأساليب المتبعة في حواضر مصر ومدنها، فيلجأ الضباط لنفس الآليات والوسائل التي اعتادوها في المدن والأرياف وهذا خطأ فادح، لاختلاف ثقافة البادية بشكل جذري مع ثقافة النهر والوادي، وبالتالي اختلاف السلوك والنمط الشخصي والاستجابة لدى البدو عن مواطني المدن والريف وهو ما يقتضي وجود ضباط وأفراد مدربين بشكل خاص على التعامل مع البدو، أو حتى من أبناء القبائل البدوية، وهنا تلزم الإشارة على مسألتين : الأولى هي الاستفادة من التجربة الإسرائيلية في إنشاء وحدات عسكرية واستخبارية خاصة بالبادية، وهي التجربة التي تعلمتها إسرائيل في ما يبدو من الأردن، إذ أن هناك شرطة خاصة بالبادية، أما المسألة الثانية فتتعلق بندرة وربما انعدام القبول بكلية الشرطة ومعاهدها من بين بدو سيناء وبالطبع لا نقصد هنا المقيمين في سيناء من أبناء الوادي، بل نقصد أبناء القبائل البدوية الذين تربوا وفق ثقافة البادية، وبالتالي يمكنهم تقدير المواقف بشكل جيد ودقيق، ويجيدون الاتصال بذويهم .
ولابد للقائمين على الأمن أن يفهموا أن كل قبيلة هي دولة مستقلة بذاتها وان قبائل سيناء مرتبطة بعضها ببعض بحلف حفظا للسلام، يحكمهم (القضاء العرفي) الذي يحتفظ إلى اليوم بقواعده وإجراءاته، وعلى رأسها الاحتكام إلى أشخاص بعينهم تخصص كل منهم في نوع من الجرائم يعرف أحكامها والعقوبات المقررة لها، ويلم إلماماً وافياً بالأعراف البدوية المستقرة .
3ـ الإفراط في أساليب توسيع الاشتباه :
قد يصلح هذا الأسلوب في الأحياء الشعبية القاهرية أو السكندرية، لكنه بالتأكيد سيرتب نتائج عكسية تماماً للهدف منه في البيئة الريفية والبدوية، فإلقاء القبض على الفلاحين أو البدو عشوائيا ووفق تقديرات الشخصية لعناصر الشرطة (عمال على بطال)، من شأنه أن يؤسس لمناخ معادٍ، وبيئة مناوئة لقوات الأمن، وليست متعاونة بالمرة مع جهود الأمن، بل مضللة لها، ذلك لأن الفلاحين والبدو في مصر يشتركون في سمة خاصة هي انعدام الثقة بينهم وبين السلطة منذ عشرات القرون، وبالتالي تأتي عمليات توسيع دوائر الاشتباه لتزيد الطين بلة، وترسخ العداء للسلطة ورموزها ممثلين في رجال الشرطة، مهما كانت أهدافهم مشروعة لإقرار الأمن والنظام في شتى ربوع البلاد .
ولعل ما خلفته عمليات توسيع دوائر الاشتباه عقب تفجيرات طابا وشرم الشيخ من احتقانات، رصدتها منظمات حقوق الإنسان المصرية والدولية، يكفي لتأكيد أن هذا الأسلوب يجب أن يخضع لضبط ويستخدم في أضيق نطاق ممكن ولا يترك قرار الاشتباه لصغار الضباط قليلي الخبرة، بل ينبغي أن يكون عملاً استثنائياً وليس منهجاً وأسلوب عمل يخضع للتقديرات الشخصية لهذا الضابط أو ذلك، استناداً إلى الصلاحيات التي توفرها حالة الطوارئ التي اتضح بجلاء فشلها في التصدي لعمليات الإرهاب، فعلى الرغم من مرور زهاء ربع قرن على إقرارها، وتمديدها مؤخراً لعامين جديدين، فمازالت التفجيرات تقع هنا وهناك، وهو ما يؤكد أن مزيداً من الصلاحيات غير الدستورية لن تصنع أمناً، بقدر ما تصنعه الكفاءة والدراية والوعي لدى عناصر الأمن خاصة بين هؤلاء العاملين في حقل مكافحة الإرهاب .
4 ـ تهميش دور رجال القبائل وإهانتهم :
ربما كان هذا الخطأ هو النتيجة المباشرة لسوء فهم البيئة الثقافية للبدو ومجتمع البادية، فبعد أن عمدت السلطة خلال السنوات الماضية إلى إضعاف دور العمد في الريف، بأن جعلت المنصب بالتعيين بدلاً من الانتخاب، الأمر الذي حول العمدة إلى موظف لدى الجهة التي عينته ويتقاضى منها راتبه وهي وزارة الداخلية، ولم يعد العمدة شخصية مستقلة تشعر بكيانها في حضور رجال الأمن، بل تحولوا إلى "أفراد" يأتمرون بأوامر ضباط المباحث الذين ربما كانوا في عمر أبنائهم، ويتسم كثيرون منهم ـ خاصة صغار الضباط ـ بالرعونة وسوء التقدير والاستهتار، وربما تعمد إهانة العمد وشيوخ القبائل مما يسبب شرخاً في الثقة بين هؤلاء القادة المحليين الطبيعيين في مجتمعاتهم، ويحولهم إلى عناصر سلبية غير متعاونة، بعد إضعافها واهتزاز صورتها أمام القبيلة أو القرية .
5ـ الاسترخاء والثقة المفرطة بالنفس والموسمية في التعامل :
من المعلوم أن الاسترخاء كالفيروس، ينتقل عبر الجسد كما يجري الدم تماماً، لا يفرق بين الرأس والأطراف، ويبدو أن وزير الداخلية الذي اطمئن على مقعده، بعد أن رشحته التكهنات بالخروج من التشكيل الوزاري الثاني لحكومة أحمد نظيف، إذ أمضى تسعة أعوام في منصبه، وهي مدة قياسية في عمر وزراء الداخلية، الأمر الذي ترتب عليه قدر بدا هائلاً من الثقة المفرطة بالذات، وهذه الثقة تحولت إلى استرخاء حين وصلت أصداؤها إلى الأطراف، فالوزير القلق المتوثب ينقل "فيروس القلق" إلى كل أجهزة الوزارة المتمددة على اتساع الخارطة المصرية، وبالتالي الوزير المطمئن المفرط في ثقته بالبقاء ينقل هذه العدوى للجهاز الأكثر مركزية في مصر .
أما ما يتعلق بالموسمية في التعامل مع قضايا سيناء فهو من الوضوح إلى درجة المعلوم بالضرورة، فبين الحين والآخر تقوم إدارة مكافحة المخدرات بحملات على زراعات المخدرات (البانجو والخشخاش)، ويجري تصوير تلك الحملات تلفزيونياً، والترويج لها صحافياً كما لو كانت "غزوات مباركة" بينما يعرف الجميع أن تلك الحملات التلفزيونية لم تفلح في ضبط متهم واحد، لأنها تفتقد للمعلومات حول من يزرعون تلك الأراضي المملوكة للدولة، أو لفساد ما في هذا المضمار.
6 ـ الانشغال بملاحقة المحتجين سلمياً، والتضييق على مؤسسات المجتمع المدني :
وهذه الخطيئة بدت واضحة للعيان خلال الأيام اللاحقة على تفجيرات منتجع دهب، فبينما كانت دماء القتلى والجرحى لم تجف بعد، حاصرت جحافل من قوات الأمن بضع عشرات من الشباب المعتصمين تعاطفاً مع اعتصام القضاة، ولم يكن الأمر يتطلب كل هذه الآلاف من القوات، بل ربما كان التسامح معهم، خاصة وأنهم مسالمون أكثر فائدة للدولة والنظام من تلك الصور البشعة التي تناقلتها وكالات الأنباء والفضائيات للجنود المدججين وهم يمسكون شاباً أو فتاة وينهالون عليه ضرباً .
وكان حرياً بأجهزة الأمن أن تدخر طاقاتها لمواجهة قاسية وطويلة في صحاري سيناء، بدلاً من إهدار الجهود والسمعة والأموال وراء بضع عشرات من الشباب، كما أن التضييق المستمر على منظمات المجتمع المدني، وتفجير الأحزاب السياسية من داخلها، يهدر جهوداً مضافة كان يمكن أن تسهم في دعم الأمن لا معاداته وإعاقة أنشطته، والاشتباك معه في معارك جانبية من شأنها تفتيت جهود أجهزة الأمن .
7 ـ تدني قدرات الأفراد وضعف تدريبهم :
هناك بالطبع عدة معاهد ومؤسسات أمنية للتدريب، لكنها مازالت أسيرة القرن التاسع عشر في مناهجها ومقرراتها، إذ تعتمد على قواعد مدرستين، هما المشاة والخيالة، وكلتاهما تصلح لترسيخ الطاعة والانضباط لدى الفرد في بداية انضمامه للمؤسسة الأمنية لكنها بعد سنوات طويلة تصبح أمراً مضحكاً، فضلاً عن أنها غير مفيدة بالمرة، فلا تفيد على صعيد الخبرات المضافة، وحتى مناهج "عمليات الشرطة" بدائية وعفا عليها الدهر، ولا تصلح لمواجهة ما أفرزه التقدم التقني الذي برع الخارجون على القانون في الاستفادة منه، وتراجعت البعثات التدريبية في الخارج إلى حد كبير، فضلاً عن أنها تكاد تنحصر على غير المستحقين لها، كل هذه العوامل جعلت من قدرات الضابط فضلاً عن الفرد أو المجند متواضعة، ولا تصمد امام مواجهات شرسة، ولعل حجم الخسائر التي طالت ضابطين كبيرين في مواجهات "جبل الحلال" بسيناء العام الماضي، ما يؤكد ضعف الكفاءة وسوء تقدير المواقف تقديراً صحيحاً، من هنا تصبح مسألة إعادة تأهيل قوات الأمن أمراً لا يحتمل المكابرة والكذب على النفس، لأن من سيدفع فاتورة هذا المستوى المتواضع هم أبناء جهاز الشرطة أولاً .