نهاية الحرب ستكشف الكارثة المعيشية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
إستراحة لـ"إيلاف" في مرفأ صيادين مزقه القصف
نهاية الحرب ستكشف الكارثة المعيشية
تستظل الفيء في محطة للمحروقات، تكتب اجزاء متقطعة من مقالتك لـ"إيلاف" بعد ان تسير بين انقاض اعتبرت في غمرة العمل انها لا تستحق الزيارة المباشرة بعد ان راقبت ليلا انفجار القذائف الصاروخية التي ألقتها الطائرات من بعيد.
عدة كيلومترات مربعة اجتاحها الركام الخفيف الناتج من قصف الطائرات للمرفأ، كما طاول القصف كل المباني القريبة من المرفأ، تحولت الارض الى ركام متناثر، وتسأل ما الذي احدث كل هذا الركام المتناثر، هل هو ركام القصف على المنشآت الصغيرة العائدة الى الصيادين، ام هو رصاص طائرات مروحية تولت التمشيط بعد القصف العنيف؟ لا يبدو من دلائل على رصاص المروحيات، لا اثار للطلقات في الارض، كل ما يمكن تأكيده هو وجود قنابل غير تقليدية، ربما كانت قذائف عنقودية، تلك التي ينفجر غلافها على مسافة مئة متر عن الارض وتلقي عدة مئات من القذائف الصغيرة التي تتفجر في دائرة واسعة تصل الى عدة مئات من الامتار، محدثة دمارا وقتلا شاملا في المحيط.
احدى هذه القذائف الصغيرة كانت لا تزال ملقاة على الارض، لم تنفجر لغاية الان، ولم يتم مسح المرفأ الذي يرتاده الصيادون ويعتاشون من العمل فيه، وترقد هذه القذيفة الصغيرة قرب دولاب سيارة ملقى بإهمال، وانتشرت حولها شباك صيد ممزقة، وهي ربما لم تنفجر لعطل فيها، الا ان صاعقها الذي ينتظر اي صدمة ليفجرها ينتصب الى الاعلى بانتظار دوسة زائر جاهل بمصيره.
شباك ممزقة، في كل المحيط وكان الصيادون قد نشروها على الجدران هنا وهناك، الا ان القصف اطاح بهذه الشباك التي تعد اضافة الى المراكب الخفيفة رأسمال الصياد، وعلى الارض تمكن رؤية طابات برتقالية صغيرة كانت تطفو عادة فوق سطح الماء ويمسك بها الصياد شباكه ليجذبها بما فيها من سمك خارج الماء المالح.
تتذكر رواية ارنست همنغواي، العجوز والبحر، الا ان البحر بقي بمفرده هنا، وهرب الصياد، الذي بقيت مراكبه لتتهشم تحت وطأة الطيران بمفردها دون صياديها. رواية همنغواي التي نالت جائزة نوبل، تختصر حياة الانسان في الصراع مع الطبيعة ومع اسماك القرش الفتاكة لينال في النهاية هيكلا عظميا لسمكة عملاقة، وهنا يختصر الدمار الذي لحق بالمراكب صراع البشر مع الة الحرب.
تتذكر انه ليس من مهام المراسل الميداني الكتابة الانطباعية، الا ان الاعتذار واجب من كل البشر الذين ننسى معاناتهم خلال تسجيل سير المعارك وتكتيكات الحروب وايراد الوقائع والتدقيق في الارقام.
عبثا البحث عن صيادين، فمن زار المرفأ منهم زاره صباحا كما عادة الصيادين في الابكار، وفي ظهيرة زيارتنا لم نجد بشرا لنكلمهم، وحدها المراكب المتناثرة كانت تنطق بخشبها العتيق ما الذي جرى، وبكل الاحوال فليس لدى الصيادين ما يذكرونه، هم كانوا بعيدا عن المعركة بين المراكب والطائرات، والمراكب هي كل ما يشهد على ما حصل. حصلت مجرزة وخشب المراكب الذي عاش في البحر (او البحرة كما يؤنثه همنغواي) لعقود طويلة وبعدها أطاحت بها الانفجارات لعشرات الامتار عن مواضعها الطبيعية، وعلقتها رأسا على عقب قرب جدران او مزقتها نثرا وفرقت فتاتها في الارجاء.
هي الحرب لا تدع مكانا للتفكير باكثر من 800 عائلة تعتاش على جهد صيادين يبحرون فجرا ويعودون مع الصباح، وحدها الاعمال الحربية تستحوذ على اهتمام المراسلين الميدانيين، ترى اي جوع ينهش ابناء هؤلاء الصيادين؟