المدونات اللبنانية تنشط في زمن الحرب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
مي الياس من بيروت: في الوقت الذي بدأ فيه كتاب الغرب بإصدار مجموعات كبيرة من الكتب التي تتناول ظاهرة التدوين المنتشرة منذ بضع سنوات، تجد اللّبنانيّين غائبين حتّى عن معنى الكلمة . والمدوّنات عبارة عن مفكّرة إلكترونيّة، يخطّ فيها المرء أفكاره وآراءه ويوميّاته، بل كلّ ما يخطر في باله في أيّ ميدانٍ معيّن؛ ويتلقّى في المقابل معلومات ارتجاعيّة من القرّاء على شكل تعليقاتٍ يخلّفونها في ذيل تدويناته.
وفي الوقت الذي نالت فيه بعض المدونات العربية شهرة كبيرة في كل من السعودية ، الكويت ومصر، حيث سُجن بعض المدونين ممّن دافعوا عن حقهم بحرية الرّأي، كما افرز الإحتلال الأميركي للعراق انتشار ظاهرة المدونات بين العراقيين، وفيها توثيق كامل احيانا لكل ما يرتكب من جرائم للجيش الأميركي بحق المدنيين العراقيين، حتى ان احد المدونين تطرق لمستوى الاشاعاعات النووية التي تلوث الاليات الحربية العراقية المدمرة، والمتروكة في مقابر للاليات الملوثة باليورانيوم المشع الذي استخدمته اميركا في حربها على العراق، ويصف المدون العراقيين الذين يعملون في تجارة "السكراب" وهم يفككون هذه الاليات ويصهرون حديدها لاعادة استعماله دون اي ادراك للخطر الجسيم الذي يعرضون انفسهم اليه.
في هذا الوقت كانت المدونات اللبنانية شبه غائبة عن ساحة الصحف والمجلات. وبقي الأمر على هذه الحال، إلى أن أقبل 12 تموز فقلب المقاييس وتحوّل موقع المدونين اللبنانيين من مكان يشغله عددٌ قليل من المهتمّين بالتّعاطي مع الشأن السياسي والاجتماعي الساخر حيناً، ومواضيع الحب والحياة والمستقبل في لبنان حيناً آخر، إلى موقع يدخله آلاف الأشخاص يومياً. وإذا كان الموقع يعكس شيئاً فهو يشكّل بالدرجة الاولى مرآة لما يحدث في الشارع اللبناني من انقسامات حادة، يغيب عنها الوعي السياسي والتاريخي أحياناً، تاركاً مكانه لردات الفعل التلقائية التي ورثها كل من مخزونه. انقساماتٌ داخلية إذاً، زاد الطين بلة فيها حربٌ مستعرة تدوينيا أيضا مع العدو الغاصب. تتراوح أعمار المدونين اللبنانيين الذين صعب إحصاؤهم بين العشرين والخامسة والثلاثين تقريباً، من جميع الأطياف والطوائف، يعبّر كلّ عن آرائه وقد اختار أن يقوم بتغطية الحرب على طريقته ومن وجهة نظره.قسم قليل منهم موجود في لبنان والقسم الاكبر موزع في بلاد الله الواسعة. لكن هذا البعد الجغرافي لم يترك تأثيرا على طبيعة الانفعال تجاه الأحداث فانتفت معه مقولة الداخل والخارج.
تحول موقع المدونين اللبنانيين الى شيء اشبه بوكالة انباء ، تتابع ساعة بساعة آخر تطورات الحرب من جميع جوانبها.. نسأل بعض المدونين اللبنانيين عن مدى قدرة هذا الموقع على التاثير في الراي العام و ما اذا كان بالامكان المساهمة بمساعدة حقيقية من خلال ما يكتبونه . هنا ايضا تنقسم الاراء بين غير مؤمن فعلا باهمية ما يرد في الموقع ، كون المنطقة لا تزال تجهل فعليا معنى التدوين و بين مؤمن بقدرة التاثير على زوار الموقع الغربيين ، حيث يتم نشر صور و تفاصيل ليوميات الحرب ، غالبا ما يتغاضى الاعلام الغربي عن نشرها ، بسبب الاخلاقيات المتفق عليها في هذا الاعلام و بسبب سيطرة اللوبي اليهودي على مفاتيح التحكم بهذا الاعلام خاصة في اميركا. و لقد خاض المدونون اللبنانيون الحرب على طريقتهم ، سواء من خلال حث جميع الزوار على بعث الرسائل التي تناشد رؤساء الدول بايجاد سبيل لوقف لاطلاق النار او من خلال تنوير الرأي العام الغربي و تسليط الضوء على فظاعة ما يحصل، الى نشر معلومات تتعلق بعدد القتلى و الجرحى ،او ارقام التبرعات و المراكز المعنية بالمساعدة ، كما قام الموقع بحملة دعائية للتظاهرات و التجمعات المناهضة للحرب التي تشنها اسرائيل على لبنان.
وتجدر الإشارة إلى أنّ السي.إن.إن. كانت قد طرحت تصويتاً على زوارها، حول احقية اسرائيل في الدفاع عن نفسها في هذه الحرب. فكان من الملفت، في بداية الأمر، رجوح كفة التصويت بشكلٍ ملحوظ لصالح إسرائيل، إلى أن نجحت النّداءات التي أطلقها المدوّنون لتغيير هذه النّتيجة المشوّهة في معادلة كفّة التصويت تقريباً. هكذا بدل الوقوف مكتوف الايدي تكون قد ساهمت و لو بشكل بسيط في مد يد العون الالكترونية ، مخففا عن كاهلك عقدة العجز الذي اصاب الشعب اللبناني من هول ما حصل و يحصل .
لكن الملفت ان هذه الحرب انتقلت الى صفحات الموقع الذي بدأ يتلقى مجموعة تعليقات من المدونين الاسرائيليين الذين مارسوا استفزازهم السافر على المدونين اللبنانيين تارة بالسخرية و طورا بالتهديد .
و يلخص المدون احمد بعض التعليقات الاسرائيلية التي تتركز على النقاط التالية:
bull;إن اسرائيل لا تستهدف المدنيين اللبنانيين العزل. الضحايا من المدنيين هم نتيجة وجودهم قرب مراكز حزب الله أو نتيجة خطأ.
bull;إن حزب الله هو حزب جبان يرمي بصواريخ الكاتيوشا من بين المدنيين مما يؤدي الى خسائر مدنية عندما تقصف إسرائيل مراكز النيران.
bull;لو أرادت إسرائيل استهداف المدنيين لارتقعت حصيلة القتلي فورا الى الألوف. بل لاستطاعت أن تجعل الجنوب كله أرض مستوية.
bull;إن مشكلتكم أيها اللبنانيون أنكم لم تنظفوا لبنان من حزب الله والآن جاءت إسرائيل لتفعل ذلك ويجب أن تكونوا ممتنين لها كل الامتنان.
bull;حزب الله هو أساس المشكلة لأنه يأخذ أوامره من إيران وسوريا. حسن نصرالله هو دمية عند بشار الأسد وأحمدي نجاد.
bull;بقيت حدود لبنان آمنة لفترة ست سنوات، والآن سيدفع حزب الله ثمن اختطافه لجنديين اسرائيليين.
bull;هناك أيضا تعليقات استفزازية لا تحتوي على معلومات هدفها إغضاب القارئ والكاتب.
كيف تعامل المدونون اللبنانيون مع هذا الغزو التدويني ؟
يجمع المدونون اللبنانيون على أنّ المعتدل بين هذه التعليقات شبه نادر، وكانت ردودهم تأتي بالمثل وبالتّجاهل حيناً وبمحاولة الإقناع المستندة على وقائع مثبتة دوليا حيناً آخر.. المسألة إذاً جديدة وغير مألوفة في ذهن الجميع تقريباً، بما أنّ الحدود التي لطالما كانت قائمة بين الفريقين تتلاشى على الشّبكة الالكترونيّة، وتتحوّل المواجهة إلى جدالٍ، لا زال كلّ طرفٍ فيه يلقي باللائمة على غيره.
اما لماذا لم يقفل باب التعليقات امام المعلقين الاسرائليين فيجمع كل من سألناه من المدونين على ان الموقع و كتابه يؤمنون بحرية التعبير و الرأي من اي جهة اتت فيما يعتبر البعض الاخر ان الابقاء على تعليقاتهم ستتيح للعالم التعرف على حقيقتهم..
و ترى المدونة اللبنانية "ايف" ان هذا النوع من التحاور يتيح لها التعرف على ما يجري في عقل القاطن في المقلب الاخر على قلة المعتدلين بينهم .
بينما تندهش المدونة "لينالون" من كم الطلبات في الاتجاهين للكتابة في صحف اسرائيلية مبدية حنقها من نشر صحيفة يديعوت احد نصوصها دون علمها و قد تم تشويهه بالكامل. هذا من ناحية. أمّا من ناحية أخرى، فيتلقى المدونون أيضاً، ومنهم أشرف، كمية غير قليلة من الرّسائل الالكترونية التي تحثّهم على الإبلاغ عن مواقع حزب الله، أو رقم هاتف نصر الله مثلاً، أو عناوين شخصيّات رئيسيّة أخرى، كلّ ذلك حفاظاً على مصلحة لبنان، على حدّ زعم أصحاب الرّسائل.
و في حين يبدي المدون المغترب هلال شومان حماسا منقطع النظير لقضيته المرتكزة على مصلحة و كرامة الوطن يبدو أن هذه المواجهة الالكترونية لاقت، في بعض أقسامها، ترحيبا من بضعة مدونين يميل إليهم زوّار الموقع من الاسرائيليين، كونهم يريدون السلام بأيّ ثمن كان...
في نهاية الأمر، لا يمكن للمرء إلا أن يقف أمام ظاهرة التّدوين هذه، لا سيّما في هذه المرحلة الحرجة التي يعيشها لبنان، ويتأمّل في مساهماتها من أجل نشر التّوعية وتسليط الضّوء على الدّمار الذي يلحق بلبنان، على أن أمل أن تتبلور هذه الفكرة وتأخذ حيّزها من الاهتمام.
موقع المدونين اللبنانيين :
http://www.lebanonheartblogs.blogspot.com