أزمة الثقة بين أوروبا ودمشق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سببها تهرب الاسد المتكرر من وعوده
أزمة الثقة تتفاقم بين أوروبا ودمشق
الأسد يتراجع عن مشاركته في قمة عدم الانحياز
مشرف يأمل بمحادثات مثمرة مع سينغ خلال
إيلاف من روما: يُعتبر النفي الرسمي السوري للكلام الصادر عن رئيس الوزراء الايطالي رومانو برودي، في شأن قبول الرئيس بشّار الأسد وضع مراقبين دوليين على الحدود مع لبنان، جزءاً من سياسة سورية متبعة منذ خلافة بشار لوالده صيف العام 2000 . وتقوم هذه السياسة على إعطاء الرئيس السوري الوعود للمسؤولين الأوروبيين والدوليين والعرب، الذين يلتقيهم، ثم تحلله منها عن طريقين. الأول، صدور نفي رسمي يؤكد عدم وجود مثل هذه الوعود متى تحدّث عنها أحد المسؤولين بشكل علني، والآخر تجاهل الوعود، والعمل بما يشير ألى أنها غير قائمة، وكأنّها لم تكن. وقد أعتُمدت الطريقة الثانية مع المسؤولين العرب عموماً، بما يشير الى درجة التجاهل التي يكنّها بشّار لهم.وأدى النفي، الذي يستهدف برودي، الى أثارة شكوك في التزامات قدمها الرئيس السوري لعدد من الشخصيات الدولية، على رأسها الأمين العام للأمم المتحدة، كوفي أنان، بالنسبة الى استعداد بلاده لاحترام بنود القرار رقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن. وكان هذا القرار أدى ألى وقف النار بين اسرائيل و"حزب الله" وحال دون الحاق مزيد من التدمير والخسائر بلبنان واللبنانيين. وكانت وسائل الأعلام السورية نفت، ردّاً على برودي، أن يكون بشّار الأسد تعهّد في أتصال مع رئيس الوزراء الأيطالي قبول وضع مراقبين أوروبيين على الجانب اللبناني من الحدود مع سوريا لمنع نقل الأسلحة ألى "حزب الله" وذلك تنفيذاً لما نص عليه القرار 1701. وأكد وزير الاعلام السوري، محسن بلال، بدوره عدم تطرق الأسد وبرودي في الاتصال الذي حصل بينهما الى قضية المراقبين الدوليين. غير ان مصادر اوروبية تساءلت عما اذا كانت روما تحتفظ بتسجيل صوتي للمحادثة الهاتفية بين الرئيس السوري ورئيس الحكومة الايطالية، وما اذا كانت ستذيعه ردا على النفي السوري الرسمي.
وتوقّعت مصادر عربية تتابع العلاقات السورية- الأوروبية عن كثب أن يثير النفي السوري لكلام برودي شعوراً لدى الأوروبيين بأن دمشق تبحث عن الوقت المناسب لنسف القرار 1701 وذلك عن طريق وضع العقبات أمام القوة الدولية في جنوب لبنان، ومنعها من تنفيذ المهمة التي جاءت من أجلها، والتي حدّدها القرار 1701 . وتشمل المهمة منع أي سلاح في الأراضي اللبنانية غير سلاح الشرعية، اضافة ألى منع ارسال اي سلاح ألى "حزب الله". وكانت ايطاليا ميّزت نفسها عن فرنسا، التي اعتمدت منذ فترة طويلة سياسة عدم تصديق ما يقوله السوريون. وقالت مصادر ديبلوماسية غربية أن ما حصل مع برودي شبيه بما حصل مع وزير الخارجية الاسباني، ميغيل أنخيل موراتينوس، الذي تربطه علاقات وطيدة مع المسؤولين السوريين، وزار دمشق أثناء الحرب، ثم صرّح بعد لقاء مع الأسد ان الرئيس السوري وعده ان تبذل بلاده ما لديها من نفوذ لدى "حزب الله" كي يعمل على تهدئة الأوضاع في لبنان. لكن المصادر الرسمية السورية سارعت الى نفي كلام موراتينوس الذي أدلى به أمام مجموعة من الصحافيين الأسبان والأجانب كانوا في دمشق. وبين هؤلاء مراسلة لوكالة الصحافة الفرنسية تحمل الجنسية اللبنانية أمرت السلطات السورية بطردها من أراضيها بسبب نشرها كلام موراتينوس.
وراهنت السلطات السورية طويلاً على غياب الموقف الأوروبي الموحّد من دمشق وتصرّفاتها. وكان أبرز المراهنين على ذلك نائب الرئيس السوري فاروق الشرع، الذي يبدو أن لديه تأثيراً كبيراً على بشّار الأسد في اتجاه اقناعه بأن سوريا قادرة على اللعب على التناقضات الأوروبية. وقد مارس الشرع -وهو وفقا لما تؤكده اوساط دمشقية يكنّ كرهاً شديداً لوزير الخارجية وليد المعلّم، بما اضطر الأخير، الدمشقي العتيق، الى المزايدة على الشرع في غير مناسبة لإثبات ولائه للنظام ولبشّار شخصياً - دوراً في أقناع الرئيس السوري بأن أوروبا منقسمة على نفسها. وراهن الشرع، الذي يعرف جيّداً نقاط الضعف في شخصية الدكتور بشّار، في استمرار على وجود حلف أسباني- أيطالي- يوناني، وألماني ألى حدّ ما، في مواجهة فرنسا. لكن الأحداث ألأخيرة أظهرت أن هذا الحلف ليس قائماً، وذلك ليس لأنّ اليونان دولة غير مهمة وأن سوريا لا تستطيع استمالتها في أي ّ وقت تشاء بالعزف على الوتر التركي فحسب، بل لأن كلاّ من أسبانيا وأيطاليا أصيبتا أيضاً بخيبة تجعلهما على قناعة بأنّ الموقف الفرنسي الرافض للتعاطي مع دمشق موقف صحيح ومحق.
وكانت فرنسا سبقت بريطانيا في ابلاغ شركائها الأوروبيين منذ فترة طويلة أنّه لا يمكن الوثوق بالنظام السوري ووعوده، وأن الرئيس جاك شيراك مقتنع بذلك بعد أن جرّب شخصياً استمالة الرئيس السوري ودفعه الى اتّباع سياسة عاقلة. ومن أجل التوصّل ألى ذلك عمد شيراك الى استقبال بشّار قبل أن يصبح رئيساً، واهتم به وسعى الى مساعدته. لكن الرئيس الفرنسي اكتشف في نهاية المطاف أن الرئيس السوري لا يلتزم بوعوده، وهو ما بدأت أوروبا تقتنع به الآن. أما ألمانيا فقد حافظت على علاقة مع النظام السوري ألى ما قبل أسابيع. وكان متوقّعاً أن يزور وزير الخارجية الألماني، كارل شتاينماير، دمشق منتصف الشهر الماضي، أي بعد صدور القرار 1701 مباشرة، لكن اللهجة التي استخدمها بشّار في خطابه الأخير حملته على تأجيل الزيارة، وربّما الغائها. وكان السبب الآخر الذي لعب دوراً مهمّاً في تأجيل، أو إلغاء زيارة الوزير الألماني، الاصرار السوري على الحصول على ضمانات أوروبية في ما يتعلّق بالتحقيق الدولي في اغتيال رفيق الحريري. وكانت ألمانيا على استعداد لتقديم حوافز عدّة لسوريا في حال التزامها تطبيق الجانب المتعلّق بها من القرار 1701 ، لكن "الشرط السوري المستحيل"، استناداً الى مصادر أوروبية، والمتعلق بالتحقيق الدولي، جعل المانيا تنضم ألى نادي الأوروبيين الذين يعتقدون أن لا مجال لاصلاح النظام السوري، في أي شكل من الاشكال، وأن المسألة مرتبطة الى حد كبير بعقم سياسي مصدره عقل بشّار الأسد، أوّلاً، ونصائح فاروق الشرع الذي يحسن الاستجابة لهذا العقل، ثانياً وأخيراً.