لبنان متجه نحو هدنة قسرية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بعد فشل التحرك الخاص بالنقابات
لبنان متجه نحو هدنة قسرية
بلال خبيز من بيروت: يتبادل اهل المعارضة اللبنانية إلقاء المسؤوليات على بعضهم وتبادل الاتهامات في المسؤولية عن فشل خطة التصعيد التي أقرتها المعارضة في اجتماع عقد في دارة الجنرال ميشال عون زعيم التيار الوطني الحر في منطقة الرابية القريبة من بيروت. وفي هذا الاجتماع تبنى قادة المعارضة وممثلو تياراتها تحركات الاتحاد العمالي العام في مواجهة الورقة الإصلاحية التي اقرتها حكومة فؤاد السنيورة تمهيداًً لعرضها في مؤتمر باريس 3 الذي يعقد لدعم اقتصاد لبنان.
لكن الاعتصامات التي دعا إليها الاتحاد العمالي العام وتبنتها قوى المعارضة جاءت هزيلة من حيث الحشد. ما حدا برئيس الاتحاد العمالي العام السيد غسان غصن الى تعليق نشاطات الاتحاد الاعتراضية، بما يخرج الاتحاد العمالي العام من المعادلة الداخلية، وجعل من الخلافات السياسية المحلية مقتصرة على قوى طائفية صافية وفئوية ضيقة، لا تستطيع رغم بعض الإدعاءات التي يصر عليها بعض المحللين ان تدعي تمثيل اللبنانيين عموماً او النطق بالمصالح الواسعة.
بخروج الاتحاد العمالي العام من معادلة المعارضة والموالاة على حد سواء، يسدل الستار على آخر القوى التي تؤهلها بنيتها للعبور بين الطوائف والمناطق. وتتحول المواجهات السياسية اللبنانية إلى مواجهات من دون ضوابط عامة ومشتركة بين اللبنانيين. وهذا امر يجعل الطرفين المتخاصمين يمعنان التفكير جيداً قبل الدخول في معركة جديدة.
على اي حال، يبدو المشهد اللبناني اليوم كما لو انه في لحظة مراجعة شاملة. فالرئيس نبيه بري، وهو صاحب ميزان دقيق في العلاقة الشائكة بين موقعه كممثل للسلطة الاشتراعية وموقعه كزعيم لحركة امل، كما لو انه يراجع اسباب الفشل في التصعيد، فضلاً عن تحذيراته المتكررة من وصول الأمور إلى طريق مسدود لا قيامة للبلد بعدها. لكن الراجح في هذا المجال ان قوى المعارضة على الأقل منيت بضربة قاسية نتيجة ضعف الحشد الذي استجاب إلى دعوة الاتحاد العمالي العام. وهي الآن في صدد مراجعة موافقها تمهيداً لإعلان مبادرة جديدة، سواء كانت المبادرة تصعيدية ام كانت تسوية.
وفي هذا السياق كان لافتاً تصريح النائب عن كتلة الجنرال ميشال عون بأن لا عوائق فعلية امام مبادرة الكنيسة المارونية لرأب الصدع في الصف الماروني. ذلك ان مثل هذا الانتظام السياسي تحت قبة بكركي يجعل من النصاب السياسي اللبناني مختلاً اختلالاً ساحقاً لصالح تحالف قوى 14 آذار - مارس من دون لبس. فإخراج الطائفة المارونية من التجاذب السياسي بين قوتين حاشدتين يمثلهما حزب الله وحركة امل من جهة اولى وتيار المستقبل بزعامة سعد الحريري وجبهة النضال الوطني بزعامة النائب وليد جنبلاط من جهة ثانية، يجعل من النصاب السياسي الجنبلاطي - الحريري اقوى مسكة وأرجح على الجهة الثانية لأسباب بالغة التشعب. وربما تجدر الإشارة إلى بعضها، اي تلك المتعلقة بدور السنة التاريخي في لبنان والمنطقة، فضلاً عن السيطرة التامة على المدن الكبرى، والموقع الاستراتيجي الذي تحتله الطائفة الدرزية ديموغرافياً في الخريطة اللبنانية، والذي اتاح لها، رغم صغر حجمها وقلة مواردها، لعب دور رئيس في السياسة اللبنانية منذ تأسيس الكيان اللبناني. والحال، فإن خروج الموارنة من المشهد الانقسامي الحاصل في لبنان يجعل الغلبة الدرزية - السنية كاسحة في مواجهة الاحتشاد الشيعي خلف طروحات حزب الله.
فضلاً عن هذا كله، ليس خافياً أن الأوضاع الإقليمية المحيطة بلبنان فعلت فعلها في جعل المعارضة اللبنانية تقف اليوم امام حائط التصعيد المسدود. فالاستراتيجية الاميركية التي اعلن عنها الرئيس جورج بوش الاسبوع الماضي، أثبتت ان الإدارة الاميركية ليست ناضجة بعد لتقديم الهدايا إلى ايران وسورية من خلفها، وان القوة الهجومية في هذه الخطة تتمثل اليوم في تخويف المنطقة، وإيران في المقدمة، من انسحاب اميركي من البر العراقي واحتلال للبحر العربي والفارسي على حد سواء. ما يجعل من احتمال انتقال الفوضى العراقية إلى دول الجوار مرجحاً، وفي احسن الاحوال يجعل العراق المتشظي والذي يخوض في حرب اهلية معلنة عبئاً ثقيلاً على دول المنطقة والجوار. الامر الذي يمكن ان ينعكس لبنانياً بحثاً عن تسوية موقتة في انتظار المعركة المقبلة بين ايران والولايات المتحدة. مع فارق بسيط انه في الأثناء قد تقع سورية فريسة سهلة في يد المجتمع الدولي، خصوصاً ان الغطاء العربي الذي حمى النظام السوري جزئياً في الأشهر التي تلت غزو العراق لم يعد يتمتع بالحماسة نفسها. بل وبات واضحاً ان الصمت العربي على الغزو الاثيوبي للصومال، المشجع اميركياً، يرسل اشارات واضحة إلى الدول التي ما زالت تصر على المشاغبة في الوقت الضائع. وهذا بالضبط ما جعل الحكومة السودانية تستشعر الخطر المقبل وتقرر وقف النار في اقليم دارفور. والأحوال المستجدة نفسها ستجعل من الضغوط على سورية في المرحلة المقبلة اصعب من ان تستطيع الإدارة السورية مقاومتها.
والحال، فإن المرجح لبنانياً ان تعمد الأطراف المتخاصمة إلى البحث عن مخرج سريع من الازمة الراهنة، يحفظ لكل طرف من الأطراف حقه في العودة إلى السجال والصراع ما ان يلمح اي تغيير في موازين القوى الداخلية والخارجية على حد سواء.