هكذا تتوزع السيطرة بلبنان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
وانصرف السياسيون والمحللون إلى تقييم ما جرى منطلقين من خريطة ميدانية أظهرت الصراعات كالآتي :
- يسيطر تحالف "حزب الله"- حركة " أمل" بإحكام على المناطق ذات الغالبية الشيعية في الجنوب والضاحية الجنوبية ومعظم البقاع الشمالي ، الى درجة ان الاقفال فيها لم يكن محتاجاً إلى قطع طرق ليكون شاملاً.
- يسيطر "تيار المستقبل" على بيروت، تحديدا غربها ذات الغالبية الإسلامية ، وعلى اقليم الخروب والضنية. وواجه ضغوطاً في صيدا وخروقا متفاوتة الحجم في طرابلس وعكار والبقاع الغربي.
- يسيطر الحزب التقدمي الإشتراكي بإحكام على منطقة الشوف، المنطقة الوحيدة التي بقيت كليا خارج دائرة الأحداث، فلم تشهد أي إقفال أو محاولة قطع طرق، ولا توترات ومواجهات باستثناء "حادث عرضي" في منطقة دميت واختراق رمزي من أنصار الوزير السابق وئام وهاب، لكن رئيس "اللقاء الديموقراطي" واجه تحديا لنفوذه في منطقة عاليه- صوفر من أنصار للوزير السابق طلال ارسلان الذين ساندهم أنصار الحزب السوري القومي الإجتماعي في قطع الطرق حتى الظهر، مما أثار استياء الزعيم الدرزي ودفعه بقائد الجيش العماد ميشال سليمان وأبلغه انه "اذا لم يفتح الجيش اليوم ( أمس) طريق خلده- الشوف وطريق البقاع الى الجبل، فإنه سيوجه نداء الى أهل الجبل يبلغهم فيه انه محاصر في بيروت ويدعوهم الى فتح الطرق. وأضاف: "اذا كنتم لن تحمونا فإن الناس سيحملون السلاح لحماية أنفسهم" .
- تسيطر القوى المسيحية المنضوية في حركة 14 آذار/ مارس على غالبية المناطق ذات الغالبية المسيحية التي كانت تعرف ب"المنطقة الشرقية"، في مقابل انكفاء لافت لتيار النائب الجنرال ميشال عون الذي يبدو أنه لم يتحسب جيداً لخطوته التي تخالف التوجه العام لدى المسيحيين، والتي فاقمت حرجه أمامهم بعد تحالفه غير المفهوم لدى هؤلاء مع "حزب الله" الذي اضطر إلى مساندة حليفه بشريا في عدد من النقاط داخل المناطق التي كان يفترض أنها محسوبة عليه، كما حصل في الحازمية وجبيل والجديدة. وانكشف الخلل في وضعية عون بعيد نزول مؤيدي 14 آذار/ مارس ، ولا سيما محازبي "القوات اللبنانية" لفتح الطريق الساحلي بالقوة مما دفع وحدات الجيش التي كانت تحمي المتظاهرين العونيين إلى الإندفاع في تفريقهم وفتح الطرق تحت طائلة أن تفلت الأمور كلياً من السيطرة. وما يسميها اللبنانيون "لعبة الشارع" ليست إطلاقاُ في مصلحة الجنرال الذي انزلق إليها من دون أن يعي بإغلاق الطرق لإنجاح الإضراب بالقوة، في حين يتقنها خصومه ويتفوقون فيها بأشواط.
وتكفي الإشارة إلى أن مسألة فتح كل الطرق في منطقة كسروان من الجرد إلى الساحل لم تستغرق سوى ساعات ضئيلة طوق بعدها ألوف "القواتيين" المجموعة العونية التي كانت تقطع طريق نهر الكلب ثم تهاوت المجموعات العونية، التي كانت تقطع الطرق في الضبية وجبيل، مما دفع حليف عون النائب السابق سليمان فرنجية إلى الحديث عبر قناة "الجزيرة" عن "ثغرة" ظهرت لدى "التيار العوني" وفرضت فتح الطرق. علماً أن عدد أفراد "التيار العوني" الذين شاركوا في قطع الطرق في كل المناطق لم يتجاوز المئات.
هكذا اضطر تحالف المعارضة إلى وقف تحركه او تعليقه مكتفياً بيوم واحد، بعدما كان التحرك معدا لثلاثة أيام على الأقل وحتى انتهاء مؤتمر باريس ٣، معتبرة ان "الرسالة وصلت وان التحرك حقق هدفه في اثبات قدرتها على اقفال البلاد وشلها ان أرادت، لأكثر من سبب أهمها:
- منحى الوضع الذي جنح في سرعة في اتجاه صدامات ومواجهات في الشارع والخروج عن السيطرة، فقد لاحت في الأفق ملامح "الفتنة المزدوجة" : فتنة سنية - شيعية يحاول حزب الله تفاديها وعدم الوقوع في فخها، وفتنة مسيحي- مسيحية لم يحسب الجنرال عون حسابا لها و "شارعه" ليس جاهزا ولا هو مستعد لمثل هذا النوع من المواجهات، مما يعني أن "حزب الله" سيكون عليه في المستقبل الإتكال على جمهوره وحده في أي تحرك مستقبلي مقبل.
- التدخلات والضغوط الدولية، لا سيما منها تلك الآتية من المملكة العربية السعودية وايران اللتين رفعتا درجة التشاوروأبقتا خطوط الاتصالات مفتوحة وقررتا العمل في سرعة من أجل احتواء الوضع المتفجر والخطر ، وفي هذا السياق جاءت زيارة رئيس مجلس الامن الوطني السعودي الأمير بندر بن سلطان الى طهران بعد زيارة المسؤول عن الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني الى الرياض ودمشق، واتصالات السفير الايراني في بيروت مع "حزب الله" والرئيس نبيه بري. وكانت الاتصالات الايرانية- السعودية توصلت الى "مسودة" تسوية جزئية للأزمة اللبنانية الأسبوع الماضي اقتصرت على موضوعي المحكمة والحكومة واصطدمت بمعارضة سورية من جهة وبالمعارضة اللبنانية من جهة .
- مؤتمر باريس- ٣ وفسحة الهدنة التي أقامها، ويبقى ان تحدد مدتها وطبيعتها بين ان تكون هدنة بين جولتين او ان تتحول هدنة دائمة ومدخلا الى التسوية.
- موقف قيادة الجيش اللبناني التي أطلقت قبل أسابيع تنبيها الى دقة الوضع وضرورة التوصل الى تسويته سياسيا قبل نهاية الشهر، والى ان قدرتها على ضبط هذا الوضع لا يمكن ان تستمر الى ما لا نهاية، خصوصا ان الوضع في لبنان بتعقيداته السياسية والطائفية، خاضع في عملية ضبطه إلى مناخ وقرار سياسي وليس إلى قدرات أمنية وعسكرية فحسب . وما حدث أمس دفع قيادة الجيش للانتقال من التنبيه والنصح الى التحذير وقرع جرس الانذار لأن الجيش ليس قادرا في ظل فلتان الشارع وحال الاحتقان والتوتر وفي ظل استنفار دائم ينهك عناصره وقواه، على مواصلة مهماته بالطريقة المثلى والفعالة التي يريد، كما لم تعد السيطرة التامة على الوضع مضمونة.