أخبار خاصة

لعنة الأموال تطارد وزارة الإعلام السعودية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

مسؤول ينفي لـ"إيلاف" التهم ويفنّد دعاوى الناقدين
"إساءة استخدام الأموال" تطارد وزارة الإعلام السعودية

سلطان القحطاني من الرياض:
وَجْهُ فايز المالكي، وهو ممثل كوميدي مشهور في السعودية، مطرزٌ بالغضون والتجاعيد في آخر ساعات يوم منهك من العمل في البروفات اليومية إستعدادًا لمسرحيته الجديدة التي سوف تعرض في منتصف شهر تشرين الأول/أكتوبر المقبل على أحد مسارح عاصمة بلاده. إلا أن هذه المشكلة الجلدية ليست الأهم في نقاط أجندة همومه اليومية؛ بل إن المفاجأة الفريدة من نوعها في حياته المهنية، التي سوف تزيد من قسمات وجهه تجهمًا، هي تلك المتعلقة بقرار منعه من الظهور في أي من قنوات بلاده الرسمية الأربع، بأمر من قيادات عليا في وزارة الثقافة والإعلام. ويقول في حديثه مع "إيلاف"، وهو يرتشف قطراتٍ من قهوته العربية المرة، عن هذا المنع: "لقد منعت من الظهور في تلفزيون وطني لأسباب لا أعرفها. إنني أناشد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أن يتدخل في المسألة ويعيد لي حقي، ويسمح لي بالعودة للظهور في التلفزيون. إنني محبطٌ جدًا. أريد حقي لأن هذه بلادي".

فايز المالكي وبعد أزمات مصادرة الطبعة المحلية من صحيفة الحياة اللندنية من الأسواق السعودية، ومنعها من الصدور لعدة أيام، وإزاحة رؤساء تحرير صحف محلية عن كراسيهم، ومحاولة إيقاف عدد من كتاب الأعمدة اليومية في هذه الصحف، تأتي أزمة جديدة تزيد طين هذه الوزارة بلة، بسبب ما يصفه إعلاميون بتركهم دون حماية للنافذين في ذلك الجهاز الرسمي.

وهذه الأزمة الطارئة تتمثل في قرار منع نحو 27 مذيعًا من الظهور التلفزيوني ونقل بعضٍ منهم إلى قسم الشؤون الثقافية في الوزارة دون إيضاح الأسباب لهم، وذلك فضلاً عن أزمة وزارة الثقافة وذراعها التلفزيوني القوي، القناة الأولى، مع الممثلين والمنتجين الذين يتهمونها بإساءة استخدام الأموال ما يفتح المجال أمام شبهات الفساد.

بيد أن مسؤولاً رفيعًا في وزارة الثقافة والإعلام تحدث مع "إيلاف" عن منع المذيعين قائلاً إنه إجراء يستهدف "فسح المجال أمام الدماء الشابة التي انخرطت في برنامج التدريب والتطوير الذي أطلقته الوزارة"، مشيرًا إلى أن هنالك أسماء نافذة من ضمن هؤلاء المذيعين الممنوعين الذين كان من بينهم وكيل الوزارة المذيع سليمان العيدي.

ويشير الفنان المالكي بأصابع اتهام طويلة إلى شخص، إعتبره هو السبب في منعه من الظهور في التلفزيون، ألا وهو محمد قزاز مستشار وزير الثقافة والإعلام إياد مدني الذي رشحه الأخير للتعيين رسميًا في الوزارة برفقة مرشح آخر هو أبو بكر با قادر الذي نفذ من خلال قرار من مجلس الوزراء وتم تعيينه رسميًا، بينما لم يحظَ قزاز بالفرصة ذاتها.

ويقول فايز المالكي صاحب الخلاف الكبير مع الوزارة، بألم عن مشكلته: "لم يعطوني بقية أجري من مسلسل "أبو شلاخ البرمائي" الذي كلف ملايين الريالات، ومنعوني من الظهور ولم أتمكن من المشاركة في أي عمل لليوم الوطني العزيز على نفسي". ومسلسل "أبو شلاخ البرمائي" مأخوذ عن رواية كتبها الوزير السعودي المعّق والأديب المعروف الدكتور غازي القصيبي الذي كان شديد الاستياء من ظهور هذا العمل بطريقة "لم يكن يتمنى" ظهوره بها حسب ما أشارت مصادر مقربة منه.

في معرض دفاعه عن نفسه، يقول محمد قزاز، مستشار وزير الإعلام السعودي، في حديث هاتفي مع "إيلاف": في ما يتعلق بأجر فائز المالكي، فقد حصل عليه كاملاً حسب ما علمت، لكنه يريد أن يعمل فرقعة في هذا الوقت... وأنا لم أمنعه من الظهور أبدًا في التلفزيون على الرغم من أنه لم يحترم عقده معنا".

ويفسّر قزاز حديثه قائلاً: "ما فعله كان خاطئًا منذ البداية حين أغلق هواتفه بعد 48 ساعة من توقيع العقد للعمل في مسلسل (صياحة) .. هذه سابقة أن ممثلاً يوقع عقدًا ولا يلتزم به، عليه أن يعرف أن للتلفزيون الرسمي هيبته لأنه جهاز دولة.. جهاز حكومي". ولعل مسلسل "أبو شلاخ" الذي أنتجه التلفزيون وكان المالكي بطله الأول، كان "ركيكًا" بحسب المقاييس الفنية لمنتجين أبدوا رأيهم الذي كلف ملايين من الريالات، الأمر الذي فتح باب التساؤلات على مصراعيه حول مدى جودة الإنتاج في هذا الجهاز الرسمي الذي تتكلف خزينته سنويًا مبالغ طائلة.

وأنتجت القناة الأولى الرسمية عددًا من البرامج والمسلسلات التي لم تكن ذات جدوى، على الرغم ممّا صرف عليها من مبالغ تعدت سقف العشرة ملايين دولار، ولم تسهم في استقطاب أي مشاهدين جدد للقناة، إذ لم تتجاوز نسبة الإقبال على القناة، حسب إحصائيات منشورة، أكثر من 14 في المئة منذ بدء شهر رمضان. ويعود ذلك جزئيًا إلى أن القناة فرطت في عدد من أوراقها الرابحة التي كان من بينها المسلسل المحلي الشهير "طاش ما طاش"، والذي كان موردًا مربحًا قبل أن يغادر إلى وجهة أكثر حرية، فيما لم يعلق مسؤول كبير في الوزارة بأكثر من قوله إن "التلفزيون لا يريد البرامج التي تعيق التطور".

ويقول إعلامي سعودي رفض ذكر اسمه بسبب حساسية الموضوع: "تخيل لو أنك ربحت 5 ملايين دولار وجاء أحدهم وقذف بها أمامك في الموقد لتلتهمها النيران من دون سبب، بماذا ستصفه؟ .. الأكيد أنك ستصفه بأنه رجل غير عاقل، وهذا ما ينطبق على القناة الأولى التي فرطت في برنامجي "طاش ما طاش" و "سباق المشاهدين".

وحسب ما يقوله موظفون رسميون في الوزارة تحدثت معهم "إيلاف"، فإن برنامج "سباق المشاهدين" الذي استمر ظهوره لأكثر من نصف عقد على شاشة الأولى، ويقدمه كبير مذيعيها حامد الغامدي، قدم في سنواته الأخيرة ما يربو على ثلاثة ملايين دولار سنويًا كربح إلى التلفزيون. ولم يتسنَّ الاتصال بالغامدي للحصول على تعليقه على رحيل برنامجه ومنعه من الظهور في القناة الأولى برفقة عدد من المذيعين الشهيرين.

ولم تتوقف المآخذ على القناة الأولى عند هذا الحد، بل إن هذه القناة الرسمية لبلد متدين مثل المملكة، الذي طالما اشتهر بأنه يبث أعلى نسبة من البرامج الدينية، ويستقطب أبرز الدعاة من العالم الإسلامي، وجد نفسه خارج سرب المنافسة الدينية بسبب هجرة رجال الدين البارزين إلى قنوات أكثر ربحية وإن كانت أكثر تحررًا.

واستفادت قناة قطر الرسمية من هذه الهجرة واستطاعت توظيفها على شكل عدد من البرامج الدينية الناجحة لهؤلاء الدعاة السعوديين أصحاب الشهرة الفائقة على الرغم من سحب الخلاف السياسي الذاهبة العائدة على سماء البلدين منذ أربع سنوات. وتظهر إلى الواجهة في هذا الشهر من كل عام الدعاوى التي يطلقها خبراء في الشؤون الإعلامية من أن التلفزيون الرسمي السعودي يسيء استخدام الأموال الطائلة التي تقع تحت يديه من خلال إنتاجه أو شرائه عددًا من المسلسلات والأفلام العديمة الجدوى.

ويضرب أحد هؤلاء المطلعين مثلاً على ذلك بقوله: "إشترى التلفزيون أفلامًا مصرية قديمة عن طريق شركة "غاية الإبداع" التي أصبحت تتولى أغلب أعمال التلفزيون. الأفلام المصرية تعرفتها 12 الف ريال للساعة إلا أن التلفزيون إشتراها بـ 38 ألفا للساعة. لم يعرض منها سوى 5 في المئة بسبب مستواها المتهالك".

ويضيف المصدر المطلع قائلاً عن الأموال المساء استخدامها: "أحد البرامج الدينية التي تأتي قبيل الإفطار أنتج بنحو 7 ملايين ريال، على الرغم من أنه من الممكن إنتاجه بأقل من ذلك بكثير. مسلسل "أبو حديجان" إشتراه التلفزيون بـ 5 ملايين ريال، على الرغم من أنه عمل كرتوني لا تتعدى تكلفته مليونًا تقريباً. عملية تطوير التلفزيون كلفت 38 مليون ريال وهو مبلغ ضخم جدًا".

وتشير مصادر وثيقة الصلة إلى أن ديوان المراقبة العامة قد قدم استفسارات حول العقود التي توقع مع شركة "غاية الإبداع" مباشرة، من دون مرورها بمكتب الشؤون الإدارية في الوزارة حسب ما يقضي النظام. وزعمت وثائق تم تسريبها إلى مواقع إلكترونية متعددة أن هذه الشركة المتهمة لها خط إتصال قريب مع محمد قزاز مستشار وزير الثقافة والإعلام، دون أن يتم التأكيد على هذا الأمر بشكل رسمي ما يجعله يدخل في إطار الشائعات. ويقول قزاز في تعليقه على هذه الدعاوى ضده خلال حديثه مع "إيلاف": "أنا أعمل في هذه المهنة منذ 40 عامًا وسجلي نظيف جدًا. إن ثوبي أبيض أبيض ونقي لذلك لن أخاف. هنالك أشخاص تحترف عمل المفرقعات كي تتواجد في الساحة، لكن نحن نعمل في جهاز حكومي وفوقنا أجهزة رقابية كبيرة".

ويضيف قزاز بصوت ملؤه الثقة، خصوصًا وأنه سليل أحد أعرق البيوت الحجازية في مجال التجارة ونقودها السيّالة:" أنا لست بحاجة إلى مثل هذه الأمور الملتوية ولله الحمد. أنا لم ألوث في حياتي بأي تهمة. ولا يوجد لدي ارتباط بأي شركة، وعلى أي شخص يدعي ذلك أن يثبت ذلك أمام الجهات المسؤولة وإلا سأقاضيه". وحول هذه الوثائق التي نالت منه إلكترونيًا متهمة إياه باستغلال موقع سلطته يقول: "أنا لا أود أن أتهم أحدًا بأنه لفقها ضدي". وعلى الأجندة عدة انتقادات للوزارة يتداولها الإعلاميون في مجالسهم الخاصة، منها أن هنالك أكثر من ألف موظف وهمي يعملون تحت بند "المتعاونين"، وهو نبأ لم يتسنَّ لـ"إيلاف" الحصول على تعليق رسمي عليه من الوزارة.

ويقول مصدر مطلع من داخل الوزارة في تعليقه على ظاهرة إساءة استخدام الأموال: "إن هذا يحدث فعليًا. مكتبة التلفزيون التي تحوي مليون مادة منذ عهد الملك عبد العزيز تم إقفالها ومنع أي شخص من الدخول إليها، بحجة أن هنالك شركة ستأتي لترتيبها، على الرغم من أن ذلك يمكن إصلاحه من الداخل. بث العديد من البرامج عن طريق بيروت وإحدى الشركات التي تملك دولة خليجية مجاورة رأسمال فيها. ديكورات التلفزيون تكلف نحو 2 مليون ريال على الرغم من عدم جودتها، الوزارة تحوي أكبر وأضخم أجهزة واستوديوهات، ومع ذلك يتم التسجيل غالبًا في الخارج ويتم دفعه من ميزانيتها".

وفي اتصال مع أحد منسوبي القناة الأولى، وهو المذيع المعروف عبد الله المقحم، أشار إلى أن "محمد قزاز وسليمان العيدي يمارسان سياسة التضييق على الموظفين ولا يقبلون إلا كل من هو معهم"، مفيدًا بأنه يتهيأ برفقة شخصيات إعلامية أخرى إلى "رفع شكوى إلى الجهات الرسمية عن الإساءات التي تعرضوا لها" حسب ما ذكره خلال تصريحه إلى "إيلاف". إلا أن القناة الرسمية الأولى ماضية في "خطط تطويرية سوف تجعل منها مثالاً على الحرفية المهنية" حسب ما يقوله محمد قزاز مستشار وزير الثقافة والإعلام. ويبدو أن الفريقين قد دخلا إلى معركة لن ينتصر فيها إلا من يستطيع أن يعض على أصابعه أطول فترة ممكنة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف