أخبار خاصة

ملاحقة محمد الدرة بعد 7 سنوات من مقتله

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

احتل العناوين الرئيسية للصحف العبرية
إسرائيل تلاحق محمد الدرة بعد 7 سنوات من مقتله

أسامة العيسة من القدس: احتل الطفل محمد الدرة، الذي تحولت صور مقتله وهو في حضن والده، قبل سبع سنوات في بداية انتفاضة الأقصى إلى رمز لها، احتل العناوين الرئيسية للصحف العبرية، بعد أن أكد خبراء إسرائيليون، بان الفيلم الذي يصور مقتل الدرة والذي بثته القناة الفرنسية الثانية، أدخلت عليه تعديلات قبل بثه، في حين اعتبره مصدر إعلامي إسرائيلي رسمي بأنه مفبركا. وقال دانئيل سيمان مدير مكتب الصحافة الحكومي الإسرائيلي، ان الفيلم الذي بثته القناة الفرنسية حول مقتل الدرة، كان مفتعلا. وخاطب سيمان الذي يدير المكتب الذي يمنح رخص وتصاريح العمل للصحافيين الأجانب والإسرائيليين في الدولة العبرية، جمعية إسرائيلية طلبت منه سحب بطاقات الصحافيين من أفراد طاقم التلفزيوني الفرنسي.

وتبنى سيمان الرواية التي كان قدمها الجيش الإسرائيلي لمقتل الدرة، بعد أن شكل لجنة تحقيق، وملخصها، بأنه كان مستحيلا على الجنود الإسرائيليين إصابة الطفل الدرة ووالده من المكان الذي كانا فيه لدى وقوع الحادث، وان المرجح بان الدرة قتل برصاص فلسطيني.

ومنذ أن بثت الفيلم الذي التقطه مصورها طلال أبو رحمة، والقناة الفرنسية الثانية، تخوض معركة دفاعا عنه، في وجه المشككين بما اعتبر سبقا صحافيا حققته آنذاك، وتحولت صوره إلى رمز للانتفاضة الفلسطينية، قبل أن تغطي عليها صورا أخرى.

ورفعت القناة دعوى ضد موظفها السابق فيليب كونسنتير، الذي شكك بالفيلم، واتهم القناة بفرض تعتيم على أجزاء أخرى منه رفضت بثها، وبررت إدارة القناة ذلك، بان المشاهد التي امتنعت عن بثها، صعبة للغاية، وصادمة للمشاهدين، وأنها لم تبثها تماشيا مع سياسة القناة التحريرية.

وبدأت حكاية الطفل محمد الدرة، بعد ساعات من مقتله، عندما تمكن المصور الفلسطيني طلال أبو رحمة الذي يعمل لصالح القناة الثانية الفرنسية، من التقاط صورا للطفل الدرة، الذي كان يرتعش في حضن والده جمال الذي حاول أن يحميه من الرصاص الإسرائيلي لكن دون جدوى، وكذلك لم يفلح ضابط الإسعاف بسام البلبيسي الذي جاء لإنقاذ الأب والابن، بعد أن تمكن الأب من الاتصال من هاتفه الخليوي، تحت زخات الرصاص، بصهره، طالبا النجدة، وعندما وصلت سيارة الإسعاف لم تسلم من السماء التي مطرت رصاصا.

كان أبو رحمة مختبئا، ومعه عدد من الأشخاص تقطعت بهم السبل، لا يستطيع الوصول، إلى مكان الأب و الابن في الرصيف المقابل بسبب مطر الرصاص، وكان بعين كاميرته شاهدا على ما حدث للأب الذي اصطحب ابنه لشراء سيارة، وتقطعت بهما السبل في ذلك المكان، فاحتميا بجدار كتب عليه شعار كان الزعيم جمال عبد الناصر كثير الترداد له "ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة"، ولم يكن لا الجدار ولا جسد الأب الذي حاول أن يجعله جدارا لحماية ابنه، قادرين على إنقاذ ذلك الطفل الذي سيصبح رمزا لانتفاضة الأقصى.

وأثار فيلم الدرة مشاعرا متنوعة وجياشة، وكتب الشاعر الفلسطيني محمود درويش قصيدة عنه، مستجيبا لآهات اللحظة، كما كتب الدبلوماسي والشاعر السعودي غازي القصيببي من لندن مخاطبا الطفل الشهيد "يا فدى ناظريك..!"، ومعتذرا منه واضعا نفس ضمن زمرة العاجزين العرب، كما كتبت عشرات القصائد عن الدرة وغنى العرب بعضا منها، وحتى بعض مغني ما سمي بالأغاني الشبابية، غنوا له.

كان لصورة الطفل الدرة المرتعش في حضن والده اكثر من جانب: مهني وإنساني ووطني وبشري ويمكن أن تثير الأحاسيس التي تمتلك الإنسان، حتى أن الرئيس المصري حسني مبارك، الذي كان يدعو للتهدئة أثارت صورة الدرة مشاعره وقال للصحافيين "..ماذا تنتظرون بعد، أب لا يستطيع حماية ابنه وهو في حضنه"، وفيما بعد عبر عن أقوال مبارك تلك، المطرب الشعبي المصري شعبان عبد الرحيم الذي عبر عن حزنه لموت محمد الدرة..

ووصف المراقبون مقتل الدرة، بأنه كان موتا أسطوريا، موثقا بكاميرا أبو رحمة، وكتب الصحافي العربي الأشهر محمد حسنين هيكل، ضمن استعراضه لحديث دار بينه وبين الدبلوماسي الجزائري-العالمي الأخضر الإبراهيمي والمفكر الفلسطيني-الأميركي إدوارد سعيد في أحد مطاعم العاصمة البريطانية لندن بعد نحو عشر شهور من اندلاع انتفاضة الأقصى، انه من "ضمن أسلحة الضعيف، وليس المتخاذل، أن يستعمل قوة الصورة في هذا العصر بدلا من قوة الدبابة والمشكلة هنا هي أي الصور؟ وفي الانتفاضة أخيرا كادت الصورة المطلوبة أن تضيع وسط عشرات من الصور غير المطلوبة".(...)

وقال "رأى أحدنا أن صورة الدرة ومثيلاتها من الصور زادت تعاطف الرأي العام في أوروبا من ثلاثين إلى خمسين في المائة وفي الولايات المتحدة من واحد إلى عشرة في المائة، لكن ما جاء بعدها من صور يوشك أن يمحو إثرها".

وكان عشرات الآلاف من العرب والمسلمين وآخرين من العالم صوتوا لصالح صورة الدرة على شبكة الإنترنت، وكان ذلك جزءا من الحرب التي شارك فيها شبان من الطرفين أو المتعاطفين مع كل منهما: الإسرائيلي والفلسطيني، وعرفت بحرب الإنترنت، حيث حاول كل طرف في البداية نقل وجهة نظره وكسب الرأي العام لطرفه ثم تحولت إلى حرب كان من أدواتها الذكاء والمهارة والتصميم، وأضحت ظاهرة في انتفاضة الأقصى، وعقدت ورشات عمل ومؤتمرات لمناقشتها مثل المؤتمر الذي عقد في مدينة ميونخ يوم 29/6/2001، شارك فيه خبراء من ألمانيا وإسرائيل وفلسطين.

وحاول بعض المتعاطفين مع الدولة العبرية أن يخوضوا معركة مضادة فالبسوا الدرة و هو يرتجف في حضن والده العاجز القبعة اليهودية المعروفة، للإيحاء بان هذا الموت لا يمكن أن يكون إلا من نصيب ضحايا "الكارثة والبطولة على يد النازيين الجدد الفلسطينيين"، ولم يكن بالإمكان أن ينطلي ذلك على معظم الناس في أربع جهات العالم، فقالت مؤسسات اسرائيلية بأن الفيلم الذي يصور الدرة الصغير المرتعش في حضن الدرة الكبير العاجز هو تمثيل صوره أبو رحمة المصور الفلسطيني، وفي إحدى مراحل الهجوم المضاد ضد الطفل الصغير الذي قتل قالت قيادة الجيش الاسرائيلي إنه ليس مؤكدا معرفة مصدر إطلاق الرصاص الذي قتل الطفل، ثم أعلنت نتائج تحقيقها وخلصت إلى أن الطفل الصغير المرتجف في حضن والده قتل برصاص فلسطيني، وبأوامر من هذه القيادة ولإخفاء معالم ما حدث، تم هدم الجدار الذي لم يحم الطفل ووالده.

وكرم أبو رحمة من دول مختلفة، وظل يشكو من الأصوات التي انطلقت، من باب دعمها لإسرائيل مشككة في مهنيته ومصداقيته. وفي اليوم التالي لمقتل الطفل ذهب لعيادة والده جمال الدرة في المستشفى الذي أكد رواية المصور بأنه لم يكن بإمكانه الزحف لمساعدة الوالد والابن من موت محقق وترك الكاميرا خلفه. وقال الدرة الوالد ان "العشرات من الأطفال الفلسطينيين يموتون برصاص الغدر الإسرائيلي، ولكن الكاميرا لم تصورهم".

وفيما بعد روى والد الطفل الدرة موت ابنه الأسطوري "محمد رغم صغر سنه فانه كان يتصرف كالكبار، كان ساعدي الأيمن، ذهب معي لرؤية السيارة قبل شرائها، وعندما عدنا كانت المواجهات مشتعلة ففكرت في اللجوء إلى مكان آمن، والعودة إلى البيت وفي منتصف الشارع، نزل علينا الرصاص، ولم نستطع قطع الشارع، فعدنا نحتمي ببرميل بجانب الجدار، ولكن هيهات كان رصاصهم وراءنا، صرخت وابني يرتجف في حضني، ولوحت بيدي قائلا ان الولد يموت، حاولت حمايته أصبت بيدي اليمنى ثم بيدي اليسرى، كان يبكي ويطلب مني ألا أخاف، أصيب برجله وطمأنني بأنه يستطيع أن يصبر وطلب مني أن احمي نفسي، حاولت حمايته، لوحت بيدي المصابة ولكنني لم استطع حمايته، لقد اخترقه الرصاص وسقط في حجري ".

وقالت أمه، إنها لم تكن تعلم بان الطفل من عائلة الدرة الذي تحدثوا عن مقتله هو ابنها محمد، فهي كانت تعلم ان ابنها ذهب مع والده، ووالده سيحميه إذا وقع أي مكروه، ولكن عندما شاهدت صور مقتل ابنها على التلفزيون، كانت كل نيران الدنيا تشتعل في جسدها.

ومنذ مقتل الطفل الدرة، والجهات الإسرائيلية المختصة بالاعلام، مدعومة بأصدقاء في العالم، تعمل على تبرئة الجيش الإسرائيلي من دماء الدرة.وردا على ما يثار في إسرائيل الان قال جمال الدرة والد الطفل "بدلا من أن تقدم إسرائيل اعتذارا عن مقتل ابني، تثير صخبا حوله، وحتى هناك تشكيك في إذا كان مات بالفعل، بالنسبة لي فليقل أي شخص في العالم ما يشاء، الحقيقة التي اعرفها أن محمد لفظ أنفاسه الأخيرة بين يدي".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف