الملك عبد الله يفتل أحد خيوط عقدة الإصلاح
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سلطان القحطاني من الرياض:
منذ توليه زمام حكم مملكته النفطية أوائل شهر أغسطس من العام 2005 كان ملف جهاز القضاء وإصلاحه أكثر الملفات التي كانت تنتظر دورها على طاولة الملك التحديثي عبد الله بن عبد العزيز باعتبار أن هذا الملف الحساس هو العقدة الأكبر في حبل عمليته الإصلاحية التي كان يبتغيها في بلاده.
ولطالما كان إصلاح القضاء هو التحدي الأكبر أمام صانع القرار في المملكة العربية السعودية التي اشتهرت منذ تأسيسها بأنها تنتهج صيغة أكثر محافظة من صيغ الإسلام السني الأخرى، الأمر الذي يجعل من خطوة الملك عبد الله بن عبد العزيز، الرامية إلى تطوير القضاء وتحويله إلى قضاء مدني، خطوة جريئة بكل المقاييس.
وقد أعلن عن موافقة العاهل السعودي رسمياً على نظام القضاء ونظام ديوان المظالم، والموافقة على آلية العمل التنفيذية لنظام القضاء، ونظام ديوان المظالم، فجر يوم أمس الثلاثاء. وقد دعم النظام الجديد للقضاء وديوان المظالم بسبعة مليارات ريال كميزانية خاصة لهذا المشروع، وكذلك لإحداث نقلة تطويرية في إطار مشروع يحمل أسمه.
وعلى الرغم من كونها خطوة أولى على الطريق في اتجاه تقنين الشريعة التي هي مصدر رئيسي للتشريع في جميع أجهزة القضاء في البلاد، إلا أن خبراء قانونيين يطمحون إلى ما هو أكثر من هذه الخطوة الشجاعة، إذ يريدون البدء في الوصول إلى مصدر الخلل الرئيس في نظام القضاء المحلي، وهو ضبابية الأحكام ومصدرها.
وبهذا القرار الجديد فإن جهاز القضاء فائق الحساسية قد أكمل ارتداء بزته المدنية رغم أنها طويلة الأكمام، إذ لا تزال بحاجة إلى تقصير هذه الأكمام الطويلة المتمثلة في عدم وجود أسس دستورية تكون ذات مرجعية واضحة في شؤون التقاضي بين الخصوم في المحاكم المحلية التي تخضع لتفاوت فقهي بين القضاة أنفسهم.
ويدور في الكواليس السعودية همساً وسراً منذ اعتلاء الملك عبد الله بن عبد العزيز عرش المملكة المحافظة حديث عن رغبته في تقنين الشريعة رغم أنه قرار قد يواجه باعتراضات كبيرة من رجال الدين الذين قد يرون في ذلك تحجيماً لنفوذهم، في حين أن هذا التقنين سوف يكون مستقىً في الأساس من القرآن والسنة النبوية.
وتحت مرمى نيران الانتقاد فإن المشروع بدء فعلياً تحت إدارة عدد من رجال الدين المعروفين في البلاد. ومن المحتمل أن يتم انجازه منتصف العام المقبل على أقل تقدير، وذلك بعد أن تمت تهيئة الساحة الداخلية إلى أن هذا القرار في طريقه إلى الصدور.
وكان القضاء في البلاد يشتهر بأنه أعجوبة العجائب بسبب أن القضايا المتشابهة التي تعتبر في مجملها واقعة واحدة، تصدر عليها أحكام مختلفة بين قاض وقاض آخر في مدينة أخرى بسبب تفاوت الاجتهاد الفقهي في الحكم، مما يفتح باباً أكثر اتساعاً أمام القاضي يستطيع التحرك فيه دون ضابط محدد.
وأمر الملك عبد العزيز مؤسس البلاد بتوحيد المذاهب التي يتم الاستناد إليها في القضاء ليكون التقاضي وفق مذهب أحمد بن حنبل بسبب سهولة مراجعه الفقهية ووضوحها بعد أن كانت المحاكم السعودية تحكم وفقاً للمذاهب الفقهية الأربعة المعترف بها لدى علماء السنة المعتدلين.
ويواجه جهاز القضاء المحلي نقصاً مفزعاً في عدد القضاة الذين لا يتجاوز عددهم نحو 650 قاضياً في بلدٍ يبلغ تعداد سكانه 22 مليوناً، مما يجعل من القضايا البسيطة التي يمكن إنهاءها بسرعة كبيرة تنتظر مدة أطول حتى تجد قاضياً يتفرغ لها، فيما لا يحظى القاضي الواحد سوى بأربعة مساعدين رغم إن الأصح أن يكون العدد أكثر من ذلك.
وقياساً على ذلك فإن هنالك أربعة قضاة فقط لكل مئة ألف نسمة رغم أن المعدل العالمي ينص على أن يكون لكل 100 ألف نسمة 26 قاضياً. ونتيجة لهذا الشح الكبير في عدد القضاة في المملكة العربية السعودية فإن أكثر من 60 في المائة من المسجونين لم يتم الحكم عليهم بعد.
ونظراً لهذا النقص الشديد فإنه من الممكن فعلياً أن يتم الاستفادة من أفراد جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المقدر عددهم بالآلاف، خصوصاً إذا أخذ بالاعتبار خلفيتهم الدينية المناسبة والقابلة للتطوير فيما يتعلق بالانتماء إلى هذا الجهاز الحساس.
ويبدو أن الملك السعودي يحرص على أن تكون قراراته الحاسمة من مدينة مكة المكرمة، مهد الإسلام، التي يفضل أن يقضي فيها كل عام الأيام العشر الأواخر من شهر رمضان، إذ أصدر في نفس المكان والزمان العام الفائت قراراً حاسماً يقضي بإنشاء هيئة البيعة التي تنظم طريقة تسلسل الحكم داخل أفراد الأسرة الحاكمة.
وفي هذا التنظيم الجديد فإن رئيس مجلس القضاء الأعلى الشيخ صالح اللحيدان الذي تصفه دوائر غربية بأنه "رجل دين متشدد جداً"، قد فقد عدداً من صلاحياته الكبيرة بعد إنشاء المحكمة العليا التي تعتبر ذات دور رقابي لعمل هذا الجهاز، وهو أمر سيجعله منصرفاً بشكل خالص إلى الأعمال الإدارية لا أكثر.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية التي نشرت تفاصيل المرسوم أن من ابرز ملامح نظامي القضاء وديوان المظالم هو أن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية وليس لأحد التدخل في القضاء.
واهم اختصاصات مجلس القضاء الأعلى النظر في شؤون القضاة الوظيفية مع نقل اختصاصاته القضائية إلى المحكمة العليا.
وجاء في المرسوم أن أهم اختصاصات المحكمة العليا هي مراقبة سلامة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض معها ومراجعة الأحكام والقرارات التي تصدرها أو تؤيدها محاكم الاستئناف بالقتل وغيره من القضايا المهمة وان محاكم الاستئناف تتولى النظر في الأحكام القابلة للاستئناف الصادرة عن محاكم الدرجة الأولى، وتحكم بعد سماع أقوال الخصوم وفق الإجراءات المقررة في نظام المرافعات الشرعية ونظام الإجراءات الجزائية.
وينص المرسوم على أن ديوان المظالم هيئة قضاء إداري مستقلة ويرتبط مباشرة بالملك. ويتمتع قضاء الديوان وقضاته بالضمانات المنصوص عليها في نظام القضاء ويلتزمون بالواجبات المنصوص عليها فيه.
والمحكمة الإدارية العليا تختص بالنظر في الاعتراضات على الإحكام التي تصدرها محاكم الاستئناف الإدارية.
أما محاكم الاستئناف الإدارية فتتولى النظر في الأحكام القابلة للاستئناف الصادرة عن المحاكم الإدارية وتحكم بعد سماع أقوال الخصوم وفق الإجراءات المقررة.
وقد تضمنت آلية العمل التنفيذية لنظامي القضاء وديوان المظالم القواعد والاجراءات التنظيمية والمالية والإدارية اللازمة لتنفيذ هذين النظامين.
وجاء في بيان للديوان الملكي ان هذا المرسوم يأتي انطلاقا من حرص العاهل السعودي على الارتقاء بمرفق القضاء وتطويره بشكل شامل ومتكامل وانه خصص سبعة مليارات ريال لتنفيذ هذا النظام.