الفلسطينيون يحيون ليلة القدر بدون المهدي المنتظر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
رغم الإجراءات الأمنية الاسرائيلية المشددة حول المدينة المقدسة
الفلسطينيون يحيون ليلة القدر من دون المهدي المنتظر
الفلسطينيون امام منبر صلاح الدين في المسجد الاقصى .عدسة إيلاف
الصور بعدسة : الزميل اسامة العيسة .. إيلاف
أسامة العيسة من القدس : أحيت مدينة القدس، ليلة القدر، في الحرم القدسي الشريف، في ليلة نادرة لم تنم فيها المدينة المقدسة، ووصفت بأنها مشهودة، أصر فيها عشرات الآلاف من الفلسطينيين، على تحدي الإجراءات الإسرائيلية، التي تمنعهم من دخول المدينة المقدسة.واحتشد الآلاف من الفلسطينيين منذ ساعات الصباح أمام الحواجز والمعابر العسكرية الإسرائيلية المحيطة بمدينة القدس، ولكن معظمهم لم يتمكن من الدخول، خصوصا من الذين تقل أعمارهم عن الخمسين عاما، مما جعلهم يسلكون طرقا التفافية، ويخوضون عمليات مطاردات صعبة مع دوريات الجيش الإسرائيلي المتأهبة، ليصل كثير منهم، بعد ساعات طويلة إلى الحرم القدسي الشريف، في بلدة القدس القديمة، التي حولتها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية إلى ما يشبه قاعدة عسكرية أو معسكرا ضخما لجيشها وشرطتها.وسيحتفظ كل واحد منهم، بقصة دخوله الى القدس، وجميعها تشير الى اصرار كبير، على الوصول الى المدينة المقدسة، في ظروف تكتنفها صعوبات لا يمكن وصفها.
وضربت قوات الأمن الإسرائيلية عدة أطواق أمنية على الأحياء المحيطة بالحرم القدسي الشريف، لمراقبة الآلاف من زوار مدينة القدس الذين كانوا يغذون السير إلى الحرم القدسي.
وحافظ الجنود الإسرائيليون على أماكنهم في مداخل الحرم، كما هو الحال في الأيام الاعتيادية، ولكن كثافة الداخلين والخارجين من الحرم افقد وجودهم أي معنى.
وغير الوجود المكثف لعشرات الآلاف في القدس، والذي بدا وكأنها حشود نزلت فجأة من كوكب آخر، واقع مدينة القدس، لفترة معينة، وحمل ذلك بشائر مشجعة لتجار مدينة القدس، والباعة الذين انتشروا على طول الطرق المؤدي إلى الحرم، والذين حولوا تلك الطرقات إلى بازارات شرقية متحركة، يمكن أن يجد فيها الزائر كل ما يخطر ولا يخطر على باله.
ولم يتمكن الباعة من تلبية طلبات الشارين، وهم خليط يتكون من نساء ورجال وأطفال وعائلات، قسم كبير منهم جاء من داخل الخط الأخضر، حيث تنشط الحركة الإسلامية في إسرائيل ومنذ سنوات، في حشد مؤيديها والمواطنين العرب في إسرائيل، لما تصفه "شد الرحال" إلى الأقصى.
ووصف البعض المشاهد الناتجة من وجود الحشود الكبيرة داخل البلدة القديمة في القدس وكأنه "يوم الحشر"، المرتبط بميثولوجيا إسلامية بأنه سيكون في سهل قريب من الحرم القدسي الشريف.
وبدا ما يحدث وكأنه أمر يتجاوز تأدية واجبات دينية في ليلة مقدسة، إلى تعبير جمعي من قبل الفلسطينيين، على التمسك بحقوقهم، وهو ما عبرت عنه فلسطينية مسيحية، تملك محلا أمام باب الأسباط، وهو أحد الأبواب المفضية إلى الحرم.
وقالت، وهي لا تستطيع تلبية جميع طلبات الزبائن المحتشدين من المياه المعدنية، والخبز، وأشياء أخرى "هذه الحشود أنعشت الأمل في قلوبنا، وتؤكد عروبة القدس".
وفي داخل الحرم، احتشدت أعداد كبيرة على طرقاته، وفي ساحاته الواسعة، من الذين لم يجدوا افضل من هذه الليلة لجمع التبرعات لمشاريعهم الخيرية، وحتى لأمور شخصية.
وحمل ناشطو الجمعيات الخيرية لافتات تعرف بأنشطتهم، وسماعات محمولة، لحث الناس على "التصدق" متبوعا ذلك بآيات قرآنية وأحاديث شريفة.
وتنوعت المسوغات التي يطلب من اجلها هؤلاء المال، من دعم صناديق للمحتاجين، الى جمعيات للمعاقين، وحتى طلبات فردية مثل دعم طالب فقير، او شخص معين مريض.
واختلطت أصوات الذين يطلبون الصدقات، بأصوات أخرى من المتسولات، برزت من بينهن غجريات، وقلة من المتسولين، ومعظمهم من كبار السن، وجميعهم، حصلوا على كميات من الأموال التي دفعها زوار الأقصى، بسخاء في ليلة تفتح بها أبواب السماوات، لتلقي الأدعية.
وفي ساحات الحرم الذي تبلغ مساحته نحو 150 دونما، انتشر عشرات المتطوعين، لتحضير موائد جماعية لتقديم الإفطار لزوار الحرم، قدمت نحو نصف مليون وجبة برعاية مؤسسة الأقصى لاعمار المقدسات الإسلامية، وبتمويل من الإمارات.
وبالإضافة إلى هذه الوجبات، التي شملت أيضا المياه المعدنية، فان جهات أخرى وأفرادا، قدمت أيضا وجبات أخرى، وخلال ساعات الليل، كان يمكن رؤية اشخاص يحملون في أيديهم وجبات من الطعام يبحثون عمن يقبلها.
فلسطينيون يروون قصة تسللهم من رام الله الى المسجد الاقصى في ليلة القدر وبعد الإفطار، أقيمت صلاة المغرب، في الحرم، وتم تخصيص قبة الصخرة المشرفة المرتبطة بمجد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، والساحات التي تحيط بها، للنساء، بينما أدى الرجال الصلاة في المسجد الأقصى وفي الساحات، وفضلت عائلات من رجال ونساء وأطفال الصلاة معا وبشكل مشترك تحت أشجار الزيتون وفي أماكن داخل الحرم، تحافظ على خصوصية معينة أرادها هؤلاء.
وأظهرت الأضواء التي عكست نفسها على قبة الصخرة، جمال هذه المأثرة العمرانية، التي تحولت الان الى رمز للقدس، وتعتبر من اشهر الأبنية المعمارية في العالم، وبدت كأنها تشع لونا ازرق، نتيجة انعكاس الإضاءة على القيشاني الأزرق الذي يزنر محيطها.
وبالنسبة إلى عشرات من فتية القدس، كانت ليلة القدر مناسبة للالتقاء مع أترابهم الفلسطينيين من المناطق الاخرى، ولم يكن كل نشاطهم دينيا، وفي حين كان الآلاف يؤدون الصلوات، كان بضع مئات يسمرون في ليل القدس، وتجمع آخرون من الأطفال للعب كرة القدم.
واستغلت بعض الجماعات الدينية ليلة القدر، في الحرم القدسي الشريف، المرتبط بحادثة الإسراء والمعراج، لبث أفكارها، خصوصا تلك التي لا تصنف نفسها ضمن المؤسسة الدينية الرسمية الممثلة في دائرة الأوقاف الإسلامية التي تشرف على الحرم، ويطلع شيوخها بالخطابة وقيادة الصلوات.
واقوى هذه الجماعات، هو حزب التحرير الإسلامي المنظم جيدا، وعمد نشطاء من الحزب إلى إقامة منصة أمام المسجد الأقصى، رفعوا عليها لافتة ضخمة تدعو إلى إقامة الخلافة الإسلامية، وتناوب العديد من الخطباء الشبان المفوهين من نشطاء الحزب على عرض برنامج الحزب الذي يعلي من قيمة إعادة الخلافة الإسلامية، ووجهوا انتقادات لاذعة للسلطة الفلسطينية، والرئيس الأميركي جورج بوش، وتوني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق، ومبعوث اللجنة الرباعية الان، ووصفه الخطباء بـ "الثعلب".
واعلن الحزب موقفه من مؤتمر الخريف، مشددا على انه سيكون مثل المؤتمرات السابقة "بدون أي معنى"، واكد ان الحل هو بإحياء الخلافة الإسلامية.
ونجح خطباء شبان، كان يختار الواحد منهم إحدى مساطب الحرم، في تجميع عدد من زوار الأقصى حوله، ليقول ما عنده بشأن قضايا دينية وفقهية.
وخلت ساحات الحرم هذا العام، في ليلة القدر، مما كانت تشهده سابقا، من ظهور شخص يعلن عن نفسه بأنه المهدي المنتظر، كما حدث في العام قبل السابق، حين وقف رجل ابيض البشرة، حتى رموشه بيضاء، يرتدي بزة وعمامة بيضاء، ليعلن انه المهدي المنتظر، وفي العام الماضي ظهر شخص آخر ارتدى زيا اخضر وطلب من الناس التجمع حوله باعتباره المهدي المنتظر، ولكن ردة الفعل من قبل بعض الشبان كانت حاسمة في الرد على مثل هذه الدعاوى.
وفي حالة ما يطلق عليه تندرا في الحرم القدسي "الرجل الأخضر" الذي أعلن نفسه المهدي المنتظر العام الماضي، فانه خرج على حمالة متطوعي الإسعاف الفلسطينيين وهو في حالة صحية حرجة، بعد أن عبر جمهوره المفترض عن ردة فعلهم إزاء إعلانه، بشكل عنيف.
وعاشت القدس، ليلة قدر، لم تنم فيها، رفع فيها المصلون أعينهم إلى السماء وهم يرددون بشكل جماعي بدا مزلزلا بإزالة الاحتلال، واعادة الكرامة لـ "الأمتين العربية والإسلامية".