محمد المحمود.. المضايقة من المقبرة إلى الجامعة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
منع مؤخرا من التدريس بسبب مقالاته الفكرية
محمد المحمود.. المضايقة من المقبرة إلى الجامعة
ممدوح المهيني من الرياض: مد الكاتب السعودي المعروف محمد المحمود يده لتقديم واجب العزاء ولكن الرجل الذي أمامه رفض أن يصافحه. على الرغم من أنهم يتواجدون في المقبرة إلا أن مشاعر الغضب والاستياء من مقالاته ومواقفه الفكرية أقوى بكثير من أن تغسلها أو تتسامح معها مشاعر الحزن والتعاطف مع موت شخص من العائلة .
هذا الموقف يكشف عن حجم النقمة الكبير التي يواجهها المحمود بسبب تعبيره عن أفكاره بقوة و حرية . مثل هذه المعاملة الإزدرائية القاسية يواجهها الكاتب المحمود منذ بدأ نشر مقالاته التي تنتقد الخطاب الديني في جريدة الرياض السعودية قبل أربع سنوات تقريبا وهي تنتقل معه في كل مكان ,من المقبرة إلى الجامعة.
ولكن مثل هذه المعاملة تحولت في الشهر الماضي من مجرد أشخاص غاضبين يرفضون مصافحته وآخرون يحرضون عليه في المجالس والمساجد والمواقع الالكترونية إلى عملية تضييق علنية عندما رفضت إدارة جامعة القصيم طلب ابتعاثه لإكمال دراساته العليا في جامعة ويلز ومنعه من التدريس وإحالته إلى وظيفة إدارية.
أنهى المحمود ابتعاثه الداخلي لدراسة رسالة الماجستير في جامعة الإمام بالرياض التي استمرت لمدة عام وكان ينتظر قبول طلبه الذي وافق عليه مجلس كلية اللغة العربية لإكمال الدراسة في جامعة ويلز إلا أن إدارة الجامعة قامت باتخاذ قرارين مفاجئين. رفضت طلبه للإبتعاث وأحالته بقرار مفاجئ إلى وظيفة إدارية تمنعه من التدريس في الجامعة.
يقول المحمود ( فوجئت بمثل هذا القرار. كان كل شيء يشير إلى الإيجاب. مجلس قسم الأدب العربي ومجلس كلية اللغة العربية أعلنا موافقتهما . ودراستي أكملتها في وقتها ولكن لم يرفض طلب البعثة فقط ولكن تم تحويلي إلى وظيفة ادراية. إذا قدمت على رسالة الماسجتير فقانون الجامعة يمنحك ثلاث سنوات وواحدة إضافية حتى تقدمها أويتم تحويلك إلى وظيفة إدارية. ولكن هناك في الجامعة أشخاص لازالوا يقومون بالتدريس على الرغم من مرور 15 عام على بدئهم برسالتهم للماسجتير ولم ينجزوها ولم تتم مسائلتهم ولم يتم تحويلهم إلى أعمال إدارية ولكن أنا فقط الذي يحصل معي ذلك ). يقول المحمود أنه لم يقم بالتحاور مع إدارة الجامعة لأنه يعرف أنهم لن يقولوا أخطئنا بحقك ونعتذر ولكن الذي قاموا به هو تأكيد على نواياهم السابقة. سحبوا الجدول الخاص به للتدريس في هذا الفصل الدراسي وجهزوا له وظيفته الادراية.
منذ بدأ المحمود يكتب مقالاته الملتهبة الناقدة للثقافة الدينية والتراث والتيارات الإسلامية المسيسة وهو يلقى هذا النوع من المضايقة الذي وصل في نهاية الأمر إلى محاولة كسره و إحباطه. وهو يقول أن مقالاته الصحفية ومقابلاته كانت السبب الرئيسي لصدور مثل هذا السلوك والقرارات. على الرغم من أنه يعمل في القسم الخاص بالأدب غير اللاهوتي إلا انه يواجه بجفاء من بعض زملاءه ( الذين يستخدمون الأدب وسيلة للتأثير لنشر أيديولوجيتهم) كما يقول. هؤلاء يرفضون السلام وحتى الاقتراب منه .فهم لن يقوموا بذلك مع شخص يقوم بإفساد الطلاب وتشويه أفكارهم . ويضيف المحمود ( هناك تيار متسامح داخل قسم الأدب وأدخل مع بعضهم في حوار ودي وهناك من يعملون فقط ولا يعرفون ما أكتب وهناك الذين يظلون بعيدين ويكرهون حتى الاقتراب).
ولكن هذا البعد لا يعني الجفاء فقط ولكن في الدور الأرضي حيث مقر إدارة الكلية تصل الكثير من الشكاوى الشفهية والمكتوبة التي تطالب بمنع المحمود من التدريس بحجة عدم التزامه بالمنهج وتشويهه لعقول الطلاب. مثل هذه الحرب لا تصدر فقط من الذين يعبرون عن ذلك بشكل علني من خلال جفائهم وابتعادهم عنه. حتى الأشخاص الذين يضحكون معه يقومون بتوصيات سرية لإدارة الجامعة تطالب بإيقافه. يقول ( هذا الأمر مثل لي صدمة كبيرة. تعرفهم لسنوات ويبدون كمحبين ولا يعلنون أي استياء أو اعتراض ويستعيرون مني الكتب ومع ذلك وبالخفية يبعثون بشكاوى وتوصيات لإيقافي عن التدريس).
هذه المشاكل التي يواجهها المحمود انتقلت أيضا لطلابه المميزين . مشهد واحد لطالب يتحدث مع المحمود ويستعير منه الكتب ويتبنى أفكاره هذا يعني أنه أوقع نفسه في ورطة . يقول المحمود ( أحد الطلاب المتفوقين وضع عليه علامات استفهامات كبيرة لأنه يستعير مني الكتب. هم لا يريدونه لأنهم لا يريدون محموداً آخر. الحمد لله أنه استطاع أن يحصل على قبول في جامعة الملك سعود وانتقل إلى الرياض).
مثل هذه الاعتراضات والمضايقات وصلت لحد باب بيت المحمود .فقد استقبل عدد كبير من الأشخاص والمجموعات داخل منزله الذين يريدون مناقشته في الأفكار التي يطرحها ولكن مثل النقاش يتحول بعد فترة بسيطة -كما يقول- إلى وعظ ونصح . في أحدى المرات دخل في جدل مع دكتور مختص في العقيدة لمدة خمس ساعات وفي النهاية أعترف له بأنه لم يقرأ أي مقال من مقالاته .
التعامل الاجتماعي مع المحمود الذي يسكن في مدينة القصيم السعودية التي يلتزم غالبية سكانها بعقيدة دينية صارمة يأخذ أشكال عدة ويعود هذا كما يقول لقاعدة تراثية تقول بهجر المبتدع. هناك من قام بهجرته بشكل نهائي بحجة أن هذا الهجر يمكن أن يجعله يتراجع عن أفكاره وهناك من يعتقدون أن للهجر آثار سلبية تجعله يتمسك أكثر برأيه فيقتربون أكثر إليه وذلك من اجل أيضا أن يتخلى عن أفكاره. ولكن في كلا الحالتين وعلى الرغم من العزلة الاجتماعية التي يشعر بها المحمود والتي عبر عنها في أحد مقالاته إلى أنه مازال متمسك بآرائه ولم يبد عليه أبدا أي محاولة تراجع أو اعتذار.
رغم كل هذا المضايقات فإن أهداف المحمود في نقد الماضي وكشف ضعف وتناقضات وحيل التيارات الإسلامية المؤدلجة و دعم الأفكار التنويرية والتمسك بإسلام يناسب العصر قد حققت بعض التقدم. داخل الفصول التي يدرس فيها المحمود فقط أستطاع أن ينفخ في جذوة التساؤلات لدى عدد من الطلاب ومقالاته الفكرية تحظى بمتابعة واسعة من القراء وهناك الآن الكثير من أنصاره الذين ينشرون أفكاره ويدافعون عنه.
يبدو أن مثل هذه الحادثة لن تؤثر على قرارات المحمود صاحب الشخصية الصلبة ولن توقفه عن الكتابة. وهو يبعث برسالة قصيرة مطمئنة جدا لقراءه الذين يتزايدون يوما بعد يوم . هذا نصها :( هذه الحادثة كشفت حجم المأساة الكبير التي نواجهها. وهذا ما يجعلني مصر أكثر على الكتابة ولن أتوقف عنها لأنها وسيلتي للتأثير والتغيير).