أخبار خاصة

اعترافات 3-9: محرر لا يُرضي الحكومات ولا المعارضين

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

إيلاف على كرسيّ الاعتراف 3-9
اعترافات محرر لا يُرضي الحكومات ولا المعارضين

إيلاف على كرسيّ الاعتراف

نبيل شرف الدين من القاهرة: منذ اللحظة الأولى لإطلاق (إيلاف) قبل سنوات، ثار جدلُ لم يحسم حتى الآن حول هويتها المهنية، فهل هي وكالة أنباء، أم أنها صحيفة، أم هي شبكة إخبارية، أم ماذا بالضبط ؟ ولعل هذا الوضع المهني الملتبس يرجع إلى أن نمطاً جديداً من الصحافة لايزال حتى الآن قيد التشكل وهو ـ بتقديري الشخصي ـ أجمل وأقسى ما في (إيلاف)، وربما لا أتجاوز الحقيقة كثيراً حين أزعم أن التأريخ للصحافة الإليكترونية باللغة العربية سوف يتوقف طويلاً أمام تجربة (إيلاف)، التي كانت رائدة في هذا المضمار، التي تقف مستندة إلى الشبكة وشجاعة ناشرها وجهود محرريها، من دون سند خلفها مثل صحيفة ورقية ذائعة الصيت، أو فضائية تطبق شهرتها الآفاق، وتفتح لها الخزائن دون حساب.

وعودة مجدداً إلى سؤال الهوية المهنية، فالمتابع للصحافة الإليكترونية يتوقع منها جديداً كل لحظة، وأن تستفيد من مزايا شبكة الإنترنت التي لا تخضع لقيود مساحة الورق وأعباء الطباعة والتوزيع، وبالتالي فإن المتلقي يتوقع من موقع خبري إليكتروني، أن يطلعه على آخر الأنباء وكافة التفاصيل في آنٍ واحد، ومن هنا يبدأ مأزق الصحافي الذي قيضت له الأقدار أن يعمل مبكراً في حقل النشرالإليكتروني.

ومن هنا بدأ الوعي بالأخطاء المهنية، التي تفرض درجة نضج المرء عليه ألا يستشعر خجلاً من الاعتراف بها على الملأ، لأن الصحافي في نهاية المطاف لن يكون شيئاً يذكر على صعيد المهنة دون تشجيع قرائه، وثقتهم بنواياه وقدراته المهنية وكفاءته، فضلاً عن مرونته الذهنية التي تسمح له بتصحيح مساره الفكري والمهني لو اكتشف أخطاءه، بدلاً من اللجوء إلى منطق التبرير والمكابرة.

اللهاث والعمق
شخصياً وجدت نفسي ممزقاً بين "مهمة" اللهاث وراء الأنباء الطازجة من جهة، وبين "ذائقة" التوسع في التفاصيل والتحليل والخلفيات من جهة أخرى، وبتعبير آخر بين الاستعداد الذي يتكون بمرور الوقت لدى صحافي الوكالة الذي يسابق الزمن لنشر كل خبر جديد، وبين صحافي المجلة (الماغازين) الذي يركز على التفاصيل وراء الأنباء وخلفياتها، وربما لهذا السبب ارتكبت عشرات الأخطاء، إذ استغرقتني التطورات والأحداث عن الخوض في التفاصيل، التي ربما يهتم بها القارئ أكثر من مجرد النبأ العاجل، وهي أيضاً ـ وأقصد مرحلة ما بعد الخبر ـ أكثر ما يميز أي وسيلة إعلامية، فالخبر بعد وقت يطول أو يقصر، يصبح مشاعاً للجميع، لكن تبقى التفاصيل والتحليل بوابة الفهم العميق للحدث، لهذا لا أجد غضاضة في الاعتراف بخطأ الاستغراق في اللهاث وراء الحدث اليومي، على حساب القصة المعمقة الموسعة، رغم أنني بين الحين والآخر انتبه لهذا الخطأ، فأعمد إلى كتابة القصة الخبرية، التي تلعب دور البطولة فيها التفاصيل واللغة الأنيقة والتواصل الحميم.
هذا الأمر أوقعني أيضاً في نوع آخر من الأخطاء، وهو عدم التدقيق بالقدر الكافي في الملابسات والتفاصيل، فتحت سياط السباق الخبري حدث أن بادرت إلى النشر قبل الحديث مع عدد كاف من المصادر ذات الصلة بالأمر، وتوثيق المزيد من الأحداث، وإجراء البحث الأكثر تعمقاً حول خلفيات القصة الخبرية وغيرها من مقتضيات التدقيق والتعمق التي لا تتيحها طاحونة إنتاج الأخبار اليومية على نحو لا يعرف المساحة، ولا يتقيد بدورة الطباعة اليومية، كما هو حال زملائنا في الصحافة الورقية، الذين يستمتعون برفاهية التركيز في قصة واحدة يومياً، وعلى الأكثر اثنتين في أحوال استثنائية.

ثقافة الشخصنة
هذا اللهاث البغيض إلى قلبي ـ إذ لا أزعم أنني أحبه كما قد يتشدق البعض ـ حرمني وحرم القراء أيضاً من إجراء عدد كاف من الحوارات والمقابلات، فإجراء مقابلة واحدة أمر قد يستغرق يوماً كاملاً في مدينة مثل القاهرة، لا تحتمل ظروف الحركة فيها أكثر من مشوار وحيد يومياً، فمعنى ترتيب لقاء مع مصدر ما، يترتب عليه ضياع يوم كامل بين التوجه للمقابلة ثم إجراؤها وبعد ذلك تفريغها في نص مكتوب، وبعد ذلك تنسيقها واستخراج العناوين المعبرة والمثيرة في آن، وبعد كل هذا لن يتبقى وقت ولا جهد لمتابعة الأحداث في بلد مثل مصر، مازال رغم كل شئ من أهم مراكز صناعة الأحداث في المنطقة، إذ يكاد لا يمضي يوم واحد من دون أحداث تستحق التغطية والمتابعة.

ولما كنا بصدد "جلسة عتراف" مع القارئ الذي هو سيدنا وتاج رؤوسنا، فلا مناص من الاعتراف بخطيئة ـ أقاومها كثيراً وبكل إصرار ـ وهي تحييد الآراء الشخصية؛ فيحدث بين الحين والآخر ان "يتلون" التقرير بذائقة محرره حتى لو كانت لصالح قضايا يعتقد المرء صادقاً بعدالتها، لكن يحدث هذا لأننا في نهاية المطاف أبناء "ثقافة الشخصنة" التي لا تعول كثيراً على مسألة الموضوعية ومن الصعب لمن نشأ في بيئة ثقافية تجري فيها "شخصنة" كافة القضايا، بدءاً من أحوال الأسرة، مروراً بمشكلات العمل في أي مجال، ووصولاً إلى الشؤون العامة والسياسات العليا للدول، فالخبرة الشخصية للرئيس والوزير أو حتى وكيل الوزارة تفرض نفسها على أدائه، بل ويصل الأمر أحياناً إلى حد ترتبط فيه بعض القرارات الهامة بالمزاج الشخصي، وبالتالي فإن الموضوعية تبدو كالاستقلالية التامة عن أجندات الدول والأنظمة حلماً مازال بعيد المنال، ومع ذلك أعتقد أن المخرج الوحيد للصحافي المخلص لمهنته، أن يكون قابضاً على استقلاليته، قدر الإمكان، حتى لا يتحول إلى بوق دعائي، أو سوط بيد أحد كائناً من كان، فالانحياز ينبغي أن يظل للحقيقة والمهنة بعيداً عن مؤثرات الترغيب والترهيب.

عوامون على البر
وعلى الرغم من بساطة الحديث في أمر كهذا، غير أن المثل الشعبي المصري القائل "إللي على البر عوام"، يعبر بشكل صادق عن هؤلاء القابعين خارج حلبة المعركة، ومع ذلك ينظّرون وينتقدون، ويرسمون صوراً خيالية، لأنهم ببساطة لم يكتتوا بنيران الخصومة والصداقة والمنافسة والتحديات التي يجد فيها المرء نفسه أمام لحظة "هاملتية"، بمعنى أن يكون المرء أو لا يكون، مع أهمية الإشارة هنا إلى أن هذه اللحظة كانت السمة الأساسية في تجربة (إيلاف)، كأول صحيفة إليكترونية تصدر باللغة العربية وتستمر رغم تواضع إمكانياتها قياساً بصحف عتيدة تغفو تصحو على نهر من أموال الإعلانات ودعم الحكومات، وعلى الرغم أيضاً من تربص الأصدقاء والأعداء والأعدقاء، ومكائد الأنظمة والمعارضة من شتى ألوان الطيف، وكثيراً ما وجدتني بعد تغطية حدث ما مصنفاً في لائحة "المغضوب عليهم والضالين"، سواء من قبل النظام أو المعارضة على حد سواء، لدرجة كانت تربكني في البداية، إذ لم أضع نصب عيني سوى أن أكتب ما أراه وأسمعه وأستشعر صدقيته، غير أنه مع الوقت تعلمت أن يكون جلدي خشناً، فلا أرتبك من رد فعل الغاضبين، مادمت لم أتجاوز ما أعتقده الحقيقة.

أخيراً يبقى من حقي أن أحلم بالتفرغ ذات يوم لرصد أحوال ومتاعب المهمشين في الأرياف والقرى والبوادي المنسية، البعيدة عن صخب العواصم وحواضر الدنيا التي تستأثر وحدها باهتمام الساسة والإعلاميين والصحافيين ورجال المال والأعمال، أحلم بالسفر والعيش أياماً في القرى النائية بصعيد مصر، وواحات الصحراء الغربية، وبراري الدلتا والسواحل، وأعود بصيد ثمين مفعم بالإنسانية، ومسكون بروح نابضة بأحلام البسطاء وهمومهم، فإذا كانت الصحافة ببساطة هي "فن نقل الحياة إلى الناس"، فإنه سيكون من المحتم أن نكون أقرب إلى حياة هؤلاء الناس حتى نصل إليهم، ونعبر عنهم بصدق، ولا نراهم بعين السائح أو المسؤول الحكومي في شرقنا الأتعس.

وأخيراً أستميح سيداتي وسادتي القراء أن يغفروا لي زلاتي وأخطائي، مع وعد بأن أتعلم منها، وأتضرع إلى الله تعالى أن أجد يوماً فرصة مواتية لتحقيق حلم العمر بالتفرغ لعوالم المهمشين والمنسيين.. إنه على كل شئ قدير.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
رجاء واستغاثة
ابو خليل -

بعد كل ما تقدم هل يضيركم أن تنوّعوا بكتّابكم حتى لا تخسروا قراءكم؟ لأننا لا نستطيع أن نفهم وجود شخص مثل أحمد ابو مطر فلسطيني وبنفس الوقت متعهد هجوم على ايران وحماس وحزب الله وكل من هو معادي لإسرائيل وأميركا، هل الأمر صدفة؟؟ في هذا العالم الحالي الصدفة صعبة !!

ابو خليل
نزار -

معك حق كذلك الكاتبان اسامة مهدي والاخر العتابي فهم ينشرون بنفس الاسلوب اسلوب اظهار المساويء ويتنكرون لكل ماهو ايجابي في بلد لا ينفع معه في هذا الظرف العصيب الا الوقوف معه ودعمه وليس وضع العراقيل في طريقه

If you
kamal -

If Mr Nabil means what he says,then can he write an article about the Illegitimacy and Illegality of the Egyptian Dictatorship Regime and all it''s Corrupt Ruling Gang Members ? can you ?

Thanks to Elaph
Joe -

I would like to thank Elaph for the wonderful job that they are doing on this newspaper, I also would like to say that I''m happy to see that the some of the readers agree and some disagree and this is a pure democracy that forms a successful society.

مرآة النفس
ابو الحب -

أهم ما في (اعتراف) الأخ الكريم الاستاذ نبيل شرف الدين انه وضع نفسه امام مرآة النفس و جلدها بعباراته ، كاشفاً الأخطاء المتوارثة من خلفية ندركها جيداً و هي خلفيتنا العربية بعامة، و ليس خلفيته فقط، اما موضوع الشخصنة فهو داء عضال في مجتمعنا العربي و نحاول معه و بأفكاره و افكار اخواننا في ايلاف الخلاص منه. و ثمة ملاحظة في هذا السياق و هي ان القاريء قلما يعلم الجهد المضني المبذول و الوقت اللازم لصياغة مقال او اجراء مقابلة ثم تفريغها و اعادةتحريرها و من ثم التبويب و الاخراج و دفعها للنشر ، فيقرأ ايلاف دون معرفة بحيثيات العمل و متطلباته و تعب الليل و النهار و الشفق و الغسق و القمر اذا اتسق في صحيفة الكترونية تتجدد أخبارها و بعض مقالاتها على مدار الساعة. لأنها في سباق مع الوقت دائماً . هذه المقالات (نقد الذات) هي ارفع مرتبة في الضمير المهني، و اروع ما في نفس الانسان من صدق مع الناس. استاذ نبيل ، تحية من قاريء يتابعكم يومياً .. و لكم يا كل ايلاف الشكر.

YOU ARE SO GREAT!
MONIR DAWOUD, MD -

HI BROTHER NABIL:YOU ALWAYS PROVE YOURSELF AS A NOBLE MAN WHO SPEAKS THE TRUTH TO POWER! YOU WRITE YOUR HEART AND MINE WHILE MANY WRITERS TRY TO BE POLITICALLY CORRECT. WITH MEN LIKE YOU, THE ARAB WORLD MAY GO BACK TO THEIR ORIGINAL NATIONALITIES AND FORGET ABOUT ARABISM AND ISLAMISM THAT ARE GOING TO DESTROY THESE24 FARMS AS YOU CALLED THEM. GREAT IDEAS DOES NOT COME BY LUCK OR CHANCE BUT THROUGH THE MINDS OF GREAT THINKERS LIKE YOU! I DO FULLY SUPPORT YOUR WAYS OF THINKING AND AGREE WITH THE CONTENTS OF THIS MARVELOUS ARTICLE. FOR EVERLASTING PROGRESS MY DEAR BROTHER.HOPEFULLY WE CAN ME3ET SOON. Respectfully yours; Monir A. Dawoud, MD

لكنك أعطيتنا الكثير
حجاج حسن ادّول -

الصحفي الصريح. نبيل شرف الدين. رغم كل هذه الاعترافات، فانت قد أفدتنا كثيرا بمقالاتك الجريئة والعميقة في نفس الوقت. فلا تقلق أيها النبيل.لك ولإيلاف الشكر.