أخبار خاصة

بين صيغ التعايش وتدخل الخارج

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

عامان على اغتيال رفيق الحريري:
لبنان بين صيغ التعايش وتدخل الخارج

عصام سحمراني من بيروت: ينتظر اللبنانيون ذكرى اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيقالحريري بعد أيام معدودة بقلق كبير. وفي هذا الإطار لا يمكن لهم أن يتوقعوا ما سيحصل ولو أنّ سيناريوهات مشؤومة بدأت تتسرب في أحاديثهم اليومية. في هذا الإطار سنستعرض خلفيات الأزمة الراهنة وما وصلت إليه البلاد من انقسام سياسي وتحالفات طائفية لم تكن يوماً موجودة في تاريخ لبنان بشكلها الحالي القائم على قاعدة الندّ للندّ. ولو أنّ استعراضنا للخلفيات لن يمتد إلى تأسيس لبنان الكبير عام 1920، والجمهورية عام 1926، والمعاهدة عام 1936، والإستقلال عام 1943 والثورة عام 1958 وما تلاها من حكم شهابي، واتفاق القاهرة ومن بعده الحرب الأهلية وصولاً إلى اتفاق الطائف. فالأزمة بلا شك تمتد إلى ما قبل ذلك التاريخ وتتنقل بين كل مراحله في وطن طوائفي أثبتت معظم صيغ التعايش فيه عدم جدواها بنسب متفاوتة تتداخل فيها العوامل الداخلية بالتدخلات الخارجية الرعوية أو النفعية.

ولعل ابرز المحطات كانت الشهر الفائت وما تخلله من اشتباكات جعلت البلاد على حافة الانفجار، وعلى الرغم من أنّ أحداث الخميس(25-1-2007( قد طغت بشكل كبير على أحداث الثلاثاء (إضراب المعارضة العام وما رافقه من اشتباكات مع الموالاة) في الثالث والعشرين من كانون الثاني بما رافقها من استعادة بالرصاص الحيّ، ومواجهات الأزقة، والقناصين، والضحايا لأحد أشكال الحرب الأهلية اللبنانية. على الرغم من ذلك فلا بدّ من دراسة العامل الأساس - ولو ظاهرياً- لأحداث الخميس وهي أحداث الثلاثاء التي شكلت تحركاً "منظماً" لقوى المعارضة نجح إلى حدّ بعيد في تحقيق أهدافه من شلّ للحياة، وإيصال للصوت المعارض ، والأهمّ من كلّ ذلك إبراز مشكلة الحكم والمشاركة والمعارضة في لبنان بشكل لم يعد من الممكن التغاضي عنه حتى بثمانية مليارات دولار تدخل دعماً لـ"حكومة الشرعية" كما قرر المجتمع الدولي في باريس 3.

ربما تأتي أحداث الخميس الدامية أيضاً كردّ فعل لأحداث الثلاثاء، واستجابة فورية لساحة المعركة من المناطق ذات الوجه المسيحي إلى المناطق المسلمة، ولعلنا لا نغالي إذا توقعنا المزيد من هذه الأحداث لتشكل أياماً دامية على مدار الأسبوع وفي أكثر من منطقة، وقد شهدناها لغاية الآن مرتين وبشكلين مختلفين؛ حزبية انتقامية مستعيدة لعامي 1989 و1990 يوم الثلاثاء بين القوات اللبنانية والعونيين، وطائفية أو شبه طائفية سنية شيعية يوم الخميس ولو انها تحولت إلى حزبية بعد الدعوات التي أطلقها كل من نصر الله وبري والحريري للـ "مناصرين" بالإنسحاب من الشارع.

لا يكفي الرأي أو التنظير بطبيعة الحال دون دراسة كافية في ميادين البحث كافة من حقل مادي إلى وثائق وافية من كتب وأبحاث، ومقالات وتغطيات وآراء صحافية، ومواد إعلامية أخرى من أشرطة وثائقية إلى نشرات أخبار إلى برامج حوار سياسي واجتماعي ونفسي أيضاً. وإنّنا إذ نكتفي في هذه المرحلة بما لدينا من معطيات نؤكد - بما لا يترك مجالاً للشك- أنّها محاولة خجولة جداً للوصول إلى حدّ أدنى من فهم المسألة اللبنانية بشكلها الراهن من خلال خلفياتها وصولاً إلى أبعادها المستقبلية.

المعضلة الأساسية

التمديد للحود


ولاستعراض المعضلة الأساسية الراهنة والتي تتمثل في مطالبة المعارضة بالمشاركة في الحكم عبر "حكومة وحدة وطنية" تضمن لها الوقوف في وجه "القرارات المفروضة من الخارج" برأي المعارضة، و"المشاريع الوطنية، والمحكمة الدولية" برأي الحكومة. أي بين أن يكون للمعارضة ثلث ضامن برأيها وأن يكون لها ثلث معطل برأي الحكومة. لاستعراضها لا بدّ من الرجوع إلى خلفياتها الحديثة على الأقلّ والتي بدأت مع التمديد لرئيس الجمهورية إميل لحود أواخر عام 2004 واستقالة الحكومة الحريرية الخامسة على خلفية هذا التمديد.

والتي شكلت منذ ذلك اليوم "شرخاً" في العلاقة مع سوريا التي توجت وصول الحريري نفسه إلى سدة رئاسة الحكومة عام 1992 كنتيجة طبيعية - في الصيغة اللبنانية- لاتفاق الطائف وما تبعه من سقوط لحكومة بعبدا العسكرية على يد سوريا وبتفويض دولي، وسقوط وانحدار لحكومات الحص والكرامي والصلح على التوالي. وصولاً إلى صيغة الترويكا التي شكّلها الثلاثي الهراوي وبري والحريري التي استمرت حتى انتخاب "العسكري" إميل لحود رئيساً للجمهورية اللبنانية أواخر العام 1998.

إغتيال الحريري

وعلى الرغم من أنّ وليد جنبلاط كان الوحيد - أو الجهة الوحيدة- في الداخل التي انقلبت على صعيد المواقف على سوريا بعد هذا التمديد فإنّ الموقف سرعان ما تحول إلى انفجار كامل بعد اغتيال الحريري في 14 شباط 2005 والإتهامات التي وجهت للسوريين، والضغط الدولي الذي رافق تلك الإتهامات والذي أخرج السوريين من لبنان في أيار 2004 لأول مرة منذ دخولهم العسكري الأول عام 1976 بطلب من "الجبهة اللبنانية" التي كان أساسها رئيس الجمهورية سليمان فرنجية ورئيس حزب الكتائب بيار الجميّل ورئيس حزب الوطنيين الأحرار رئيس الجمهورية السابق كميل شمعون في ذلك الحين لوقف مدّ "الحركة الوطنية" وأساسها كمال جنبلاط، والفلسطينيون بقيادة ياسر عرفات.

ذلك الإنفجار بدأ في الشارع حيث شهد أكبر تعبئة في تاريخ لبنان لطرفين انقسما بين موالاة لحكومة كرامي وما تمثله من خط سياسي مرتبط بسوريا ومعارضة للحكومة قوامها مناصرو الحريري الذين حملوا سوريا و"أداتها" في لبنان الحكومة والأجهزة الامنية مسؤولية الإغتيال، ومعهم الأحزاب المسيحية في الداخل التي كانت تشعر بـ"غبن سياسي" وتغييب عن السلطة بعد الطائف، ويضاف اليهم وليد جنبلاط الذي اتخذ منذ التمديد للحود موقفاً معادياً لسوريا تضاعف مع محاولة اغتيال مروان حمادة واغتيال الحريري، والأهم يومها كان من رفع لواء خروج السوريين ونزع سلاح حزب الله عبر قرار دولي صادر عن مجلس الأمن هو القرار 1559 وهو العماد المنفي ميشال عون.

إنقسم الشارع يومها بين تظاهرتين كبيرتين استخدمتا ساحتي وسط بيروت لدلالاته الرمزية المرتبطة بالذاكرة الوطنية اللبنانية. فكانت التظاهرات نواة لاتجاهين في البلاد حملا تاريخ التظاهرتين 8 آذار و14 آذار. يومها استطاعت قوى الرابع عشر من آذار إجبار حكومة عمر كرامي على الإستقالة داخل مجلس النواب واعتبر الأمر بمثابة انتصار لـ"ثورة الأرز".

عودة الجنرال

ماذا حصل بعد ذلك؟ على الرغم من أن قوى الرابع عشر من آذار استطاعت تحقيق ما تصبو إليه من إسقاط للحكومة التي اغتيل الحريري في عهدها وعلى الرغم من آلاف التحليلات والآراء التي تصدرت الشاشات وملأت صفحات الجرائد التي تكيل الإتهامات في كل الإتجاهات السورية والحليفة لها لبنانياً، وعلى الرغم من أنّها احتضنت بدعم دولي كامل واجه السوريين عبر القرار1559 الذي أخرجهم نهائياً من لبنان في أيار 2005 ما اعتبر "انتصاراً لإرادة اللبنانيين وتتويجاً لثورة الأرز".

على الرغم من ذلك فقد توقفت مسيرة ثورة الأرز عند حدود السوريين لا غير فلم تستطع بعدها إكمال المسيرة والقضاء بما كانت تصبو إليه على القوى الأخرى داخل الوطن والتي شكّل عمادها نبيه بري على الصعيد الرسمي كرئيس لمجلس النواب وحزب الله على الصعيد الشعبي كحركة مقاومة ضد الإحتلال الإسرائيلي وكقوة أساسية فاعلة ومحركة لشريحة كبيرة من اللبنانيين تجاه القرارات الدولية "الجائرة".

أما الضربة الأخرى الكبيرة التي تلقتها قوى الرابع عشر من آذار فقد كانت مع الجنرال العائد من المنفى ميشال عون الذي أبدى تمايزاً كبيراً منذ وصوله إلى لبنان في أيار 2005 عن مواقف تلك القوى شكلت فصاماً نهائياً مع بداية الإنتخابات التي لم يتحالف فيها عون مع أيّ من طرفي النزاع والإنقسام السياسي في لبنان سوى في الشمال حيث تحالف مع سليمان فرنجية في مواجهة اللوائح المدعومة من الحريري والقوات اللبنانية التي ارتفعت أرصدتها مع خروج السوريين من لبنان.

التفاهم الرباعي

وللمفارقة اللبنانية الغريبة والطريفة فقد تم التحالف في المقابل بين من يشكلون رأس حربة 14 آذار و8 آذار أي بين سعد الحريري الذي ورث عباءة والده الشهيد ومعه زعامة فضفاضة على جموع هائلة من الجماهير التي نصبته بديلاً لوالده، ووليد جنبلاط وحسن نصر الله ونبيه بري. فكان أن تمّ لهذا التفاهم ما أراد من دحر للائحة عون في دائرة بعبدا- عالية لصالح القوات اللبنانية. وقد أمن هذا التفاهم أكثرية لقوى الرابع عشر من آذار سيندم عليه حزب الله وحركة أمل فيما بعد. ولا يمكن لمناصري حزب الله أن ينسوا مشهد إعلان اللائحة حين رفع مرشحهم علي عمار يديه مع بقية أعضاء اللائحة بعد إعلانها دليل التماسك والوحدة، ومن بينهم مرشح للقوات اللبنانية ببراغماتية واضحة تجاه المسألة الإنتخابية ذلك النهار.

عون- نصر الله

مع استمرار الإختراقات الأمنية من تفجيرات واغتيالات ومحاولات اغتيالتحركت الحكومة التي رأسها فؤاد السنيورة كواجهة لقوى الرابع عشر من آذار والتي شكلت من صميم ذلك التفاهم الرباعي عبر تضمنها لخمسة وزراء من الطائفة الشيعية يتبعان لحركة أمل وحزب الله. مع استمرار ذلك وما رافقه من تحقيقات قام بها المحقق الدولي ديتليف ميليس أقدمت الأجهزة الأمنية على إلقاء القبض على القادة الأمنيين الأربعة وزجهم في السجن.

تلك الخطوة وخطوات أخرى تفرد بها ميليس وبتفويض ومباركة كاملة من قوى الرابع عشر من آذار أدت إلى حصول شرخ ما في التفاهم الذي قامت على أساسه الحكومة. وأدى في المرحلة الأولى إلى اعتكاف الوزراء الشيعة الخمسة عن العمل في وزاراتهم.

وعلى الرغم من عودة الوزراء الشيعة فيما بعد فقد أشّر هذا الأمر إلى شرخ لا رجعة فيه في العلاقة مع قوى الرابع عشر من آذار توج بلقاء بين السيد حسن نصر الله والجنرال ميشال عون في شباط 2006 في كنيسة مار مخايل خرج به الطرفان بورقة تفاهمية أسست بشكل كبير إلى الخطوات اللاحقة لها. وكان لاختيار المكان مرة أخرى رمزيته الكبيرة كأحد خطوط التماس بين شرق العاصمة وغربها، وكميدان لشعلة الحرب الأولى في 13 نيسان 1975.

جلسات الحوار

أمام هذا الواقع الجديد الذي ترافق مع ضغوط جديدة على سوريا واتهامات لا حصر لها لتواطؤ المحقق الدولي ميليس مع قوى الرابع عشر من آذار واستبداله بمحقق دولي جديد، وامام اختلاف كبير بين اللبنانيين على السياسة الدفاعية والمخيمات والأوراق الإقتصادية، وبالترافق مع عجز مجلس النواب عن الوصول الى الحلول المنشودة بعد اتهامات للأكثرية بأنها "أكثرية وهمية" ووقوف المعارضة حجر عثرة في طريق الحكومة، كان لا بد من إطار عام يعود باللبنانيين - أو بقادة طوائفهم- إلى الحوار بين بعضهم البعض.

فكان أن ابتكر رئيس مجلس النواب نبيه بري فكرة طاولة الحوار التي أجريت أكثر من جلسة منها شملت الأركان الأساسية في الإتجاهين الأساسيين مع خروج قائد القوات اللبنانية سمير جعجع من السجن واعتماد حزبه كفاعل أساسي في المعادلات اللبنانية مجدداً. بالإضافة إلى الجنرال عون الذي لم يكن ضمن أي من اتجاهي 14 أو 8 آذار رغم ورقة التفاهم مع حزب الله.

شربل خليل

في الثاني من حزيران عام 2006 بثت محطة الـ lbc برنامجها الأسبوعي "بس مات وطن" للمخرج شربل خليل، وكانت المفاجأة في ظهور شخصية كاريكاتورية لأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في البرنامج. قامت ردود فعل شعبية تلك الليلة في الضاحية الجنوبية لبيروت اتخذت سبل حرق الدواليب وقطع طريق المطار وبعض الطرقات الأخرى داخل الضاحية، في صورة أولية دلت على مقدرة هائلة لدى أنصار حزب الله وحلفائه في النزول إلى الشارع في الوقت الذي يحددونه.

نفى حزب الله أن يكون قد حرك الشارع ذلك اليوم واعتبر الأمر بمثابة "تعبير شعبي تجاه مقام مقدس لديهم". أجريت عدة اتصالات لإخراج المواطنين من الشارع بينها واحد لوزير الإعلام غازي العريضي الذي دعا إلى مؤتمر صحافي بعد ذلك بيوم واحد يوضح الملابسات ويعطي صاحب الحق حقه. وكانت المفاجأة لمناصري حزب الله في المؤتمر الصحافي بالذات الذي أشاد خلاله العريضي بـ"عبقرية وإبداع" شربل خليل دون توجيه أي لوم له.

إجتمع أصحاب محطات "الساتلايت" في الضاحية وقرروا قطع إرسال الـ "أل بي سي" إليها. ودعا نصر الله لمؤتمر صحافي طالب فيه بـ "ميثاق شرف إعلامي" لوقف تبادل الشتائم والإتهامات عبر الإعلام. لم تتأثر سوى المحطة التلفزيونية يومها بكلّ ما حصل حيث قامت بوقف البرنامج - ولو لأسباب أخرى ادعتها- ومنع وصول بثها إلى الضاحية الجنوبية حيث السوق الإعلانية الكبرى في لبنان لمختلف محطات التلفزيون والإذاعة.

حرب تموز

جلسات الحوار الوطني دلت على اختلاف كبير في التوجهات من كافة الأمور وان كان السياسيون يومها يخرجون علينا بطلاّت مؤثرة تعلن تقارباً في وجهات النظر. وقد أجلت هذه الجلسات بسبب هذا الإختلاف لأكثر من مرة ونالت عطلة مونديالية بين حزيران وتموز 2006 فرضتها حرب كرة القدم المعلنة في برلين وميونيخ ودورتموند وكولن بين ألمانيا والبرازيل وإيطاليا وفرنسا والأرجنتين وإسبانيا والبرتغال وإنكلترا.

وصلنا يومها إلى 12 تموز ولم يكن قد تمّ الإتفاق على شيء. في 12 تموز بدأت الحرب الإسرائيلية الشاملة على لبنان واختلفت المواقف تماماً. فبين خيار التصدي لاسرائيل وبين خيار الإتهامات بالتفرد بخيار السلم والحرب والمطالبة بمحاسبة حزب الله على "إشعاله للحرب" تباينت الإتجاهات وترافقت مع دمار شبه كامل لمناطق واسعة من جنوب لبنان وبقاعه والضاحية الجنوبية لبيروت. لتنتهي الحرب بانتصار للبنان بالترافق مع دمار حلّ في أرجائه وأكثر من ألف شهيد مات من ابنائه ومئات الآلاف نزحوا من سكانه عن قراهم ومناطقهم.

واختلف يومها أيضاً وأيضاً في من هو الذي أوقف الحرب؟ أهي بنادق وصواريخ حزب الله في معارك بنت جبيل والخيام وعيتا ومارون الراس وعيترون التي كسرت هيبة الآلة العسكرية الإسرائيلية؟ أم دماء المدنيين الذين سقطوا ومعهم آلاف الجرحى؟ أم دموع فؤاد السنيورة تلك التي ذرفها أمام شاشات التلفزة في اجتماع الوزراء العرب الذين جاءوا إلى لبنان بحماية إسرائيلية جوية؟ أم كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية حين اجتمعت على عشاء "عائلي" مع أقطاب قوى الرابع عشر من آذار في ضيافة السفارة الأميركية في عوكر؟

ما بعد حرب تموز

إنتهت الحرب.. هذا هو الأهم وبدأت بعدها عودة الأمور إلى ما كانت عليه - ليس بالنسبة نفسها - ودخلت إلى لبنان مجدداً قوات غربية على هيئة يونيفل لتقف حامية للحدود الإسرائيلية فقط لا غير وقد اتضح ذلك جلياً في الحصار الجوي الذي استمرت إسرائيل في فرضه على لبنان حتى بعد انتهاء الحرب بأسابيع ولم ينته سوى بعد مسرحية قطرية أدت إلى اختراقه بطائرة مساعدات. وتجلى أكثر في اعتراف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأن مهمة الألمان والقوات الدولية الأخرى هي "الدفاع عن إسرائيل" في لبنان.

الحرب وما تلاها شكلت أرضاً خصبة للإتهامات من كافة الجهات ولو أنّ الإتهامات بالسرقة والإستغلال طالت الجهات الحكومية على وجه التحديد ومنها الهيئة العليا للإغاثة. هذا الأمر أدى إلى تدخل حزب الله بما يملك من رصيد مالي كبير على هذا الصعيد ومن ورائه الجمهورية الإسلامية في إيران إلى التعويض على اللبنانيين وغيرهم الذين تضرّرت منازلهم ومصالحهم خلال الحرب. فشكل هذا الأمر مصدراً للهجوم على الحزب من قبل قوى الرابع عشر من آذار - التي باتت تعرف في هذه المرحلة بقوى الرابع عشر من شباط بحسب تسمية الفريق الآخر- باتهامات تنال من سمعة الحزب الذي يريد تحويل نفسه إلى "دولة داخل الدولة بسلاحه وماله" برأي قوى 14 آذار يومها.

حوار ومشاورات مجدداً

عندها أنبأ نبيه بري مجدداً اللبنانيين بـ "عيديّة" لعيد الفطر واعلن مجدداً عن جلسات استشارية محددة الأهداف وهي إصدار قانون للإنتخابات والمشاركة في الحكم. فشل عقد جلسة الإستشارات وفشلت معها كل الطروحات. إنبرت بعدها قوى الثامن من آذار ومعها الجنرال ميشال عون والتي أصبحت تسمى "المعارضة الوطنية اللبنانية" إلى اتخاذ الخطوة الأولى التحذيرية والتي تمثلت مجدداً بانسحاب الوزراء الشيعة من الحكومة.

تحركات المعارضة واغتيال بيار الجميّل

وعلى الرغم من أنّ هذا الإنسحاب كان بلا رجعة هذه المرة فإن المعارضة لم تكتف بهذا القدر بل عمدت إلى التحذير من خطوات أخرى أشدّ تأثيراً.. وعشية تحضير إحدى هذه الخطوات اغتيل وزير الصناعة بيار الجميّل في منطقة مسيحية تسيطر عليها القوى الأمنية اللبنانية بالكامل.

مساء ذلك اليوم بالتحديد قامت ردّات فعل عديدة في المناطق المسيحية نالت من ميشال عون تحديداً وتحالفه مع حسن نصر الله. فكان أن حمل أنصار القوات اللبنانية "قميص عثمان" وأقدموا على الإعتداء على مراكز التيار الوطني الحرّ وإحراق صور الجنرال ميشال عون في مناطق الأشرفية وعين الرمانة وفرن الشباك والزلقا والدورة. بل انّ بعض الشاشات حملت إلينا صورة حية لـ "تلفزيون الواقع" اللبناني عبر الشتائم الإعتيادية لأقطاب قوى المعارضة.

واتضحت الإتهامات أكثر وأكثر من قبل الطرفين، لكن كل ذلك لم يثن المعارضة عن تحركها الذي بدأ بمهرجان حاشد ليعلن عن اعتصام مفتوح في وسط بيروت ما زال ممتداً حتى يومنا هذا. ولم تفلح أي جهود ووساطات عربية أو دولية في إنهاء الإعتصام أو زحزحة المعارضة والحكومة على حد سواء عن مواقفهما.

باريس 3، ثلاثاء أسود وخميس دامٍ

تزامن التحضير لمؤتمر باريس 3 مع إقدام المعارضة على الدعوة إلى الإضراب المفتوح يوم الثلاثاء في الثالث والعشرين من كانون الثاني 2007. وكانت الحكومة قد عبأت أنصارها عبر اتهام تحرك المعارضة بأنه ضد باريس 3 "مؤتمر النعم والهبات والقروض الدولية التي ستحلّ على اقتصاد لبنان".
فكانت المواجهة في الشوارع التي تفلتت حين سمحت الفرصة لها بالتفلت لتسفر عن جرحى وقتلى في الطرفين لعب بعض الإعلام دوره فيها على صعيد إبراز الوجه الطائفي لها.

وكان موعد باريس 3 يوم الخميس مع انتقال المواجهة إلى الأرض الشبابية المألوفة وهي الجامعات. وقد أبرز هذا الأمر تداخلاً غريباً بين الجامعيين وغير الجامعيين في لبنان حتى وكأنهم لا يختلفون عن بعضهم البعض بشيء أبداً. أسفرت هذه المواجهات عن قتلى وجرحى أيضاً ووعود بالثأر لم تبرد بعد.

قد يتهيّأ لنا أن نبرز ما تفضلت به علينا مختلف التحليلات الإخبارية والسياسية في أحداث الثلاثاء والخميس. لكننا لن ندخل في هذا المجال. وهذا ما يتطلب منا بحثاً أكبر في أهداف المرحلة الحالية وآفاق الحلول من خلال إبراز عوامل التسوية أو المواجهة للمرحلة المقبلة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف