العيسى: خدام رمي من السلطة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
خدام لم يترك السلطة بمحض إرادته بل رمي منها
العيسى لـ(إيلاف): الحكومة السورية دمى غارقة بالفساد
2/3
سمية درويش من غزة: بشار العيسى ، احد الذين ساهموا في إرساء المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري ، وفر هاربا من المعتقلات السورية في ثمانينات القرن الماضي طالبا اللجوء السياسي بفرنسا ، جراء حملة القمع التي طالت القوى الديمقراطية وحزبه . العيسى : فنان تشكيلي سوري مواليد سوريا 1950 ، متخصص في التاريخ العثماني. أقام أول معرض لأعماله سنة 1968، وفي العام 1972 عمل العيسى على انجاز أكثر من مائتين من اللوحات التي ترصد حياة حاملات القش الريفيات في بعده الميثولوجي من ذخائر بلاد ما بين النهرين . كما عمل على موضوع فضاءات محترقة صدر عنه كتاب في ذلك بنفس العنوان من غاليري كريتيه محاولة لاستعادة الذاكرة البصرية للمكان الأول .
ومنذ عامين يعمل العيسى على انجاز مذكراته البصرية من خلال القبض على المشهد الهارب من المكان إلى الذاكرة حوالي مئتي عمل بالأبيض والأصفر وبخامة الورق بمعالجات خاصة ، سالت إيلاف العيسى ، عن قراءته للمستقبل السياسي في سوريا ولبنان الجارة ، ومدى تأثير انضمام حكومة حماس للحلف السوري- الإيراني على الواقع الفلسطيني ، كما تحدث العيسى لـ"إيلاف" ، حول الفن التشكيلي ومدى قدرته عل إبراز المعاناة الإنسانية وعلاقة هذا الفن بالمثقف السياسي .
ـ جاء في رسالتك الموجهة للرئيس السوري العام 2003 ، بأن على سوريا أن تسدد فواتير أحمد جبريل وكارلوس وجورج حبش وأبو نضال ، هل هذا يعني أنكم ضد وجود المنظمات الفلسطينية المعادية لإسرائيل؟
لا لست ضد تواجد المنظمات الفلسطينية المعادية لإسرائيل في أية ساحة عربية كانت. وقناعتي أن كل المنظمات الفلسطينية المعبرة عن الإرادة الشعبية الفلسطينية، معادية لإسرائيل، بالمعاداة بالمثل ، دفاعا عن حقوق الشعب الفلسطيني ، ولا يحق لي ولا لغيري أن ينكر على هذه المنظمات مكان وشكل نضالها الوطني وحقها في الوجود وحماية نفسها.
أن الجملة التي أخذت من رسالتي إلى بشار الأسد أتت في صيغة لا تمس هذه الثوابت أعلاه ، وإنما لتقول للمخاطب بأن هؤلاء المقيمون عندك اليوم تشاغب بهم ، هم ضحاياك البارحة يوم كانوا ضيوف صدام حسين، تأطروا ، وتنشطوا في إطار "جبهة الرفض الفلسطينية" التي تشكلت في بغداد سنة1979، بعد اجتياح قواتكم للبنان في تعاون غير مباشر مع إسرائيل ، ودعما للكتائب اللبنانية. ولأقول له بأن الخطاب القومي الهارب إلى الأمام بالشعارات الجوفاء من الاستحقاقات الوطنية والعربية والدولية لم تنج صدام وتماثيله من السقوط.
وأن الخيار السياسي والحوار الوطني، وحده، هو المحك والأساس لتقوية جبهة المواجهة مع الأعداء إذا كان للسلطة السورية من أعداء غير الشعب السوري والقرار الفلسطيني المستقل. وأن المصالحة الوطنية لا تستقيم الا بإعادة الدولة إلى الشعب ، بالانفتاح عليه وعلى نخبه السياسية والاجتماعية والقبول بالمعارضة الوطنية كرأي آخر وطني ، وبذلك يكون الإنجاز الحقيقي لوطن يستوعب الجميع في المواجهة الوطنية.
ـ لماذا اختلفتم مع السيد رياض الترك ، علما بأنكم من نشطاء الحزب الشيوعي السوري ـ سابقا ـ الشعب الديمقراطي حاليا؟
حقيقة لم أختلف ، بدءا، مع السيد رياض الترك ، بل اختلفت عليه وعلى الخط السياسي للحزب الشيوعي المكتب السياسي ، المعبر عنه في موضوعات المؤتمر الخامس مع القيادة الاحتياطية التي أفرزتها حملات الاعتقال المستمرة ما بين 1980ـ 1987 ، الحزب التي تسلمت الأمانة في لحظة غياب القيادة المنتخبة في المعتقلات ، مع جل الكادر الميداني المركزي ، ولم يكن الخلاف بيني وبين هذه القيادة ، بقدر ما كان الخلاف ما بين هيئة الخارج للحزب الشيوعي التي كنت أتشرف بمسؤوليتها ، ولجنة المركز التي كانت تقود العمل المباشر حول الخط السياسي والعلاقات التحالفية وشكل وآليات التعبير عن سياسة للحزب وإن كانت لي حصتي الكبيرة في هذا الخلاف ، رأينا في خروج لجنة المركز على الخط المقر في موضوعاته السياسية ورسائل لجنته المركزية المفصلية ارتدادا عن سياسة اعتقل في سبيلها من اعتقل ومن استشهد ، والذي لا يجوز التراجع عنه بدون الأصول الشرعية والأنظمة المرعية ، بوهم أن النظام غدا بعد رياح التغيير التي هبت على دول المعسكر الاشتراكي جادا في الانفتاح على الآخر المعارض ، وحقيقة أن سلطة حافظ الأسد مارست هذه السياسة ، " العصا والجزرة " منذ اليوم الأول باستيلائه على السلطة، شق بموجبها كل حزب قائم إلى حزبين وأحيانا أكثر واحد مطية للسلطة، وآخر في المعارضة. وحين خرج رياض الترك الأمين الأول للجنة المركزية من المعتقل ، بعد 17 سنة ونيف أمضاها في عزلة تامة عن الناس في زنزانة انفرادية ، تم تحريضه من قبل هذه القيادة ولنقل المتوهمة ، حتى لا نقول غيرها ، علي شخصيا في الوقت الذي كنت قد أخذت بخياري موقعا خارج صفوف الحزب التنظيمية للتعبير بحرية عن رؤيتي السياسية من خلال صحيفة "المسار" ، التي كانت تصدر عن "هيئة الخارج للحزب" والتي تم حلها بقرا من هذه القيادة ، تحت مسمى " سياسية غير حزبية تعنى بالشأن السوري العام من أجل حرية الجماعات والأحزاب والنقابات" ، مع البعض من الرفاق الذين كانوا يشاطرونني الرأي. فاتخذ يومها، 14 كانون الثاني سنة 1998 موقفا متشنجا ضدي برسالتين داخليتين، موقفا، لم يكن يليق به ولا ولا يستقيم وحقيقة الأمور ، سرعان ما عاد السيد الترك عنها بشجاعة وشفافية في رسالة اعتذار ـ 11 كانون الثاني "يناير" 2000 ـ عن هفوته تلك ، وجهها إلي شخصيا من خلال منظمته الحزبية في ألمانيا ، معتبرا بأن موقفه " جاء متسرعا في التقدير ونتيجة عدم الاستئناس برأي الرفاق............" حسب تعبيره.
الآن وقد عاد الحزب ، بعدما غير اسمه إلى المواقف التي عبرنا عنها يوم ذاك، من خلال انضوائه في إطار" إعلان دمشق " يصبح الأمر من البديهيات السياسية ، أن تلك القيادة فوتت على الحزب والحركة الديمقراطية السورية فرصة كبيرة لأكثر من 20 سنة، لأن البعض تصرف عن سابق قصد وتصميم في تصغير رأس المعارضة السياسية على قياس طربوش السلطة وخفضه إلى ما دون سقوفها الأمنية ، وهذا أسوأ وأبأس أشكال العمل السياسي حين يتقدم الهم الأمني الرؤية السياسية.
ـ كيف تقيم واقع المعارضة السورية ، وأنت كمعارض سوري ما هو مطلبكم من حكومة الرئيس بشار الأسد؟ ، وهل النظام أصبح عاجزا عن وقف أصوات المعارضة؟ ، وبرأيك هل يشكل قانون للأحزاب في سوريا مدخلا لممارسة الديمقراطية؟
المعارضة، للأسف ، هشة ، محطمة ، بفعل القمع ، والعجز الفكري والسياسي ، فهي تحبو على عجزها عن صياغة مطالب ذات علاقة بمصالح الناس الحياتية قابلة للتفعيل الميداني ، لأنها تظل أسيرة شعارات أوهام قومية، تتلهى ببيانات وإعلانات لا تمت إلى هموم الناس اليومية بصلة، لذا فأنها لا تحقق تقدما ميدانيا، وهي أسيرة خلافات هامشية فيما بينها حول ما إذا كان عليها أن تطلب من النظام حقها المشروع في الوجود سواء أتى في صيغة قانون أحزاب كرتوني ، أو في السماح لها بالاحتفال علنا بذكرى قوانين حقوق الإنسان أوفي التنافس على شجب الانتهاكات التي يتعرض لها أعضاء تكتلاتها ونخبها لجهة المنع من السفر أو الاستدعاء إلى الأجهزة الأمنية دون أن تقارب المسائل الأساسية في السياسة والاقتصاد والسلم الأهلي.
والمعارضة الحزبية رغم اتفاقها في صيغة " إعلان دمشق " إلا أنها لم تستطع أن تحقق لذاتها وحدة سياسية، لا تتحقق إلا في الميدان العملي، هذا الواقع المعارضي الحزبي يكبل قوى مجتمعية لا بد أن تفرز، يوما ما، ممثلين للدفاع عن مصالحها رغم التدمير الكبير الذي ألحقته السلطة بالطبقة الوسطى ومحاولات عزل الكتلة الشعبية عن السياسة ، بدليل أن هذه القوى الحزبية لم تستطيع في لحظتين تاريخيتين عن الارتقاء بعملها إلى مستوى الأحداث واحدة حين أجبرت التظاهرات الشعبية اللبنانية والدعم الدولي السلطة إلى الهروب بهلع من لبنان والأخرى حين نزلت الكتلة الشعبية الكردية في الجزيرة وحلب وعفرين ، وحتى دمشق تواجه رصاص السلطة بصدورها ، في الحالتين وقعت المعارضة في خوف أن تتجاوزها الأحداث فالتفت من حول شعارات السلطة.
أن حركة الميدان لقوى المعارضة السورية كلها لا تصل إلى 1% ، من صولات وجولات السفير الإيراني ، ولا رأي واضح صريح لها في مسائل حياتية، في الوقت الذي يباع الوطن السوري ، ثروة قومية وعقارات وأراض وقوانين استثمارية بتسهيلات وكومسيونات تذهب للخاصة الحاكمة، ولا رأي ولا اعتراض ولا اعتصام ولا عصيان مدنيا لدى المعارضة وقد أصبح لها منذ نهاية الثمانينات إلى اليوم ، لا تنجز غير تقديم التضحيات.
المطلوب من المعارضة اليوم ـ وأميل إلى أن الوقت قد فات ـ لأنها فوتت أكثر من صرخة أطلقها المعارض الوطني المخضرم ، السيد رياض الترك في الاتجاه الصحيح ، أن تنتقل إلى المواجهة لانتزاع حقوقها المشروعة كممثل للحق العام في مواجهة الاستبداد وأن تتقدم إلى الكتلة الشعبية وليس إلى الحكومة بمشروعها من أجل التغيير الوطني الديمقراطي ، وأن تتقدم وفي الوقت نفسه إلى الرأي العام العربي، الشعبي، والرسمي، وكذلك، الدولي والهيئات الدولية الحقوقية والسياسية لتفسح لنفسها مكانا في المحافل الدولية كممثل لشعبها ومصالح سوريا الوطنية، عليها أن تجول عواصم العالم مثلها مثل كل المعارضات العالمية تتقدم بمشروعها الإقليمي والوطني إلى المجتمع الدولي.
ـ هل تتوافقون مع عبد الحليم خدام وتبنيه للديمقراطية؟
لا ، لا يمكن أن أتوافق والسيد خدام في شيء إن لم يتقدم بمصارحة واضحة وصريحة من الشعب السوري ومن قوى المعارضة، وهو ما لم يفعله ولن يفعله ، لأن السيد خدام لم يتبن الديمقراطية ، وهو بتاريخه وعقيدته، غير قادر على هذا العمل الكبير ، فالرجل الذي تشكل في سلطة نظام حافظ الأسد يصعب عليه تغيير جلده. لم يترك السيد عبد الحليم خدام السلطة بمحض إرادته، بل رمي منها رميا، بعدما أنجز آخر المهمات البشعة التي يقدر على تنفيذها وهي القضاء على الجمهورية في تتويج بشار الأسد رئيسا باغتصاب الدستور الذي أعطى لخدام وأمثاله شرعية وجودهم، - فالذي يتخلى طواعية أو غصبا عن حق دستوري، غير مؤهل شرعا بالانحياز والدفاع عن أية شرعية، كمن يفقد حقه المدني بارتكاب جرائم تفقده هذا الحق، فمنذ اليوم الذي انقلب مع معلمه حافظ الأسد على رفاقهم في قيادة البعث والدولة السورية سنة 1970، كان السيد خدام ماسك أدق الملفات السياسية والأمنية للنظام السوري في سيرورة تآمره وتشكله الاستبدادي ، والشاهد الصامت، لليوم، على جل جرائمه بحق الشعوب السورية واللبنانية والفلسطينية والعراقية ، أشرف مع حكمت الشهابي، على اتفاقات فك الارتباط مع إسرائيل، برعاية كيسنجر الذي حول المنطقة إقليميا إلى إقطاعيات توتر محلية تعتاش بفتن وصراعات فيما بينها من حول أوهام الفوز بالحظوة الأميركية. وهو الذي نسج ملف تدجين وتفتيت القوى اللبنانية زمن الاحتلال السوري ، وفي رأس أولوياتها عزل وضرب منظمة التحرير لمصادرة القرار الفلسطيني الوطني المستقل، وهو الذي أشرف على الملف السياسي العلني من التحالف السوري الإيراني في حربه مع العراق وتغلغله في لبنان وسوريا، كما لا ينسى المثقفون السوريون الذي تنشطوا في هيئات المجتمع المدني فيما سمي بربيع دمشق أن السيد خدام كان أشد أركان السلطة عتوا بالتصدي لهم ولأحلامهم في احتمالات الانفتاح لنظام بشار الأسد.
اليوم، بعدما أصبح السيد الذي أمضى أكثر من ثلاثين سنة في السلطة قلقا من الوحشة والانفراد قرر أن يدخل حصان السلطة الخشبي إلى مخيم المعارضة ولم يقل لنا أين حدود أحلامه ؟ من أيام أعلن عن نفسه أبا للمعارضة وقبلها شق قوى " إعلان دمشق " بعدما اقتنص أوهام زعيم حركة الأخوان المسلمين في مهزلة الاصطفاف الانشقاقي للمعارضة في جبهة الخلاص الوطني.
أن التصريحات الكثيرة التي يطل بها السيد خدام وهو الذي لا يحظى ولا بموطئ قدم في الوطن السوري وهو أدرى منا بسبب ذلك ، تجعل منه خير داعية تبييض ذمة لسلطة بشار الأسد وتسخيف لسمعة المعارضة الوطنية.
كيف تنظر إلى المشكلة الكردية في سوريا واقعها وآفاقها ؟
تشكلت المشكلة الكردية في سوريا وغيرها من الدول التي تقاسمت كردستان وشعبها بفعل اتفاقيات سايكس ـ بيكو في صيغة يسميها "إسماعيل بيشكجي" وكالات استعمارية محلية. انخرط الكرد الذين توزعهم الجانب السوري من الحدود في النضال ضد الانتداب الفرنسي منذ الأيام الأولى ، وفي كثير من الأحيان كانوا يتقدمون الحركة الوطنية السورية ، يوسف العظمة ، إبراهيم هنانو، انتفاضة بياندور، ثورة عامودا، ودفعوا ثمن هذا الموقف تهميشا لهم من الإدارة الفرنسية التي استعانت بمجموعات مسيحية عربية وسريانية لإدارة منطقة الجزيرة الكردية وحرمتهم من حق التعلم بلغتهم ومدارسهم أسوة بالسريان والأرمن والآشوريين الذين استقدموا من الجانبين التركي والعراقي.
ساهم الكرد في سلطة دولة الاستقلال سواء عبر ممثليهم المنتخبين إلى البرلمان أو بنخبهم التي ساست أمور سوريا الوطنية بالتعددية الثقافية والإثنية التي تشكلت نخبها في مجرى النضال الوطني عرب وكرد وتركمان وشراكسة وسريان مسيحيون ، بمختلف أديانهم وطوائفهم المذهبية؟. مع وصول البعث إلى السلطة ، بعد الثورة الكردية في العراق أخضع الكرد في ظل الأحكام العرفية إلى سياسات تمييز عنصرية جردت مئات الآلاف من جنسيتهم السورية ومن ملكيات أراضيهم بقوانين الإصلاح الزراعي والتجريد من الجنسية وأقيمت على أملاكهم مستوطنات لقبائل عربية استقدمت من الداخل العربي وحرمت عليهم التكلم بلغتهم فضلا عن التعلم بها. المشكلة الكردية اليوم فضلا عن أنها مشكلة شعب يقيم على أرضه التاريخية يغتصب في هويته السياسية ، هي إحدى تجليات اغتصاب سوريا الاستقلال من هويتها الوطنية وثقافتها التعددية ، وهي أسيرة الاستبداد في امتطائه الشعور القومي العربي المأزوم.
لا يمكن حل هذه المشكلة إلا بتوافق عربي كردي على المشترك الوطني السوري تصيغه ثقافة تقوم على الحوار المنطلق من الاعتراف المتبادل لشخصيتين قوميتين تستوطن فضاء مشتركا بالعرف الديمقراطي.
وهي مسؤولية النخب الثقافية والفكرية والسياسية لكل الجماعات السورية العاملة من اجل سوريا ديمقراطية. أن المشكلة الكردية في سوريا لا تفتقد حلولا إذا تحلت السياسة بالحكمة والمشاعر بالعقلانية ، ونبذ الطرفان الهيجان العنصري لصالح الاجتماع الإنساني في بهائه الثقافي.