أقدام الحريات العامة في المغرب فوق أرضية هشة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الرباط تؤكد دعمها لحيوية اتحاد المغرب العربي أيمن بن التهامي من الدار البيضاء: فتح المغرب لأول مرة في تاريخه الحديث، خلال السنوات الأخيرة، أبواب نقاشات عامة اتسمت في مجملها بقدر كبير من الحرية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وقضية الصحراء المتنازع حولها. غير أن هذه الأبواب كانت توصد من حين لآخر بإجراءت قادت منابر إعلامية إلى ردهات المحاكم، في حين منعت أخرى من الصدور، كما ذهبت في بعض الأحيان إلى حظر مسيرات جماهيرية والحجر على أنشطة جمعوية لجمعيات "حرمها الوقت أو ربما أيادي خفية من تسلم وصل الإبداع"، ما جعل البعض يصف الحكومة ب"الحكم الوحيد"، الذي يقرر كيف يمارس المغاربة حقوقهم ومتى يفعلون ذلك.
ورغم دعوة العاهل المغربي، بمناسبة الذكرى الثانية لاعتلائه العرش، إلى إقامة دولة ديمقراطية حديثة، تقوم على الحريات العامة وحقوق الإنسان، إلا أن مصطفى الشافعي، رئيس المرصد المغربي للحريات العامة، يرى بأن "هذا المجال عرف العديد من الانزلاقات الخطيرة، ابتداء من تأخير تسليم الجمعيات وصول الإيداع، وانتهاء بمنع التجمعات".
وأكد رئيس المرصد، في تصريح خص به "إيلاف"، أن "القانون يمارس رقابة كبيرة، سواء على مستوى حرية التعبير أو تنظيم التجمعات الهادفة إلى ذلك"، مبرزا أن الإخلالات التي تمس الحريات العامة امتدت في بعض الأحيان إلى تطويق شهادة ميلاد جمعيات بقيود الإجراءات والتجمعات بأصفاد القانون.
ذهب القمع السلطوي بعيدا وسلط سيف "قانون التجمعات العمومية" لمنع التجمعات، المصنفة في خانة "المخلة بالأمن العام"، حتى لو كانت سلمية، ليشرع في إقبار الاجتماعات والمظاهرات، ما جعل الأرضية التي تقف عليها الحريات العامة، على حد تعبير الشافعي، "هشة". ولم تكن وضعية حقوق الإنسان بأحسن حال من الحركة الجمعوية، إذ تعاني بدورها، حسب رئيس الجمعية، من الهشاشة، مشيرا إلى أنه "رغم المكتسبات المحققة في هذا المجال، إلا أننا نلاحظ مجموعة من مظاهر الخروقات، خاصة فيما يتعلق بالشطط في استعمال السلطة".
غير أن هذا، يضيف المسؤول بالمرصد، لا ينفي حجم الخطوات المتخذة، واصفا إياها ب "الأساسية والمهمة". وإذا كان الزمن وعوامل التطور كفيلين بتقدم المملكة في هذا المجال، فإن الشافعي يحث على اليقظة في وسط الآليات السياسية والمدنية والإعلامية، لكي تمأسس قواعد الحريات العامة التي لا يمكن أن تسير نحو التقدم إلا بتوفر هذه الركيزة الأساسية، مذكرا في الوقت نفسه بأن غياب ضمير مجتمعي نشيط سيقود لا محالة إلى نقوص في المجال.
وهو ما دفع المرصد، يشرح الشافعي، لوضع"برنامج قوي وطويل، يستهله بالإعداد لمذكرة مطلبية حول قانون الجمعيات والتجمعات"، سينظم على إثرها استشارات ونقاشات واسعة على مستوى المناطق، لتكون مشاركة واسعة للجسد الجمعوي المغربي من مختلف المناطق، مراعاة لخصوصيات كل منطقة".
وبعد حشد هذا الدعم القوي للجمعيات والفاعلين في مجال الحريات العامة، يوضح المسؤول بالمرصد، ستكون أرضية ترافعية أمام السلطات المعنية بالتشريع ووضع القوانين في المملكة، أما الخطوة الثانية فستتمثل في فتح ورش للتفكير بشكل قوي في المرحلة القصيرة المقبلة حول حرية الصحافة.
صاحبة الجلالة بلا عرش
لا أحد في مجال الإعلام ينكر ما بدأت تشهده الحريات الصحافية من تراجع وضع معه صاحبة الجلالة في قفص الاتهام وقهقر حالها وكسر شوكة أقلامها التي اشترت السلطة بعضها بالمال والامتيازات للاصطفاف في صفوفها. فالسلطة الرابعة في المملكة أضحت بلا عرش، "تنتهك حرمتها باسم القانون"، على حد تعبير بعض ممارسيها، حتى لا تجد السلطة نفسها في موضع اتهام وتتنافى إجرءاتها مع آمال حلم اتساع الديمقراطية.
فبينما تبوأت المملكة، سنة 2002، المركز 67 من أصل 139 دولة، تراجعت كثيرا في أحدث تقارير منظمة "مراسلون بلا حدود" (عام 2006)، إذ احتلت الموقع 111 من بين 168 دولة شملها التقرير، بينما كانت قبل عامين من هذا التاريخ، ووفق تقرير المنظمة للعام 2004 قد احتلت المركز 143 من بين 167 دولة.
ولذلك، فإنه للوهلة الأولى، يتضح أن المغرب بات يقترب كثيرا من تلك الدول القابعة في ذيل القائمة والمتهمة بشكل رئيس بانتهاك حرية الصحافة، وهو الأمر الذي تجلى بشكل واضح بعد اقتياد مجلة نيشان و"لوجورنال" إلى ردهات المحاكم ومعاقبة الأولى بالمنع والثانية بغرامة مالية كبيرة يعجز اللسان عن عد قيمتها.
وبما أن هذا التراجع لا مبرر له، فإن رئيس المرصد يرى بأن هذه الإجراءات الجزرية السالبة للحرية تحد من سلطة صاحبة الجلالة، في نقل الأخبار وتنوير الرأي العام، كما يؤكد على أنه سيكون لها إنعكاس سلبي على ممارسة الصحافة وحرية الرأي والتعبير، بشكل عام. واعتبر أن هناك تضييق على ممارسة الصحافة التي تقتاد منابرها إلى ردهات المحاكم تحت مبررات تكون في بعض الأحيان واهية.
وبخصوص قرار العاهل المغربي الذي قضى بعدم متابعة أسبوعية "الصحيفة" التي نشرت مقالا يمس بشخصه، أجاب الشافعي قائلا " ليس لدي أي تعليق حول الموضوع لأنه ما يهمني بالنسبة لي هو أن تكون المحاكمات عادلة، والقضاء يلعب دوره كآلية اجتماعية لحقوق الإنسان".
وفيما يتعلق بمدى تراجع الخطوط الحمراء في المملكة، رد مازحا "أنا لا أعرف أصلا ماهي الخطوط الحمراء، ويجب أن أعرفها أولا، قبل أن أتحدث عن مدى تراجعها"، مؤكدا أن "الحريات العامة غير ملزمة بهذه الخطوط، بل إنها ملزمة فقط بالمسؤولية والمسؤولية في التعبير عن الشيء".
وبالتالي، يضيف رئيس المرصد، "عندما يحضر كل من القانون والمسؤولية وتدع المجال مفتوح لحرية الرأي والتعبير لا خوف على حرية الرأي والتعبير وعلى ممارسيها". ويبقى أكثر ما يلفت الانتباه أن أوضاع الصحافيين وحرية التعبير في مراتب منخفضة، وهو ما يؤكد أن طريق صاحبة الجلالة لن تكون مفروشة بالورود إذا عمدت السلطات المختصة إلى تطبيق القانون بمحض تقديري يستدعى على خلفيته صحافيون ويحقق مع آخرين، قبل أن يحول "ذوي الحظ العاثر" إلى القضاء.