الخريطة السياسية للبنان اليوم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
المواقف والاتهامات والقطب المخفية
الخريطة السياسية للبنان اليوم
إيلي الحاج من بيروت: تراوح في مكانها الوساطة والمساعي السعودي- الإيرانية بين طرفي الصراع في لبنان، أو تسير بوتيرة بطيئة في أفضل الأحوال، فلا تنتج مبادرة متكاملة ولا تحقق اختراقات سريعة لأسباب متعددة، أبرزها أن الاتصالات بين الرياض وطهران لا تقتصر على الملف اللبناني انما تشمل كل ملفات المنطقة وأوضاعها،فأصبح الملف اللبناني جزءا من كل والاتفاق عليه ليس معزولا ولا يمكن ان يأخذ شكل "صفقة جانبية".
وهناك أيضاً العقدة السورية المربكة للمساعي السعودية-الايرانية والتي تتعلق بموضوعين أساسيين: المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، والخلاف بين المملكة العربية السعودية والقيادة السورية. علماً أن المداخلات والضغوط من جهتي السعودية وايران على الأطراف في لبنان تقف عند حدود معينة ولا تصل الى درجة فرض ما يعاكس مواقف هؤلاء الأطراف ومصالحهم.
ثم أن الأولوية الأميركية في الشرق الأوسط معطاة حاليا للملف العراقي ومعركة بغداد و"المواجهة غير المباشرة مع ايران في العراق"، مع ما يعنيه ذلك من عدم استعداد اميركي لمفاوضات او ترتيبات وتنازلات في ملفات أخرى في المنطقة، مما يفسر التشدد الاميركي في لبنان وعدم حماسة الادارة الاميركية ل "اتفاق مكة" وتطلعها الى تقويضه اذا لم يكن سبيلا الى احتواء حركة "حماس" والى انخراطها تحت مظلة شروط "اللجنة الرباعية الدولية".
ويلفت في الموقف السوري المقابل أنه غير مستعد لإعطاء تسهيلات وتقديمات في لبنان بخلاف ما هو عليه الأمر من مرونة وتساهل في الملفين العراقي والفلسطيني. واذا كان السوريون لم يستوعبوا مسألة خروجهم من لبنان وبالطريقة التي خرجوا بها، فإنهم قلقون من المحكمة الدولية ويتخوفون من أن تكون سيفا دولياً مصلتاً فوق رؤوسهم، وأداة أساسية ووحيدة للضغوط عليهم.
ويستند الموقف السوري من المحكمة الدولية الرافض وغير المعني الى أمرين: رفض تشكيل المحكمة قبل انتهاء التحقيق الدولي واكتمال الأدلة والاتهامات، وتحبيذ ادخال تعديلات لبنانية على نظام المحكمة ولكن على يد حكومة وحدة وطنية مع ثلث زائد واحد للمعارضة وليس على يد لجنة سياسية قانونية تسبق قيام مثل هذه الحكومة. وهذا الموقف لا تجاهر به دمشق ولا تعلنه كما هو بوضوح ، انما تفضل احالة موضوع المحكمة برمته الى الداخل اللبناني مع استعداد لتأييد ودعم "ما يتفق عليه اللبنانيون" وهي على بيّنة من الصعوبات التي تحول دون قيام مثل هذا التوافق قريبا.
يعني ذلك أن الأزمة الحكومية السياسية على حالها من التأزم والتعقيد. واذا اعتمدت المواقف المعلنة والمكشوفة أساسا ومعيارا لتقييم الوضع، فإن الحصيلة سلبية ولا تفيد بامكان حدوث اختراقات جديدة وقريبة . ففريق المعارضة لا ينسحب من الشارع ويفك الاعتصام وسط بيروت من دون ثمن سياسي حتى لا يكون خروجه اعلانا لخسارة سياسية كبيرة ، وهذا الفريق يلوّح بجولة جديدة من التصعيد تتمثل بالعصيان المدني اذا لم يحصل على مطالبه في خلال أيام. في حين يؤكد فريق الأكثرية ان إعطاء "الثلث المعطل في مجلس الوزراء " غير وارد وليس محل مفاوضة او مساومة وكذلك المحكمة الدولية ليست موضع مقايضة ولا تترتب عليها أثمان سياسية.
في ظل هذا الوضع تمحورت المداولات الأخيرة حول اقتراحات رئيس مجلس النواب نبيه بري انطلاقا من قاعدة مزدوجة للحل:
bull; التوازن والتلازم بين اقرار المحكمة الدولية وتأليف حكومة وحدة وطنية.
bull; تأليف لجنتين مشتركتين، واحدة تختص بالمحكمة الدولية ومناقشة التعديلات التي تطلبها المعارضة، وثانية تختص بتشكيل الحكومة وتركيبتها . وعند هذه النقطة حصل لغط سياسي، فأوساط الرئيس بري تقول انه قرر المضي قدما في خطته للتسوية بعدما بلغته موافقة مبدئية من النائب سعد الحريري، بما في ذلك الموافقة على صيغة إعطاء المعارضة الثلث المعطل، لكنه تراجع عنها بسبب حلفائه السير بهذه الصيغة او متذرعا بهم... أما اوساط الحريري فتقول ان الموافقة المبدئية على الصيغة.
جاءت مقرونة بشرطين: ضمانات واضحة من المعارضة تتعلق بعدم الاستقالة وعدم التعطيل في المسائل الكبيرة وعدم الخوض في عملية تشكيل الحكومة الا بعد الاتفاق على الصيغة النهائية المعدلة لمشروع المحكمة الدولية...
وتتركز الاتهامات السياسية الصادرة عن قوى المعارضة بمن فيهم الرئيس بري في اتجاهين:
bull; الاتجاه الأول: "سعد الحريري"، بمعنى اتهامه بالتردد والارتباك والتشكيك باستعداداته الفعلية ومدى قدرته على الالتزام بشروط وموجبات التسوية من جهة، وعلى عدم الوقوع تحت تأثير حلفائه وعدم الرضوخ لضغوطهم من جهة ثانية... الى درجة تصوير الأمور بأن الكرة باتت في ملعب الحريري وان التسوية تتوقف الآن على موقفه وقراره "الشجاع" .
bull; الاتجاه الثاني وليد جنبلاط وسمير جعجع اللذين تصنفهما المعارضة المصدر الأساسي للتعطيل والعرقلة: جنبلاط يطرح معادلة واضحة مؤداها ان حياته السياسية والشخصية تتوقف على "موت" النظام السوري، بالمعنى السياسي للكلمة، أي اضعافه ومحاصرته وضرب نفوذه في لبنان، ولا سبيل الى ذلك الا عبر المحكمة الدولية، في حين ان تسوية كالتي تطرح حاليا تصب في "احياء نظام الاسد وفي تثبيت نفوذه في لبنان ... أما جعجع ودائما من وجهة نظر اوساط المعارضة وتفسيرها، فإن التسوية المتداولة لا تناسبه لأنها تعني بكل بساطة ادخال الجنرال ميشال عون في الحكومة وبحصة تفوق حصة "مسيحيي ١٤ آذار/مارس".
وفي اعتقاد هذه الاوساط ان جانبا أساسيا وغير مرئي من المشكلة والمعركة يتعلق بالساحة المسيحية والمعركة الصامتة القوية الدائرة حول "الزعامة والنفوذ والقرار" على هذه الساحة والتي ستزداد حدةواحتداما مع اقتراب انتخابات رئاسة الجمهورية.أما الاتهامات الموجهة من الأكثرية الى المعارضةف تتركز في اتجاهين أيضا:
bull; الاتجاه الأول: يقول أن الرئيس نبيه بري لم يعد يتمتع بمواصفات الحَكَم والقدرة على ادارة الأزمة والحوار، وانما أصبح طرفا ويقود عملية التصعيد والتهديد لتفادي مأزق آتٍ مع بدء الدورة العادية لمجلس النواب ولاخراج "كرة النار" من ملعبه، لأن التصعيد سيحول دون انعقاد المجلس ويبرر عدم الانعقاد وعدم الدعوة اليه.
bull; الاتجاه الثاني "حزب الله" الذي ، ودائما حسب تعبير الأكثرية، وصل الى طريق مسدود في الاعتصام الذي ينفذه وسط بيروت ويشعر بأنه في مأزق ولا سبيل الى الخروج منه الا عبر وسيلتين: المزيد من الاصرار على "مقابل سياسي" وسقف مرتفع لتغطية الانسحاب من الشارع، او المزيد من التصعيد والهروب الى الأمام في ظل هامش مناورة وخيارات يضيق أآثر فأآثر لأن ورقة الشارع وورقة العصيان المدني التي يجري التلويح بها كلاهما سيف ذو حدين: الأولى توصل الى "الفتنة"، والثانية توصل الى الانهيار.
وتختصر التقديرات بشأن الأزمة واتجاهاتها حاليا في دائرتين:
bull; دائرة التفاؤل الحذر المبني على احتمال حدوث اختراق في الأزمة اللبنانية والتوصل الى "تسوية مرحلية" قبل القمة العربية. وهذا الاختراق يبدأ من تبدل في الموقف السوري من المحكمة الدولية ويؤدي الى نتيجتين: تحسين العلاقات السورية السعودية، وتسهيل أمور التسوية في لبنان القائمة على ترابط وتلازم بين المحكمة والحكومة...
bull; دائرة الشكوك والمخاوف المبنية على استمرار الخلاف وتعذر ردم الهوة الواسعة التي تفصل بين طرفي الصراع، وبالتالي تعذر الحلول الوسط. وهذا يعني بقاء الوضع اللبناني متوترا او متموجا حتى الاستحقاق الرئاسي من دون ان يكون "الاستحقاق" محطة حل، لأن استمرار الوضع على ما هو عليه سيجعل من المتعذر حصول توافق على الرئيس المقبل ويغلب احتمال عدم اجراء انتخابات الرئاسة، وبالتالي يفتح الوضع على أزمات دستورية وسياسية أآثر خطورة وتعقيدا تحت عناوين "الانقسام والفوضى والفراغ"...