لبنان: التسوية تتأرجح
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
المعطيات تميل إلى تسوية يريدها الجميع
لبنان: التسوية تتأرجح
إيلي الحاج من بيروت: أشاعت اللقاءت المتلاحقة بين رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري ورئيس الأكثرية النيابية سعد الحريري تحت مظلة التفاهم السعودية - الإيرانية جواً من التفاؤل بقرب التوصل إلى تسوية، وإن موقتة، للأزمة السياسية التي مضى على إندلاعها في لبنان ما يزيد على مئة يوم. ويبدو أن التسوية تتأرجح حتى اليوم بين صفتي الهدنة والحل الشامل . وكذلك بين حد أدنى هو الاتفاق على إبرام مشروع قانون إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي وتوسيع الحكومة، وحد أقصى هو الاتفاق على سلة كاملة متكاملة تشمل أضافة الى هذين البندين انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفا للرئيس إميل لحود في موعد مبكر، ووضع قانون جديد للانتخابات النيابية.
لكن السياسيين المتفائلين بالحل أو التسوية، يحافظون على نسبة من الحذر تحسبا لمفاجآت او تطورات غير محسوبة، وهم يرتكزون في استنتاجاتهم المتوقعة لإيجابيات على جملة ظروف ومعطيات وعوامل مساعدة تضافرت في هذه المرحلة وأنتجت ما يمكن اعتباره "اللحظة السياسية" المؤاتية والفرصة لسانحة للخروج من الأزمة الحالية .
وأبرز هذه المعطيات والعوامل انتهاء جولة المواجهة او المبارزة المفتوحة منذ أشهر الى نتيجة "التعادل السلبي." وهذه النتيجة التي تشكل مدخلا طبيعيا الى تسوية "لا غالب ولا مغلوب" تحققت بفعل عدم قدرة أي من طرفي الصراع على حسم الموقف. فلا "حزب الله" وحلفاؤه استطاعوا إسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة رغم تسييرهم تظاهرتين كبيرتين وإعلانهم إضرابا شاملاً انتهى دمويا، و ثباتهم في اعتصام تجاوز المئة يوم . ولا الحكومة رغم صمودها وتمتعها بدعم عربي ودولي لا مثيل له نجحت في احتواء الأزمة وإنهاء إستنزافها ومعها البلاد بأسرها، إقتصادياً ومعيشياًُ على الأقل، وهو وضع لا تستطيع الحكومة ولا الغالبية أن تتجاهله وتحكم في ظله مدة طويلة كأن الأوضاع طبيعية في لبنان.
"حزب الله" ومأزق الإعتصام
العامل الآخر إن الأزمة وصلت إلى مفترق حاسم، فإما أن تستمر في الشارع مع ما ينطوي عليه هذا الإحتمال من أخطار الانزلاق الى اضطرابات أمنية وفتن مذهبية على نحو ما ظهر في يومي ذروة التأزم والصدامات في ٢٣ و ٢٥ كانون الثاني/ يناير الماضي ، وإما انعطافها نحو " التسوية السياسية"، مع ما تتطلبه من تنازلات متبادلة.
جدير بالذكر أن "حزب الله" وحلفاءه يصدرون إِشارات متلاحقة إلى رغبتهم في الخروج من الشارع وانهاء الاعتصام بعدما أصبح هذا الإعتصام مضراً ومسيئا إليهم في الدرجة الأولى بعدما تبين أنه لم ينتج سوى الأذى للمؤسسات الإقتصادية والسياحية التي أقفل منها أكثر من 80 مؤسسة في الوسط التجاري مع ما حمله ذلك من فقدان مئات العائلات موارد رزقها دون طائل في ظل ظروف إقتصادية بالغة الصعوبة . فضلاً عن أن تحوّل جزء من الوسط التجاري مربعاً أمنياً على غرار ما هو سائد الضاحية الجنوبية والمناطق الأخرى التي يسيطر عليها الحزب المذكور يفتح الأعين أكثر فأكثر على كونه الفئة اللبنانية الوحيدة التي لا تزال مسلحة نهاراً وجهاراً، ولأهداف يصعب إقناع غير المتعاطفين معه لدوافع مذهبية بأنها تمت بصلة إلى المقاومة ضد إسرائيل.
لكن ما يحول دون ترجمة الحزب وحلفائه الرغبة في إنهاء الإعتصام الشعبي- المسلح المتمادي هو خشيتهم ان يكون خروجهم من الوسط التجاري لبيروت مجانياً من دون ثمن او مقابل سياسي، سبق أن حددوه في توسيع للحكومة ليكون للحزب فيها الثلث زائد واحداً، أي الثلث المعطل أو الضامن، وإلا سيكون تراجعهم بمثابة هزيمة سياسية، ولا شك أن الأكثرية ستصوره وتتعامل معه على هذا النحو.
يبرز هنا خصوصا إقرار "حزب الله" بأنه وقع في خطأ الحسابات والتقدير، مرة أخرى، اذ كان يتوقع سقوطا للحكومة تحت وقع التظاهرات والضغوط الشعبية والسياسية والنفسية والإعلامية التي مارسها بقوة وبلا طائل. لكن هذا الحزب لا يقر بأن المأزق مأزقه وحده ويؤكد يومياً أنه غير مستعد لتقبل الخسارة السياسية في بيروت بعدما تفادى خسارة عسكرية في الجنوب.
ومن الدوافع إلى التسوية أيضاً رغبة الأكثرية في عدم التفريط بإمكان التوصل إلى إقرار إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي في المؤسسات الدستورية اللبنانية ، والحؤول دون تمييع هذا المكسب المهم الذي يشكل ثمرة من ثمار الدعم الدولي للبنان، مثله مثل القرار ١٧٠١ المتعلق بإرسال الجيش اللبناني إلى الجنوب مدعوماً بالقوة الدولية المعززة، إذ أن استمرار الأزمة الحكومية السياسية سيحول دون انعقاد مجلس النواب ودون اقرار المحكمة في المؤسسات الدستورية في حين أن عملية اعادتها الى مجلس الأمن لاقرارها تحت الفصل السابع غير مضمونة النتائج في ظل وجود عقبات وتحفظات دولية، على ما أوحت اشارات ومواقف روسية وما لمسه النائب سعد الحريري في زياراته الأخيرة لباريس وموسكو.
وتعزز إحتمالات التسوية وجود قرار سعودي كبير بالتوصل الى حل للأزمة اللبنانية قبل القمة العربية وبممارسة كل أنواع "الدعم والضغط" من أجل تنفيذ هذا القرار. لذلك ينظر الى المدة الفاصلة عن موعد القمة العربية على انها فترة حاسمة للوصول الى حل، ويسود اعتقاد انه اذا مرت هذه الفترة من دون التوصل الى نتيجة إيجابية، فإن مهمة البحث عن حل ستكون أصعب بعد القمة العربية. ويضاف إلى هذا المعطى توافق سعودي- ايراني على حل الأزمة في لبنان وبذل كل ما هو ممكن ومطلوب لتحقيق هذا الهدف. وكانت القمة السعودي- الايرانية بمثابة تتويجاً لاتصالات وتفاهمات، وهي التي أطلقت مرحلة البحث عن حل سياسي في لبنان في اطار توافق أشمل وأبعد يتعلق بوأد إحتمالات الفتنة الشيعية- السنية في المنطقة والاستعداد منذ الآن لمرحلة ما بعد الخروج الاميركي من العراق.
وتساهم التغطية الأوروبية في إعطاء قوة دفع للعملية السياسية في لبنان، عكستها بوضوح زيارة منسق السياسة الخارجية للاتحاد الاوروبي خافيير سولانا لبيروت اليوم لينتقل منها الى الرياض ودمشق، وهذا نمط جديد من الدعم السياسي الاوروبي بعد الدعم الاقتصادي في مؤتمر باريس ٣، على ان يكون من أوجه هذا الدعم اقناع سورية بتسهيل الحل في لبنان وطمأنتها ، ما أمكن طبعاً، في موضوع المحكمة الدولية، وعرض حوافز عليها لتشجيعها وحضها على دور ايجابي.
فوق ذلك كله أعطى مؤتمر بغداد اشارة البدء في تحول هو الأول من نوعه منذ ٢٠٠٣ في مسار العلاقات بين الولايات المتحدة وكل من ايران وسورية. ورغم ان هذا الحوار الذي أطلقته الادارة الاميركية بوحي من تقرير بيكر- هاملتون محصور في الشأن العراقي، فإن مفاعيله وانعكاساته تشمل أزمات المنطقة التي تأثرت سلبا من الصراع الاميركي - الايراني، والذي كان لبنان أحد ساحاته الرئيسية.