جولة رايس في شوارع مصر يوم الإستفتاء
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
فانتازيا سياسية: شخصيات لن تلتقيها الوزيرة الأميركية
جولة رايس في شوارع مصر يوم الإستفتاء
كتب ـ نبيل شرف الدين: فجأة ودون مقدمات، باغتت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس العالم والمصريين، وقررت البقاء في مصر يومًا واحدًا، حتى تشاهد فيه القاهرة وتتجول على قدميها كأي سائحة أجنبية مغامرة، يحلو لها السير وسط الناس، لترى ما يدور طيلة يوم الإثنين في شوارع المحروسة، غداة الإستفتاء على التعديلات الدستورية، التي يصفها الرئيس حسني مبارك بثقة ويقين بأنها إستفتاء على المستقبل، وإن كان كل من نعرفهم من المصريين لا يعرفون لهذا المستقبل اسمًا ولا رسمًا، وليسوا حتى يقنين مما إذا كان هناك مستقبل بالأساس.
وأتعهد للدكتورة رايس بألا ترى ما يغضبها، أو يعكر مزاجها، بل على العكس ستسعد كثيرًا، كما لم تسعد من قبل، فالنظام المصري يسكن تحت جلود الناس، وهؤلاء ـ أي أبناء الشعب المصري الصديق ـ مستعدون للمداراة على النظام حتى لو كانت عوراته أكبر من مساحة البلاد، وإحتمال العباد، وهم يؤمنون أعمق الإيمان بأن الرضوخ للأفاقين والأفاكين والمستبدين من طراز صدام حسين، وصحبه الغر الميامين، أهون من تدخل الغرباء، لا لشيء إلا لأنهم حكام وطنيون، وإن الفساد والإستبداد الوطني، خير وأحب إلى هذه الأمة من الديمقراطية إذا أتت من الغرب؟
عبد القدوس
يبدو المصريون قومًا مسالمًا طيبًا حاضر البديهة، خفيف الظل، وسلسي القياد، وهذه حقائق صحيحة، لكنها ليست كل الحقيقة، فالمصريون يصعب إرضاؤهم، فلا يعجبون إلا بأنفسهم أو بمحبيهم فقط، ولا يرون في الكون ما يمكن أن يطال مكانتهم المتوهمة، وهم أيضًا يعانون إزدواجية مخيفة، فما يقال في السر ليس هو ما يقال علنًا، وما يقال أمام الحاكم، ليس هو ما يقال من وراء ظهره، وهكذا تبدو صلة المصريين بالحاكم بالغة التعقيد لإعتبارات يطول شرحها.
نعود إلى جولة رايس المفترضة في شوارع القاهرة غداة يوم الإستفتاء على تعديلات الدستور، لترى بأم عينيها جحافل الأمن المركزي وهي تتجول منذ الليل كأن البلاد مقدمة على حرب، وترى أسلحة صنعتها ترسانات الغرب وقد أمسك بها جنود فلاحون فقراء، يؤدون خدمة العلم ضريبة عن شبابهم. سترى الدكتورة رايس فيلقًا من فيالق الأمن المركزي وقد إتخذ مقرًا شبه دائم لها في شارع عدلي وهو شارع عادي في وسط المدينة، لكنه يضم مقري نقابتي الصحافيين والمحامين وهما بالطبع من أبرز منابر الرأي في البلاد، ولن تخرج مظاهرة في مصر ما لم تمر بهاتين النقابتين وأبنائهما.
أول من ستقابله رايس هناك سيكون الزميل الصحافي محمد عبد القدوس، وهو للعبرة والعظة "إخواني من صلب ليبرالي"، سيهتف ضدها بعنف وحماس، لكن لا بأس، فقط أنصحها أن تظل متمسكة بابتسامتها الهادئة الواثقة، وساعتها سيتحول هذا الأسد الهصور إلى حمل وديع، وسيبتسم بدوره، وستكتشف الآنسة رايس أنه شاب طيب و"ابن حلال"، وربما قبلت أن تكون زوجته الثانية، أي "ضُرة" كريمة المرحوم الشيخ محمد الغزالي .
كمال خليل
قد يزعج الدكتورة رايس صوت المناضل العتيد كمال خليل، وقد يرعبها أنه رئيس ما يسمى "مركز الدراسات الإشتراكية"، وقد يصيبها الإحباط لأنها لم تتمكن من القضاء على الإشتراكية تمامًا في كل مكان، وهي التي ساهمت في شرخ شبابها في تفكيك الإتحاد السوفيتي، لكنني واثق كل الثقة أنها ستحب كمال خليل من كل كيانها لو جمعتهما ساعة زمن في أحد مقاهي وسط القاهرة، وستكتشف كم هو كائن نبيل، صادق ومؤمن بما أفنى ولم يزل يبدد عمره من أجله، وستوقن أن بلادها أنفقت الكثير في المكان الخطأ، ومع الأنظمة الخاطئة والسماسرة وتجار البروبجندا، وكان أجدر بها أن تراهن على هؤلاء البسطاء، حتى لو هتفوا ضدها، لأن المرارة التي ألقتها واشنطن في حلوقهم، من ذلك الطراز الذي لا تبدده جرعة ماء فاترة.
ولأن خليل أحد هؤلاء "الممرورين" مما جرى في كل العصور وما زال يجري بسيناريوهات متنوعة، ولأنه أيضًا أحد أبرز المناوئين لما إصطلح على تسميته "الهيمنة الأميركية"، لهذا تجده حاضرًا في كل مظاهرة، ليس هذا فحسب، بل وهو "الهتيف الأول" فيها أيضًا، وهو "البطل" الذي تحمله الجماهير على الأعناق، ومن يمسك بالميكرفون ليدشن شعارًا تردده الجماهير، وتسرقه الصحافة "الزاعقة" لتجعله "مانشيت نضالي".
وائل عباس
أما المدون الشاب الجميل وائل عباس، فأراهن أنه سيبهر الدكتورة رايس بعطفه وشهامته وألمعيته وحضور ذهنه، لكن غاية ما أرجوه منها أن تتحلى معه بالصبر قليلاً، وأن تكون "على قدر كلمتها" حين تتحدث معه، لأنه وقد صار أصغر معارض يفتح نيران جبهة الشبكة على نظام عتيد، عجوز ليس لقسوته سقف، ولهذا يتوقع الفتى النزق بين اللحظة والأخرى وصول "زوار الفجر"، ولعله أعد وهيأ نفسه لهذه اللحظة وما يتبعها من أيام وربما سنوات، بغض النظر عما يمكن أن يسوقه وقتها زميلنا (إياه) في صفحة الحوادث بصحيفة (الأهرام) من مسوغات لإعتقاله، وما قد ينسبه إليه من مخططات "إجرامية" كان يسعى لتنفيذها ليكدر الأمن العام والسكينة العامة، وذلك بالطبع نقلاً عن مصادر عليمة "إن تبدو لكم تسوؤكم".
ورغم كل الإشارات التي تلقاها وائل عباس ليعود إلى رشده، سواء كانت عبر البريد الإلكتروني، أو حتى على رؤوسالشهود عبر الفضائيات، التي تستضيفه بين الحين والآخر ليتحدث عن أحوال "البلوجرز"، باعتبارها "موضة"، ينبغي مسايرتها، تمامًا كما حدث مع "الفيديو جيم"، ترى هل لا يزال يتذكرها أحد؟.
قنديل المشتعل
لكن هنا لا أضمن للدكتورة رايس السلامة مع حماس الدكتور عبد الحليم قنديل، فربما يستبد الغضب بالرجل إلى درجة إستعمال الحذاء، أو تحطيم المقاعد، وهو بلا شك معذور في ذلك، فالرجل تعرض لما يسمى في أوساط العوام بتعبير "العلقة الساخنة"، على يد "كائنات الفضاء" التي جردته من ملابسه، وتركته عاريًا يتلوى من الألم والفزع في الصحراء، ومن هنا وصلت الخصومة في قلبه إلى نقطة اللاعودة، وأصبح خلافه مع النظام ومن يدعمونه "خلاف وجود، لا خلاف حدود"، على غرار أدبيات الثورة الفلسطينية في القرن الماضي، إبان زمن الثوار والثورات.
شخصيًا لم أسعد بلقاء مباشر مع قنديل ولو مرة واحدة، لكني أراه عبر الفضائيات وفي الندوات وقد لا تروق لي معظم آرائه السياسية، غير أنني هنا أطمئن الآنسة رايس أن القاعدة التي تقول إن "الخلاف لا يفسد للود قضية"، تنطبق تمامًا على قنديل، فرغم إشتعال قلبه بالحماس، لكنه رجل يحركه المنطق، وليس ممن يمكن إستئجارهم أو إرهابهم، وهو أيضًا موهوب لا ينقصه الذكاء ولا الثقافة، ولا أحسبه "مدعيًا"، بل هو إختار أن يقيم في منازل الأمس، ربما وفاء لحلم طوباوي نبيل، لكنه غير قابل للتحقق، ولعل رايس لن تختلف معي في حقه أن يمنح قنديل إخلاصه وعمره لما يشاء من القناعات.
التعيس إبليس
لكن أحذر الآنسة رايس كل الحذر من رجل يغضب ويبتسم ويفعل كل شيء وفق برنامج محسوب بعناية، كأنه إحدى شخصيات ألعاب الكمبيوتر، ولن أقول اسمه ـ لإعتبارات قانونية ـ لأن هذا "التعيس إبليس" مستعد للمتاجرة بأي شيء مهما كان غاليًا أو رخيصًا، ولهذا تراه في كل مكان، إذ يحرص على حفلات السفارات الأجنبية، تمامًا كما يحرص على توقيع بيانات (كفاية)، ويتشبث بخيوط عدة مع النظام، ويحب إيران، ويتكسب من الخليج، ويسعى إلى السفر لأميركا، ولا يتوقف عن وصمها بكل عار، ويحرص على إظهار "الزبيبة"، لكنه يعلن صباح مساء أنه تقدمي، وما أخشاه أثناء لقائه المفترض مع رايس أن ينتحي بها جانبًا ويسألها ـ بعد أن يخفض لها جناح الذل من الرحمة، ويروي لها جانبًا مؤثرًا من حكاياته الحزينة ـ تعيينه مستشارًا في إحدى مراكز البحوث الأميركية، مقابل حفنة من "أخضر العتبات، ومفرق الجماعات، وصانع اللذات، سيدنا الدولار صانع المعجزات".
لكن ما أخشاه أكثر في هذا السياق، هو أن تستجيب الدكتورة رايس لطلبه، وتكلف أحد مساعديها اليقظين بالأمر، فينفذه ويصبح صاحبنا "إبليس" خبيرًا أميركيًا، وربما حصل أيضًا على جنسية الدولة التي رضع كراهيتها، لكن لا بأس فهذه نقرة، وتلك أخرى، كما يقال في تراثنا الشفهي.
هاني عنان
أما الرجل الذي أنصحها بالحرص على لقائه، فهو الشاب "الحليوة ابن الناس" هاني عنان، وأتحداها ألا تقع أسيرة سحره وجاذبيته الشخصية من الوهلة الأولى، والسر بالتأكيد ليس في العطر الفاخر الذي يطيب به، ولا في ذلك الحضور "الذواتي"، واللغة الراقية التي يبدو أحيانًا حريصًا على تجاوزها لكن دون جدوى، والسر بتقديري يكمن في روح هذا الرجل، ويسألونك عن الروح قل هي من أمر ربي، فإبن الأغنياء الذي كان يفترض أن تقتصر حياته على نادي السيارات والصيد والجزيرة، وفنادق النجوم الخمس، وقصور وفيلات أصدقائه وذويه، تجاوز كل هذا لتتسع روحه للوطن، ومن هنا لم يكن مستغربًا أن ينتقل هاني عنان بين مقاهي صعاليك المثقفين والمكاتب الفخمة، والقصور الأنيقة، وأن يكون من بين أصدقائه طلاب لم يزل وعيهم على العالم قيد التفتح، وآخرين أكل الدهر عليهم وشرب وتجشأ، وهو في كل الحالات نفسه، دون أقنعة أو رموش مستعارة، وهنا تكمن عبقرية "رجال الظل"، الذين يحركون كثيرًا من الأحداث والبشر، بالمحبة تارة، والإيمان الحقيقي بما يفعلون تارات أخرى.
رجل الإخوان
ثمة من سيتهرب منها، ويحرص على أن يراه الجميع وهو يفر منها كما يفر من المجذوم، لكنه سيحرص على لقائها "سرًا"، وسيرهق المترجم في أن يوصل لها لب المعنى وراء العبارة الشهيرة القائلة، "إستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان"، فالشاب الإخوانجي اللطيف ـ الذي لن نأتي على اسمه أيضًا لإعتبارات تتعلق بالستر ـ يردد مع كل غروب وشروق أوراد اللعنة على الغرب، وفي القلب منه الشيطان الأكبر أميركا ومن لف لفها، إلا أنه سيعود ويحسبها مع نفسه، ثم يبرر الأمر ويهونه على نفسه قائلاً إن الله قد ينصر هذا الدين بالرجل الفاجر، وإنه "لا يفل الحديد إلا الحديد"، وأنه ينبغي على "إخوانه" أن يبادروا بإرسال التطمينات الكافية لواشنطن بأن مصالحها في أمان، ولن تضار قيد أنملة، بل على العكس سيستفيد الجميع، تمامًا كما تعاون الإخوان في أفغانستان مع "المارينز" لتمريغ الدب السوفيتي في الوحل، ودق المسمار الأخير في نعشه. وهنا لا إستبعد أبدًا أن يروق هذا المنطق للدكتورة رايس، خاصة وأنها خبيرة عتيدة في شؤون الحرب الباردة، وكانت لاعبًا مهمًا في تفكيك المأسوف عليه الإتحاد السوفياتي.
وأخيرًا
تبقى الإشارة إلى أن هناك من المعنيين بالشأن الداخلي المصري، من يرى أن المصاعب الإقتصادية المتزايدة، وعقودًا من الحكم الشمولي للرئيس حسني مبارك، الذي يمسك بمقاليد السلطة بقبضة حديدية منذ العام 1981 قد جعلت المصريين غير مكترثين بالقضايا السياسية الوطنية وقوضت المعارضة الحقيقية التي يمكن أن يقيم لها النظام الحاكم وزنًا، أو يراهن عليها ملايين البسطاء، وهو ما تؤكده أيضًا كل المنظمات الأهلية المدافعة عن حقوق الإنسان، غير أنني أؤيد الحكومة، بل وأتصدر صفوف المدافعين عنها، وأؤكد أن الإنتخابات نزيهة، والإستفتاءات حرة، وأن الحكومة شريفة، وأن الحزب الوطني (الحاكم الأبدي) يعبر عن أحلام وطموحات الغالبية الساحقة من المصريين، "واللي ما يعجبوش يشرب من البحر".
ملحوظة قانونية: هذا التقرير محض خيال، وكل ما يتضمنه من أحداث، هي خرافات عارية عن الصحة تمامًا... ولا صلة لها بالواقع.