سورية ربما تفلت من العزلة الدولية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
رؤية لبنانية إلى جولة بيلوسي:
سورية ربما تفلت من العزلة الدولية
إيلي الحاج من بيروت : لم يجمع بين زيارتي المستشارة الألمانية أنجيلا ماركيل ورئيسة مجلس النواب الاميركي نانسي بيلوسي سوى تزامنهما وقصر مدتهما على ساعات محدودة . فماركيل أرادت تفقد جنود بلادها العاملين في القوة الدولية "اليونيفيل" والذين يتولون مهمة مراقبة المياه الإقليمية اللبنانية لمنع تهريب الأسلحة منها إلى "حزب الله" ، في حين كانت زيارة بيلوسي في إطار تطبيق توصيات تقرير بيكر - هاميلتون بفتح حوار إذا أمكن مع سورية وإيران لحل مشاكل المنطقة بدل الإتكال المفرط على القوة العسكرية الأميركية.
وذكرت مصادر بعض من التقوا المسؤولة الأميركية انها أكدت التزام بلادها دعم لبنان ،وطمأنت الى ان "لا مساومة عليه"، وانها تدرك حقيقة الوضع فيه. وأوضحت انه يجب عدم قراءة الجولة التي تقوم بها وخصوصا زيارتها لسورية كأنها تغيير حيال لبنان، وشددت على ان لا خلاف اطلاقا بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة حيال لبنان، وانها ستبلغ هذا الموقف إلى النظام الحاكم في دمشق .
ولوحظ ان بيلوسي حصرت لقاءاتها في بيروت برئيسي مجلس النواب نبيه بري والوزراء فؤاد والسنيورة، مقاطعة رئيس الجمهورية الممددة ولايته إميل لحود، ولم تلتق من رؤساء الكتل النيابية الا رئيس كتلة "المستقبل" سعد الحريري. ولوحظ أيضاً غياب السفير الاميركي جيفري فيلتمان الذي غادر لبنان السبت الماضي فجأة من دون معرفة الأسباب . كما أن السفارة الإميركية لم تقدم أي معلومات عن المسؤولة الزائرة ولا عن الزيارة.
واكتسبت زيارة بيلوسي لدمشق التي وصلت إليها من بيروت أهمية خاصة في توقيتها ودلالاتها ومعانيها ، وذلك لاعتبارها شخصية بارزة، الثالثة في الترتيب الاميركي بعد الرئيس جورج بوش ونائبه ديك تشيني. وهي زعيمة الأكثرية الديمقراطية التي أوصلتها الى رئاسة الكونغرس بعد هزيمة الجمهوريين لتصبح عبئا كبيرا على ادارة بوش، لأنها تُعد رمزا مناهضا لسياسته في العراق وممن يدفعون بقوة إلى جدولة انسحاب القوات الاميركية .
وزيارة بيلوسي لدمشق هي الزيارة الأميركية الأرفع مستوى منذ عام ٢٠٠٥ ، وتحديدا منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري عندما أقدمت ادارة الرئيس بوش على سحب السفيرة سكوبي من سورية والمبادرة الى تطبيق سياسية عزلها دولياً . ولا تنفصل هذه الزيارة عن سياق اميركي متدرج صعودا في اتجاه الانفتاح مجددا على سورية، أخذ شكله الأوضح في مؤتمر بغداد وفي زيارة مساعدة وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون اللاجئين والهجرة الى دمشق، وسيأخذ شكله الأوضع في مؤتمر اسطنبول هذا الشهر، المقرر عقده على مستوى وزراء الخارجية، والمتوقع ان يشهد لقاء جانبيا بين وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس ونظيرها السوري وليد المعلم.
ومن نافل القول أن هذه الزيارة التي لا تحظى بدعم البيت الأبيض والتي نالت قسطا وافرا من انتقاداته باعتبارها فكرة سيئة، تندرج تحت سقف "تقرير بيكر- هاملتون" الذي يبدو، رغم اهمال الرئيس بوش له والايحاء بوضعه جانبا، انه دخل في صلب السياسات التطبيقية الاميركية في المنطقة.وبالتالي إن السياسة العلنية للديمقراطيين وهي الدفع في اتجاه جدولة الانسحاب من العراق والحوار مع سورياةوايران، يمكن ان تكون او ان تصبح هي السياسة الضمنية غير المعلنة للادارة الاميركية، على أساس أولوية مطلقة للملف العراقي وربط سائر ملفات المنطقة به.
ويترافق اللين في الموقف الاميركي من سورية، وهو ما تؤكده زيارة بيلوسي واعترافها بدور دمشق الاقليمي كممر لمشاريع الحلول، مع تبدل في الموقف الاوروبي ظهر في خلال زيارة مفوض الإتحاد الأوروبي لشؤون السياسة الخارجية والأمن خافيير سولانا لدمشق موفدا من الاتحاد وبموجب تكليف وقرار رسمي أيدته فرنسا وإن على مضض . كذلك يترافق تحوّل في الموقف العربي ظهر في قمة الرياض العربية وتمثل في اعادة فتح خطوط الاتصال والتنسيق بين المملكة العربية السعودية وسورية التي يزورها قريبا رئيس الأمن القومي السعودي الأمير بندر بن سلطان.
وجاء الإنفتاح الاوروبي الحذر على دمشق بعدما وجد الاوروبيون، لا سيما الالمان والاسبان والايطاليون، ان سياسة الضغوط والعزل التي اتبعت مع سورية بتشجيع او تحريض فرنسي وبريطاني لم توصل الى نتيجة. أما التحوّل العربي فحصل بعدما تأكد العرب، لا سيما السعوديون والمصريون، ان لسورية دورا في استقرارلبنان كما أن لها دوراً في عدم إستقراره. وذلك لأنها رغم انسحابها العسكري من جارها الذي لا تعترف به رسمياً حتى اليوم ما زالت تحتفظ بنفوذ سياسي فيه وقوة تأثير كبيرة من خلال حلفاء لها أبرزهم "حزب الله" الذي انضم إليه الجنرال ميشال عون وتياره، مما أعطاها قدرة التعطيل في لبنان بعدما خسرت القدرة على التقرير.
كل ذلك يؤشر إلى أن دمشق على طريق الخروج من الحصار السياسي والعزلة الدبلوماسية،وانتزاع اعتراف متجدد بدورها الاقليمي إذا أحسنت التصرف في المرحلة الآتية وتراجعت عن أسلوب "عليّ وعلى أعدائي". وسيعني نجاحها في الخروج من الورطة التي وقعت فيها منذ اغتيالها الرئيس رفيق الحريري قبل عامين اجتياز أصعب امتحان وأدق مرحلة واجهتهما.
ولكن اذا صح هذا المنطق ، فالصحيح أيضا ان الانفتاح الدولي والعربي على سورية ليس مطلقا ولا مجانيا انما هو مقترن بشروط ومطالب، وان نجاح دمشق في العودة الى الحلبة الدولية لا يتحقق ولا يكتمل الا في حال نجحت في التعاطي مع هذا الانفتاح" وفي قراءة رسائله السياسية التي لا تختلف كثيرا بين "غرب وعرب"، وفحواها ان على سورية ان تؤدي دورا ايجابيا في الملفات الاقليمية بدءا من الملف العراقي لترسيخ الاستقرار في المنطقة ، وان عليها ان لا تنتظر لما تقدمه في العراق مقابلا في لبنان ، وان تساهم في تأمين استقرار المنطقة، والاستقرار اللبناني جزء لا يتجزأ منه، وان تعكس توجها جديدا في لبنان ليس فيه مكان للسياسة وطريقة "وضع اليد" السابقة ، وكذلك ان تقتنع بأن لا عودة في الوضع اللبناني المُحتضن دوليا الى الوراء.