أخبار خاصة

اللبنانيون لم يتوبوا كلياً عن الحرب

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

إيلي الحاج من بيروت : لم يتوقف اللبنانيون عند الذكرى ال 32 لاندلاع الحرب الطويلة الأليمة والمجنونة في بلادهم وعليها . صحيح أن المحطات التلفزيونية والإذاعية خصصت حلقات وبرامج للمناسبة غير السعيدة ، وكذا الصحف والمجلات، وأقامت جمعيات أهلية أنشطة متعددة تحت شعار منع تكرار الحرب ، لكنها بدت بتركيزها على 13 نيسان 1975 لكأنها تتوجه إلى شعب في بلد آخر غير لبنان لا يعني له ذاك اليوم الكثير ، أو تحاول إحياء ذكرى حدث وقع قبل زمن سحيق يتجاوز مدى الذاكرة فما بقي منه غير الطقوس . أو لعلّ الحرب في أذهان هذا الشعب لم تنته فعلاً ليتوقف المرء وينظر خلفه إلى البدايات لأخذ العبر أو حتى للتفكر في النتائج المأسوية التي كان يمكن تفاديها.

هكذا ما كان ممكناً لمن حضر إلى ميدان سبق الخيل عند الخط الذي فصل بالدم والنار بين البيروتين مدى 15 عاماً سوى أن يلاحظ تراكماً لقلق على وجوه المئات الذين جاؤوا يتفرجون على "البوسطة" ، الحافلة الشهيرة التي يقيم لبنانيون كثرعلى اعتقاد أنها سبب نشوب الحرب، بعدما شاء سوء حظ ركابها أن تعبر ضاحية عين الرمانة المسيحية بعد وقت قصير على قتل أحد الكتائبيين وجرح رفاق له برصاص مسلحين فلسطينيين مما أدى إلى مجزرة كانت فاتحة عقد ونصف على الأقل من العنف المبصر والأعمى على السواء .

والحق أن لبنان كله كان ممتلئاً بأسباب الحرب وكل الأطراف كانوا مستعدين لها في تلك الحقبة، إلى درجة كان ممكناً لعبور طير من ميل إلى ميل في السماء أن يشعلها . أما قلق اليوم الذي كان جاثماً أمام مشهد الحافلة الخردة "الديزوتو" الصدئة والمركونة في وسط الميدان فمرده إلى عوامل الحاضر وليس الماضي . فثمة في لبنان اليوم جيل يعتوره الغضب من حين إلى آخر، لا يخشى الحرب لأنه لم يخضها ولم يعرف آلامها. لم يرَ بأم عينيه دماءه ودماء أحبائه ويتحرق للحظة المواجهة . ولولا انتشار وحدات الجيش في شكل متواصل بين عين الرمانة وحي الشياح الشيع،على سبيل المثال، لكان كل يوم شهد مشاكل ترقى إلى إشتباكات مسلحة بين فتية يملأون الشوارع في الحيين الفقيرين.

في اليوم السابق للذكرى نظمت الأقنية التلفزيونية المحلية برامج كان أحدها "كلام الناس" من "اللبنانية للإرسال" صادماً للمشاهدين ، إذ اتصال عدد من الشبان هاتفياً بالهواء المفتوح معلنين استعدادهم للخوض في الحرب مجدداً، نقيض غاية البرنامج الداعية إلى أخذ العبرة والتوبة عن العنف. وبالكاد استطاع مقدم البرنامج وضيفه الصحافي استيعاب الموقف أمام إلحاح الشبان المتحمسين ضد "حزب الله" على غرار موقف آبائهم في السبعينات من التنظيمات الفلسطينية المسلحة التي مهدت بحلولها محل الدولة لاندلاع الحرب في لبنان . وهي مقارنة مذهلة، تستدعي الأسف ، لكنها واقعة ولا أحد يسأل عن أسبابها. لا "حزب الله" الذي بات لفئات واسعة من مواطنيه يمثل "العدو" ولا غيره طبعاً. فليس في لبنان اليوم مكان لغير الإتهامات وعبارات التخوين المتبادل التي يتقن ضخها الحزب وخصومه على السواء.

قال لي أحمد الميقاتي إنه كان بعمر 14 عاماً عندما بدأت الحرب ولم يغادر وأهله إلا لماماً المنطقة المحاذية لرأس النبع حيث كانوا يقيمون وإنه يكره الحرب ويريد أن يعيش وأولاده بأمان وجاء إلى ميدان سباق الخيل ليرى الحافلة- الرمز . أما جوزف نادر، 29 عاماً فقال إنه ورفاقه في ضاحية فرن الشباك ضد الحرب مبدئياً لكنهم لا يهابونها، و"إذا فرضت علينا، يعرف كل واحد ما عليه أن يفعل". وماذا تعني بذلك ، هل تنظمون أنفسكم لمواجهات مسلحة؟ أجاب: "إذا حاولوا يوماً دخول مناطقنا فلن نتفرج". سألته : من؟ فأجاب : "حزب الله".

سألت علي حيدر، 40 عاماً ، الذي حضر وعائلته من الضاحية الجنوبية لرؤية الحافلة، ما هو المانع في رأيه دون تجدد الحرب بين اللبنانيين، فأجابني: "حزب الله". وأضاف : "لو كان غير مدرك لمحاولات جره إلى معارك داخلية لكان لبنان في خضم الحرب منذ يوم المواجهة في الجامعة العربية ( 25 كانون الثاني/ يناير الماضي) على أقل تقدير. ولكن هذا قرار . نحن لا نقاتل شعبنا".

أما محمد شعبان،50 عاماً، الآتي من رأس بيروت، فكان رأيه أن الحرب لن تقع لأن المحكمة ذات الطابع الدولي آتية لا ريب ، وروى أن "وحدات الجيش السوري والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق كانت تتمركز في المكان الذي نقف فيه ، ميدان سباق الخيل، وتقصف على غرب بيروت وشرقها في بدايات الحرب. والسوريون ما عادوا في بيروت".
هل نطمئن؟



التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف