أسرار تنحي الجعفري3
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أسرار تنحي رئيس الوزراء العراقي السابق (3/5)
الجعفري ارتكب 3 أخطاء وموقف الجلبي أضعفه
أسرار تنحية رئيس الوزراء العراقي السابق:
الجعفري أراد عربيا سنيا لرئاسة العراق(2/5)
الخصوم أرغموا الجعفري على التنحية ليتبرأوا من الديمقراطية (1/5)
أسامة مهدي من لندن: في الجزء الثالث من مذكراته بحلقاتها الخمس يروي الدكتور سليم الحسني مستشار رئيس الوزراء العراقي السابق إبراهيم الجعفري أسرارًا جديدة عن أسباب تنحي هذا الاخير عن ترشحه للمنصب بعد فوزه بانتخابات داخل الائتلاف العراقي الشيعي الموحد لاختيار مرشحه للمنصب بعد فوزه في الانتخابات العامة التي جرت اواخر عام 2005 وهو التنحي الذي جاء نتيجة ضغوط داخلية وخارجية، تجنبا لاقتتال شيعي شيعي مؤكدا ان الجعفري ارتكب ثلاثة اخطاء مهدت لتنحيه كما ضعف موقفه من انسحاب مؤيده احمد الجلبي رئيس المؤتمر الوطني نائب رئيس الوزراء السابق من قائمة الائتلاف.وفي هذه الحلقة الثالثة التي تنشرها "إيلاف" اليوم بالتزامن مع موقع (الملف www.almelaf.com) على الانترنت الذي يتولى الحسني رئاسة تحريره حاليا يشير مستشار الجعفري الذي عايش تفاصيل ملابسات الترشيح خلال الايام التي امتدت من شهر كانون الثاني (يناير) عام 2006 حين فاز الجعفري بالترشح لتشكيل الحكومة الجديدة في مواجهة منافسه عضو قيادة المجلس الاعلى للثورة الاسلامية عادل عبد المهدي.. وحتى نيسان (ابريل) من العام نفسه حين اتخذ قراره بالتنحي مرغما.. يشير الحسني الى ان رئيس الوزراء السابق ارتكب 3 اخطاء اولها عدم اهتمامه بالترشيح لرئاسة ثانية حيث كان يتعامل وكأن الأمر لا يعنيه رغم أن مستشاريه كانوا يضغطون عليه للتحرك في هذا الإتجاه وعندما قرر في النهاية أن يرشح نفسه، كان قراره يقترب من البرود.. والخطأ الثاني عزله لمستشاريه اما الثالث فهو رفضه عروضاً إعلامية بالوقوف معه في ترشيحه من أجهزة كبيرة.
واوضح الحسني ان الجعفري نظر إلى قضية الترشيح من بعدها الجماهيري وكان يمني نفسه بأن بقية الأطراف ستنظر الى رأي الشارع ثم تتخذ قرارها.. ولم يكن هذا التقدير واقعيا.. وهنا نص الحلقة الثالثة كما كتبها سليم الحسني :
الحلقة الثالثة من أسرار تنحي الجعفري :
في ساعة متأخرة من مساء يوم من أيام اكتوبر/ تشرين الأول 2005، وكان الجعفري قد عاد من زيارة لمدينة كربلاء، وبعد أن أنهى بعض اللقاءات الرسمية في منزله، جلس مع بعض معاونيه لمناقشة قضية بدت مفاجئة لهم، قال:
ـ إنني يجب أن أنتهي من حسم مسألة ترشيح نفسي بعد الإنتخابات القادمة.
وبعد أن استمع الى وجهات نظر اثنين من معاونيه، بضرورة أن يرشح نفسه، وأن زيارته الى كربلاء تكشف عن حجم التعاطف الجماهيري معه، قال:
ـ لا بد أن يكون قراري دقيقاً، فهذه مسألة بالغة الأهمية، لا يمكن حسمها بعجالة.
وإستشهد بتجربة نيلسون مانديلا، وإبتعاده عن الحكم رغم ما يحظى به من شعبية وتاريخ نضالي كبير.
إنتهى الإجتماع، وكنت أرصده يجول في فضاء التفكير، نظرة في عينيه أعرفها منذ أكثر من عقدين ونصف من الزمن. أعرف حين يشغله أمر يلقي بثقله على صدره، لقد برقت في ذهني لحظتها ملاحظة سجلتها عليه قبل سنوات، وبقيت محفوظة في الذاكرة، ملاحظة نالت شيئاً من الصورة الجميلة المعلقة عنه في داخلي، فبادرته بالقول:
ـ إن شيئاً في نفسي وددت أن أسألك عنه منذ زمن، ففي عام 1998، عندما بدأت بوادر الإنشقاق الأخير في حزب الدعوة، سمعت بطرح رأي داخل القيادة أن تلجأ الى تقديم استقالتها لفسح المجال أمام انتخابات جديدة يتم خلالها تشكيل قيادة للحزب، لكنني سمعت أنك لم تكن متحمساً للفكرة، وقد استغربت موقفك في حينها، فكيف تتمسك بموقعك في القيادة آنذاك وأنت الآن تفكر بعدم الترشيح لولاية جديدة؟.
نفض السؤال عنه تعب اليوم الطويل، وأجاب أنه في كل عملية انتخابية، لا يبادر الى ترشيح نفسه، إلا إذا طلب منه الآخرون، وحين يرشح فانه لن ينسحب، وحين يحصل على أصوات الفوز، فانه يتعامل مع الموقع الذي يشغله على أنه مسؤولية أمام الذين صوتوا له، ولن يتخلى عنه، إلا اذا طلب المصوتون ذلك. وأنهى كلامه بقوله هذا ما ألتزم به دائماً.
لقد أدركت ان الجعفري بصدد اتخاذ قرار خطر، فهو إن قرر الترشيح فإنه سيمضي حتى النهاية، خطوة واحدة فقط، إن بدأها فلا مجال للتراجع.
السيستاني والائتلاف.. والجلبي والجعفري
كانت الصورة واضحة لدى الشيعة بأن المرجع السيد السيستاني لن يزج بنفسه في الإنتخابات النيابية عام 2005، وقد أعلن مكتبه ذلك بشكل واضح. وهذا يعني أن قائمة الإئتلاف لن تحظى بالقوة التي تمتعت بها في المرة السابقة، وقد شجع موقف السيستاني بعض أعضاء الإئتلاف على تشكيل قوائم إنتخابية خاصة بهم، لمنافسة الإئتلاف نفسه، ظناً منهم بأنهم سيحصلون على أصوات كافية وبذلك يتحررون من قيود الإئتلاف، فيتحولون الى كتلة داخل البرلمان لها مطالبها وإستحقاقاتها.
وأشاع البعض أنهم يحظون بدعم المرجع السيستاني، ممارسة لا تبدو غريبة في أجواء التنافس الإنتخابي، لكنها كانت مكشوفة لدى الناخب العراقي فتعامل معها بإهمال، وبذلك جاءت حسابات تلك القوائم خاطئة، فخسرت الجولة.
الدكتور أحمد الجلبي زعيم المؤتمر الوطني العراقي، طالب بنسبة عددية أكبر في قائمة الإئتلاف كشرط لدخول حزبه في الإئتلاف، لكن ذلك لم يحدث، فقرر الإنسحاب من الإئتلاف، وأيضاً واجه الخسارة في العملية الإنتخابية، لكن خروج الجلبي من الإئتلاف ومن ثم خسارته مقاعد البرلمان، حرمت الجعفري من بعض القوة، عندما تفجرت أزمة الترشيح، لما يعرف عن الجلبي من موقف داعم للجعفري بعد أن شغل منصب نائب رئيس الوزراء في حكومته.
كانت مؤشرات الساحة تقول إن الجعفري هو الأكثر شعبية من بين رجال السياسة في العراق، وكانت شعبيته في الوسط الشيعي حقيقة واضحة للجميع.
وفي ضوء هذه الحقيقة الميدانية عرض عدد من مستشاري الجعفري أن يرشح نفسه ضمن قائمة خاصة به، لكنه رفض الفكرة بقوله إن ذلك يضعف الإئتلاف، وإنه يريد أن يعمل على تقويته.
ويبدو أن هذه القناعة قد سيطرت على تفكير الجعفري، بحيث إن أفكاراً ومقترحات أخرى لم تجد طريقاً اليه، كان منها أن يحسم الجعفري قرار ترشيحه لولاية ثانية بوقت مبكر، ثم يجعل ذلك شرطاً لبقائه في الإئتلاف.
إلا أنه رفض ذلك مصراً على أن أي مقترح من هذا القبيل سيساهم في تصدع الإئتلاف ومن ثم تفتته، وكان يرى أن الإئتلاف وجود يجب أن يكبر في أجواء العملية السياسية، قناعة أصر عليها، لكنها لم تواجه بتقدير من بعض الأطراف المكونة للإئتلاف.
قال بعض الذين عرفوا ما حدث لقد ارتكب الجعفري خطأً فادحاً، بل إن بعض مستشاريه رأوه يرتكب هذا الخطأ، فهو يخوض عملية سياسية وحساباتها تستدعي أن يخوض المنافسة من مواقع القوة الممكنة، وحين كاشفوه بعد أن انتهت المهلة القانونية لتقديم القوائم الإنتخابية للمفوضية العليا للإنتخابات، كرر قناعته السابقة.
خليل زاد يستغرب موقف الجعفري
في الساعة التاسعة من مساء 30 كانون الأول 2005 زار السفير الاميركي زلماي خليل زاد منزل الدكتور الجعفري، كانت صناديق الاقتراع قد اغلقت قبل ذلك بساعتين.
على مائدة العشاء طرح خليل زاد سؤالاً مباشراً على الجعفري:
ـ لماذا لم ترشح نفسك بقائمة خاصة بك، بدل دخولك في قائمة الائتلاف؟.
إبتسم الجعفري مذكراً برؤيته السابقة.
حاول السفير الأميركي ان يمضي فترة أطول، لقد كان واضحاً انه قد ادرك ان الجعفري يخطو بقوة نحو ولاية ثانية، وانه سيكون رئيس الوزراء لمدة أربع سنوات، فأراد أن يتعرف منه إلى بعض ملامح المستقبل الذي يخطط له، لكن الجعفري أخبر خليل زاد بأنه على موعد في الفضائية العراقية.
كان حظر تجوال المركبات سارياً طوال ذلك اليوم، لكن جماهير من بعض مناطق بغداد قد احتشدت في الفضائية العراقية تريد الاحتفاء بالجعفري. شق الجعفري طريقه بصعوبة، وألقى كلمة مقتضبة في الجماهير، واستمع الى كلمات وقصائد الحاضرين ثم عاد الى المنزل.
بعد عدة أيام زار الدكتور الجعفري مدينة النجف الأشرف، فكانت حركته صعبة جداً، نظراً للحشد الجماهيري الكبير، وعندما دخل الصحن الحيدري الشريف، كان بين الجعفري والموت خطوة واحدة، نتيجة التدافع الضخم.
بعد النجف قرر الجعفري زيارة محافظة الأنبار، الملتهبة بالتمرد والعمليات والقتال، كانت زيارة محفوفة بالمخاطر، لكن الجعفري أصر على زيارتها للحديث مع شيوخها والاطلاع على الأوضاع هناك.
رافقه في السفرة السفير الاميركي خليل زاد، وقائد القوات الاميركية الجنرال كيسي. هناك احتشد الناس وشيوخ القبائل والوجهاء يرحبون بالجعفري، مما دفع خليل زاد إلى القول للجعفري:
ـ لماذا لم ترشح نفسك في محافظة الأنبار.
وهناك معطيات أخرى يصعب حصرها ورصدها، لكنها تلتقي عند نقطة واحدة ثقيلة للغاية، الجعفري هو رئيس الوزراء القادم بلا منازع.. هكذا رأت الأوساط الجماهيرية والسياسية الصورة.
أخطاء الجعفري
كان على الائتلاف العراقي الموحد وطبقاً لمواد الدستور أن يختار مرشحه لرئاسة الوزراء، وكانت الكتل البرلمانية تنتظر هذا الترشيح للبدء في مفاوضات تشكيل الحكومة، حسب مبدأ المحاصصة طبعا.
كان الشارع يعرف أن الجعفري هو مرشح الائتلاف، ولم يكن يساوره أدنى شك بأنه خيار وحيد لا ثاني له. هكذا تعامل الشارع العراقي الشيعي، لقد نظر للمسألة من بعدها الميداني، لكنه لم يضع في حسابه أن هناك عقبات ستوضع في الطريق، عقبات تتجمع كل يوم لتزداد ارتفاعاً واتساعاً.
لم يكن الجعفري مهتماً بالترشيح لرئاسة ثانية، كان يتعامل وكأن الأمر لا يعنيه، غير أن مستشاريه كانوا يضغطون عليه للتحرك في هذا الإتجاه، وعندما قرر في النهاية أن يرشح نفسه، كان قراره يقترب من البرود.. في حسابات السياسة والتنافس المحموم في العراق أيامذاك، كان هذا خطأ آخر يسجل عليه.
بعبارة أدق لقد ارتكب الجعفري خطأ في هذا المجال، كان عليه أن يجري تعديلاً على قناعاته السابقة، فالظروف تتغير والزمن محكوم بقانون الفرصة الخاطفة.
خطأ آخر إرتكبه الجعفري في تلك الأيام، كان عليه أن يشرك مستشاريه في مسألة ترشيحه وما يعقبها من مفاوضات، لكنه وربما بدافع الفتور غير المبرر، وضع لمستشاريه خطوطاً حمرًا في هذا المجال، ومنح صلاحيات واسعة لممثله السيد فالح الفياض، ليتولى القضية.
وخطأ ثالث إرتكبه وللسبب نفسه، أنه رفض عروضاً إعلامية بالوقوف معه في ترشيحه من أجهزة كبيرة، بل إنه تراجع عن الإهتمام بالجانب الإعلامي في مكتبه بشكل لافت، ولقد شكوت له أكثر من مرة هذا التراجع، مع أن الظرف كان يستدعي نشاطاً إعلامياً مكثفاً.
لقد نظر الجعفري إلى قضية الترشيح من بعدها الجماهيري، وأقطع باليقين أنه كان يمني نفسه بأن بقية الأطراف ستنظر الى رأي الشارع، ثم تقرر قرارها.. تقدير من الجعفري لم يكن واقعياً، فحسابات الأطراف المشتركة في العملية السياسية، كانت تتحرك وفق حسابات خاصة، ولم يكن الشارع رقماً ضمن تلك الحسابات.
واشنطن تحاول التعرف إلى تخطيط الجعفري
كثف السفير الأميركي زلماي خليل زاد، زياراته إلى الجعفري، فكان يزوره في منزله على العشاء أو بعده، وكان يخوض معه في أحاديث مختلفة حول العراق وشؤون المنطقة وقضايا العالم، كان واضحاً أن السفير الأميركي، يريد أن يتعرف إلى توجهات الجعفري القادمة حين يتولى رئاسة الوزراء للسنوات الأربع القادمة.
وكان في بعض تلك اللقاءات يذكر له إتصالاته الهاتفية مع الرئيس بوش. كما أن بوش أجرى عدة اتصالات هاتفية مع الجعفري لم يتم الإعلان عنها في وسائل الإعلام، كان يتحدث بوش مع الجعفري عن شؤون متعددة حول وضع العراق ومستقبله ورؤية الجعفري لهذا المستقبل.
وفي تلك الأيام بدأ الجعفري يفكر بإجراء تغييرات في فريق عمله، وقد عقد إجتماعاً لمعاونيه ومستشاريه تحدث فيه بصراحة مكشوفة، وقال لهم إنه يعتزم إجراء تغييرات قد تكون صادمة لبعضهم، وأن عليهم أن يعرفوا أن هذا الفريق لن يبقى ثابتاً، وقال لهم إنه يثمن جهود كل من عملوا معه، ولن يتخلى عنهم، لكن التجربة الماضية كشفت عن وجود خلل في المكتب، ولا بد أن يتحملوا مسؤولية التغييرات مثلما يتحملها هو، بعيداً عن أي إعتبارات شخصية.
وبدأ الجعفري يخطط لإعادة النظر في توزيع المهام، وفي استبدال بعض مستشاريه بآخرين. بل أنه أقدم بالفعل على بعض التغييرات في فريقه.
ويبدو أن هذه الخطوة قد دفعت واشنطن الى معرفة ما يخطط له الجعفري في هذا المجال، فحاول بعض مسؤولي الادارة الأميركية الذين وصلوا الى بغداد، معرفة هذا الجانب، وبدأوا يستطلعون طبيعة التغييرات التي يحاول الجعفري ان يقوم بها.
لقد بدأت الأمور تسير باتجاه محدد، ها هو الجعفري قد وضع قدمه على طريق الترشيح، وهذا يعني أنه لن يتراجع بعدها، لكن في الطريق كانت هناك عتمة تخفي في ظلمتها مخططات كبيرة، بدأت من داخل الإئتلاف وإستقرت على أفواه الآخرين.