أخبار خاصة

الجيش اللبناني يقاتل في أزقة صعبة ولا يتراجع

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

تقويم عسكري لمعارك مخيم نهر البارد
الجيش اللبناني يقاتل في أزقة صعبة ولا يتراجع

الياس يوسف من بيروت: يتابع اللبنانيون معركة مخيم نهر الباردبين الجيش اللبناني ومسلحي "فتح الإسلام" ومن يساندهم من تنظيمات موالية لسورية باهتمام وقلق بالغين، في حين يبدي الجيش مزيداً من التصميم على انهاء التنظيم الإرهابي بكل الوسائل العسكرية والأمنية المتاحة . وليس أمام قيادته في أي حال أي خيار آخرلأنها لا تستطيع إطلاقاً التفريط بمعنويات الجنود وكرامة المؤسسة العسكرية وهيبتها. وليس واردا عندها مهما تكن التضحيات تعريض الثقة الكبيرة التي أولاها إياها اللبنانيون للاهتزاز .

ويدرك اللبنانيون أهمية هذه المعركة التي وحدتهم والتي في ضوئها تتحدد أشياء كثيرة في مسار الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية والسياسية. وهم يتلهفون الى حسم سريع للوضع الشاذ، والى اقفال نهائي للبؤرة المتفجرة شمالاً، وتراودهم تساؤلات وهواجس مشروعة: لماذا يسقط هذا العدد من الشهداء في صفوف الجيش اللبناني يوميا؟ لماذا تراوح العمليات العسكرية مكانها ويحدث تقدم بطيء وان ثابت؟ هل دخل الجيش في معركة استنزاف طويلة أم ان طبيعة الجغرافيا العسكرية لمخيم نهر البارد وطبيعة المسلحين الإرهابيين ومن يساندونهم في المخيم تفرض عليه معركة متأنية وحذرة؟ هل ان الجيش يخوض حربا غير تقليدية بأساليب وأسلحة تقليدية؟ وهل ينقصه عتاد وتجهيز وسلاح نوعي أم ينقصه غطاء سياسي كامل للتصرف بحسم وحزم أكبر؟ أم ينقصه التعاون الفعلي من الفصائل الفلسطينية داخل المخيم؟

يجيب خبراء في الشؤون العسكرية والاستراتيجية عن هذه الأسئلة بالقول إن الجيش اللبناني يخوض اليوم أصعب المعارك التي تخوضا الجيوش عادة في كل بلدان العالم لأسباب أبرزها:

أولا: أن الجيوش تحارب في الأراضي المفتوحة، وعندما تصل الى الأماكن الآهلة سواء أكانت مدنا او بلدات او قرى فإنها تطوقها وتتابع تقدمها لأن هذه المدن سوف تسقط في الحصار، بينما الجيش اللبناني وجد نفسه اليوم ان عليه ان يدخل الى مخيم نهر البارد لاستئصال العناصر الارهابية من داخله، والقتال صعب في المناطق المأهولة والمعارك ستأخذ وقتا كبيرا والجيش يتقدم بحذر.

ثانيا: يواجه الجيش صعوبة في تقدمه بسبب وجود المدنيين الأبرياء الذين لا يجوز ان يصابوا بأذى وعليه ان يتجنبهم.

ثالثا: إن المسلحين الذين يقاتلون في وجه الجيش ومن يساندونهم من تنظيمات أخرى عددهم كبير وسلاحهم هو سلاح جيش كامل، إذ يستخدمون مدافع هاون وراجمات صواريخ وأسلحة مضادة للدروع، ولديهم عتاد وأسلحة متطورة. والأحداث ستكشف عندما تنتهي الحرب أن لديهم عتادا لا يسلم الا إلى جيوش نظامية . وسيكشف لاحقا مصدر هذا العتاد.

رابعا: هؤلاء امسلحون لا يتقيدون في القتال باتفاقات جنيف، فالجيوش عادة عندما تحاصر وتتأكد انها غير قادرة على الانتصار ضمن الامكانات الموجودة لديها تستسلم لأن في القتال عادة نوعاً من الفروسية وان كان فيه موت. أما هذه المجموعة فلا نية لديها للاستسلام أبداً. لذلك على الجيش ان يجبرهم على الاستسلام او يقضي عليهم.

وهذا النوع من الحروب يعتبر من أصعب الحروب التي تخوضها الجيوش النظامية. فالجيش طوق المخيم وقصف في كل الاتجاهات، وعندما يشعر بأن هناك نقطة ضعف في هذا المكان الذي يطوقه يخترقه وأكبر دليل على ذلك انه علم بأن نقطة الضعف من الناحية الشرقية فاخترقها وأسقط الخطوط الأمامية للتنظيم الإرهابي، وكان ضاغطا على جميع المحاور وخصوصا المحور الشمالي حيث انهم متوغلون في المحور الشمالي في أبنية كبيرة وعالية . ومن الناحية الشرقية يتقدم الجيش ببطء وحذر لأن الجماعة المسلحة تفخخ كل شيء حتى الجثث والأبنية. والجيوش في هذه الحالة تتبع احدى سياستين:

اما ان تتقدم بسرعة فيسقط لها ضحايا كثر وتنجح، واما تتقدم بحذر لتقلص عدد الضحايا خصوصا المدنيين والعسكريين، والجيش يطبق هذه السياسة لأن القتال هو من مبنى الى آخر والمبنى الذي يتركه المسلحون يفخخونه.

الجيش يتقدم من الشرق لأن المخيم مقسوم الى قسم شمالي وآخر جنوبي. القسم الجنوبي فيه الكثير من المدنيين والقسم الشمالي فيه الكثير من الأبنية الكبيرة والمحصنة، وهو يسمى مخيما لكن فيه العديد من الأبنية. والجيش سيقسم المخيم قسمين وسيطوقهم في القسم الشمالي من أجل القبض عليهم او القضاء عليهم. فهؤلاء يقاتلون حسب العقيدة التي يؤمنون بها حتى الموت لأن الموت بالنسبة اليهم له ميزة خاصة. لكن هناك قسما قليلا يفضل ان يستسلم على ان يموت.

وهذا عائق كبير أمام الجيش عندما يلتقي الجندي بشخص او مقاتل آخر لا يريد الاستسلام عندها سوف يقضي عليه الجندي وحتى يقضي عليه فإن هذا الأمر سيكلف الجندي أمورا كثيرة لأن المسلح يكون مفخخا . وهذه الصعوبة التيتواجه الجيش. لذلك يهاجم الجيش بقوة خصوصا في اليوم الأول ويصطحب معه عناصر هندسية لتفكيك كل المتفجرات والأفخاخ حتى تقلل من الأضرار.

الجيش اللبناني ودون شك قد اتخذ قرارا بالتعامل بشكل حاسم مع مجموعة مسلحة تعمل بطريقة عقائدية انتحارية ومع خصم نسبة الاستسلام لديه ضئيلة، وهذا الأمر الذي جرى توجيه الجنود على أساسه، بمعنى أن عليهم التعامل بحذر مع أي فرد داخل المخيم او مقاتل يريد ان يستسلم ، لأنه يمكن ان يكون قد أحاط نفسه بحزام ناسف او يمكن ان يخدع الجنود.

القتال في غابة باطون

وعدا الأحزمة الناسفة التي قد تقف عائقا أمام الجيش، هناك مسألة وجود المدنيين اذ ان المقاتلين يستخدمون المدنيين دروعاً بشرية الى جانب الطبيعة الجغرافية للمخيم، والتي تشكل صعوبة ذات أهمية كبيرة ، إذ ان أزقة المخيم ضيقة والأبنية متلاصقة جدا ببعضها البعض مثل غابة الباطون. وقد أدخل الجيش في المعركة فرق نخبة من المغاوير و"المكافحة " وفرق التدخل والمجوقل وفرق المشاة وفوج المدرعات، وتمكن فوج المدرعات من الوصول الى الحد الذي يمكن الوصول اليه لناحية أزقة المخيم، لكنه لا يستطيع دخول الأزقة لأن المسلحين يمكن ان يسيطروا عليه هناك بال "آر. بي. جي". وهناك مسافة معينة تقف عندها آلية المدرعة.

المعركة اليوم هي معركة مشاة، معركة قوات خاصة تدعمها المدفعية الثقيلة. وحتى المدفعية الثقيلة أصبح لها حدود في ظل المسافات الضيقة. فأقصى حد هو "مركز صامد" ويفصل هذا المركز عن مكان تمركز الجيش نحو ٥٠٠ او ٧٠٠ متر . لذلك هناك حد لاستخدام آل سلاح او ذخيرة، وحتى الآن استخدم الجيش مدافع الدبابات. ويتم التقدم تحت غطاء مدفعي خفيف في حين تتعامل فرق الهندسة مع الألغام والعبوات داخل المباني لتسهل دخول فرق المشاة والسيطرة عليها.

ومن الطبيعي في هذه الحال أن يكون التقدم العسكري دقيقا ومكلفا لناحية الخسائر المادية والبشرية، ويصبح الأمر أكثر صعوبة في حال أخفقت المنظمات الفلسطينية اما عمدا او لعدم قدرتها في منع مسلحي تنظيم "فتح الاسلام" من الدخول بين المدنيين. وهذه المعادلة صعبة، والطريقة الوحيدة الأنجح هنا هي في الحصار، لأن الجيش ليس على استعداد لدخول معركة تكلف عشرات القتلى من المدنيين على أمل ان تفي المنظمات الفلسطينية بوعدها بطريقة أفضل مما حصل في مخيم عين الحلوة، حيث تعهدت "منظمة التحريرالفلسطينية" عدم السماح ل "جند الشام" بمهاجمة معاقل الجيش، ثم فوجىء بهجوم أدى الى مقتل جنديين، مما ينشر شكوكاً في جدية فتح"عرفات وقدرتها على التعامل مع تهديدات المنظمات الاسلامية.

ويقول الخبراء: تقويمنا للجيش انه يسيطر عسكريا على الوضع وعلى مواقع" فتح الاسلام "في مخيم نهر البارد ويتمتع بالقدرة على القضاء على المسلحين هناك ولديه العزيمة والمعنويات، أما الأخطار فهي في خوضه الحرب بين السكان وإمكان تغلغل المسلحين بينهم. والتقدم يومي والقضاء على قياداتrdquo; فتح الاسلام" مؤشر إلى ضرب معنوياتهم.

ويلاحظون أن الجيش اللبناني يخوض عمليات عسكرية على غرار عمليات الجيش الاميركي في العراق، مع فارق أن الجيش الاميركي يملك الكثير من الوسائل العسكرية المتطورة . ومع ذلك يحرز الجيش اللبناني تقدما كبيرا بما يملك ورغم كل شيء ولسبب واحد انه يدافع عن أرضه، في حين ان الاميركي في العراق يعلم ان ذاك البلد ليست أرضه .

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف