لبنان تغيّر (نحو الأسوأ) في غياب عمرو موسى
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
المبادرة العربية تعود والفرنسية تنكفئ
لبنان تغيّر (نحو الأسوأ) في غياب عمرو موسى
الياس يوسف من بيروت : يعود الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى إلى لبنان (الثلاثاء) لتفعيل مهمته التي كان قد طواها منذ ما قبل بداية هذه السنة، وهذه المرة يرافقه وفد عربي رفيع المستوى في ظل متغيّرات ملحوظة في "الشكل والمضمون والدوافع" ، خصوصًا أنه لا يأتي لحل الأزمة اللبنانية السياسية بقدر ما يهمه حل الأزمة المتفاقمة بين لبنان وسورية، والقيام بجهود وساطة لخفض مستوى التوتر والتأزم في أعقاب الشكوى اللبنانية على سورية المرفوعة أمام الجامعة العربية في اجتماعها قبل أيام على مستوى وزراء الخارجية العرب.بمعنى آخر يعود عمرو موسى الى بيروت من أجل تسوية الأزمة السياسية اللبنانية. وقد تجاوزت أحداث الأشهر الماضية مبادرته وكل الأفكار والمقترحات التي أخفق في تسويقها.
ويعود تحت وطأة أوضاع داخلية واقليمية تدفع بالوضع اللبناني الى مرحلة بالغة التعقيد والخطورة، ذلك ان الأزمة الداخلية مستحكمة ولم تعرف أي تطور او اختراق ايجابي ومرشحة لأن تشتد أكثر مع اقتراب استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية . إنتخاب بات في مهب الريح، وأضيفت إليه توترات ومشاكل أمنية زعزعت الاستقرار الداخلي ووضعت لبنان على خط التوترات الاقليمية واضافت إسمه نقطة ساخنة على خريطة المنطقة بعد العراق وفلسطين.
هذه التطورات الأمنية المتعددة الشكل والمصدر مع بروز ظاهرة "فتح الإسلام" واعتدائها على الجيش اللبناني واكتشاف خلايا نائمة لـ "القاعدة"، وعودة مسلسل التفجيرات والاغتيالات السياسية، لا يمكن عزلها عن مسار اقليمي متفجر ، خصوصًا ما يجري على الساحة الفلسطينية التي شهدت تحولاً جذريًا في مسارها الداخلي، وما سيكون لذلك من انعكاس على وضع المخيمات في لبنان ومسار الحوار اللبناني الفلسطيني، وأيضًا على مسار عملية السلام في المنطقة.
كذلك يعود موسى الى بيروت لتحريك مبادرة عربية ليست معزولة عن مسألتين:
الأولى، المساعي السعودية- الايرانية التي ما زالت تدور عند نقطة منع الإنفجار والفتنة الشيعية - السنية أكثر مما تدور حول حل الأزمة السياسية، والتي تأثرت من جهة بفعل ما أصاب الدور السعودي من انتكاسة في أعقاب اخفاق مسعى ما قبل القمة العربية في لبنان، إلى انهيار" اتفاق مكة" الذي لم ينجح في تنظيم الخلاف الفلسطيني ولم يحل دون انفجاره. ومن جهة أخرى، بإنهماك إيران في حوارها الثنائي المباشر مع الولايات المتحدة، وربط موقفها من ملفات وأزمات المنطقة من العراق الى فلسطين الى لبنان بمجريات هذا الحوار.
المسألة الثانية هي المبادرة الفرنسية في اتجاه لبنان، والتي يبدو انها تواجه متاعب ومشكلات تحول دون انطلاقتها . لهذا انكفأ او انحسر التحرك الفرنسي الذي كان قد إنطلق بقوة فور تسلم برنار كوشنير وزارة الخارجية، وتبلور سريعًا في اتجاه الدعوة الى مؤتمر حوار لبناني في باريس وفي اتجاه انفتاح على قوى المعارضة كان في طريقه لأن يتوسع صوب دمشق.
وما حصل أن باريس قررت التريث في خطواتها، وتأجيل زيارة موفدها جان كلود كوسران لدمشق، وخفض سقف الحوار من مؤتمر سياسي الى ندوة أكاديمية. وجاء هذا التبدل الفرنسي في أعقاب تطورين:
الأول يتصل بالوضع الداخلي في لبنان إثر اغتيال النائب وليد عيدو، وما أدى اليه من عودة أجواء التوتر والتشنج واطاحة بمناخات حوارية أولية.
والثاني يتصل بالموقف الاميركي والتحفظات التي أبدتها واشنطن على انفتاح فرنسا على دمشق وعلى دعوتها "حزب الله" إلى مؤتمر باريس، وعلى انتهاج سياسة متوازنة بين المعارضة وقوى ١٤ آذار/مارس في لبنان، إضافة إلى أن واشنطن لا تحبذ حوارًا فرنسيًا مع إيران وسوريا في هذه المرحلة وفي معزل عن أجندتها الأساسية في المنطقة ومن دون تنسيق مسبق معها.
ونتيجة لكل هذه التحفظات في لبنان ومن واشنطن، سيكون مؤتمر باريس اللبناني مرشحًا للتأجيل أو حتى للإلغاء، وسيعود التنسيق الأميركي - الفرنسي حول لبنان إلى ما كان عليه مع آليات جديدة وعلى قاعدة أن أي تحسن في العلاقات مع سوريا يظل رهنًا بتغيير السلوك السوري في لبنان.
في هذا الوقت، تحتدم الأزمة السياسية الداخلية نتيجة التطورات الأمنية والسياسية الأخيرة التي سبقت وأعقبت عملية اغتيال النائب وليد عيدو، وأدت الى اطاحة مشروع حكومة جديدة كانت موضوعة على نار حامية... فإذا كانت أحداث نهر البارد أدت الى تعديل في المناخ الدولي ونوعية وطبيعة الاهتمام بلبنان، فإن اغتيال النائب عيدو أدى الى تعديل المناخ الداخلي وفي اتجاه عودة التصعيد السياسي والتوتر الشيعي السني إلى ما كان عليه قبل أشهر.
وهكذا انتهج فريق الأكثرية استراتيجية سياسية جديدة بعد اغتيال عيدو وفي ثلاث اتجاهات: اجراء انتخابات فرعية في بيروت والمتن لملء مقعدي النائبين عيدو وبيار الجميل، واللجوء الى جامعة الدول العربية لطرح مسألة الارهاب وضبط الحدود مع سورية مقدمة للوصول الى مجلس الأمن، وللحصول على موقف أو قرار دولي بشأن سورية والحدود معها.
أما المعارضة التي يقودها "حزب الله" فتعتبر أن هذه السياسة الهجومية تنطوي على تصعيد وتحدٍ وتؤشر الى سقوط مشروع حكومة الوحدة وامكانات التوافق على الاستحقاق الرئاسي، ولذلك عادت الى التلويح مجددًا بالبدائل وأوراق تصعيدية لديها وأبرزها ورقة تشكيل رئيس الجمهورية إميل لحود "حكومة ثانية" تنازع الحكومة على السلطة وإن لم تعترف بها إلا إيران وسورية، في حين تعتبر هذه المعارضة نفسها غير معنية بالانتخابات الفرعية وستتعاطى معها بـ "لا مبالاة"، ما سيحولها الى انتخابات تزكية تعيد المقعدين الشاغرين إلى تيار "المستقبل" وحليفه حزب الكتائب.