أخبار خاصة

حدث في مطعم الإرهاب المصري

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الثقافة السائدة ساعدت على طغيان اللغة الدينية المتعصبة
حدث في "مطعم الإرهاب" المصري

نبيل شرف الدين من القاهرة: لعل المرء لا يبالغ حين يزعم أن الوضع الاجتماعي في مصر، أصبح أسير الإرهاب باسم الدين، وصارت غالبية المصريين عاجزة أمام المد الأصولي المتخلف، وتضطر إلى نفاق المتطرفين لتمضي الحياة، وهذا مؤشر واضح للهزيمة، فإفتقاد القدرة على بلورة خطاب بديل يعني أن مسألة انتصار الأصولية هي مسألة وقت، وبالطبع فإن القادة السياسيين بوسعهم الاستمرار بمواقعهم بفضل آلة الدولة التي لا تتفكك إلا بكارثة، وبالتالي يصبح الرهان على التعايش مع المرض وليس على الشفاء منه.

وهذا يعني أن هذه الأنظمة تمهد الأرض للأصوليين، وتمنحهم الشرعية ربما لجيلين أو ثلاثة حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولاً. ولعل الثقافة السائدة هي السبب لأنها لا تقاوم فكريًا طغيان اللغة الدينية المتعصبة على مجمل أنشطة الحياة، وليت الأمر اقتصر على ترك الساحة خالية أمام المتطرفين ليرتعوا فيها، وإنما ساهمت الدولة في ترسيخ الأصولية الإسلامية، وفي هذه القصة التي كان شاهدًا عليها الأستاذ صلاح زكي مراد، ابن المناضل المصري اليساري الشهير، من الدلالات ما يكفي للإشارة إلى طبيعة ما يجري في مصر الآن، وإلى أي منعطف خطر تجري جرجرة المجتمع بشدة إلى وصاية الأدعياء باسم الدين على الغالبية، في استغلال رخيص لاحترام الناس للدين.

يقول صلاح : "يوم الخميس الماضي عدنا أنا وزوجتي من يوم عمل مرهق يتسم بشدة الحرارة، وعلى الرغم من تمتعي ببشرة سمراء إلا أن أشعة الشمس توغلت في مسام يدي، مما جعلني أشفق على تلك السيارة التي أقودها والتي تقتحم الشمس كافة منافذها". ولأنني اعلم أن جهد زوجتي المبذول في العمل يفوق جهدي خاصة في هذا اليوم قررت اصطحابها هي وابني الذي لم يكمل عامه الثاني بعد الغذاء في أحد المطاعم المكيفة كي نأكل فول وكشري تحت نسمات التكييف وكان المطعم اسمه (أرزاق) بالجراند مول بالمعادي التي أسكنها.

الساعة4.15 عصرًا جلسنا على احد الموائد بعيدًا عن التكييف والمراوح بناء على نصيحة زوجتي، وحرصًا على سلامة ولدي عمر الذي بدأ في الإنطلاق مرحًا بين أروقه الموائد المجاورة. أتى "الجرسون" حسن حاملاً معه القائمة الخاصة بالمأكولات ولم تكاد تمضى دقيقتان حتى عاد منبها أن موعد صلاة العصر أتى ولذا يطلب تأجيل طلباتنا لحين الإنتهاء من الصلاة سألته زوجتي بجرأة تعجبت لها: ومتى تنتهون من الصلاة ؟، ونظرًا لأنها محجبة فيبدو أنه اندهش لسؤالها المباشر وأجابها بوجه خشن خلال ثلث ساعة، فطلبت ماء وعصير من باب التصبيرة لنا ولابننا الجائع.

الطاولة اليمنى كانت بها أسرة من زوج وزوجة وولد وبنت في سن الصبا، والزوج ملتحي طويل القامة غاضب الوجه، والزوجة والأبناء منكبين على الطعام. أما الطاولة اليسرى فكان يجلس عليها شاب يبدو في الثلاثين من العمر يرتدى حلة كاملة رابطًا "كرافتة"(ربطة العنق) توحي بأنه ربما كان مندوب مبيعات شاطر إلى جواره تجلس فتاة ليست على قدر عالي من الجمال ترتدي الجينز ويبدو أن هناك قصة حب بينهم أو مخطوبين فهي تمسك يده بحب، وما أن بدأت تعدل له ربطة الكرافتة حتى قامت قيامة الرجل الملتحي في الناحية المجاورة (ما يصحش كده الحركات دي ما تتعملش هنا) نظر إليه الشاب بوجه شديد الاندهاش حركات إيه، وبعدين أنت مالك، فكان رد الملتحي سريعا: (أنت إنسان غير محترم) ولم ينتظر الشاب حتى تعالت صيحاته بالشتائم وانضمت رفيقته لتسأل للملتحي وأنت ملك قال لها بنظره اعلم معناها جيدا أنت إنسانة غير محترمة.

قررت تهدئة الموقف وطلبت من كل واحد أن يجلس بطاولته دون التدخل في شؤون الآخرين فنظر إلي الملتحي بدهشة، وأتى الجرسون ثم المدير فطلبت منهم التدخل الحيادي، استمعوا بإنصات لكلام الملتحي ثم بعدم اكتراث لرد الشاب وما هي إلا لحظه حتى قال المدير "خدها واقعدوا في حتة تانية ده مكان محترم"، فقامت جنونة الشاب دي محترمة أكتر منك وانتفضت الفتاة، وقالت "هم يمشوا إحنا قاعدين".

لحظات واتى معظم العاملين بالمطعم معظمهم ملتحين للتحرش بالشاب لحمله على المغادرة، قامت قيامتي خاصة مع نظره بنت "خواجاية" دون تعليق وقررت الانحياز حتى ولو اشتمل ذلك الضرب ونجحت في جعلهم يشعرون أن الشاب ليس وحيدًا، لم تنجح محاولاتي بتحقيق نصر يتمثل في طرد الملتحي من المكان نتيجة تطفله.

"أحببت زوجتي أكثر حين شجعتني على المغادرة وتضامنت معي بلسان عال متهمة أصحاب المكان بالتخلف. طلبت من الشاب المغادرة واحترم تضامني، ولكن ملامح الدهشة كانت تكسو وجهه بتعبير يقول أنا معملتش حاجة. استمعت أنا وزوجتي ونحن نهب بالمغادرة لتمتمات الجالسين قالت إحداهن بنظرة عجب "وانتو مالكم دي بنت غير محترمة" دون أن تدري إيه الموضوع. لم يصلوا العصر وذهبنا إلى مطعم آخر وآكلنا جمبري جامبو بخمسين جنيه".

طبق الأصل

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف