الاتهامات السياسية في ثلاثة اتجاهات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الاعتداء على الكتيبة الاسبانية جنوب لبنان
"الاتهامات السياسية" في ثلاثة اتجاهات
إيلي الحاج من بيروت: لم يكن مفاجئاً تعرض إحدى كتائب القوة الدولية المعززة "اليونيفيل" مساء الأحد لاعتداء إرهابي في جنوب لبنان وتحديداً جنوب الليطاني حيث تمارس هذه القوة منذ أواخر صيف العام الماضي مهمة مساندة الجيش اللبناني في منع المظاهر المسلحة وترسيخ الأمن في تلك البقعة التي عرفت استقراراً نادراً على مدى شهور لم تعرف مثيلاً له منذ عقود بفضل تطبيق ما أمكن من قرار مجلس الأمن الدولي رقم ١٧٠١ الذي أنهى حرب تموز (يوليو) بين إسرائيل و"حزب الله". لم يكن مفاجئاً لأنه لم يمض يوم منذ أسابيع لم يصدر فيه كلام تحذيري على احتمال الجنود الدوليين لهجومات تفجيرية إلى درجة أن قياداتهم كانت تتصرف في المدة الأخيرة على أساس أن الهجوم محتوم لا محالة.
لذلك انتقل البحث فور وقوع التفجير إلى التفاصيل أما الأهداف والخلفيات فكانت مدروسة وخضعت إلى تحليل مسبق . وعلى ذلك اعتبرت قيادة القوة الدولية والدول المشاركة فيها أن ما جرى هو بمثابة "انذار مبكر" عبر الدورية الإسبانية التي تعرضت لتفجير أثناء مرورها في سهل الخيام ما أدى الى مقتل ستة جنود دوليين وجرح اثنين جروحا بالغة. ولوهلة أولى ساد اعتقاد ان عبوة ناسفة انفجرت بها، وسرعان ما تبين انها استهدفت بسيارة مفخخة أوقفت الى جانب الطريق وجرى تفجيرها لاسلكيا مع استبعاد ان تكون العملية انتحارية وان تكون السيارة المفخخة اقتحمت موكب القوة الاسبانية.
ولفت على الأثر أن أي جهة لم تتبنَ المسؤولية عن الهجوم الذي جاء بعد أسبوع على عملية اطلاق صواريخ الكاتيوشا على شمال اسرائيل تبنتها جهة غير معروفة تسمي نفسها "لواء بدر" . وفي انتظار نتائج التحقيقات والمعلومات الأمنية، توزعت "الاتهامات السياسية" في ثلاثة اتجاهات رئيسية: الإتجاه الأول - تنظيم "القاعدة" : استنادا الى معطيين ، أولهما "النداء- الانذار" الذي أطلقه قبل أشهر الرجل الثاني في هذا التنظيم أيمن الظواهري لتحويل لبنان أرض جهاد وساحة حرب ضد ما سماها "القوات الصليبية" ، قاصداً القوة الدولية "اليونيفيل" ، وثانيهما هو ما توافر من معلومات ووقائع، خصوصاً من طرابلس ومخيم نهر البارد ومنطقة البقاع الأوسط حول وصول "القاعدة" الى لبنان وتغلغلها فيه عبر خلايا نائمة تتمتع بقدرات تنفيذية: وجود " القاعدة" في هذه البلاد أصبح واقعا ولم يعد مجرد افتراض وتوهم.
الإتجاه الثاني - تنظيم "فتح الإسلام" : استنادا الى ما صدر عنه خلال معركة مخيم نهر الباردمن اتهامات باستهداف المخيم من " البوارج الحربية الدولية"، اضافة الى اعترافات أدلى به موقوفون من "فتح الاسلام" تتعلق باعتداءات ضد قوة "اليونيفيل".
الإتجاه الثالث - فصائل فلسطينية مرتبطة بالنظام السوري أو متحالفة معه: هذا الاتهام صدر عن قوى ١٤ آذار/ مارس التي أدرجت الإعتداء في اطار مخطط تفجير شامل للوضع في لبنان من الشمال الى الجنوب مرورا ببيروت بما يثبت ما كان مسؤولون سوريون أشاروا اليه او حذروا منه في معرض التداعيات المترتبة على اقرار المحكمة الدولية تحت الفصل السابع، اضافة إلى ملف الحدود اللبنانية- السورية الذي فتح حديثا ومن خلفية نشر قوة دولية عليها وتوسيع مهمة "اليونيفيل" في هذا الاتجاه، وبالتالي يشكل الإعتداء على "اليونيفيل" جزءاً من مخطط تفجير الوضع في لبنان على أمل تعطيل القرارين الدوليين ١٧٠١ و١٧٥٧ المتعلق بتشكيل المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري ورفاقه.
إلا أن الإعتداء الارهابي يطاول" حزب الله" أيضاً: لم توجه أي دولة أو أي فريق إتهاماً إلى هذا الحزب لا سياسياً ولا غير سياسي بالتورط في هذا العمل . وحتى اسرائيل سارعت الأسبوع الماضي الى نفي علاقة "حزب الله" بإطلاق الكاتيوشا الثلاثة على أراضيها، لكن مصادر عسكرية في إسرائيل علقت على استهداف الدورية الاسبانية بالإشارة الى" استفزازات من مقاتلي "حزب الله " في اتجاه "اليونيفيل" سجلت في الماضي، ومن غير المستبعد ان يكون الحدث موجها". ولم توضح هذه المصادر ما تعنيه، علماً أن" حزب الله" وحليفته حركة "أمل" والجنوبيين الشيعة في شكل خاص متضررون من هذا التفجير الذي يعيد الجنوب الى مربع عدم الاستقرار وينذر بتقويض وتآكل تدريجي للقرار ١٧٠١ ومهمة القوة الدولية التي جاءت لحماية حدود اسرائيل الشمالية وباتت عمليا تشكل حماية لجنوب لبنان ول"حزب الله" وعائقا دوليا مهماً أمام أي حرب اسرائيلية جديدة.
ولكن يبقى "حزب الله" معنياُ بالإعتداء من منطلق "مسؤوليته المعنوية والعملية" لأن هذا التطور يثبت وجود اختراق أمني متكرر لمنطقة يعتبر صاحب نفوذ وحضور قوي وفاعل جداً فيها، مدنيا وأمنيا، رغم انها رسميا وقانونيا في عهدة الجيش والقوة الدولية.
ولا شك أن استهداف "اليونيفيل" يدخل تغييرا ملموسا على النظام الأمني لهذه القوة في تحركاتها وتنقلاتها وأنشطتها ، وهي بدأت تخضع إلى اجراءات أمنية مشددة وباتت تعمل في ظل "التدبير الأمني الأصفر" منتقلة من حال الاسترخاء الى حال الاستنفار. تدبير يترجم ظاهرياً وضعاً للخوذ الحديد على الرؤوس وارتداء السترات الواقية للرصاص لدى إقامة الحواجز وتسيير الدوريات التي ستغطيها طوافات حربية أكثر فأكثر يوماً بعد يوم للمراقبة والملاحقة عند حصول إي طارئ.
ولعل توقيت العملية هو من العناصر اللافتة في هذه العملية التي تحصل قبل أيام من مناقشة التقرير الخاص بتنفيذ القرار ١٧٠١ الذي يتطرق الى مسألة لحدود اللبنانية- السورية في ضوء تقرير بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق ووضع الحدود، وقبل أسابيع من التجديد للقوة الدولية بعد مرور سنة على تعزيزها، كمًا ونوعًا، هذا التجديد الذي تربطه اسرائيل وتشترط له توسيع مهمات "اليونيفيل" ونشر قوة دولية على الحدود مع سورية أيضاً لضبط حركة توريد السلاح الى "حزب الله" الذي أعاد بناء ترسانته العسكرية.
وفي المختصر، يستكمل الهجوم على القوة الدولية يكمل حلقة التوتر والتفجر في لبنان في خط نار يمتد من الشمال الى الجنوب، ويؤشر إلى انكشاف أمني فاضح في الوضع اللبناني . ولا يلوم أحد اللبنانيين ، الجنوبيين خصوصاً الذين فروا الأحد بعد سماعهم دوي الإنفجار القوي جداً من قراهم إلى بيروت خشية وقوع الأسوأ الذي خبروه جيداً. والأرجح أنهم لم يسألوا أنفسهم هل أن بيروت أكثر أمناً من قراهم.