البصري عاش مبعدا في أيامه الأخيرة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
وكالة الأنباء الرسمية تأخرت في إعلان وفاة البصري
ادريس البصري عاش مبعدا في أيامه الأخيرة
المغرب: وفاة أقوى وزير داخلية في عهد الحسن الثاني أحمد نجيم من الدار البيضاء: تأخرت وكالة الأنباء المغربية الرسمية كثيرا قبل أن تنشر خبرا عن وفاة إدريس البصري، أقوى وزير داخلية في تاريخ المغرب الحديث، واكتفت الوكالة الرسمية التي كانت تمجد البصري، بنشر خبر صغير على الساعة الحادية عشر والربع صباحا، وجاء فيه "علم لدى مصدر طبي أن وزير الداخلية الأسبق السيد ادريس البصري توفي اليوم الاثنين بأحد المستشفيات بباريس عن سن يناهز69 سنة، وذلك بعد صراع طويل مع المرض". يبدو أن الانتقادات الشديدة التي كان يوجهها الراحل لرجالات الملك الحالي محمد السادس، كانت أحد أسباب هذا التأخر. وانتظرت الوكالة ساعة و39 دقيقة لتنشر الخبر موسعا، وضمنته معلومات عن هذا الرجل الذي بصم تاريخ المغرب الحديث. ولم تبث القناة الثانية "دوزيم" الخبر في نشرتها الزوالية.
هذا الموقف من مؤسسة رسمية، يكشف جزءا من صراع اشتد في السنوات الأخيرة، خاصة بعد إقالة البصري من منصب عمر فيه ربع قرن سنة 1999، وكان ينعت بالرجل الثاني لنظام الحسن الثاني.
البصري عانى كثيرا مع المرض ومع رجالات الملك السادس الذين اتهمهم دوما بالسعي وراء الإساءة إليه وتشويه سمعته أمام الملك. وعلمت "إيلاف" أن الملك محمد السادس أمر بنقل جثمانه إلى الرباط عبر طائرة خاصة انتقلت إلى العاصمة الفرنسية باريس. ومن المتوقع أن يدفن يوم غد الثلاثاء في مسقط رأسه سطات.
سياسيون ينعون الرجل القوي في نظام الحسن الثاني
ساعات بعد وفاة إدريس البصري بمصحة في الضاحية الباريسية، تفاوتت ردود فعل السياسيين المغاربة. ففي أجواء حملة الانتخابات التشريعية، فضل الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية محمد اليازغي عدم تقييم مرحلة استوزاره، وقال في تصريح لجريدة "المساء" ينشر في عدد الغد الثلاثاء "ديننا الحنيف يحثنا على أن نذكر أمواتنا بخير، وحدث وفاة البصري ليس مناسبة لأتحدث عن أشياء مرتبطة بعهده"، فيما ذهب القيادي اليساري المعروف محمد سعيد آيت يدر إلى القول، في تصريح للجريدة نفسها، أن إدريس البصري "لم يترك شيئا ليترحم عليه" وقال القيادي السياسي "كان إحدى أدوات الدولة التي استعملت من أجل تزييف الانتخابات" وأكد أن البصري اختار في المراحل الأخيرة من حياته مغادرة المغرب "ليتهرب من المتابعة".
أما محمد زيان زعيم الحزب الليبرالي المغربي، فقال إن وفاة البصري ليست حدثا وأضاف أن الحدث هو "المذكرات التي تركها خلفه" وأضاف أنه لو نشرت تلك المذكرات لسحب قياديون من اليسار ترشيحاتهم، أما زعيم الحزب الشيوعي سابقا إسماعيل العلوي (حزب التقدم والاشتراكية حاليا) فاعتبر أن البصري أسدى "خدمات جليلة للبلاد" وأضاف أنه كرم على ذلك لما وشح بوسام الحمالة الكبرى. وتفادى التعليق على مرحلة إشرافه على وزارة الداخلية "تقييم أداء البصري ينبغي أن يترك للمؤرخين، أما في حادثة الوفاة فلا نملك إلا أن نقول "إنا لله وإنا إليه راجعون". الترحم على روحه كانت العبارة التي رددها من يوصف بأشد خصومه، الوزير السابق المنتدب في الداخلية والمرشح لنيل مقعد في البرلمان فؤاد عالي الهمة، إذ أوضح في تصريح مختصر ل"المساء" "الرجل مات رحمه الله وتقاليدنا وأخلاقنا تدعونا إلى احترام الميت، وهذا أمر واجب".
البصري الذي اتهم من قبل السياسيين والحقوقيين بانتهاك حقوق الإنسان وتزييف الانتخابات، رحل وأخذ معه أسرار كثيرة. سياسيون من كل التيارات سيتنفسون الصعداء بعد هذه الوفاة، خاصة أن بعض الأخبار ذهبت إلى أن مذكرات البصري التي كان يستعد لنشرها لا تهم سوى حياته كوزير للداخلية، ولا تتعلق بأسرار خطيرة.
وكان الملك محمد السادس، الذي أقاله في العام 1999، بعث بوفد للاطلاع على صحته، وقالت جريدة "الأحداث المغربية" أنه بعد علم السلطات المغربية بدنو أجل الوزير الراحل "انتقل وفد يضم أشخاصا مقربين من القصر الملكي إلى باريس وزاروا إدريس البصري في غرفته بالمستشفى". وكان الأمير مولاي رشيد، أخ الملك محمد السادس، أول المعزين، إذ اتصل بأحد أبنائه. وكانت علاقة الأمير بأبناء البصري قوية، خاصة ابنه توفيق.
بعد أخبار عن دفنه يوم الثلاثاء أعلن عن تأجيل دفنه إلى يوم الأربعاء، وكان الراحل أوصى زوجته فتيحة السليماني بدفنه في مسقط رأسه دوار المناصرة بسطات. فيما يسعى أبناؤه إلى دفنه في العاصمة الإدارية الرباط، غير بعيد عمن اعتبره لسنوات الملك العظيم الحسن الثاني.
نبذة عن البصري
الراحل إدريس البصري رأى النور بسطات يوم ثامن نوفمبر 1938، بعد الدراسة في هذه المدينة القريبة من الدار البيضاء، بدأ مشوارا سيستمر لسنوات في سلك الشرطة المغربية، كانت أولى مهماته الكبيرة عميد ممتاز بالأمن الإقليمي للعاصمة الرباط، تنافيه في عمله جعله ينتقل إلى وزارة الداخلية كمدير للشؤون العامة ورجال السلطة. بالإضافة إلى هذه المهمة، عمل البصري على إنهاء دراسته، فحصل على الإجازة في القانون العام فدكتوراه السلك الثالث وأخرى للدولة بجامعة كرونوبل الفرنسية، في نفس التخصص. في العام 1973 عين البصري على رأس المخابرات المدنية المغربية "الإدارة العامة لمراقبة التراب الوطني، لم تمض سوى سنة واحدة حتى اختاره الحسن الثاني كاتبا للدولة في الداخلية. ظل الحسن الثاني يراقبه، خاصة بعد تلقيه ضربات موجعة من أقرب معاونيه الجينرال أوفقير بعد انقلاب فاشل في العام 1972، ولم يعينه وزيرا للداخلية إلا في العام 1979.
خط الوزير الشاب سياسة جديدة تكرس هيمنة الدولة وقوتها، قوة ستزداد بعد حصوله على وزارة أخرى وهي الإعلام في العام 1985، وظل مشرفا على هاتين الوزارتين إلى العام 1995، إذ سيتخلى عن وزارة الاتصال ظاهريا ويترك أقرب مساعديه يتحكمون في الإعلام خاصة السمعي البصري.
في المغرب قبل المغادرة الى فرنسا تصوير عبد اللطيف الصيباري
كان البصري سببا في فشل أولى حكومات التناوب، فالمعارضة آنذاك اشترطت على الحسن الثاني إبعاد البصري عن الداخلية مقابل الدخول إلى الحكومة، فرفض الملك، تأجل دخول المعارضة إلى14 مارس 1998 إذ ستقبل المعارضة بقيادة عبد الرحمن اليوسفي تحمل المسؤولية مع استمرار البصري في منصبه. وفاة الحسن الثاني كانت الصدمة الكبرى للرجل القوي، إذ شعر أن نهايته باتت وشيكة، وهذا ما حصل، فبعد أشهر من الحكم أقال الملك محمد السادس البصري من مهامه يوم تاسع نوفمبر تشرين الثاني 1999، ولامتصاص غضبه وشحه بالحمالة الكبرى لوسام العرش، وأقام الوزير الاشتراكي حفل شاي على شرفه، وهو الحفل الذي جلب إليه نقمة الجمعيات الحقوقية المغربية التي نظمت وقفة احتجاجية للتنديد بهذا الحفل.
في مجلس النواب المغربي ( البرلمان)
مع كوفي عنان بالرباط
رحل إدريس البصري وستدفن معه أسرار كثيرة كان يهدد بكشفها كل مرة، ربما بعضها وصلت إلى المطبعة، فقد كان أعلن عن إنهاء كتابة مذكراته. غير أن تزامن وفاته مع بداية الحملة الانتخابية سيخفي عنه الكثير من الأضواء. فهذه الانتخابات التي طالما أعد خرائطها مسبقا، ستكون سببا في تحويل وفاة رجل الدولة السابق القوي إلى حدث عاد.
najim3@hotmail.com