أخبار خاصة

الاتجاهات العامة للسياسة الخارجية الفرنسية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

صلاح نيّوف- خاص إيلاف: لا فصل بين "السياسة الخارجية" و " السياسة" كما يمكن أن نقول في أدبيات العلوم السياسية. " السياسة" اليوم هي إدارة يومية " للشأن العام"، للدول التي نعيش فيها وخاصة في عالم " معولم" مفتوح على كل أنواع الرياح، حيث لا يمكن التفريق بين السياسة الخارجية والداخلية. "كل مشروع وكل برنامج عليه أن يأخذ بعين الاعتبار وضع الجيران و الأصدقاء البعيدين" كما يرى بعض منظري السياسة الخارجية. وفي التطبيق العملي ،كانت الدولة الفرنسية على حق وامتلك جاك شيراك حكمة كبيرة بقراره الابتعاد عن الأمريكيين في غزو العراق، ومنذ اليوم الأول أكد الرئيس الفرنسي السابق أن الحرب ستؤدي إلى الإرهاب،الحرب الأهلية، ارتفاع أسعار الطاقة، صعود القوة الإيرانية.

من البديهي القول أن أولوية أية حكومة هو التعامل مع شؤونها و أزماتها كما هي بخطورتها و استعجالها. لكن أولوية الأولويات تبقى دائما في التفكير بالمستقبل، التفكير بتحسن وضع الإنسان ولكن أيضا في الاستعداد للأخطار التي يمكن أن يتعرض لها مع الزمن وخاصة بالنسبة للأجيال الجديدة.ضمن هذا المنطق يحدد منظرو السياسة الخارجية الفرنسية أولويات واضحة لفرنسا في المرحلة المقبلة.

ثلاث تحديات، ثلاثة نتائج

التحدي الأول هو " إمبراطورية السوق" : ونتائجها الآلية " الميكانيكية"، مع الأخذ بالاعتبار لتكاليف الإنتاج ( وهذه مشكلة فرنسية كبيرة) ،المرور المدمر و الأعمى من اقتصاد حقيقي إلى اقتصاد "افتراضي". إذا المنافسة المطلقة تركت بحرية مطلقة، فحرمان الناس من الضمان الاجتماعي و عائدات الإنتاج هو مضمون بالتأكيد. الحرف والمهن ومعها الخدمات ستترك الدولة وتهاجر، و الإيرادات المحتكرة من أصحاب الرساميل لن تبقى طويلا داخل البلاد. و ما لا يتحدث عنه الفرنسيون بوضوح هو هروب العقول التكنولوجية وغيرها إلى الخارج لتصبح بلادهم بحاجة لاستيراد عقول أخرى. فكل ما تفعله فرنسا اليوم مثل صناعة الطيران، المراكز النووية، القطارات يمكن خلال السنوات القادمة أن يقوم به صيني، هندي، أفريقي أو برازيلي. و يقول سفير فرنسي سابق في ذلك :" حقيقة الحقائق، هي ألا تعتقد أنك ذكي أكثر من الآخرين".

النتيجة : إذا كانت فرنسا في الثلاثين أو الخمسين سنة القادمة أرض للسياح، مكان للمتقاعدين و عالم من الفنادق الفخمة، مقاهي وشواطئ جميلة، جبال للتزلج و مطاعم بخدمة عالية ، "نبيذ و جبنة تقليدية"، متاحف وفنون، كل هذا جميل و جيد للدولة الفرنسية، ولكن ضمن هذه الفترة الزمنية ربما سيكون في الصين واليابان أفضل من ذلك بكثير وربما في مناطق أخرى من العالم.

يقول بعض الفرنسيين لماذا نحن غير واقعيين، فلنسير كما بقية الدول في اقتصاد السوق بقيمه السلبية الإيجابية، على أن نقلص من عدم قانونيته و الجميع فيه يتمتعون بنفس الفرص و المميزات. فليس شيء غير عادي أو غير طبيعي أن الدول التي ساهمت بتقدم الإنسانية محسنة ظروف ووضع سكانها تقوم على قيم السوق. أن تكون واقعيا يعني ألا تترك نفسك " لاقتصاد الوهم" أو إلى الوهم نفسه يقول " آلان دوجاميت"، دبلوماسي فرنسي سابق، و يتابع " هل نعتقد حقيقة أن بلدا بكامله يستطيع أن يعيش على الاقتصاد " الافتراضي"، من خلال المعلومات، الاتصالات، أو حتى الخدمات البنكية و المالية أو التخصص في مجال الضمان؟ ". في الواقع هناك تخبط فرنسي في اختيار طريق جديد للاقتصاد الوطني، فهل هو بريطاني، ألماني أم أمريكي. أسئلة كثيرة يطرحها الاقتصاديون الفرنسيون فيما يتعلق بمستقبل اقتصادهم.

مع كل ذلك هم في نقاش جاد ولا يتوقف ونقطة تقاطع الجميع، من سياسيين و اقتصاديين أو غيرهم، هي الاقتصاد، أي حياة فرنسا والتي يجب ألا تترك ،وفقهم، لحسابات هنا وهناك تتعلق بإدارة الرساميل، أو لتعليقات تثير الشفقة للخبراء، بل على فرنسا أن تقرر قيام النظام داخل هذه الفوضى وحماية مصادر العمل.

التحدي الثاني... الطاقة

الحديث عنها في فرنسا لا ينتهي وخاصة عندما ترتفع أسعار البترول. حيث تصاب الدولة بالجنون. فالبلاد ليس فيها لا بترول ولا غاز، لكن هناك تقدم في استخدام الطاقة النووية. هذه الأخيرة تجهد فرنسا بشكل استثنائي للحفاظ عليها، تطويرها وتنميتها مع التركيز على التخلص من النفايات النووية. و الفرنسيون يعرفون جيدا أن فرنسا لن تسير يوما على طاقة طواحين الهواء، أو على البخار و زيت عباد الشمس مهما كثر الحديث عن حماية البيئة. فالبترول والفحم مازالا بنفس الضرورة بالنسبة لهم. ولكن أين تقع هذه المصادر ؟

في الصين، الشرق الأوسط ، إفريقيا و أوربا " روسيا"، أي بمعنى آخر في الدولة التي تجاهلتها فرنسا. إذا ضمن هذا المعطيات لابد من الحفاظ على ممرات للوصول إلى مصادر الطاقة في هذه الأماكن. وهنا على فرنسا التوفيق بدقة بين مقاربتها المتعلقة بالدعوة لاحترام حقوق الإنسان و الوصول المضمون لمصادر الطاقة أو البترول بشكل خاص، في روسيا والشرق الأوسط. هذا إذا كانت تريد ضمان مستوى معيشي مقنع لأجيالها القادمة.

التحدي الثالث... القدرة على التوفيق بين الاستهلاك الطاقي وحماية البيئة

القبول بهذا التحدي يقود للحديث عن بذل جهود كبيرة ببناء التكنولوجيا الوطنية. إذا الدولة لم تكن موجودة للقيام بهذا العمل ،مثل متابعة مشروع الطاقة الشمسية مثلا، أو وضع حد للتلوث المتصاعد تدريجيا، فمن سيقوم بذلك؟ يوجد الكثير من العمل في هذا المضمار. ولكن أمام فرنسا عملين أساسيين بهذا الشأن: أولا العمل على إقناع الدول الصاعدة حديثا في المجال الاقتصادي بمخاطر تبني النموذج الغربي في الاستهلاك الحالي، و الذي يجب أن يتغير. من غير ذلك الدول الغربية مع هذه الدول سوف تدمر الكون. ثانيا العمل على دعم الأمم المتحدة في هذا الشأن.

تلك كانت التحديات على المدى المتوسط و البعيد أمام السياسة الخارجية الفرنسية و التي لا يمكن فصلها عن السياسة الداخلية و الشأن العام. ولكن في الشهور القادمة هناك أسئلة ملحة تطرح على السياسة الخارجية: ما هي الأولويات ؟ أوربا،إفريقيا، الشرق الأوسط، الدول الصاعدة أو الأمم المتحدة.

الموضوع اليوم سيكون أوروبا بكل تأكيد، لأن ذلك يتكشف بشكل تدريجي أمام الفرنسيين، حيث اجتماعات لا إحصاء لها في بروكسل، لوكسمبورغ، ستراسبورغ، حوارات وقمم ، الخ. الموضوع الضاغط هو الحياة اليومية لأوربا. فهل ستكون فرنسا حاضرة دائما ومن غير كرسي فارغ، أم ستحني رأسها أمام صعوبات تحقيق دستور أوروبي مازال منتظرا؟ فالمعاهدة الأوروبية لم تكن كما ترغب الشعوب، لقد قامت بها مجموعة من النخب افتقرت إلى رأي الشعوب الأوروبية. ولهذا رفضت. و أية محاولة لإعادة تجميع ما تكسر سيكون مضيعة للوقت.

أوروبا الاقتصادية و الاجتماعية غير موجودة في فصول الدستور كما يرى العديد من متابعي الشأن الأوروبي، والتي لم تكن سوى انعكاسا لماض سياسي أو سياسات قديمة. فلو اتبعت فرنسا، بلجيكا و ألمانيا، اتبعت انكلترا في الحرب العراقي لكانت أوروبا ارتكبت أكبر خطأ سياسي ـ عسكري في تاريخها. إن الاتفاقية الأوروبية لم تبن على قواعد أساسية تتعلق بأوروبا قوية لها دفاع مشترك قوي. وعلى فرنسا متابعة المشاريع الأوربية العملية أيضا، برامج البنية التحتية، الخيارات المتعلقة بالطاقة، مستقبل البحث العلمي، التعليم أيضا. ثم ما يتعلق بالعملة الأوروبية الموحدة، لابد من سياسات جديدة تمنع الولايات المتحدة من تحقيق مكاسب على حساب الأورو وتختطف من الأوروبيين أسواقهم الخارجية. وعلى فرنسا أيضا ألا تخلط في سياستها الأوروبية الخارجية وسياسة فرنسا الخارجية. فعلى سبيل المثال مفوض الخارجية الأوروبية " خفيير سولانا" لم يجهد لإصدار قرار بوقف إطلاق النار في حرب لبنان الأخيرة بينما فرنسا انتزعته انتزاعا. إن حقيقة العالم القائمة اليوم تتطلب من فرنسا بشكل خاص جهدا استثنائيا في القارة الأوربية، وأيضا على صعيد الشرق الأوسط وأفريقيا.

إذا وضعت فرنسا أفريقيا قبل الشرق الأوسط في سياستها الخارجية فهذا يعود لأسباب تعيها فرنسا بشكل واضح ( عدد السكان، انفتاح متزايد، ديناميكية، ثروات كبيرة)، بينما باستثناء البترول وبعض الأقليات ليس لفرنسا الكثير في الشرق الأوسط. حيث التعصب الديني، الانغلاق والعدوانية تجاه الغرب "المسيحي" كما يرى بعض الفرنسيين. ومن أجل وقف الصراعات في ( سيراليون، ساحل العاج، جمهورية إفريقيا الوسطى، الكونغو، تشاد، السودان والصومال) فرنسا التزمت عسكريا ودبلوماسيا. الالتزام عسكريا هو خطر للغاية كما حصل في ساحل العاج في السابق. وهنا على فرنسا إدخال أوربا معها في اللعبة الإفريقية حتى لا تتكبد الخسائر لوحدها وليكون لديها القدرة على مجابهة واشنطن في إفريقيا. من غير أن تنسى دعم الأمم المتحدة في القارة الإفريقية.

بالنسبة للنمو الاقتصادي في إفريقيا. الثروات الأوروبية و الإفريقية غير متنافسة. و الرؤية الأوروبية لعلاقات متوازنة مع إفريقيا تؤدي لوضع إفريقيا في مقدمة الاهتمام الفرنسي، حيث هناك الخشب،البترول، والقطن. وإفريقيا تسعى للحصول على التكنولوجيا الأوروبية وهذا حق لها. ولكن فرنسا ليست وحدها هناك، فالصين مؤخرا انتزعت أسواق العديد من المواد الأولية و أسواقا لصادراتها. سياسيا، يمكن أن تساعد فرنسا في استقرار إفريقيا من خلال مساعدة الإفريقيين على اقتسام السلطة خاصة في أماكن النزاع و الصراع على السلطة والمال. بالتوازي مع تشجيع جمعيات حقوق الإنسان. إذا سياسة خارجية فرنسية فعالة في إفريقيا لا تكتفي ببعض الصور التذكارية مع الأطفال الجياع و العراة، أو عقد قمم سياسية/ سياحية هنا وهناك. بل التزام يبنى على تأسيس فريق عمل حكومي مدعوم بكل الوسائل وله برنامج واضح من البداية إلى النهاية.

في الشرق الأوسط، كان لفرنسا نظرة بعيدة في الشأن العراقي قبل وقوع الحرب كما ذكرنا سابقا. اليوم هناك نظرة مختلفة للصراعات هناك، فبدلا من المراقبة عن بعد و تقييم الوضع بالكارثي لا بد من التدخل حتى ولو كانت الكلفة على غير التوقعات ( هذا في الملف العراقي). في الحالة الإيرانية المعروفة للجميع. إيران ليست دولة بنيت مثل إسرائيل في منتصف القرن العشرين، إنها تاريخ طويل وشعب له خصوصيته وثقافته و تاريخه. و القوة كانت دائما حلما إيرانيا في الماضي و الآن، عسكريا ومدنيا، نوويا وتقليديا. أما سياسة العزل الأميركية فهي أيضا ليس جديدة وليس بحل "للمسألة الإيرانية"، خاصة و أن الصين وروسيا و أتباع المذهب الشيعي في الشرق الأوسط يساندون الكثير من التوجهات السياسية الإيرانية"باطنا أو ظاهرا".

فرنسا تفهم هذا جيدا، و إذا رفضت الاتصال المباشر مع الحكومة الإيرانية بالمقابل عليها الحفاظ بكل الطرق على الحوار معها وعلى الأغلب ستكون السياسة الخارجية الفرنسية قائمة على هذا الخيار مرحليا واستراتيجيا رغم كل التصريحات الرنانة من قبل باريس. ونفس الخطوة ستقوم فيها فرنسا مع دمشق وعموما ستكون أكثر سهولة و أقل إحراجا بعد رحيل إدارة بوش الحالية، وعدم رجحان كفة على أخرى بشكل جذري في الأزمة اللبنانية. و الخطوات الأساسية انتهت منها سابقا وكان أهمها إصدار قرار ( 1559) الذي أجبر سورية على الانسحاب من لبنان. و في العلاقة مع سورية هناك سؤال فرنسي واضح : هل يمكن إقامة السلام في لبنان من غير سورية وحزب الله؟ ويمكن طرح سؤال آخر متعلق به : هل يمكن لفرنسا أن تدير ظهرها للرئيس السوري؟

الجواب المتعقل بالنسبة للسياسة الخارجية الفرنسية هو : لا. حيث لا يمكن تجاهل التأثير السوري في لبنان، وفي لحظة محددة سيكون هناك عمل فرنسي ـ سوري بهذا الشأن، عمل بصيغة دائمة تعترف بدور حزب الله و علاقاته مع سورية و إيران، و بسيادة واستقلال لبنان. ولكن في نفس الوقت مازالت كل المنطقة حاليا خاضعة على الأقل للتأثيرات "النفسية" للصراع الفلسطيني/الإسرائيلي. معطيات الحل موجودة منذ ستين عاما: انسحاب ـ اعتراف ـ أمن. والسؤال الفرنسي، هل دائما يجب انتظار مؤتمرات السلام الأمريكية ؟ ببساطة هل السياسة الخارجية الفرنسية تستطيع تقديم أكثر من ذلك، الاستعداد للحوار وفي كل الظروف، الجاد والطويل، ومع كل قطاعات الرأي العام الإسرائيلي والفلسطيني؟ وكيف يمكن خلق تيار جديد في إسرائيل قريب من نهج تفكير رئيس الوزراء المقتول إسحاق رابين؟

ترى فرنسا، إذا انسحبت إسرائيل من "تقريبا" كافة الأراضي الفلسطينية وفق قرارات الأمم المتحدة أنه لابد في هذه الحالة من ضمان أمن إسرائيل و الاعتراف القانوني بها ، هذا الاعتراف سيكون حلا للسلام الدائم في الشرق الأوسط. و بالنسبة لمعضلة الأماكن المقدسة، الإسرائيلية و الفلسطينية فإن فرنسا تدعم قيامها كأماكن عالمية وتحت حماية محكمة دولية، وألمحت فرنسا لذلك منذ عام 1949 إي أن تكون هذه الأماكن تحت حماية الأمم المتحدة. رغم الرفض القائم من الجانبين حتى الآن.

إذا الشرق الأوسط و إفريقيا، من أولويات الدبلوماسية الفرنسية، ولا يمكن حصرها بمفاهيم سياسية و اقتصادية، ويجب أن تدخل الفضاء الثقافي الفرنسي من جديد وفق رؤية البعض في فرنسا. أي حوار الحضارات. وعلى النقيض من الولايات المتحدة، فرنسا هي حليف بالنظر إلى قدمها في المنطقة ثم إلى القيم المشتركة ،ثقافية وغيرها، مع دول كثير في الإقليم.

بالنسبة لروسيا، إنها من المهمات المعقدة للسياسة الخارجية الفرنسية وتحتاج للكثير من المناورة، ليس بهدف تحقيق التقارب الكبير بل بهدف قيام علاقات "صحية". وذلك يتطلب وضع حد نهائي لرؤية قديمة تجاه روسيا. فروسيا اليوم ليست الثورة الحمراء و الشيوعية المعادية للغرب الرأسمالي. بل على أوربا وفرنسا تفهم التخوفات الروسية من حلف الناتو الذي يمتد إلى ما لانهاية، وهنا على فرنسا أن تتمايز عن الآخرين في المناورات العسكرية التي يجريها الحلف في منطقة البلطيق أو بالقرب من أوكرانيا، على أن تذكر من وقت لآخر بأوضاع حقوق الإنسان في روسيا. لكن الفرنسيين يعرفون جيدا، وهذه حقيقة، أن الروس يعرفون التبعية الفرنسية المستقبلية لمصادر الطاقة في روسيا. وسبقتهم برلين لهذه المعرفة من خلال بعض الاتفاقيات المتعلقة بالطاقة. وعمليا هذه نقطة إيجابية لفتح ملف جديد ومشترك بين فرنسا و ألمانيا من جهة و روسيا من أخرى يهدف إلى تحسين العلاقات.

في الصين و ثم في أميركا اللاتينية، وخاصة البرازيل. يمكن القول أن فرنسا لها مكان قدمين في إفريقيا، الشرق الأوسط، الولايات المتحدة، روسيا. لكنها غير ذلك في اليابان و الصين، حيث جارتها إيطاليا تقيم علاقات تجارية ضخمة. ولكن سياسيا هل هذا يبدو انه مؤسف للفرنسيين؟

ليس ضروريا وفق رؤية السياسة الخارجية الفرنسية. فالصين مستغرقة في نموها الاقتصادي والتصدير لكل شيء إلى العالم. لكن بكين تسير ببطء نحو المسرح الدبلوماسي العالمي وفي أزمة العراق الأخيرة اختبأت وراء المواقف الفرنسية. حتى في قضايا إسرائيل، إيران وسورية هي حذرة جدا، مشكلتها الوحيدة تايوان. ولها علاقات جيدة مع المستبدين في القارة الإفريقية. أما اقتصاديا فهي في حالة هجوم مستمر وجبهات مفتوحة على إفريقيا بهدف السيطرة على مصادر الطاقة و أسواق الاستهلاك والمواد الأولية. إذا الصين محارب شجاع على أرض المستعمرات الفرنسية القديمة،والحالية بصيغة مختلفة. فاللغة الفرنسية الدارجة كثيرا في إفريقيا و السجن الذي يقبع فيه الفرنسيون " كهوية " لا يأتيها الباطل لا من خلفها ولا من أمامها، لم تعد ذات قيمة كبيرة، لأن الأفارقة مثل معظم شعوب العالم ليس لهم قدرات خارقة في اللغة الصينية ومع ذلك ليس بمقدور فرنسا منافستهم اقتصاديا على الأقل في إفريقيا.

في أمريكا اللاتينية. إنها قارة جذابة للفرنسيين على الأقل على صعيد الخطاب السياسي و الاقتصادي. حيث الزعماء " الجدد و غيرهم" يتحدثون عن العدالة الاجتماعية، المساواة واليسار بمعناه الواسع. فلم يعد بمقدور الولايات المتحدة استعداء هذه القارة ضد الأوربيين وبشكل خاص في فنزويلا و بوليفيا. في الواقع هناك تقارب لاتيني مع أوربا من خلال البعد الثقافي الإسباني هناك، لكن اللاتينيين لا يحبون كثيرا السياسات الزراعية المشتركة لفرنسا القائمة على نظام الحصص معهم والمتعلقة بالقروض الزراعية. سياسيا، ربما يكون أمام السياسة الخارجية الفرنسية فرصة لخلق ديناميكية جديدة في أوربا اللاتينية وقريبة من فرنسا فيما يتعلق بالمواقف من القضايا الدولية و الحرب والسلم في العالم.

مع الأمم المتحدة. في رأي العديد من الخبراء الفرنسيين أن الأمم المتحدة ليست حكما في الصراعات الدولية، وليست منظما للنمو والتطور الاقتصادي المتوازن، كما أنها لا تحمي حقوق الإنسان. و السبب بسيط جدا، هو أن الولايات المتحدة تتصرف في العالم و كأنها الأمم المتحدة، باستقلالية و شعور بأن لديها حق بفرض قوانينها على الآخرين. لكن الأمم المتحدة هي بامتياز المسرح لصراع الإرادات الدولية وعلى هذا المسرح كرسي دائم محجوز لفرنسا. الفرنسيون يقولون أنه ليس علينا أن نخجل من هذا، فالعديد من البلدان فيها بترول وغاز و نحن لدينا مقعد دائم في مجلس الأمن.

في إصلاح الأمم المتحدة يمكن لفرنسا المساعدة في الخطوات التالية، وفق رؤية المتخصصين في السياسة الخارجية الفرنسية:

زيادة معقولة لعدد أعضاء مجلس الأمن مع تفضيل سياسة الخمسة أعضاء. تأسيس لجنة للتضامن من أجل السلام مرتبط بمجلس الأمن، بالمجلس الاقتصادي و الاجتماعي و أمين عام الأمم المتحدة، والهدف هو المساعدة في إدارة الأزمات. تشكيل مجلس لحقوق الإنسان أكثر فعالية ومسؤولية من اللجنة القائمة لحقوق الإنسان. تعزيز دور المجلس الاقتصادي و الاجتماعي، وليس الهدف إنشاء مجلس جديد مكان القديم الذي لديه تأثير ضعيف. و أخيرا تعزيز دور الأمين العام للأمم المتحدة، والمشكلة الحقيقة هي في ضمان استقلالية عمل الأمين العام حيث هناك أدلة كثيرة على أن الولايات المتحدة أجبرت كوفي عنان باتخاذ قرارات ضد إرادته.و تتداول بعض الأوساط الفرنسية اقتراح فترة رئاسية واحدة للأمم المتحدة على أن تكون من سبع سنوات لكن غير قابلة للتجديد.

الحلم الفرانكفوني الفرنسي ؟

هل يحق لفرنسا أن تحلم مجددا بهذا الحلم؟ سؤال في غاية الجدية و الصعوبة مطروح على السياسة الخارجية الفرنسية. ربما الموضوع له علاقة مباشرة بالقوة و القدرة الاقتصادية. فلم يعد لفرنسا القدرة على تحمل تكاليف كبيرة في سبيل نشر ثقافتها أو رؤيتها السياسية للعالم. على العكس من ذلك، وجود الأمم المتحدة يفتح لفرنسا مجالات كبيرة للمناورة بعيدا عن تقسيم العالم إلى تكتلات و أقطاب. فالعالم المتعدد الثقافات ليس عالم يقوم على الأقطاب.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف