حيدر عبدالشافي .. الضمير الذي استخدمه السياسيون
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
اتفق مؤيدوه وخصومه على مصداقيته الوطنية
حيدر عبدالشافي .. الضمير الذي استخدمه السياسيون
وكان أحد النشطاء الذين كافحوا ضد الاحتلال الإسرائيلي بالأساليب السياسية، وارتبط اسمه بكل التحركات السلمية المناوئة للاحتلال، التي شهدتها الضفة الغربية وقطاع غزة، كالاعتصامات والتظاهرات وتوقيع العرائض، وكان عضوا في مختلف الهيئات التي كانت تشكل لقيادة العمل المقاوم السلمي ضد الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة، مثل لجنة التوجيه الوطني.
ورغم استقلاليته، وبسبب رصيده الجماهيري لدى الناس لاستقامته ووطنيته الخالصة، إلا أن السياسيين الفلسطينيين، تنبهوا مبكرا إلى إمكانية استخدامه لزيادة رصيدهم بين الجماهير، وهو ما فعله أولا الحزب الشيوعي الفلسطيني، الذي كان له وجود ملحوظ في سنوات الاحتلال الأولى على صعيد العمل السياسي، واخذ هذا الحزب يحسب عبد الشافي عليه، وتحولت جمعية الهلال الأحمر في غزة إلى مكان لتجمع نشطاء الحزب والقوى المحسوبة على اليسار.
ولأسباب، لا يرغب كثيرون في تذكرها، وان كانوا يتفقون على عدم أهميتها، وقعت اشتباكات بين أنصار اليسار وانصار جماعة الاخوان المسلمين في غزة، التي انبثقت منها لاحقا حركة حماس، وتم الاعتداء على جمعية الهلال الأحمر وحرقها، باعتبارها رمزا لليسار في نهاية سبعينات القرن الماضي.
ورغم كل هذه المواجهات والخلافات الأخرى التي عصفت بالساحة الفلسطينية بين فصائل منظمة التحرير الفلسطينية العلمانية، على خلفية توجهات قيادة المنظمة برئاسة ياسر عرفات السلمية نحو إسرائيل، إلا انه بقي ينظر إلى عبد الشافي، بأنه شخص فوق الخلافات، ويمكن أن يكون مساهما دائما في رأب الصدع الوطني.
ومع انطلاق المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية، في مؤتمر مدريد عام 1990، وحاجة منظمة التحرير التي لم توافق إسرائيل على التفاوض معها، إلى وفد من الداخل الفلسطيني، فكر ياسر عرفات باستخدام حيدر عبد الشافي، فعينه رئيسا للوفد الفلسطيني، والقى عبد الشافي كلمة الوفد في المؤتمر التي كتبها الشاعر محمود درويش، وكانت تخاطب عقل وقلب العالم المتحضر، بينما ألقى كلمة الوفد الإسرائيلي اسحق شامير، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك خالطا الأساطير بالحقائق.
واعتبرت أوساط فلسطينية آنذاك، اختيار عبد الشافي لرئاسة الوفد الفلسطيني بأنها "ضربة معلم" من ياسر عرفات الذي أراد وجها له مصداقية لتنفيذ ما كان يخطط له، ولم يكن أحد يعلم به.
وقاد عبد الشافي المفاوضات مدة 22 شهرا، وتنقل بين عدة مدن من بينها واشنطن، وكان على اتصال مع قيادة المنظمة المقيمة في تونس، وظل عبد الشافي متمسكا بقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية، كأساس وحيد للحل، ولم يكن يدري بأنه كان يغرد في واد، بينما قيادة المنظمة تغرد في واد اخر.
وكان عبد الشافي، يعتقد، كما قال لـ"إيلاف" في أحد لقاءاته، بأنه كان يحقق تقدما في مسار المفاوضات التي كان يترأسها، ولكن الطعنة جاءت من الخلف، وأدت إلى ما اصبح يعرف باتفاق أوسلو.
وعاد عبد الشافي إلى الأراضي الفلسطينية، متخليا عن نجوميته، حيث كان يظهر بشكل دائم على المحطات الإخبارية العالمية، وبدأ تحركا لتأسيس إطار يضم "الديمقراطيين الفلسطينيين" وتجمع حوله العشرات من الكوادر اليسارية التي تركت أحزابها، بعد أن ضاقوا بها، ولم تكن نوايا هؤلاء كلها طيبة، وكثير منهم، من الذين أرادوا أن يبحثوا لهم عن دور في مرحلة أوسلو الجديدة، فكروا في استخدام عبد الشافي لتحقيق وجود لهم على الساحة، خصوصا وان منهم من نظر إلى عبد الشافي كشخص "ضعيف" و"ساذج" لا يجيد الألاعيب السياسية.
وبعد عدة اجتماعات عقدها عبد الشافي في المدن الفلسطينية، طارحا فكرته عن تنظيمه الجديد، ومؤكدا انه سيكون قائما على الديمقراطية، لم ينجح الأمر، وانفضت الكوادر السياسية التي تحلقت حوله في البداية، باحثة عن مصالحها، وكثير منهم انضم إلى السلطة الفلسطينية الجديدة، او المنظمات غير الحكومية الممولة من "الغرب الامبريالي"، تاركين مبادئهم خلف ظهورهم.
وعندما وجد أن كل انتقاداته، وحتى القرارات القضائية ضد الفساد لا تنفذ، واستمرار عرفات بالتفرد في الحكم، أعلن استقالته من المجلس التشريعي، مصارحا ناخبيه، بان هذا المجلس ليس المكان الذي يمكن من خلاله إصلاح الأمور.
وفي فترة لاحقة، تمكن الدكتور مصطفى البرغوثي، الذي انشق عن حزب الشعب (الحزب الشيوعي سابقا) من ضم عبد الشافي لجهوده من اجل تأسيس إطار سياسي جديد هو الذي عرف باسم (المبادرة الوطنية الفلسطينية).
ولا يوجد ما يؤكد ان دور عبد الشافي في الإطار الجديد كان بارزا أو مقررا، ولكنه استخدم كرمز له، وبعد وفاة عرفات، والإعلان عن انتخابات رئاسية، طرح الدكتور مصطفى البرغوثي زعيم المبادرة، اسم الدكتور عبد الشافي، كمرشح للرئاسة، إذا وافقت القوى اليسارية على خوضها بشكل موحد، وتم تداول اسم عبد الشافي في الاعلام وفي اجتماعات تلك الفصائل، رغم انه قال حينها لايلاف بان لا أحد عرض عليه أو حتى استشاره في مسألة ترشيحه.
وخاض البرغوثي الانتخابات للرئاسة، بعد أن قال ان عبد الشافي لا يرغب في الترشح، ووضعت صور عبد الشافي بجانب صور البرغوثي في الملصقات الدعائية، واعتبر خصوم البرغوثي ذلك، بأنه محاولة منه لاستخدام اسم عبد الشافي ومصداقيته للدعاية لنفسه.
ونجح في الانتخابات محمود عباس (أبو مازن)، ولدى أول زيارة له إلى غزة، بعد أن اصبح رئيسا للسلطة الفلسطينية، حاول عبد الشافي مقابلته، وطرح حلولا للقضايا والخلافات الفصائلية التي كانت تعصف بغزة آنذاك، إلا أن عبد الشافي لم يتمكن من مقابلة رئيس السلطة الجديد الذي سرعان ما غادر إلى رام الله، وقال عبد الشافي آنذاك لايلاف "سأظل وراءه..وراءه، حتى نجد حلولا لكل ما يعتري قضيتنا الوطنية".
وخلال كل ذلك ظل عبد الشافي، رئيسا لجمعية الهلال الأحمر، حتى عام 2005، عندما بدأ المرض يدق بابه بشكل جدي، وفي التفاتة متأخرة، لدوره في النضال الوطني الفلسطيني، قلده أبو مازن، هذا العام وسام نجمة الشرف.
وبعد أن توفي عبد الشافي فجر اليوم، وصفه البعض بأنه الضمير الذي لا يساوم، ونعته السلطة ومنظمة التحرير، وحركة فتح، ووصفته هذه بالقائد الكبير الذي جسد "حالة استثنائية متميزة من الحرص على الوطن والشعب الفلسطيني".
ورأت فتح، في إشارة إلى ما فعلته حركة حماس من سيطرتها على غزة، ما أدى إلى فصل الضفة عن القطاع بان عبد الشافي وحد "الوطنيين في إطار البيت الفلسطيني الواحد، وكان صاحب رأي شجاع وصلب، لا تنحرف آراؤه عن مصالح الشعب الفلسطيني العليا، ولا تدفع نحو صدام".
ولم تشر فتح إلى إهمال قادتها لعبد الشافي، أو إلى مواقفه الناقدة للفساد ولتفرد قادة السلطة، أما حكومة حماس برئاسة إسماعيل هنية فوصفته أيضا بـ "المناضل الوطني الكبير فقيد الشعب والامة" و"أحد أهم رموز شعبنا الفلسطيني ونضاله التاريخي لاستعادة حقوقنا المشروعة".
وذكر المتحدثون باسم حماس، ما أسموه التهميش الذي تعرض له عبد الشافي في المفاوضات في مدريد وواشنطن، وباستقالته من المجلس التشريعي الفلسطيني.
ويتضح انه حتى بعد وفاة عبد الشافي، فان الفرقاء على الساحة الفلسطينية، أرادوا استخدام موته، للنيل من بعضهم البعض، ولم يفكر أي منهما لان يقدم اعتذارا له، سواء لتهميشه، او لحرق جمعيته الخيرية.