الاقتصاد والحرب يحكمان توجهات الاميركيين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تحليل إخباري خاص من لوس انجلس
الاقتصاد والحرب يحكمان توجهات الاميركيين
بلال خبيز من لوس أنجلوس: "انتم تعلمون كم ان احتمال حدوث حرب نووية كبير". بهذه العبارة يخاطب جون ماكين انصاره، ويضيف: "لا نريد رئيساً غير مجرب، خصوصاً ان اميركا تخوض حربين غير منتهيتين في الوقت نفسه، في العراق وافغانستان". يركز ماكين جل خطابه على ادعاء نقص الخبرة عند اوباما، ويبدو ان هذا الادعاء يلقى بعض الآذان الصاغية، حتى في اعلى هرم حملة اوباما. إذ ظهر اوباما امام الصحافة ليرد على ماكين وخلفه دزينة من مستشاريه السياسيين من بينهم صاموئيل نان، سناتور جورجيا السابق، وريتشارد هولبروك سفير الولايات المتحدة السابق في الامم المتحدة، ودنيس روس الذي عمل مستشاراً سياسياً لشؤون الشرق الاوسط في عهد ثلاثة رؤساء.
اراد اوباما الايحاء بأنه حتى لو لم يكن يملك الخبرة الكافية في السياسات الخارجية، إلا انه محاط برجال اكفاء من خيرة سياسيي وخبراء الولايات المتحدة. طبعاً لم يلجأ اوباما إلى نشر الغسيل الوسخ والنيل من ماكين في عقر داره، خصوصاً ان الاخير في المناظرة الثانية بينهما اخطأ مرتين في لفظ اسم الرئيس الباكستاني. مما يعني ان من يدعي في شؤون اسيا معرفة هو ابعد ما يكون عن المعرفة اصلاً. فضلاً عن ان رفيقة ماكين في السباق الرئاسي سارة بالين تبدي كل يوم ما ينم عن جهلها في السياسات الداخلية والخارجية، في وقت يعترف الجميع ان جو بايدن رفيق اوباما في الحملة واحد من ابرز خبراء السياسة الخارجية في الولايات المتحدة. وهذا ما حدا باحد محللي لوس انجلس تايمز إلى الدعوة لانتخاب رئيس من حزب ونائبه من حزب آخر.
الارجح ان اوباما لم يلجأ إلى مثل هذه الاساليب لأسباب تتصل بطبيعة القوى التي تشكل الحزبين، فشئنا ام ابينا، وبسبب من طول مكث الجمهوريين في البيت الابيض في العقود الماضية، فإن المع رجال الإدارة الاميركية ينتمون إلى الحزب الجمهوري، من هنري كيسنجر إلى جيمس بايكر، مروراً برتل طويل من السياسيين اللامعين الذين خدموا في البيت الابيض وزراء ومستشارين طوال العهود الجمهورية. لكن اوباما من جهته يحيط نفسه بفريق من الخبراء الديموقراطيين، تتقدمهم وزيرة الخارجية السابقة مادلين اولبرايت الديموقراطية وكولن باول الجمهوري والذي يحظى باحترام واسع بين الاميركيين، وكاد ان يكون اول رئيس اسود قبل اوباما، حين مال الحزب الجمهوري لترشيحه في مواجهة بيل كلينتون عام 1996، لكن مزاجه الشخصي الكتوم وخوف زوجته من ان يصيبه مكروه حال دون ترشحه للمنصب.
من نافل القول ان الإدارة الاميركية في السياسات كافة لا تقوم على امزجة افراد مهما علا شأنهم. وان اي رئيس سيجد نفسه محاطاً بعدد كبير من الخبراء في كل شأن من الشؤون التي يجدر به الاهتمام بها. لكن ذلك لا ينفي ان للرئيس ونائبه دور اساسي في رسم السياسات العامة. والحق ان الجمهوريين الذين يملكون كل هذه الخبرات خاضوا انتخابات عام 2000 بمرشح يفتقر تماماً للخبرة في كافة الشؤون المتعلقة بإدارة البلاد، هو جورج بوش الابن، لكنه كان محاطاً بفريق من الخبراء، يتقدمهم دونالد رامسفيلد الذي كان رئيس موظفي البيت الابيض في عهد جيرالد فورد، وكان ديك تشيني واحداً من مرؤوسيه، فضلاً عن غوندوليزا رايس وكولن باول. لكن الرئيس نفسه لم يكن يستطيع ادعاء الخبرة، خصوصاً في مواجهة آل غور الذي امضى ثمانية سنوات نائباً لكلينتون في البيت الابيض، مع ما يعنيه ذلك من اكتساب خبرة لا يمكن التقليل من شأنها.
كذلك فإن بيل كلينتون فاز على جورج بوش الاب الذي كان نائباً لريغان اكثر رؤساء اميركا شعبية في القرن العشرين، واصبح في ما بعد رئيساً منتخباً لولاية واحدة، وفي عهده حققت اميركا انتصارها التاريخي على الامبراطورية السوفياتية السابقة، وحقق الجيش الاميركي انجازه التاريخي بقيادة كولن باول، في عاصفة الصحراء، حيث خاض حرباً نظيفة جداً من الجانب الاميركي، وانتصر فيها من دون خسائر تذكر، لكنه لم يربح ولايته الثانية امام بيل كلينتون.
رغم ذلك لا يكف ماكين عن التركيز في حملته الانتخابية على قلة خبرة اوباما في الشؤون السياسية. ناسباً لنفسه خبرة كافية لمواجهة الاخطار التي تحف بمستقبل الولايات المتحدة القريب. والحق ان الاخطار التي تواجهها الولايات المتحدة ليست عسكرية وامنية فقط، بل اضيفت إليها عاصفة اقتصادية ستترك اثارها لمدة طويلة على اداء الرئيس المنتخب كائناً من كان. وفي هذه النقطة، يبدو ان اوباما يحقق انتصارات على خصمه، وهو ما اشار إليه كولن باول حين اعتبر ان اداء ماكين في هذا المجال جاء مخيباً.
والارجح ان هذه الازمة هي ما يرهق الاميركيين اليوم ويقلقهم اكثر من الحرب في العراق وافغانستان، وسيكون لها الاثر الاكبر في اتجاهات الناخبين في الرابع من تشرين الثاني - نوفمبر المقبل. إذا لم يحدث في افغانستان او العراق ما يغير المزاج العام دفعة واحدة في الايام العشرة المتبقية، مثلما حدث في الانتخابات السابقة التي كان جون كيري متقدماً فيها في استطلاعات الرأي، إلى ان وجه اسامة بن لادن خطابه الشهير للشعب الاميركي قبل ايام من الاقتراع، فاحث نقلة مفاجئة في الاهتمامات الاميركية صبت في مصلحة اعادة انتخاب جورج بوش.
لم تشهر حملة اوباما اسلحتها كلها حتى الآن، واغلب الظن ان التقدم الذي يحققه المرشح الاسود هو السبب وراء اخفاء الاسلحة القذرة في حملة الديموقراطيين الذين يستطيعون النيل من بالين بسهولة فائقة ابتداءً من جهلها بالسياسات العامة إلى تبذيرها اموال الحملة الانتخابية على شراء الثياب الراقية. فضلاً عن ان خبرة ماكين مشكوك فيها ايضاً، ذلك انه اثبت انه اقل خبرة من خصمه في الاقتصاد، فما الذي يجعله اعلى كعباً في السياسات الخارجية؟