الثورات المصرية في العصر الحديث
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
توثيق يبدأ بالثورة العرابية وينتهي بيوليو 52
الثورات المصرية في العصر الحديث
محمد الحمامصي من القاهرة: شهد تاريخ مصر الحديث العديد من الثورات وحركات التمرد سواء التي قام بها الجيش ضد حاكمه أو التي قام بها الشعب في مواجهة المستعمر. بعض هذه الثورات نجح في تحقيق أهدافه والبعض الآخر قُمِع أما بتلبية مطالبه صوريًا أو بالقوة والحزم. من هذا المنطلق حرص موقع ذاكرة مصر الذي تقدمه مكتبة الإسكندرية لكل باحث متخصص أو بسيط يستطيع من خلاله أن يتعرف على تاريخ مصر السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي أثناء زيارته له.
يقول الكاتب والمؤرخ د.خالد عزب المشرف علي المشروع : لقد حظيت الثورات المصرية بجزء كبير من اهتمام القائمين على توثيق تاريخ مصر من فريق عمل الذاكرة، فهي سجل نابض لحال المصريين آنذاك وشعورهم تجاه من حكموهم سواء كان بالرضا أو بالسخط، وكان نصيب الأسرة العلوية من تلك الثورات كبير فقد شهد عام 1881 أول ثورة قام بها ضباط الجيش ضد الخديوي محمد توفيق؛ أنها الثورة العرابية التي تزعمها ثلاثة من الضباط هم أحمد باشا عرابي، وعلي فهمي، وعبد العال حلمي، مطالبين بحقوقهم كضباط مصريين في الترقي والوصول إلى المناصب العليا في الجيش والتي كانت مقصورة آنذاك على الشراكسة، وبزيادة رواتب لكي تكفل لهم حياة كريمة.
ويضيف د.عزب : لم تقم الثورة العرابية التي اكتسبت اسمها من اسم زعيمها في ليلة وضحاها بل كانت رواسب ازدادت يوم بعد الآخر في نفوس الجنود وفي نفوس المصريين الذين شاركوا بنصيب فيها، أهمها الحالة التي وصلت إليها البلاد في شتى النواحي فعلى الصعيد السياسي كان المصريين عامة والمثقفين منهم خاصة مستاءين من السلطة المطلقة للخديوي توفيق، وكثيرًا ما ترقبوا إعلان الدستور وتشكيل المجلس النيابي، لاسيما بعد أن استقال رئيس النظار شريف باشا لمعارضة الخديوي توفيق للائحة -الدستور- وإصراره على الحكم المطلق للبلاد.
وعلى الصعيد الاقتصادي ساءت الأحوال وتدهورت سريعًا حيث أرهقت الخزانة المصرية بسداد الديون التي اقترضها الخديوي إسماعيل واتجهت الحكومة إلى سداد فوائدها عن طريق تخصيص نصف الميزانية لهذا الغرض. كما اتجهت الحكومة إلى إنقاص عدد الجيش توفيرًا للنفقات وإضعافًا للجيش.
كل هذه الظروف لم تكن كفيلة لإشعال فتيل الثورة لولا ظهور روح التمرد والسخط لدى المصريين عامة، فقد ساعد انتشار التعليم الذي سعى مؤسس الأسرة العلوية محمد علي باشا على إرساء قواعده ونشره في البلاد على نمو الوعي لدى المصريين ولعبت البعثات العلمية دور هام في هذا الصدد فقد اطلع المبعوثين على ثقافات مختلفة وحريات لم يشاهدوها من قبل، بالإضافة إلى النهضة الأدبية التي قد بدأت تشهدها البلاد وساعد عليها انتشار الصحف، وظهور العديد من الشخصيات المؤثرة على رأسهم جمال الدين الأفغاني. كل هذه العوامل ساعدت على إعادة تشكيل الشخصية المصرية ودعمت فكرة المطالبة بالحقوق التي كانت مسكوت عنها طويلاً.
ويشير د.خالد عزب إلي أن أحداث الثورة بدأت عندما أصدر عثمان رفقي باشا ناظر الجهادية أمرًا بنقل الأميرالاي عبد العال حلمي من منصبه إلى معاون بديوان الجهادية أي إنقاص في درجته ومركزه الوظيفي، فاجتمع الضباط في منزل أحمد عرابي واتفقوا على كتابة عريضة إلى رئيس النظار رياض باشا يطالبون فيها بعزل عثمان رفقي من منصبه، وبالفعل في 15 يناير 1881 تقدموا بالعريضة إلى رياض باشا ووعدهم بالنظر في الأمر وفي 31 يناير اجتمع مجلس النظار في سراي عابدين برئاسة الخديوي توفيق وصدر الأمر بمحاكمة الضباط الثلاثة أمام المجلس العسكري.
كان القرار الأخير بمثابة النار التي أشعلت قلوب الضباط المصريين فثاروا لزملائهم ولكرامتهم المهانة ووقفوا إلى جانب الضباط الثلاثة وبالفعل رضخ الخديوي توفيق وقام بعزل عثمان رفقي وتعيين محمود سامي البارودي بدلاً منه. ولكن لم تستقر الأمور كثيرًا فقد أراد المصريين تحقيق مطالبهم المختلفة فعمل عرابي على حشد الجنود والمصريين وسار بهم في 9 سبتمبر 1881 إلى قصر عابدين حيث كانت الواقعة الشهيرة التي طالب فيها الخديوي بتحقيق العدل وتلبية مطالب الشعب والجيش والتي تمثلت في إسقاط نظارة رياض باشا. وبالفعل نجحت الثورة في تحقيق هدفها وعزل رياض باشا من منصبه وعيين شريف باشا رئيسًا للنظار وعرابي ناظرًا للحربية.
وبهذا نجحت أولى الثورات في تحقيق أهدافها الأساسية بغض النظر عما حدث فيما بعد من أحداث تعرض لها العرابيين وتعرضت لها البلاد.
وعن ثورة 19 يقول د.عزب : هذه الثورة تعلق بها المصريين وشغفوا بقصصها وبطولات أصحابها فهي ثورة 1919، أشهر ثورة شعبية في تاريخ البلاد، فقد اتسمت بكونها ثورة شعبية تعبر عن الجماهير العريقة في البلاد، وأيضًا عن موجة غضب اجتاحت الشعوب المستعمرة آنذاك. وقد اختلف ثورة 19 عن الثورة العرابية شكلاً ومضمونًا فقد قامت الثورة على يد الشعب المصري وليس ضباط الجيش، كما كانت مطالبهم مختلفة نتيجة لتغير الظروف التي شهدتها البلاد فلم يكن الحاكم هو الشخص المدان فقط بل شهدت مصر استعمار من قوى عظمى هي إنجلترا مارست على المصريين شتى صنوف الاستبداد.
تعتبر البداية الحقيقة للثورة عندما وضعت الحرب العالمية أوزارها، ووقعت الدول المتحاربة في 30 أكتوبر 1918 عقد الصلح. ودعت إلى عقد مؤتمر لمناقشة ما وصلت إليه البلاد التي شاركت في الحرب على أن يشترك فيه ممثلون عن جميع الدول التي قامت في صف الحلفاء. فذهب جمع من كبار الساسة المصريين المعارضين للاحتلال في 13 نوفمبر 1918 على رأسهم سعد زغلول وعبد العزيز فهمي وعلي شعراوي إلى المعتمد البريطاني في مصر وطالبوه بتمثيل مصر في مؤتمر الصلح ليعرضوا مطلب مصر على الدول الكبرى في الاستقلال عن بريطانيا.
ولكن رفض المعتمد البريطاني مطلبهم بحجة أنهم لا يمثلون المصريين. ومن هنا انطلقت حملة جمع التوكيلات التي تفيد بأن الموقعين على هذا التوكيل قد أنابوا عنهم سعد زغلول ورفاقه في عرض مطالبهم والسعي بالطرق السلمية لاستقلال مصر.
عندما انتشرت حركة جمع التوكيلات أخذ الإنجليز يتصدون لها بكافة السبل. ورفض المعتمد البريطاني الاعتراف بالتوكيلات التي وقعها نحو 54% من المصريين. فنشط سعد زغلول في سلسلة من الاجتماعات والخطب والمؤتمرات، وتحول من وكيل للجمعية التشريعية إلى زعيم للأمة، فأصدرت القوات البريطانية قرارًا باعتقاله في 8 مارس 1919 وتقرر فيه نفي سعد زغلول ورفاقه (محمد محمود باشا وإسماعيل باشا صدقي، وحمد الباسل) إلى جزيرة مالطة.
علم المصريين بنبأ نفي زغلول ورفاقه فاندلعت أكبر وأقوى ثورة قام بها الشعب المصري في تاريخه، فقد بدأت في العاصمة وانتشرت في مدن مصر وقراها، ولعب الطلبة دور بارز وهام في تحريك الثورة فقد بدأت بخروج طلبة كلية الحقوق ثم الهندسة والتجارة والزراعة ودار العلوم والطب.. حاصرت القوات البريطانية الطلبة في الميادين والطرقات العامة وأخذت تصوب الأعيرة النارية لتفريق جموعهم فسقط كثير من الشهداء فهاج المصريين وأخذوا يخربوا في المنشآت وقطعوا خطوط السكك الحديدية وعطلوا حركة الترام، وبدأ العمال في الإضراب عن العمل، وتوقفت حركة المصانع، وأخذ العمال يطالبون بحقوقهم النقابية، ولأول مرة اشتركت المرأة المصرية في التظاهر في وجه المحتل والمطالبة باستقلال مصر.
ولم تكن الحالة في الأقاليم أقل منها في العاصمة. وكان رد الفعل البريطاني عنيفًا ففي الفيوم قاموا بقتل أربعمائة رجل من البدو وأحرقوا كثير من القرى كالعزيزية والبدرشين والشباك، وقتل كثير من الفلاحين.
ويري د.عزب أن ثورة 19 حققت نتائجها الأولية وهدفها الأساسي وهو الإفراج عن سعد زغلول ورفاقه، ثم توالت نتائجها الهامة التي انتهت بإلغاء الحماية البريطانية على مصر وإصدار تصريح 28 فبراير 1922 الذي اعترفت فيه بريطانيا باستقلال مصر من الناحية القانونية الأقرب منها إلى الشكلية، وصدور دستور 1923. ولعل أهم ما حققته ثورة 1919 هو النضج السياسي للمصريين والوقوف في وجه المستعمر والمطالبة بحقوقهم في الاستقلال.
ويقول د.عزب : أن ثورة 23 يوليو 1952 تتشابه في ظروف نشوبها مع الثورة العرابية حيث قام بها مجموعة من ضباط الجيش ولكن اختلفت عنها في أن مطالبها لم تكن مجرد إسقاط وزارة والمطالبة بحكم ديمقراطي، بل قامت لإسقاط أسرة استقرت على حكم مصر ما يقرب من 150 عام، فقد رأت أن لا فائدة من المطالبة بحقوقهم بل أن الحل الأوحد هو إسقاط الحكم الملكي في البلاد وإعلان الجمهورية، وقد ساعدت الظروف وهيأت الأوضاع البيئة المناسبة لنجاح الانقلاب، بداية من حادث 4 فبراير 1942 الذي هز صورة الملك في أنظار المصريين جميعًا، ثم هزيمة الجيش في حرب فلسطين عام 1948، ومذبحة الإسماعيلية الذي راح ضحيتها ضباط مصريين، ثم حريق القاهرة في 26 يناير 1952، أحداث كثيرة ألهمت الضباط بضرورة التغير وأنه لا أمل في النظام القائم، وبالفعل تكونت حركة الضباط الأحرار وتزعمهم اللواء محمد نجيب والبكباشي جمال عبد الناصر، وفي صباح يوم 23 يوليو 1952 أذاع محمد أنور السادات بيان إذاعي باسم القائد العام للقوات المسلحة يفسر فكرهم عن سبب الانقلاب للشعب، وفي 25 يوليو حاصرت قوات الجيش المصري قصر رأس التين وقصر المنتزة حيث اعتاد فاروق الإقامة بهما. وفي اليوم التالي تنازل عن عرشه لولي العهد أحمد فؤاد الثاني وشكًّل مجلس وصايا للحكم وغادر فاروق البلاد على يخت المحروسة. وكلف علي ماهر برئاسة الوزارة. وبهذا بدأت صفحة جديدة في تاريخ مصر ونظامها السياسي. وفي 18 يونيه 1953 تم إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية، وفي 16 يناير 1956 أعلن الرئيس جمال عبد الناصر الدستور الجديد.
كانت حركة 23 يوليو 1952 تحرك من الجيش ضد حاكمه وضد الفساد، ثم تحولت إلى ثورة عندما ساندتها قوى الشعب المصري، ووقفت في وجه الملك ورحبت بعزله وابتهجت بإعلان الجمهورية، وزاد من مساندة الشعب للضباط الأحرار وانتشار زعامتهم؛ نجاحهم في جلاء الإنجليز عن مصر، وإعلان تأميم قناة السويس شركة مساهمة مصرية، ومساندة حركات التحرير في مختلف البلدان العربية المحتلة، والدعوة إلى الوحدة العربية.
التعليقات
نفسنا في ثورة جديدة
ميادة -اي والله نفسنا في ثورة جديد