العيش بين الأسلاك الشائكة في فلسطين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سياج يفصل بين عائلتين فلسطينيتين و يجزئ أراض زراعية
العيش بين الأسلاك الشائكة
ولكن ذلك لم يوقف معاناة المدينة وسكانها، وفي أحد أيام الأسبوع الماضي، وجدت عائلتان منزليهما، وقد فصلا عن باقي منازل حي بئر عونة في المدينة، بعد أن وضعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي سياجًا فاصلاً، وأغلقت الشارع في تلك المنطقة ببوابة حديدية، يعلوها تحذير ينص "خطر الموت- منطقة عسكرية... كل من يعبر أو يلمس الجدار يعرض نفسه للخطر".
واخبر جنود الاحتلال سكان العائلتين المحجوزتين خلف السياج والبوابة، انهما اصبحا في منطقة إسرائيلية كاملة السيادة، تابعة للقدس، ولا يحق لهما تجاوز السياج إلى منازل جيرانهم على الجانب الآخر منه، الذي يخضع أيضًا للسيادة الإسرائيلية العسكرية الكاملة، ولكن السكان لا يعتبرون ضمن حدود مدينة القدس بالمفهوم الإسرائيلي العسكري، ولكنهم كذلك بمفهوم سلطات إسرائيلية أخرى كالبلدية، التي تفرض عليهم ضرائب باهظة دون أن تقبل بهم مواطنين في مدينة القدس.
مشاعر أفراد العائلتين متضاربة، وتجمع بين الحزن والسخرية، على واقع شديد التعقيد، يعيشونه مع باقي السكان منذ أربعين عامًا على الأقل، فبعد الاحتلال تمت مصادرة الجبل المحاذي، المعروف باسم (صليب) وبنت عليه مستوطنة (هار جيلو) التي ما زالت تتمدد، واعتبرت أحد أحياء القدس الراقية.
وفي فترة لاحقة، اخترق أحد اكبر الشوارع الاستيطانية الالتفافية، الذي يطلق عليه الإسرائيليون اسم (شارع ستين) أراض المنطقة، وامتاز هذا الشارع بالأنفاق التي حفرت في الجبال، والجسور الضخمة، وذلك لتامين انتقال آمن للمستوطنين اليهود في الضفة الغربية، وخصوصا في منطقتي القدس، والخليل.
ومنذ سنوات لا يعرف السكان ما هو التكييف الحياتي الذي تراه السلطات الإسرائيلية لوضعهم، التي كانت تشن بين الفترة والأخرى، هجمات عليهم، واعتقالهم بدعوى انهم يوجدون في منازلهم بدون تصاريح تخولهم ذلك، وفي فترات معينة، كان منظر الواحد فيهم وهو يدخل إلى منزله متسللاً لينام، مألوفًا، اما خلال انتفاضة الاقصى، فتحولت منازل المنطقة الى اهداف للقصف الاسرائيلي.
ولم يغير وجود السلطة الفلسطينية المحدود شيئًا من وضع السكان، الذين يعبر الكثير منهم عن رغبته في الحصول على بطاقة هوية من السلطات الإسرائيلية تخولهم على الأقل النوم في منازلهم من دون ملاحقة، في حين يتهمون السلطة بالعجز عن حل مشاكلهم.
وتتميز المنطقة بأشجار زيتون قديمة تدعى "الزيتون الروماني" نسبة إلى الرومان، ويزيد عمرها عن ألفي عام، والزيت المنتج منها مشهور، وهو الأغلى عالميًا، ومن اجل بناء الجدار، والطرق الالتفافية والمستوطنات تم اقتلاع المئات من أشجار الزيتون المعمرة. وأخذت المنطقة اسمها من بئر ماء قديم تاريخي يدعى (بئر عونة)، وهو يرتبط بتقاليد مسيحية محلية، تتعلق باستراحة السيدة العذراء في المكان، وارواء طفلها يسوع، وتظهر بجانب فوهة البئر، آثار أقدام، يعتبرها بعضهم آثار أقدام السيدة العذراء.
وعبر مزارع آخر عن أمله في أن يبقي الإسرائيليون أشجار الزيتون المعمرة، التي أصبحت خلف السياج كما هي وعدم اقتلاعها. وقال أبو حنا كما احب أن يقدم نفسه "قبل عامين، اقتلعت الجرافات الإسرائيلية أشجارًا يزيد عمر الواحدة منها عن ألفي عام، من اجل توسيع الشارع الاستيطاني، وتوسلنا لهم بأن يبقوها، حتى لو اخذوا الأرض".
وأضاف "ورغم انهم الان حرموننا من الوصول إلى أراضينا، نأمل لا يقتلعوا الأشجار المعمرة، من يقتلع شجرة عمرها ألفي عام إلا إذا كان مجنونًا؟، كل الاحتلالات التي مرت على فلسطين أبقت أشجار الزيتون المعمرة، إلا هؤلاء قتلة الأطفال والأشجار، الذين يتعاطف معهم العالم ولا اعرف السبب".
وبعكس ما كان يحدث في مرات سابقة، فان كثيرين من سكان الحي، طلبوا عدم الإشارة إلى أسمائهم، وبرروا ذلك بما أسموه "الوضع الحساس" الذي يعيشون فيه.
وقال أحدهم "بصراحة لا نريد أن نفقد اكثر مما فقدناه، ونحن نأمل أن تضمنا السلطات الإسرائيلية لمنطقة القدس، فعلى الأقل سنظل في منازلنا وأرضنا". وأضاف "لا نريد لا حماس ولا فتح، ولا العرب الذين يريدون أن يكسروا أرجلنا" في إشارة إلى تصريحات احمد أبو الغيط، وزير الخارجية المصري الذي هدد فيها بكسر رجل أي فلسطيني يتجاوز الشريط الحدودي الفاصل بين مصر وغزة.
وتشجع أحد الأطفال المحشورين خلف السياج وقال "بطرفة عين، اصبح منزلنا سجنًا"، مضيفًا وهو يحشر وجهه بين الأسلاك الشائكة "لا اعرف من أنا، وفي أي زمن أعيش، أو إلى أي مكان انتمي".
التعليقات
أضعنا البوصلة
كنعاني -بالطبع لن تتوانى إسرائيل عن سياسة المذابح والإجتياحات والإعتقالات وهدم المنازل ومصادرة الأراضي ما دام ليس هناك من يردعها. فهل قرأنا في تاريخ أي شعب أن الإحتلال ترأف بالمحتل وإنسحب من تلقاء نفسه؟ لقد فشلت السياسات الفلسطينية والعربية في مجابهة العدوان التوسعي للمشروع الصهيوني منذ بدايته، وأضاعت القيادات الفلسطينية المختلفة البوصلة وورّطت نفسها في خلافات وحروب مع دول الجوار ومع بعضها البعض، والمواطن واللاجئ الفلسطيني يدفع الثمن. وقد أصبح واضحاً أن كل التنازلات والمفاوضات التي تمّت تحت مسمّى الواقعية والإعتدال لم يستفد منها إلا الإسرائيليون لفرض وقائع جديدة على الأرض. فالواقعية والمنطق يقول أن من يرفض الإنسحاب من أقل من 23% من فلسطين المحتلة (أي أراضي 67) ويتبرم من تناسل فلسطينيي 48 الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية لا يؤمن بالسلام والعيش المشترك. كل القيادات من فتح إلى حماس أثبتت فشلها سياسياً وإقتصادياً وأمنياً وحتى ثقافياً. نحن بأمس الحاجة أن ننتج حركات تحرر جديدة واعية وشفافة ومؤسساتية تغيب عنها المحسوبيات والأبوات والقائد الرمز الإله والتزمّت... ولكن كيف السبيل إلى ذلك وسط هذا التشرذم والمد التزمّتي الظلامي الذي يجتاح كل المنطقة العربية؟