أخبار خاصة

الحق الإنساني المفقود وحق العودة الموعود

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
معسكر سريف للنازحيين في دارفور
الحق الإنساني المفقود وحق العودة الموعود
مشهد من دارفور: عملية جراحية بوسائل بدائية مروة كريدية من مخيم سريف (جنوب دارفور): يعتصر قلب المرء حزنًا وأسى لعمق المعاناة الإنسانية التي يشاهدها خلال اقامته في دارفور ، فهي كلها منطقة إن صحّ التعبير منكوبة ، تكاد تنعدم فيها الطرق المعبدة ومقومات العيش الكريم، أما حال معسكرات النازحين فيُعد وصمة عار وسؤال إنساني رسم الاجابة عنه متروك لكل إنسان لا سيما المسؤولين منهم، فالأطفال نصف عراة، يتهافتون على الغرباء مطالبين بالمياه المعدنية الباردة ، بعضهم تظهر عليه علامات سوء التغذية والاهمال الشديد، إصابات الاطفال من جراء عنف اللعب لا يلقى أحد لها بالاً، فالجروح غير مضمدة وعرضة للحشرات والجراثيم، والنظافة الشخصية معدومة ، المكان بأسره عرضة لانتشار الأوبئة والأمراض علاوة على التلوث البيئي القاتل . توجهنا الى معسكر "سريف " للنازحين الذي يقع على مسافة 17 كيلومترًافي الجنوب الغربي من مدينة نيالا، ويعتبر أفضل حالاً مقارنة مع 12 معسكرًا رئيسًا في المنطقة، وبحسب المصادر الاعلامية فإن سبب ذلك يعود الى الضجة التي أثيرت حوله في الاعوام السابقة عندما قررت السلطات نقله من منطقة الجير القريبة من المدينة إلى موقعه الحالي ..
وعندما سألنا أحد المعنيين بشؤون المعسكر عن الأوضاع السياسية أفادنا أنه : لقد اكتسب المخيم شهرة منذ ان تمّ الاعلان عن الاتفاق بين الحكومة وفصيل مني أركوي مناوي منذ أعوام حيث تحول المعسكر إلى ساحة للنقاش السياسي المحتدم " لدى وصولنا المعسكر، انحنى إليّ زميلي الذي زار المكان قبل أربع سنوات وقام بتغطية الأحداث عند بداية اندلاعها قائلاً : "هذا المخيم الآن خمسة نجوم ! هذا الذي تعتبرينه كارثة يعد جنّة على ما كان عليه في السابق ! لا يمكن ان تتخيلي كيف كان الوضع آنذاك فكل شيء معدوم حتى مياه الشرب وقد اضطررنا الى النوم في العراء والسحالي ترافقنا مدة عشرة ايام الى ان لجأنا الى الامم المتحدة أخيرًا فاحمدي الله على وضعك الان !" التقينا بداية الامر بأحد مسؤولي الأمن ويدعى أحمد محمد إبراهيم، الذي أفادنا بأن المعسكر يشتمل على حوالى 13 ألف وخمسمئة نفر وهو ما يعادل حوالى ألفي وخمسمئة أسرة تقريبًا، وإن سكان المخيم ينحدر أغلبهم من قومية " الفور" ، واشار مرافقنا الى أن المملكة العربية السعودية هي التي تكفّلت بإنشاء هذا المخيم منذ أربعة أعوام، فيما يقوم برنامج الغذاء العالمي بإدارة شؤونه من الناحية الإنسانية .
مواقف إنسانية محزنة : بداية لقاءاتي كانت مع الأطفال الذين تعاطوا معي أول الامر كأجنبية، فجلست ارضًا وكلمتهم بالعربية شارحة لهم بأني مثلهم انتمي لبلد عربي مجاور، واني ارغب باللعب معهم وحتى الغناء ، كنت أراقب كل اهتماماتهم انظر بعيونهم، سألتهم عن المياه فتذمروا قائلين هناك بئر نعبي منه المياه في اوعية ونجرها الى البيت وهي مهمة شاقة يجبرنا اهلنا عليها، وعن طبيعة طعامهم اجمعوا على انهم يتناولون العصيدة والخبز كل يوم، أما عن المدرسة فضحكوا ولم ألقَ اي تعليق ، وأفادوا بأنهم يعيشون هنا لانه هناك حرب، ويلعبون مع الحيوانات والزواحف والحشرات فهي لا تخيفهم او تزعجهم ، وانتهى اللقاء بإنشادهم لأغنية شعبية :"أنا سوداني.. " وتبيّن لي من خلال إلتقاء العديد من النازحين ان معظمهم ينتمي الى بلدة ياسين وغالبيتهم من "البرقد" وهي القبائل الافريقية الزنجية، وقصصهم تتشابه الى حدٍّ بعيد ، فجميع من قابلتهم أشار الى أن الجانجوييد هم السبب في معاناتهم وهم الذين أخرجوهم من بيوتهم وهجّروهم من قراهم كما قاموا بحرق محاصيلهم الزراعية .
عائشة آدم حسن أرملة في عقدها الرابع أستقبلتني في "مطبخها" دعتني لتناول ما تيسر مما يسمونه بالعصيدة ، قالت بأن زوجها قُتل بالحرب الاهلية على يد الميليشيلت المسلحة وتضيف : " قام الجنجاوييد بطردنا وأحرقونا بالنار... لقد مات زوجي "
عائشة لديها 6 اولاد صبيان توفي منهم ثلاث، و هي تنتمي بالأصل الى بلدة ياسين وتشير بالقول "سمية قبيلتي برقد " . وفي خيمة ملاصقة وجدت امرأة عجوز تحتضن طفلاً رضيعًا، تفترش الارض ومن حولها عدة نساء، قالت بأنه وليد ابنتها وتدعى حليمة يعقوب آدم لها من العمر65 سنة، تحدثت عن عملها السابق قبل النزوح حيث كانت تعمل في الزراعة وتضيف : "كنا مرتاحين جدًا وأوضاعنا بخير" ، وعن تمنياتها المستقبلية أفادتنا بأنها مسلمة وترغب في ان تؤدي فريضة الحج قبل موتها ، علما ان السفر أمرٌ مستحيل بالنسبة إليها فهي لا تعرف من السودان كلّها الا المعسكر وقبله بلدتها ياسين، وتضيف "جدودنا مشوا الحجاز وحجوا لانهم كانوا بأمان وعندهم الجنيهات أما نحن فلا نقدر على مغادرة المعسكر ولا نملك شيئًا " اقتربت من امرأة حامل في شهرها الثامن أسألها عن حالها وعن الرعاية الطبية الخاصة بالحوامل في المخيم ، المرأة تدعى أمينة أحمد وعمرها 24 سنة وهي حامل بطفلها الثالث حيث قالت : "الداية هي من تقوم باجراء الولادة الآن ، في حين انه في بعض الظروف السابقة كانت المرأة تتولى ذلك بنفسها بمساعدت قريباتها ، وهو امر صعب مضيفة انه في حال عسر الولادة فإن المرأة تتعرض وجنينها للموت !" وعندما سألتهاعن معدلات الولادة وعدد الاطفال في الأسر قالت: " المرأة تنجب احيانًا سبعة وربما عشرة اطفال " نافية اي معرفة لها او علم بوسائل منع الحمل وكيفية استعمالها، مضيفة انه من "الافضل ان تبتعد الحرمة عن زوجها كليًّا اذا احست بان الولادة متعبة "
سجال سياسيّ: قرابة العصر تخليت عن مرافقيّ أجمعين، وقررت التجول بمفردي ففي الطرف الشمالي من المخيم يتجمع عصر كل يوم الشيوخ والشباب لإدارة حوارعفوي ودردشة حول ما يجري لهم وحولهم، وعادة ما يثيرون قضايا الخدمات التي تقدم لهم والقضايا المتصلة بمرحلة ما بعد الحرب، وموضوع التعويضات ويتشعب الحديث ليصل إلى توجيه الانتقادات للحكومة وللأحزاب السياسية. اقتحمت حلقة رجال بابتسامة معرفّة بنفسي وجلست معهم، فإذا بي في حوار سياسي رفيع، يعكس وجهة نظر من يعيش الحدث ، كبيرهم رفض ان أصوّره كما رفض الإدلاء بإسمه، فهو رجل معارض وثائر على الأوضاع ، كما يُصنِّف نفسه من المثقفين، وأشار لي بأنهم كنازحين يرون أن حقوقهم مهضومة، وأن الحكومة غير منصفة ولا عادلة ، وأن من حقهم المطالبة بالتعويض عمّا لحق بهم من الأذى" ، وعندما ناقشته بموضوع العودة وان المناطق آمنة كما تشير المصادر الرسمية قال:" لا نستطيع الخروج من المعسكر فالطرقات مازالت تقطع ولا يوجد أمن على الاطلاق وبإمكانك التحقق من ذلك ، والأحزاب السياسية كلها باعت قضية دارفور " يعلق أحد الشباب الجالسين ويدعى محمد أحمد : " إن من فقد الأرض فقد العرض وفقد حاله، ولكي يعيدها لابد له من مقاومة الظلم والاجحاف .. ويضيف نحن ظلمنا عندما هُجرنا من أرضنا ولن نقبل بأن نظلم مرات متكررة .. " أحمد يرى أن الحكومة بكل أحزابها وأحزاب المعارضة وحتى من يحملون السلاح .. كلهم سواء " أما أحد الشيوخ فله وجهة نظر مغايرة فعلق بالقول" إن المعاناة الراهنة هي بسبب الحرب ولابد من أن تتوقف كليا ويعم الامن تماما، وانه من الحكمة ومن الأفضل لعشيرته أن ترتب نفسها للمرحلة المقبلة بدلا من توجيه الانتقادات للحكومة ولغيرها، الافضل ان نتعاون مع الحكومة وهو أمر واقع " قاطعه آخر ليقول: "كل الأحزاب السياسية السودانية مسؤولة عن أزمة دارفور، فهى تستخدمنا لتحقيق أغراضها فقط .. لا يوجد احد مكترث للحاصل والأزمة أظهرت ان الكثير من أهل السودان غير مهتمين كثيرًا لما يجري ، فمع من نتعاون ؟"
لعل ما يحدث من سجالات سياسية داخل معسكر سريف يجري في كل المعسكرات التي تنتشر في إقليم دارفور، فالظروف المعيشية والحروب ووجود فئة كبيرة من الناس في معسكر نازحين دون عمل ، جعلتهم يمضون جل وقتهم في السجالات السياسية والتحدث في اوضاعهم، الأمر الذي ينذر ببروز كيانات سياسية جديدة وولاءات مغايرة للاحزاب الموجودة ربما .. ولعل هذا ما يفسر عدم جرأة ممثلي الأحزاب التي تشكل وجودا في دارفور في مخاطبة من يقطنون المعسكرات والذي ضمنت لهم حماية الامم المتحدة شيئًا من حرية التعبير.
مسجد وتلاوة وسبحة :
أمام خيمة قش جلس شابٌّ يعلم الاطفال تلاوة القرآن ، المصاحف في يد الأطفال مهترئة وبعضها ممزق، النسخ متباينة بعضها طبع في المشرق والآخرفي المغرب وبعضها بخط نَسخي يصعب قراءته، ولفت نظري وجود نسخ قديمة حيث وجدت مصحف طبع في بولاق عام 1942 ؛ الأطفال كلّهم ذكور وكأن الامر لا يعني البنات، إنه مسجد ابو بكر الصديق ، تتوسط باحته العصا تحمل مثلثًا، وهي تُستخدم لتحديد مواعيد الصلاة من خلال ظلّ العصا وانعكاس نور الشمس، حيث لا توجد ساعة على ما يبدو . قبل انصرافي لاحظت وجود سبحة ذو ترتيب غريب في يد أحدهم وهي بحسب معلوماتي تشير الى احد الطرق الصوفية فسألته أنتم "تيجانية ؟" نظر اليّ بغرابة، قائلا :" نعم كلنا في المعسكر ننتمي الى طريقة سيدي أحمد التيجاني " فجلست أقرأ معهم "جوهرة الكمال"، وهي صيغة في الصلاة على النبي.. والغريب ان الاطفال يتقنون تلاوتها على الرغم من صعوبة مفرداتها وبلاغة معانيها !وعلمًا انهم يجهلون أبسط المعلومات العلمية البسيطة!
انها من المفارقات وغرائب البشر، غياب العلم الاكاديمي و حضور اللاهوتي!! فلماذا يحضر الديني فقط عندما يغيب الانسان؟! Marwa_kreidieh@yahoo.fr
http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
زنبهم انهم ليسوا عرب
كردي -

هدا هو نتاج القومية العربية على شعوب الاصلية للمنطقة استقبلناهم من اجل الاسلام وادا بهم يتطردوننا منها بحجة انها بلاد العرب اليس العار تشريد فقراء يا عرب الستم مسلمين الستم بشرا الكم يوم يا عرب

أمة نائمة وحكامها...
نورما -

للأسف نعم وألف نعم أمة مشردة هذا هو واقعنا الاسلامي ، مليار مسلم معظهم ليسوا افضل حالا من سكان دارفور ، جهل- فقر -وسلاطين العرب نائمون على عروشهم ...والحمد لله - انتخاباتهم كالتي جرت بالامس في مصر - قوانينهم طوارئ - وكلامهم رصاص - وجيوبهم .... باعوا كل شيئ ليحافظوا على حكمهم ....وما مصير صدام عنهم بعيد ....ودمتم يا شعوب العرب سالمين - لاجل جهلكم ستتكالب عليكم الامم وتستاهلوا الذي يجري لكم !! فهنيئا للمحتل بكم ... وهنيئا سلفا للمحتل القادم لدارفور فالمحتل ارفق حالا بشعوبكم منكم !

100 عام من العزله
احمد الكاروري -

الاخت مروه .. لك كل الشكر علي زيارتك للمنطقه ولو انها جاءت متاخره كثيرا.. فمشكله دارفور بعد ان كانت قاب قوسين او ادني من الحل تعثرت بسبب مبالغ التعويضات التي رأت الحكومه انها تقديرات مبالغه من جانب الحركات في دارفور . أما كان اجدر للعرب يتكفلوا بدفعها او دفع الفرق . لاسيما ان امواهم تهدر في تبرعات لحدائق الحيوان في اروبا واشياء لاداعي لذكرها ,,, او كما يقولون السودانيون خلوه مستوره

جهد جيد
وليد -

إنها مآسي متكررة في معظم الدول ... العربية ...التخلف في كل شيئ ...شكرا ايلاف فقد نقل احد موقع عنكم هذه التغطية ، ونقل شهادة مروة كريدية في تقاريره... وهذا يدل على حرفية