أخبار خاصة

الزعيم الذي قتلته الحروب ودفنته التحقيقات

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أيهود أولمرت رحيل متأخر عامين (1-2)
الزعيم الذي قتلته الحروب ودفنته التحقيقات
خلف خلف - إيلاف:
إذا ما فزت اليوم، فلن أدخن سيجارًا واحدًا في ديوان رئيس الحكومة. هكذا وعد أيهود أولمرت الجمهور قبل إعلان نتائج الانتخابات الإسرائيلية عام 2006. والسيجار يُرى في إسرائيل علامة على الشره، والمراءاة، والترف. مر أكثر من عامين على هذا الوعد، فوجد أولمرت نفسه، محاصرًا بالتحقيقات من كل صوب، سواء المتعلقة منها بحرب لبنان الثانية أم قضايا الفساد، يضاف إليها العديد من المآزق كفوز حركة حماس في الانتخابات وتشكيلها للحكومة الفلسطينية، وتبخر البرنامج السياسي الذي أنتخب على أساسه، المتمثل بفك الارتباط عن الضفة الغربية، وهي خطة ابتدعها سابقه أرييل شارون ونفذها في غزة، قبل غرقه في غيبوبة وهو في ذروة انتصاراته السياسية. القدر الذي تخلى عن شارون في أوج انتصاراته السياسية، هو ذاته، من أفسح المجال أمام أولمرت، ليحقق قفزة كوبرنيكية أوصلته لكرسي الحكم، رغم عدم تمتعه بشعبيته كبيرة أو شخصية كرزماتيه، ولذلك اتسمت فترة حكمه، منذ تلقى صلاحيات ارييل شارون في الرابع من كانون الأول عام 2006، بالرد على الأحداث، وليس افتعالها. همه الرئيس كان منصبًا طوال الوقت بالمحافظة على كرسيه لأطول فترة ممكنة. فحكومته امتنعت عن اتخاذ قرارات ذات مغزى، باستثناء حرب لبنان وبعض العمليات العسكرية ضد قطاع غزة، ونتائج الأولى، كبدته ثمنًا باهظًا، تمثل بخسرانه الكثير من وزنه السياسي وشعبيته، ومصداقيته، حتى أن شعبيته في استطلاعات الرأي وصلت آنذاك إلى 6% فقط، بمعنى 94 من كل 100 إسرائيلي اعتبروه غير ملائم للقيادة. وأيضا مصادقته على العملية العسكرية ضد غزة في الثامن والعشرين من يونيو 2006 لتحرير الجندي شاليت، والتي عرفت باسم "أمطار الصيف" رغم إيقاعها للمئات من القتلى في صفوف الفلسطينيين، لم تؤت أوكلها بالنسبة لإسرائيل، التي لم تسترد جنديها، ولم تتمكن من إيقاف إطلاق الصواريخ الفلسطينية المحلية على المستوطنات المجاورة للقطاع، وأيضا في 1 نوفمبر 2006 أعطى رئيس الوزراء الإسرائيلي أوامره للجيش للقيام بعملية برية عسكرية واسعة في بلدة بيت حانون شمال غزة، أطلق عليها اسم "غيوم الخريف"، قتل خلالها العشرات من الفلسطينيين، وأيضا استمر إطلاق الصواريخ بوتيرة أعلى من البداية. وجدت تل أبيب وضعها في تلك الفترة يسير إلى الأسوأ، فردعها تضرر من حرب لبنان، وحماس تقوت في غزة، جن جنون الإسرائيليين، فصبوا جم غضبهم تجاه أولمرت وحكومته، حاول الأول المناورة على أكثر من مستوى، ونجح إلى حد ما في إدارة الملف الداخلي، وتخدير الجمهور والمعارضة، لكن تاريخه العسكري وتهم الفساد التي تطارده لم تسعفه ليتعامل مع التهديدات الخارجية. ومن المعروف التاريخ العسكري للقادة الإسرائيليين في الحروب كان دائما يلعب إلى جانبهم في منافساتهم مع خصومهم، وأولمرت لم يكن يمتلك خلفية عسكرية، فحياته، توزعت بين أوراق الصحف والمحاكم. ليس كل ما ذكر- فحسب- بل أن رئيس الوزراء الإسرائيلي وقع في مطبات عديدة، فقراره بالمصادقة على صفقة التبادل مع حزب الله التي تمت مؤخرًا، أفرز جملة نتائج عكسية، ذات صلة بالثمن المدفوع مقابل العوض المحصول عليه. وأيضًا موافقة حكومة أولمرت على التهدئة مع حركة حماس في التاسع عشر من حزيران الماضي، لم ترق للكثير من الوزراء في حكومته، لعدم اشتمالها على الجندي شاليت. وعمليًا منذ صعود حركة حماس لسدة الحكم في السلطة عام 2006 فاجأ اولمرت. وكانت سياسته منذئذ ترمي أساسا إلى كسب الوقت، وضمان التنسيق الأقصى مع الإدارة الأميركية والأوروبية، لإبقاء الأخيرة معزولة، طالما لم تستجب لشروط اللجنة الرباعية، المتمثلة بتخلي حماس عن العنف، والاعتراف بإسرائيل، والقبول بالاتفاقيات السابقة الموقعة بين السلطة وإسرائيل. ورغم سبب إعلان أولمرت مؤخرًا نيته التنحي وعدم خوضه لانتخابات حزبه "كاديما"، مرده ظاهريًا يعود لملفات الفساد المحيطة به، إلا أن عدم امتلاكه لشخصية جامعة وارتكابه لبعض الأخطاء الإستراتيجية، عجل قدم اللحظة المذكورة، ففي شهر 12/12/2006 وقع أولمرت بهفوة لسان، كسرت هالة الغموض المتعلق بمسألة النووي الإسرائيلي، حيث قال في مقابلة أجرتها معه محطة الأنباء الألمانية "ان-24": "لم نهدد قط بالقضاء على أية أمة. تهدد إيران علنا، وبصراحة وعلى رؤوس الإشهاد بمحو إسرائيل من الخريطة. هل تستطيعون أن تقولوا ان هذا نفس المستوى (من التهديد)، في حين أنهم يطمحون إلى امتلاك سلاح ذري مثل أميركا، وفرنسا، وإسرائيل وروسيا؟". أقوال أولمرت السابقة، فسرت في إسرائيل على أنها تراجع لسياسة الغموض الذري: فلأول مرة يضع رئيس حكومة إسرائيلي، بلاده في قائمة واحدة مع قوى ذرية. وهو ما خلق موجة غضب عارمة في الجهاز السياسي لتل أبيب، صرح مثلا رئيس لجنة الخارجية والأمن السابق عضو الكنيست يوفال شتاينتس (الليكود): "أن تعبيره البائس يضر بخمسين سنة من سياسة غموض إسرائيل وينضم إلى فلتات لسان عديمة مسؤولية أخرى لديه"، وأضاف شتاينتس: "ان رئيس الحكومة غير القادر على السيطرة على تعبيراته في موضوعات أمنية حساسة يجب أن يستقيل وان يترك مقاليد الحكم". وهاجم رئيس ميرتس، عضو الكنيست يوسي بيلين هو أيضا أولمرت، قائلا: "التعبير المدهش لرئيس الحكومة في موضوع الذرة يشهد بعدم الحذر الذي يبلغ حد الإباحة. أنها تجعلنا نشك شكا كبيرا هل الحديث عن إنسان يستحق أن يكون رئيس حكومة". ومن جانبه، عقب ديوان رئيس الحكومة حينذاك أن أقوال اولمرت أخرجت من سياقها ونشر النص التام للمقابلة. عندما سأل مجرو المقابلة بصراحة عن قدرات إسرائيل الذرية، تهرب اولمرت من إجابة مباشرة وقال: "أنا على ثقة بأنكم تستطيعون الذهاب إلى وزير الدفاع الأميركي والحديث معه في هذا الموضوع". واتهام رئيس الوزراء الإسرائيلي بالعديد من قضايا الفساد، كان رافقه سابقًا وقوع العديد من الشخصيات المقربة منه في هذه الدائرة، حيث أن المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية وجه لائحة اتهام بالاحتيال السرقة لأقرب أصدقاء أولمرت، وهو وزير المالية أبراهام هيرشزون، وأيضا وقعت شولا زاكين التي عملت مديرة لمكتب أولمرت أثناء توليه وزارة المالية، وتربطها به علاقة وطيدة، في قبضة الشرطة الإسرائيلية بعد اتهامها بتعيين مسؤولين كبار في سلطة الضرائب، التي تعتبر من أقوى وأهم مؤسسات الدولة العبرية. وبشكل عام أجمع العديد من كتاب الصحف العبرية الصادرة اليوم الخميس على أن مغادرة أولمرت جاءت متأخرة سنتين، أي منذ انتهاء حرب لبنان الثانية، حيث اعتبر الكاتب الإسرائيلي آري شبيط في مقاله له في صحيفة هآرتس تحت عنوان "نهاية اللعبة" أن حرب لبنان انتهت أمس فقط، وان كان بتأخير سنتين لان قائدها أصر على ان يطيل مدى غرقه. بينما أشار مدير ايتان هابر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق اسحاق رابين في مقال في صحيفة يديعوت أن أولمرت مات سياسيًا سنتين بعد حرب لبنان الثانية وقد شعر الجهاز السياسي، وربما أكثر الناس في إسرائيل بالتخفف لإعلانه عدم ترشحه في المستقبل، أما عاموس هآرئيل فكتب في هآرتس يرى أن خطاب أولمرت الذي لم يذكر حرب لبنان الثانية وضحاياها وفشلها، يأتي لينهي ولاية تأخر إنهاؤها سنتين الأمر الذي لا يغتفر. وفي الحلقة المقبلة، سنحاول الإجابة على سؤال، ما هي السيناريوهات المتوقع أن يتركها غياب أولمرت عن الساحة على العملية السلمية، المتعلقة بالمسارين السوري والفلسطيني؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف