السعيد أمام 3 مصريين: لم يولد بعد من يغتالني (3/4)

الباشا .. يتحدث بعد خمسين عاماً من الغياب 1888 - 1958
السعيد أمام 3 مصريين: لم يولد بعد من يغتالني (3/4)

الباشا .. يتحدث بعد خمسين عاماً من الغياب 1888 - 1958
كاد أن يهزمه التيفوئيد .. ولكن حياته انتهت بالرصاص (2/4)

نوري السعيد: كولونيل الماني كان السبب في تغيير حياتي (1/4)

زيد بنيامين من دبي: وقع العراقيون والبريطانيون اتفاقية الاستقلال في الاول من يوليو (تموز) 1932 بين السير فرانسيس هامفريز وبناء على الاتفاقية اصبح العراق قادراً على نيل استقلاله بقبول دخوله الى الامم المتحدة، وبموجب الاتفاقية التي وقعت كان العراق حراً في علاقاته الخارجية والانضمام الى المنظمات الدولية والاهتمام بشؤون الامن الداخلي والدفاع عن البلاد تجاه اي عدوان خارجي في المقابل تنسحب القوات البريطانية من قواعدها بالقرب من العاصمة بغداد ومدينة الموصل شمالاً في غضون خمس سنوات وسوف يقوم العراق بتأجير ثلاث قوات جوية في العراق تقع في غرب الفرات وشط العرب تحميها القوات العراقية بتكاليف تدفعها القوات البريطانية، وسوف يستمر التأجير لمدة 25 عاماً ويمكن التفاوض حول التمديد من عدمه بعد مرور عشرين عاماً من توقيع الاتفاقية من اجل حماية مصالح الامبراطورية البريطانية واي اختلاف في بنود هذه الاتفاقية يرفع الى الامم المتحدة للنظر به.

كان الهدف التالي لنوري السعيد بعد توقيع الاتفاقية هو الحصول على عائدات اكبر من النفط العراقي الذي كان محتكراً من قبل شركة البترول البريطانية، ومن اجل ذلك غادر نوري في اليوم التالي من توقيع الاتفاقية الى لندن للتباحث بهذا الشأن وهو امر ربما سيأخذ وقتاً حتى ينجح في عام 1950 في الحصول على نصف العائدات النفطية العراقية.

حينما يغيب نوري عن رئاسة الوزراء سرعان ما تخرج الامور عن السيطرة في العراق ولا تجد العائلة المالكة من طريقة لاعادة ترتيب الامور الا بالاستعانة به، وهو ما حصل على مدى 13 مرة تولى فيها السعيد رئاسة الوزراة كان اخرها في صيف العام 1954 وكان اجراءاته عادية ومعروفة للجميع، فقد اغلق 18 صحيفة وفاز بانتخابات غير صحيحة، حقق فيها نسبة نجاح تقترب من نسبة عبد الناصر التي وصلت حينها الى 99,98% في عام 1956 كما اغلق العديد من الاحزاب وارسل عناصرها الى السجن كما رفض فرض الضرائب على ممتلكي الاراضي ليضمن ولائهم ورفع رواتب الجنود والضباط في الجيش الذي مثل حزام ظهره.

وفي معرض رده على مسألة حصول تلاعب في هذه الانتخابات يقول نوري السعيد "المعارضة رشحت 22 شخصية للانتخابات فقط والبرلمان فيه 140 نائب منتخب". على صعيد حروب المنطقة ، حينما بدأ العرب في الهجوم على اسرائيل وقت ظهورها كان العراق ونوري السعيد البلد الوحيد الذي رفض التوقيع على معاهدة وقف اطلاق النار. ولكن سرعان ما جاءت ازمة السويس لتطيح بما تبقى من امال نوري السعيد وفرصته للدفاع عن وجهة نظر حلفاءه واعطت عبد الناصر الفرصة لتوجيه الضربة القاضية للملكية العراقية.

وقتها دعا نوري الى اجتماع عاجل لحكومته في الساعة الثانية فجراً واستمرت المداولات حتى ساعات الصباح الاولى، وقرر ان يقدم المساعدة للرئيس عبد الناصر وقطع علاقاته مع فرنسا، وقرر اخبار بريطانيا بضرورة ان ترجع الى الحكومة العراقية في اي خطوة تقوم بها حتى اشعار اخر، واكد على ضرورة التخلص من اسرائيل باي وسيلة ممكنة لكن هذا لم يوقف عبد الناصر ولا سوريا التي بثت عبر اذاعتها بياناً قالت فيه "ايها العراق العزيز، دمر جدران سجنك، وحرر نفسك من قيودك ومن خبث نوري السعيد"، كان الانبوب العراقي الى البحر الابيض المتوسط قد تم استهدافه وخسر العراق 60 مليون دولار من عائدات نفطه رغم كل ما قدمه.

بدأت الحرب على نوري السعيد من الموصل، مرت بالنجف والكوت حيث قتل 20 عراقياً في حرب شوارع، كما شهدت العاصمة العراقية بغداد مظاهرة قام بها 20 الف طالب وطالبة، حيث حملت صور عبد الناصر ونادت بحياته وكونه قائد كل العرب، وقد قرر نوري في اعقاب ذلك اغلاق جميع المدارس وحل البرلمان العراقي وكان مصير المئات من العراقيين السجن.

كما قامت الشرطة العراقية باعتقال ثلاثة مصريين ثبت قيامهم بالتخطيط لاغتيال الباشا وقال لهم نوري لدى المواجهة "لم يولد بعد من يستطيع اغتيالي" وقد عادت الامور الى طبيعتها بعد انتهاء الحرب لكنه كان يعرف ان الحكم كان اسهل حينما كان اصغر عمراً من هذا الوقت.

كان السعيد يستيقظ عادة الساعة السادسة صباحاً ليستمع الى نشرة (صوت امريكا) وليتناول قهوته ايضاً، ثم يبدأ الجولة الاولى من اجتماعاته مع وزراءه عبر الهاتف، ثم يعود ليتناول فطوره المكون اساساً من البيض، ثم يمشي على قدميه على جسر يربط بين كرخ بغداد ورصافته قبل ان ينتقل الى مكتبه الرئيسي.

كان الخطوة الاولى للسعيد هو اعطاء التوجيهات بخصوص كيفية الرد على رسائل الحكومة ويكتب بخط يده رسالة الى احفاده في احدى المدارس الخاصة في انجلترا، ثم يعود الى منزله بحلول الثانية ظهراً ليستمع الى نشرة الـ BBC قبل ان يتناول الغداء وينام مطولاً خلال فترة الظهيرة، وفي حال كان جو بغداد جيداً فأنه سيتناول الشاي في باحة حديقته وهو يتابع سرب من البط وهو يسبح في مياه ذلك النهر.

ويقضي بقية يومه في منزله مع مجموعة من اصدقاءه ومسؤول الاعلام خليل ابراهيم ومسؤول التطوير ضياء جعفر ووزير المالية خليل الذي كان يعتقد انه سيخلفه في رئاسة الوزراء في السنوات القادمة.. لو كتب استمرار الملكية. يزور السعيد القصر الملكي عدة مرات في الاسبوع الواحد من اجل تبادل وجهات النظر مع الوصي عبد الاله كما يزور وزارة الدفاع التي طالما كانت مكتبه الامين وتحول اهتمامه في الاونة الاخيرة من حياته الى مجلس الاعمار.

كان السعيد قد احتفل حينما اقنع شركة البترول البريطانية لمنح العراق نسبة 50% من العائدات عام 1950 كما كانت حصة كل من فنزويلا والمملكة العربية السعودية، وقد قرر منح 70% من هذه العائدات الى مجلس الاعمار وكان مشاريع هذا المجلس طويلة الامد وركزت في البداية على حوض وادي الرافدين الذي كان يعاني من الفيضانات المتتالية حيث تسبب الغزو المغولي في اعادة النظام الزراعي العراقي الى الوراء قرون عدة وحولت مياه العراق الى لعنة بعد ان كان جنة عدن.

منذ عام 1950 ظهر مجلس الاعمار الذي استعان بالخبرات الاميركية والبريطانية وقد تم اتمام العمل على 16 سداً للسيطرة على المياه القادمة من الجبال والذاهبة الى الخليج العربي وقد اكمل العام 1956 العمل على وادي الثرثار الذي تحكم بمياه دجلة والفرات وكلف المشروع 30 مليون دولار وقد استعان العراقيون في تنفيذ المشروع بخبرتهم في التحكم في مياه بابل عبر سلسلة من القنوات المائية وهو ما تسبب في زيادة المساحة المزروعة في العراق الى 40% وقد تحولت اكثر من 20 الف عائلة للعيش في الاماكن الجديدة لتستثمر الاراض في الزراعة.

كما زاد عدد المدارس الابتدائية في العراق من 1070 مدرسة الى 1748 مدرسة بعد 6 سنوات والمدارس الثانوية من 108 مدرسة الى 152 مدرسة والمستشفيات من 82 الى 121 مستشفى كما يتم انشاء جامعة عراقية في قلب العاصمة العراقية وكل هذه الارقام تمثيل ثورة بالمقارنة مع السعودية المجاورة التي تمتلك عائدات اكبر من العراق بحسب الاحصائيات التي نشرت عام 1957.

ولمجلس الاعمار اخطاءه ايضاً، فقد فشل في تدريب الايدي العاملة من اجل التعامل مع المدارس والمستشفيات الجديدة، ومن وجهة النظر السياسية فالمجلس كان بطيئاً في ان يجد الايدي العاملة التي تساعد على مكافحة البطالة، ويرى السياسيون ان بناء السدود لا ينعكس بصورة مباشرة على حياة العراقيين ومن هنا قرر مجلس الاعمار عام 1956 ان يتحول الى بناء 2500 مسكن لذوي الدخل المحدود في العراق ولكن الامر مثل جزءً من الحقيقة.

في الحلقة الرابعة:

"يتحدثون عن الوحدة العربية!.. الوحدة العربية هي ان ترى الجامعات هنا، كما تجد الثروة، وان تقلل الفارق بين العرب والامم المتقدمة"
نوري السعيد رداً على صوت العرب وجمال عبد الناصر

المصادر:
ارشيف صحيفة النيوريورك تايمز
مجلة التايم والفورين افيرز

لمراسلة الكاتب:
Zaid_musicplus@hotmail.com

مواضيع سابقة للكاتب:
http://www.elaphblog.com/zaidbenjamin