محكمة مصرية تقضي بحبس رئيس تحرير شهرين مع التنفيذ

ضد إبراهيم عيسى بتهمة نشر "أنباء كاذبة" عن صحة مبارك
محكمة مصرية تقضي بحبس رئيس تحرير شهرين مع التنفيذ
نبيل شرف الدين من القاهرة : أسدلت محكمة استئنافية في مصر الستار على واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في البلاد، إذ قضت في جلستها اليوم الأحد في الاستئناف المقدم من كل من نيابة أمن الدولة العليا، وإبراهيم عيسى رئيس تحرير صحيفة "الدستور" المستقلة بحبس الأخير لمدة شهرين، بعد إدانته في قضية نشر أخبار وبيانات وصفت بالكاذبة عن صحة الرئيس المصري حسني مبارك على نحو وصف بأنه "أضر بالاقتصاد القومي" . وفي اتصال هاتفي مع إبراهيم عيسى وصف الحكم بأنه "مسيس"، وأنه عقوبة على جملة من الكتابات والمواقف المعارضة التي يتبناها وينشرها ضد النظام الحاكم، وأبلغ (إيلاف) أنه ينتظر في أي لحظة قدوم قوات الشرطة للقبض عليه لينفذ الحكم، وأنه لا يشعر بأي ندم على مواقفه وكتاباته بل ازداد صلابة، وأنه سيواصل نهجه الذي أكد أنه "مهني وموضوعي وغير منحاز سوى للحقيقة"، وأن صحيفة "الدستور" التي يرأس تحريرها ستواصل صدورها بانتظام، وفق آلية عمل راسخة .
ويرى مراقبون أن الحكم في القضية راعى المواءمة بين تخفيف حكم سابق بالحبس ستة أشهر، وبين الإصرار على إدانة الصحافي الشهير إبراهيم عيسى، والذي يحظى بشعبية واسعة بين الشباب ، ومعاقبته بالحبس في ما يوصف بتعبير شعبي هو: "شد أذن"، أو إبلاغ رسالة للصحافة مفادها "عدم تجاوز الخطوط الحمراء، التي تحيط بشخص رئيس الجمهورية ومؤسسة الرئاسة، فضلاً عن المؤسسات السيادية الأخرى كالقوات المسلحة والقضاء"، وفق تقديرات محللين سياسيين وخبراء قانونيين تحدثت معهم (إيلاف) .
وكان قد سبق لمحكمة اول درجة ان قضت بمعاقبة إبراهيم عيسى بالسجن ستة أشهر مع الشغل وكفالة 200 جنيه لإيقاف التنفيذ إلا أن نيابة أمن الدولة العليا وإبراهيم عيسى قاما باستئناف الحكم .
وسبق أن أحالت نيابة أمن الدولة العليا إبراهيم عيسى للمحاكمة بتهمة إذاعة ونشر أخبار وبيانات وشائعات كاذبة عن صحة الرئيس مبارك، على نحو أضر بالاقتصاد القومي، حيث أوضحت النيابة أن إبراهيم عيسى نشر هذه الشائعات، على الرغم من يقينه بكذبها وعدم صحتها"، وفق ما ورد بقرار الاتهام .
وقالت النيابة في مرافعتها ومذكراتها إن ما نشر أضر بالاقتصاد المصري بصورة تمثلت في سحب إستثمارات أجنبية من البلاد بلغت قيمتها أكثر من 350 مليون دولار، خلال يومي نشر تلك الشائعات، إلى جانب ما أفادت به الهيئة العامة لسوق المال من أنه تم رصد انخفاض مؤثر في البورصة المصرية بصورة غير عادية في ضوء ما نشر من شائعات مرض الرئيس مبارك تسببت في تدافع المستثمرين لبيع وتسييل محافظهم الاستثمارية تجنبا لحدوث مخاطر في أموالهم .
وكان عدد من المحامين المنتمين للحزب الوطني (الحاكم) أقاموا دعاوى قضائية ضد إبراهيم عيسى مطالبين فيها بحبسه لنشره هذه الشائعات، إلا أن المحكمة قضت برفضها في شقيها المدني والجنائي . قصة الدستور
ودأبت صحيفة (الدستور) المصرية المستقلة على نشر تقارير وتحقيقات ومقالات رأي تتسم بجرأة بالغة على المحظور السياسي والاجتماعي، والمعارضة الحادة للنظام الحاكم، وإثارة قضايا سياسية وفكرية واجتماعية ودينية تتسم بالحساسية، أوتقع ضمن ما يعرف بتعبير "المسكوت عنه"، وتوجه انتقادات لاذعة لكافة المسؤولين تقريباً، بمن فيهم رئيس الجمهورية ذاته، الذي كثيراً ما انتقدته بشدة، سواء خلال المقالات الافتتاحية التي يكتبها رئيس التحرير أو في مواد الصحيفة الأخرى، التي تشتهر في مصر بأنها صحيفة مشاغبة، وتستكتب فريقاً من المحررين والكتّاب من الجيلين الجديد والوسط، وشتى المشارب والاتجاهات الفكرية، إذ تضم صفحاتها مقالات لكتّاب من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، ومن التيار الديني حتى الليبراليين والعلمانيين والأقباط والشعية والبهائيين وغيرهم من شتى ألوان الطيف السياسي .
وسبق أن صودرت صحيفة (الدستور) وحجبت عن النشر، بعد أن كانت خلال التسعينات من القرن المنصرم تلقى رواجاً واسعاً، ثم عاودت للصدور بعد أن تمكن ناشرها عصام فهمي من تأسيس شركة برأسمال يكفل إصدار عدة صحف خاصة، من بينها (الدستور) و(صوت الأمة) وغيرهما، كما يقضي بذلك القانون المنظم للصحف الخاصة في مصر .
وحركت نيابة أمن الدولة العليا في مصر هذه القضية، بينما شارك عشرات المحامين وممثلي منظمات حقوق الإنسان بانضمامهم إلى هيئة للدفاع عن إبراهيم عيسى، كما حضر هذه الجلسة ممثلون عن عشرات المنظمات الحقوقية المصرية والدولية بصفة مراقبين لوقائع المحاكمة وملابساتها المثيرة للجدل .