جلسة هادئة مع غسان تويني لشرب شاي المساء
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سلطان القحطاني: في المخيلة صور كثيرة تتداعى إلى الذهن لحظة رؤية سيدنا الصحافي الكبير غسان تويني، مثلما حدث معي حين رأيته وهو يرتدي بذلته الرمادية بلون المعابد ذات ظهيرة هادئة في بهو أحد الفنادق الظبيانية. لم أكن أخطط للقاء مطوّل، ولم أكن أطمح في أكثر من مجرد السلام على قائمة أحدثت الإلهام وأوقدت النار تحت خبز الحلم. إلا أن نصيبي ونصيب زملائي في إيلاف كان أكبر مما كنت أتوقع.
حين ذكرته بلقائي الأول به خلال حلقة دراسية احتضنتني فيها النهار طوال أسابيع ذات شتاء بيروتي عام 2005 قال لي بحنان المعلم وحرصه :"لابد أن تعود مرة أخرى وسأكون مشرفاً عليك ومراقباً لك في مهمات ميدانية". وألتقط ناشر إيلاف عثمان العمير طرف الخيط وطلب منه أن ينضم إلى أسرة إيلاف الكبيرة في حوار مفتوح.
وبينما كنا نغرق في حوار طويل حول السياسة والتجربة الصحافية الطويلة التي يعتبر أحد سدنتها الكبار، كانت صورته تهطل علي برداً وسلاماً وهو يمر بنا في صالة التحرير النهارية حيث مصارع التيارات والرغبات والأحلام، ويبدي هنا رأياً، وهناك دعماً، وفي ضفة أخرى عتاباً مهنياً هادئاً.
كنت أتذكر آمالاً أجمل وأحلام مضت قبل أن تمضي بيروت إلى حال غير حالها، وقبل أن نمضي إلى غير حالناً وقت أن تصارعت الأهواء في الأدوار العليا من رؤوسنا ولم نعد نملك تلك النيران الحارقة إلى محابر الإنترنت وفضاءاتها الرحبة.
تذكرت تلك اللحظة وأنا أخطو برهبة اللقاء الأول إلى مبنى صحيفة النهار أحمل دفتر ملاحظاتي الصغير وقلم الحبر الأزرق. تذكرت ذلك الشبق الجميل حين أنهي يومي بابتياع الكتب والصحف المتعددة من المكتبة الملحقة بالمبنى.
وتذكرت الشباب اللبناني الجميل من زملائي وزميلاتي وهم يحملون أعلام أحزابهم في رؤوسهم ويتحدثون بإخلاص لأفكارهم ومبدأهم مهما كان خطؤها وصوابها.
تلك كانت بيروتي التي أحب.
لم أفكر في أن يكون هذا المقال فاتحة رثاء لبيروت وسنينها وأيامها الجميلة التي تجري في الجسد مجرى النفس، لكنها الأيام تسير بنا ونسير بها دون أن ندري كما سرت هنا. وربما أفعل ذلك يوماً ما!