بعد 800 عام من النوم.. جبل أبو نار يريد أن يستيقظ

إيلاف في فوهة بركان العيص:
بعد 800 عام من النوم.. جبل أبو نار يريد أن يستيقظ

يوسف السعد من العيص (غرب السعودية): تقول الأسطورة القديمة إن كلمة بركان اشتقت من الآلهة الرومانية القديمة (فولكان)، المتحكم في الحدادة والنار. والأسطورة السعودية الآن تقول إن الأرض انشقت بطول 900 متر عرضاَ، وعمق 8 كلم داخل أرض محافظة العيص في غرب المملكة وشمالاً عن المدينة المنورة. "إيلاف" تواجدت عند فوهة البركان ولم تجد الآلهة، ولكنها وجدت وادياً يمتد عشرات الكيلومترات تغطيه بكامله الأحجار المسننة السوداء وكأنها قطع فحم كبيرة بين جبال تحيط بالوادي، وجميعها اكتست بالسواد ماعدا الجبل الأكبر وقائد الجبال التاريخي "حلا أبونار" فهو الوحيد الذي يكتسي لوناً أقرب ما يكون للون النار.

في التاريخ العربي تقول الكتب إن العام 654هـ في العهد العباسي حدث بركان عظيم بعد سلسلة هزاتٍ أرضية، ووصل مداه إلى تخوم المدينة المنورة حتى سال في الطرقات وقتل الكثير من المسلمين، ولم ينقطع مدة 52 يوماً حتى تعلق المسلمون بقبر النبي محمد وتابوا، والتاريخ الحديث يقول إن مفتي السعودية الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ أجاز لمواطني المراكز التي تتعرض للهزات دعاء القنوت في صلواتهم، و بحسب معاينة "إيلاف" يقول التاريخ الحديث أيضاً إنه ومنذ أكثر من 10 أيام والهزات الأرضية ما بين خفيفة ومتوسطة تعصف بشمال المدينة المنورة، وبحسب شهادة أحد كبار السن ممن رفض الخروج من الموقع واحتال للبقاء، رغم الإخلاء الإجباري، فإن المنطقة لأنها بين مجموعة جبال فإن أول ما يشعر الناس به هو صوت مدوٍ، وكأنه يدور بين الجبال بحركة دائرية ثم تهتز الأرض بحسب قوة الزلزال واهتزازها يكون، وكأن جسماً كبيراً يجري تحت الأرض فيقطع القرية كلها في لحظات قليلة.

مركز رصد الزلازل السعودي يقول إن المنطقة خطرة ويسجل يومياً ارتفاعاً بسيطاً، وفي أحيان كثيرة يهدأ حتى لا يحس امرؤ بأن المنطقة تقع على صفيح ساخن, وفوهة البركان تبعد عن أقرب مكان مأهول بحوالى الـ15 كلم، ولكن القرى الصغيرة تنتشر حوله وتقطنها أغلبية ساحقة من القبيلة العربية العريقة "جهينة".

عزل العيص والطيران الجوي يتدخل

العيص السعودية: غياب موقت لألسنة الدخان من الفوهات البركانية

هزات أرضية تواصل ضرب العيص

أعنف هزة ضربت العيص أمس... وتوجيهات بالتأهب لإخلاء المنطقة

مآذن العيص تصمت لأول مرة منذ الهجرة النبوية

العيص تسجل أقوى هزة وهزيم الرعد يخيف السكان

مركز العيص يقع جنوب الفوهة البركانية وتحت جبل "حلا أبونار"، ويفصل بينهما وادٍ متعرج يسمى "هدمه" وتكثر في هذه القرى وبين الجبال الحرات (بفتح الحاء)، وهي جمع حرة وقالوا في التاريخ إن الحرة سميت بهذا الإسم لأنها بقيت بعد آثار البراكين.

في أول النهار مع ساعات الفجر الأولى جالت "إيلاف" في بلدة العيص، وأول ما يلفت النظر هو خلو المحافظة من أهلها ولا أثر فيها للحياة، وكأنها ستالينغراد بعد هزيمة النازيين وهي خاوية على عروشها، ولكن العيص خوت لظروف طبيعية والنازية كانت من تحت الجبل الناري القريب الذي لا يستسلم، وفي وسط المحافظة ومركزها التجاري تبدو أبواب المحال مغلقة، ولكن صاحب سوق خضار ذهب وترك بضاعته نهباً للنسيان, وبين فترة وأختها تخرج دورية أمنية تجوب الطرقات حفاظاً على ممتلكات المواطنين الذين ذهبت بهم حافلات حكومية، عدا عن سياراتهم الخاصة، نحو الجنوب الشرقي لمسافة 50 كلم لمعسكر إيواء جهز بالخيام وتكاملت فيه الخدمات، بعد أن أوصلت شركة الكهرباء شاحنات مجهزة بمحطات تحويل كهربائية, وتحت قيادة الدفاع المدني تتواجد سيارات الإسعاف المجهزة، ومستشفى ميداني، وفرق من الشرطة، ومصلحة المياه ،وعلى الجانب من المخيم نصب متطوعون خيمة كتبوا على لوحة بجانبها (المتطوعون من أهالي الفقعلي)، والفقعلي قرية صغيرة تنام تحت جبل بعيد عن أبو النار بحوالى الستين كلم.

النساء داخل خيامهم يمضون اليوم بطوله, فلا حركة والرجال من كل الجهات في الخارج، ولكن الأطفال ينتشرون في كل مكان بين الخيام، وقد لبس بعضهم شعار نادي الهلال، والبعض نادي الاتحاد، ولكن الفانيلات اتسخت بفعل الشمس الحارقة، وبفعل تعطل الدراسة التي أعلنتها الحكومة لمدة أسبوعين، ولأن الخيام لا تحتوي على مكان لغسل الثياب, أما الرجال فتركوا سياراتهم صفاً خلف المخيم، بعضها أصبحت مأوىً لما استطاع أن يأخذه من ماشيته وبخاصة الماعز, والبعض الآخر لم يستطع اصطحاب إبله فتركها تأكل نهاراً وتجفل من صوت الزلازل ليلاً، واتخذ الرجال من كل ظلٍ ممكن مكاناً لتبادل الشكوى أو الطلب من مصوري الصحف والقنوات الفضائية تصوير أبنائهم.

عدد الخيام يقارب الـ200 وأغلبها مأهولة والباقي تركها بعض من سكنها بعد أن بدأت الحكومة في صرف معونة يومية لكل عائلة تبلغ 250 ريالاً، وذهبوا لأقرب المدن مثل ينبع واستقروا في شقق مفروشة بعد أن ضمنوا مبلغاً يصل لثلاثة آلاف دولار شهرياً, ومن بقي في الخيام توسع في الباقية، لأن أهالي العيص يغلب عليهم كثرة الإنجاب فلا تعد تعرف من الأكبر والأصغر بين الأطفال في الخيمة الواحدة.

قبل نهاية يوم الخميس زار الأمير عبدالعزيز بن ماجد، أمير المدينة المنورة، المخيم والتقى الأهالي وقال لهم "لستم وحدكم وسنكون معكم دائماً وسيأتي يوم قريب لتكونوا آمنين في فرشكم وهذا حقكم على وطنكم", وقال للصحافة "إن العيص والقرى القريبة من مركز الزلزال تحت أنظارنا، ونأخذ كل الأمور بأعلى درجات الجدية", وقبل أن تعود الشمس لمثواها اليومي حضرت فرقة تقود دراجات نارية من مدينة جدة عرفت باستعراضاتها في مختلف مناطق المملكة، وقال أحدهم إننا لا نريد أن يكون الزلزال وحده من يعشعش في ذاكرة الأطفال في هذا المخيم فنحن معهم وسنكون دائماً معهم، ثم استعرضوا مهاراتهم وأتاحوا الفرصة للأطفال باللهو بدراجاتهم والتصوير عليها، ووزعوا الماء والحلوى على الأطفال والنساء.

زلزال العيص يتوقع له نشاطاً أكثر في مقبل الأيام وعمل المخيمات قد يطول ولكن الآلهة فولكان حتماً ستعاود النوم لمدة قد تصل لـ 800 عام أخرى.

صور خاصة بإيلاف