أخبار خاصة

الخطاب المتشدد لم ينفع.. في حالة إيران فكر قبل أن تنطق

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

جون كيري*: خطفت الإحتجاجات الجماهيرية التي عمت إيران منذ إنتخاباتها الرئاسية الأسبوع الماضي، إهتمام أميركا وإستحوذت على العناوين الرئيسية ـ كما فعل ، للأسف ، زعيق المحافظين الجدد في حث الرئيس باراك اوباما على شجب الاقتراع بوصفه تزويرا واقحامنا مباشرة في معمعات ايران. ان شخصية بثقل السناتور جون ماكين المرشح الجمهوري في الانتخابات الرئاسية عام 2008 استنكرت رد فعل الرئيس اوباما بوصفه "باهتا". كما زعم ماكين "ان الشعب الايراني سينتصر في النهاية إذا كنا صلبين".

ستكون خطابية السيد ماكين ، بالطبع ، متنفسا لأي صانع سياسة اميركي ينظر بحذر الى رسالة محمود احمدي نجاد العدائية التقسيمية. فنحن جميعا نستمد الالهام من التظاهرات السلمية التي لم يُعرف نظير لها هناك منذ ثلاثة عقود ، ونبدى تعاطفنا مع الايرانيين الذين يسعون الى اقامة علاقة احترام وتعاون أكثر مع العالم. وإذ نتابع صورا مؤلمة على اشرطة الفيديو لميليشيا "الباسيج" تمارس الترهيب ضد المحتجين فاننا نشعر بإغراء الرد على ذلك ردا انفعاليا.

ثمة مشكلة واحدة فقط. إذا كنا في الواقع نريد تمكين الشعب الايراني ، علينا ان نفهم كيف يمكن ان تُستغَل كلماتنا وتُستخدم ضدنا لتعزيز المؤسسة الدينية وصرف انتباه الايرانيين عن فشل الاقتصاد وتعبئة سكان يتسمون باستقلالية شديدة ضد التدخل الخارجي. والمتعنتون الايرانيون اصلا يعملون جاهدين على تصوير الطعن في الانتخابات والاحتجاجات وكأنها نتيجة تدخل اميركي. وفي يوم الاربعاء الماضي نددت وزارة الخارجية الايرانية بالمسؤولين الاميركيين على "تصريحاتهم التدخلية" فيما تتصاعد نبرة الشكاوى التي تطلقها الحكومة من التغطية المنحازة في الصحافة الأجنبية.

لا يمكننا ان نتهرب من الحقيقة الماثلة في ان الاصلاحيين في طهران لكي يكون لديهم اي امل بالنجاح يتعين ان تكون انتخابات ايران عن ايران وليس عن اميركا. وإذا كانت الاحتجاجات التي شهدتها الشوارع في الأيام الماضية علمتنا شيئا فهو ان هذه لحظة ايرانية وليست لحظة اميركية. لفهم ذلك يكفي ان نستمع الى المتظاهرين. فان اشاراتهم وشعاراتهم ومدوناتهم على "تويتر" Twitter لا تقول شيئا عن تلقي العون من واشنطن ـ انهم بدلا من ذلك يكيِّفون لغة ثورتهم الخاصة. وعندما يكبِّر الايرانيون "الله أكبر" من على السطوح فانهم يعيدون تعبئة السمة التي تميزت بها ثورة 1979 الاسلامية.

دعا مير حسين موسوي ، المرشح الرئاسي الاصلاحي الرئيسي ، الى اتخاذ موقف تصالحي أكثر من اميركا. ولكن شرعيته السياسية تنبثق من اصوله الثورية في المساعدة على اسقاط الشاه المدعوم اميركيا ـ وهو تاريخ يساعد اليوم على حماية المحتجين ضد الاتهامات بكونهم "طابورا خامسا" اميركيا.

يحدث التغيير الداخلي في ايران على مستويين: في الشوارع ولكن ايضا داخل المرجعية الدينية. وفي نهاية المطاف سيكون التحدي الأمني الأساسي المطروح علينا واحدا بصرف النظر عمن يفوز في الانتخابات ـ منع ايران من امتلاك سلاح نووي. وسيتطلب ذلك مجهودا صبورا ومن الجائز تماما ان التعاطي مع السياسة الداخلية الايرانية قبل الأوان سيجعل المفاوضات اشد صعوبة.

ما سيحدث في ايران تاليا ليس واضحا. ما هو واضح ان اللغة المتشددة التي يدعو اليها السناتور ماكين لم تجدنا نفعا خلال السنوات الثماني الماضية. فان قعقعة سيوفنا لم تفعل سوى تمكين المتشددين ووضع الاصلاحيين في موقف دفاعي. أُزيح رئيس ايراني كان يدعو الى "حوار الحضارات" وتنفيذ اصلاحات اجتماعية ليحل محله رئيس ينكر الهولوكوست ويدعو بصورة روتينية الى تدمير اسرائيل.

في هذه الاثناء توسع نفوذ ايران في الشرق الأوسط وحققت تقدما كبيرا في برنامجها النووي. ان آخر ما ينبغي ان نفعله هو منح السيد احمدي نجاد فرصة لاستحضار انقلاب 1953 الذي اطاح رئيس الوزراء محمد مصدق واعاد الشاه محمد رضا بهلوي الى السلطة برعاية اميركية. فان اعطاءه فرصة كهذه ليس من شأنه إلا تمكينه من تصوير نفسه وكأنه مصدق العصر الحديث يدافع عن المبدأ ضد دمية غربية.

الكلمات مهمة والرئيس اوباما جعل ذلك واضحا في صوغ مقاربة جديدة تجاه ايران والعالم الاسلامي الأوسع. وهو بعرضه التفاوض والمصالحة وضع متطرفي المنطقة في موقف دفاعي.

شهدنا نتائج هذه الرؤية الجديدة من الآن. ولعل تواصله هذا ساعد على التأثير في انتخابات الاسبوع الماضي في لبنان حيث فاجأ الائتلاف المؤيد للغرب كثيرين بتحقيقه انتصارا ساحقا.

نرى بوادر تشير الى ان هذه الرؤية تمارس تأثيرها في ايران ايضا. وليس من شأن العودة الى الانتقاد اللاذع الآن إلا محو هذا التقدم وتمكين المتشددين في ايران الذين يريدون إفشال المفاوضات وقطع الطريق على الذين انتفضوا تأييدا لاقامة علاقة أفضل.

* المرشح السابق لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية عام 2004

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف