باكستان: سياسية الاحتكار تسيطر على الاسعار
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يعيش المواطنون الباكستانيون ازمات متعاقبة باتت تشكل "ظاهرة" في حياتهم اليومية. فبعد ازمة الطحين والأرز، تمر البلاد اليوم بأزمة السكر، ما يشير الى خلل في الحكم وفشل الحكومة الحالية بالتعامل مع الأزمات حتى أن رئيس الوزراء، بدل أن يطمئن المواطنين ويقدم الحلول لمشاكلهم، قد صرح بأنه "على الشعب أن ينتظر المزيد من الأزمات"، مبشرا بأزمة مقبلة ستطال قطاع الطاقة.
عبد الخالق همدرد من اسلام اباد: أصبحت الأزمات المتعاقبة "ظاهرة" تلاحق باكستان، منذ السنوات الأخيرة. فقد شهدت باكستان أسوأ أزمة للطحين العام الماضي وتبعتها أزمة الأرز وثم أزمة ارتفاع أسعار الفواكه والخضار... والآن تمر باكستان عبر أزمة السكر، رغم أنها دولة غنية بالموارد الزراعية ولديها اكتفاء ذاتي في مجال السكر والأرز والقمح والخضار والفواكه والمحاصيل الزراعية الأخرى.
وللعلم أن الكيلو الواحد من السكر في البلاد كان يباع بـ 42 روبية في الأسواق العادية، بعد أزمة السكر التي سادت البلاد زمن الرئيس السابق برويز مشرف وارتفعت أسعاره من 28 روبية إلى 40 روبية، بينما أدت الأزمة الحالية إلى ارتفاع أسعار السكر إلى 60- 65 روبية للكيلو الواحد.
وعندما رفع الشعب صوته مطالبا بخفض الأسعار، جاءت نصيحة وزير الإعلام قمر الزمانه كايرة " ما دام السكر يضر بالصحة، فاليقلل الشعب من استخدامه". وهي نفس الوصفة الشهيرة التي قدمها برويز مشرف إلى الشعب الباكستاني قبل سنتين، عندما ارتفعت أسعار الطماطم لتصبح 150 روبية للكيلو الواحد أثناء أيام عيد الأضحى، بعد أن كانت بين 12-15 روبية للكيلو، حيث قال " إذا يرى الشعب أن الطماطم غال، فأي حاجة إلى استخدامه؟". وهذا هو طريق حل الأزمات في الحكومة التي لا تتعب من تردد شعارها بأنها حكومة شعبية، منتخبة، ديموقراطية، انتخبها الشعب...
من الجدير بالذكر أن الأزمة الحالية للسكر ليست حقيقية، بل هي نتيجة الاحتكار من أجل كسب الأرباح أكثر فأكثر. وهو أمر ليس وليدة أفكار الشعب أو المواطنين البائسين العاجزين، بل الدوائر الرسمية تؤكد ذلك. ويمكن لأحد أن يثير السؤال عن دور الحكومة في هذا الوضع؛ لأنها راعية الرعية التي انتخبتها؛ لكن للأسف، ليس لها ناقة ولا جمل في هذا الصدد، كما أنه لا حول لها ولا قوة بـ " الإقطاعيين " الذين يملكون مصانع السكر.
وقد صرح وزير المالية شوكت ترين - الذي عرف بسبب قصم ظهر المواطن بوضع الضرائب الجديدة ورفع أسعار الوقود والطاقة، وما إلى ذلك من " الإجراءات المفيدة" للشعب، وفق مطالب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي- على الملأ " أن قوة ملاك مصانع السكر لا تسمح بالمس بهم". وهكذا ألقت الحكومة السلاح أمام الإقطاعيين الأقوياء على حساب الشعب الضعيف الذي يؤدي دور السلم لإيصال هذا الحزب أو ذاك، إلى سدة الحكم.
وبعد أن رأى الناس فشل الحكومة في كبح هذه الأزمة، مثل الأزمات الأخرى، طرقوا باب القضاء. فأصدرت محكمة لاهور أمرا ببيع السكر بـ 40 روبية. طبعا هذا القرار وقع مثل الساعقة على ظهر الإقطاعيين، فراجعوا محكمة التمييز للطعن في قرار محكمة لاهور؛ إلا أنها طلبت التقارير عن أزمات السكر السابقة وعرفت أن الأزمة ليست حقيقية، بل هناك مئات الآلاف الاطنان من السكر في المستودعات. وبالتالي صادقت على القرار السابق.
لكن الامر لم يتوقف إلى هذه الدرجة، بل وإن الحكومة الفدرالية بقيادة رئيس الوزراء جيلاني تحركت لحماية مصالح الإقطاعيين على حساب الشعب واستدع رئيس الوزراء، رؤساء الحكومات الإقليمية الأربعة إلى العاصمة إسلام أباد. وبعد استشارتهم، رفعت الحكومة طلبا إلى المحكمة، تدعوها إلى إلغاء قرارها ببيع السكر بـ 40 روبية؛ مبررة بأنه لا يمكن بيع السكر بهذا السعر؛ لكن المحكمة رفضت هذا الطلب أيضا؛ إلا أن السكر لا يزال يباع بأسعار أكثر مما أمرت بها المحكمة.
وقد أشارت تقارير إلى أنه كيف يمكن للإقطاعيين من قيادات حزب الشعب وحزب نواز شريف والآخرين، الوقوف إلى جانب الشعب على حساب أرباحهم؟ فالجواب هو أن باكستان فيها 78 مصنعا للسكر، يملك أكثر من 50% منها كبار السياسيين والقيادات السياسية أو أقاربهم أو الموالون لهم. ويقال إن أسرة نواز شريف وحدها تملك 11 مصنعا للسكر وأسرة زرداري 9 مصنعا وأحد السياسيين من إقليم الحدود 6 مصانع، رغم أن قصر الرئاسة نفى امتلاك الرئيس لأي مصنع للسكر.
من جهة أخرى فإن الحكومة الحالية بدت فاشلة في التعامل مع الأزمات السائدة في البلاد، حتى وإن رئيس الوزراء، بدل أن يطمئن الشعب ويقدم حلا لمشاكلهم، قد صرح بأنه "يجب على الشعب أن ينتظر المزيد من الأزمات، أزمة الطاقة وأزمة الوقود وأزمة الغاز"، في حين بحثت السلطات أمر قطع الغاز عن جميع المحطات التي تقدم الوقود للسيارات لمدة ثلاثة أشهر خلال فصل الشتاء القادم، إضافة إلى انقطاع الغاز المستهلك في البيوت. ومن المتوقع أن الحكومة سوف تنجح 100% في قطع الغاز عن الشعب؛ لكنها لن تقدر على قطع الغاز عن محطات الغاز؛ لأنها ملك الإقطاعيين وليس الشعب.
ولو توقف الأمر إلى هذا الحد لكان كافيا؛ لكن يبدو أن "الحكومة الديموقراطية الشعبية" عازمة على تقديم " جميع التسهيلات " إلى الشعب، إذ إنها قد أعلنت مشروعا لاستئجار محطات توليد الطاقة للتغلب على " نقص الكهرباء" في البلاد. وقد تم اعتماد مقاولات بدون إعلان أي مناقصة لحصر أموال الشعب بالمقربين من الحكام الحاليين. وقد فضح أمر هذه المقاولات الوزير السابق فيصل صالح حيات الذي تحدى وزير الطاقة والمياه برويز أشرف، بأنه يقدر على إنشاء تلك المحطات بنصف التكلفة التي أعلنتها الحكومة، مشيرا إلى أن أكثر من نصف التكلفة ستذهب في العمولات والرشاوى؛ لكن في نهاية المطاف سيضطر الشعب إلى شراء الكهرباء بأسعار مضاعفة. والحكومة سوف تبرر بأن الشركات الخاصة تبيعه غاليا.
بالنظر إلى هذا الوضع لنسخة "الديموقراطية الباكستانية"، يبدو من الضروري أن نغير تعريف الديموقراطية ونقول " الديموقراطية هي حكومة الإقطاعيين من الإقطاعيين وللإقطاعيين".