أخبار

طالبان وباكستان:من حليف استراتيجي إلى عبء استراتيجي

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
&
إيلاف- نبيل شرف الدين: عندما ذهب رئيس الاستخبارات العسكرية الباكستانية (isi) إلى قندهار قبل عشرة أيام، في مساعي اللحظة الأخيرة لحل الأزمة بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، قال له الملا محمد عمر، حسب مصادر مطلعة في مكتب الرئاسة التنفيذية للحكومة الباكستانية: "تاريخنا يثبت أننا لم نخسر حرباً، وتاريخكم يثبت أنكم لم تكسبوا حربا".
أمير " طالبان"& كان يشير بذلك إلى ان ليس ثمة " داع للخوف من حملة عسكرية تنطلق من باكستان، الدولة التي فشلت في سائر مغامراتها العسكرية الخارجية، كانت كلها مع الجارة - العدو الهند".
واليوم، في الحرب العالمية ضد " الإرهاب"& تجتمع تناقضات هذه الحرب كلها في العاصمة الباكستانية& فالبلد الذي أصبح الحليف الرئيسي للولايات المتحدة وبريطانيا في هذه الحرب الغامضة، هو ذاته البلد الوحيد في العالم الذي يبقي على اتصال واعتراف ديبلوماسي كامل بنظام " طالبان"، الذي تدعو واشنطن ولندن لاسقاطه، والذي حرمته الرياض وأبوظي من بعض " الشرعية الاقليمية"& التي كان يتمتع بها.
ومع بدء إشارات الحملة العسكرية ضد " طالبان"& أول من أمس، والمتمثلة في ظهور طائرات استطلاع أميركية في الغالب في سماء كابول وقندهار، يؤكد المسؤولون الباكستانيون، انهم تخلوا تماما عن خيار محاولة اقناع الأميركيين بخطة تشجيع عناصر معتدلة داخل الحركة لتقوم بانقلاب على القيادة المتشددة، في مقابل أن توقف واشنطن حملتها المتوقعة لاطاحة حكومة " طالبان".
لكن لا يعني ذلك التخلي تماما عن القيادات من الصفين الثاني والثالث في " طالبان"&& الجنرال برويز مشرف وزملاؤه من العسكريين في القيادة العليا للجيش الباكستاني، اكتشفوا مبكرا انه لا يمكنهم معاداة " طالبان"& والموافقة ضمنيا على دعم التحالف الشمالي، المدعوم اساسا من طاجيكستان واوزبكستان وايران وروسيا، من دون اثارة معارضة قطاعات نافذة وواسعة داخل الجيش والأجهزة الأمنية، ناهيك عن الطبقة السياسية في البلد، من ذوي الأصول الباشتونية.
لذا، تم الاجماع على التخلي عن " طالبان"، في مقابل خطة جديدة تقف على أنقاض الخطة القديمة التي باتت حسب تعبير مسؤول باكستاني، " مدفونة تحت أنقاض مبنى التجارة العالمي في نيويورك"&& الخطة الجديدة تمثلت في سياستين متوازيتين: الأولى البدء فورا في حوار مع الملك الأفغاني السابق ظاهر شاه، واقناعه بالقدوم الى باكستان واتخاذ أراضيها مقرا لنشاطه المقبل حول تشكيل حكومة ما بعد& " طالبان"&& والثانية، تشكيل لوبي من السياسيين الأفغان من الباشتون المقيمين في باكستان ليلعبوا دورا في الحكومة الأفغانية الجديدة، وتاليا تمثيل مصالح اسلام أباد في ذلك البلد.
محورا رئيسيا من محاور السياسة الثانية، حسب المصادر الباكستانية، كان محاولة اقناع الأميركيين بضرورة ان يشارك مسؤولو " طالبان"& من الصفين الثاني والثالث في الحكومة الأفغانية الجديدة بعد سقوط " طالبان"، وان يتولى الأميركيون بدورهم اقناع الملك ظاهر شاه وصحبه بقبول ذلك.
لجأ المفاوضون الباكستانيون الى محاولة اقناع الأميركيين بأربعة أمور من أجل تحقيق ذلك& الأمر الأول هو " تخويف"& الأميركيين بأن الاعتماد تماما على التحالف الشمالي سيعني قيام حكومة أفغانية جديدة واقعة تحت النفوذ الروسي والايراني& هذا سيؤثر على المصالح الاقتصادية لشركات النفط الأميركية (خصوصا شل ويونيكول) والمصالح السياسية الأميركية في آسيا الوسطى، الأمر الثاني هو ان السماح بدور لإسلام أباد في تشكيل الحكومة الجديدة، عبر العناصر الباشتونية الموالية لها، سيعني ضمان وجود حكومة في كابول متعاونة مع واشنطن& الأمر الثالث هو ان التوازن المتكافئ الباشتون من " طالبان"& وغيرهم في الحكومة الأفغانية، الجديدة سينهي احتمالات القلاقل داخل المؤسسة العسكرية الباكستانية، وتاليا احتمالات سقوط الأسلحة الاستراتيجية لاسلام أباد في أيدي متطرفين& ورابعا، وأخيرا، حاول المسؤولون الباكستانيون اقناع نظرائهم الأميركيين بأن أي حكومة في كابول تهيمن عليها الاقليتان الأوزبكية والطاجيكية سيعني ظهور المعارضة والمقاومة من جانب الغالبية الباشتونية وتاليا اندلاع حرب أهلية جديدة.
ماذا كانت نتائج المحاولات الباكستانية هذه؟ النتيجة الأولى برزت بوضوح أثناء الزيارة التي قام بها لاسلام اباد مساء الجمعة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، حليف واشنطن الأول في السياسةالدولية.
أول ما اعلنه بلير عقب محادثاته مع مشرف، هو ان الباشتون سيلعبون دورا في الحكومة الجديدة، وهو ما يخالف مطلب التحالف الشمالي& وقال بلير: " في حال فشل نظام طالبان الحالي في تسليم اسامة بن لادن، فانه يجب اسقاطه، والحكومة التي ستخلفه يجب ان تكون ذات تمثيل موسع تشمل كل مجموعة اثنية رئيسية، من بينها الباشتون.
النتيجة الثانية هي اقرار بلير بدور واضح لا خلاف عليه لباكستان في تشكيل الحكومة الأفغانية الجديدة& وقدم " لاسلام أباد مصالح مشروعة ودورا مشروعا في أي ترتيب مستقبلي في كابول".
النتيجة الثالثة، هي محاولة السفيرة الاميركية في اسلام أباد، ويندي تشامبرلين، تطمين المسؤولين الباكستانيين بأن واشنطن تشارك اسلام أباد الرأي في شأن الباشتون والأقليتين الأوزبكية والطاجيكية، وقالت تشامبرلين في لقاء خاص مساء الجمعة مع مجموعة مختارة من الصحافيين الباكستانيين: " على طالبان ان تذهب من دون رجعة& وعلينا ان نفكر بالباشتون وليس بطالبان، وبالاوزبك والطاجيك وليس بالتحالف الشمالي".
النتيجة الرابعة، ان الولايات المتحدة لم ترفع بعد من مستوى دعمها العسكري للتحالف الشمالي ليتناسب مع الدعم السياسي (عبر التصريحات) لهذا التحالف غير المتجانس الذي لا يجمع أعضاؤه شيئاً سوى العداء الجماعي لنظام طالبان.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف