أميركا خسرت حتى لو ربحت!
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
&
جوزف سماحة : خسرت الولايات المتحدة حرب أفغانستان حتى لو ربحتها. إن أفضل سيناريو ممكن، من وجهة نظر أميركية، يؤكد هذا الاستنتاج.
ماذا يمكن أن يحصل إذا سارت الأمور كما يتمنى غلاة المتفائلين في واشنطن؟ تنجح الحملة في قتل أسامة بن لادن أو أسره. يسقط حكم طالبان. يُعاد ترتيب الوضع من دون مشاكل داخلية وإقليمية كبيرة. تؤدي الرقابة المالية دورها في <<تجفيف الينابيع>>. يسمح تبادل المعلومات في الكشف عن خيوط الشبكة الهلامية لتنظيم <<القاعدة>>، وربما، غيره.
والنتيجة تكون أن أميركا خسرت الحرب، أو بالأحرى، دفعت خسائر غير قابلة للتعويض من جانب أي انتصار كان. فالحرب اللامتوازية ليست كذلك في وسائلها إنما، أيضاً، في نتائجها. يكفي أن تقع حتى يكون هناك غالب ومغلوب. والأقوى هو المغلوب حتى لو قضى نهائياً على الطرف الذي سبَّب له الأضرار.
لنأخذ <<انتراكس>> مثلاً. قد تنجح الأجهزة الأمنية الأميركية في وضع حد للرسائل الملوثة. وقد تنجح في قطع الطريق على أساليب إجرامية أخرى. وقد تعتقل الفاعل أو الفاعلين. وسيتبيّن، عند ذاك، أن فرداً واحداً أو مجموعة أفراد نجحوا، بطريقة بدائية، وبكلفة محدودة جداً، في إلحاق خسائر جسيمة بالولايات المتحدة وغيرها.
لقد خسرت أميركا الحرب في 11 أيلول. وخسرتها، بالدرجة الأولى، على الجبهة الاقتصادية التي تهمها كثيراً. ويكاد يكون مستحيلاً، اليوم، تقدير الخسائر. يمكن الاكتفاء بالقول إنها فلكية. وهي مباشرة وغير مباشرة. النوع الأول بشري ومادي. النوع الثاني تحويل التباطؤ، البادئ قبل أشهر من أيلول، إلى احتمال ركود، فركود. وهو أمر إذا تحقق، معطوفاً على حالة مماثلة في أوروبا الغربية واليابان، يضع العالم أمام أول أزمة كونية من هذا النوع حيث لا مجال للرهان على قطب اقتصادي من أجل أن يلعب دور القاطرة أو الرافعة. إن آلة حسابية عادية لا تتسع للأصفار اللازمة لتقدير هذه الكارثة.
يدفع ما تقدم إلى مغادرة الوعي الاقتصادي التقليدي الذي يجد في الحملة الأميركية غطاء للسيطرة على آسيا الوسطى أو طرق الأنابيب في أفغانستان. إن عشرات السنوات من هذه السيطرة لا تعوّض عن الولايات المتحدة ما فاتها يوم 11 أيلول وما بعده.
وخسرت واشنطن، أيضاً، سياسياً. يكفي للتأكد من ذلك مراجعة الرشاوى التي اضطُرت إلى دفعها من أجل بناء تحالف لا يزال هشاً. وعنوان الخسارة، هنا، هو فرملة الاتجاه الامبراطوري الذي كان زاحفاً لصالح البحث عن نظام للعلاقات الدولية تفرضه شروط الحرب المديدة على أعداء ما بعد الحرب الباردة. لأميركا، في هذا النظام، موقع الأرجحية، ولكن ذلك بعيد جداً عن الأوهام السابقة. وهي أوهام تجمع بين الرغبة في ممارسة شكل من الانعزالية، وبين اختيار أمكنة وأزمنة ومناسبات التدخل.
ويعترف ريتشارد هولبروك بأن أميركا خسرت الحرب الإعلامية. لقد هزم رجل في كهفه زعيمة الإعلام العالمي. ولهذه الهزيمة ما بعدها لجهة مفاعيلها الارتدادية.
وخسرت أميركا، وهذا مهم جداً، فكرة أنها غير قابلة للخسارة. أي قدرتها اللامتناهية على الردع. ويعني ذلك أن أعداءها الجدد تكمن قوتهم في ضعفهم، وأن طاقتهم على الإيذاء تزداد بقدر ما يتضاءل حجمهم ويكونون أقرب إلى الشبكات الواهية منهم إلى الدول.
إن الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة اليوم ليست رداً على 11 أيلول، وليست فصلاً منه وسعياً إلى تغيير نتائج الجولة الأولى. أي إن هذه الحرب ليست ثأرية فقط ولا دفاعية. إنها، بمعنى ما، حرب استباقية ترمي إلى تحديد الخسائر اللاحقة المحتملة.
فما تريده واشنطن هو عدم تحويل <<اللاتوازي>> إلى هواية يمارسها كل مَن يريد الابتزاز، سواء كان خصماً خارجياً أو داخلياً. وحتى هنا فإن النجاح غير مؤكد لأن كل خيار سياسي تقدم عليه يمكنه أن يستنبت خصوماً يستسهلون الضرب في عقب أخيل.
ليس غريباً، والحالة هذه، أن ترتفع أصوات تطالب بتوسيع رقعة الحرب. إن شمول القتال منظمات أخرى ودولا أخرى، هو بعض من التعويض عن الخسارة المؤكدة، وهو نوع من حصر للأضرار ينطلق من أن الهيكل المنهار ينبغي، وقد آذى جهة، أن يؤذي أكبر قدر ممكن من أعدائها. وبما أن الحرب مستحيلة الربح فالأفضل أن تشمل، في مرحلة لاحقة، خصوماً يقللون من آثارها السلبية على الجهة التي تلقتها.
ولكن هذه الأصوات نفسها تجد مَن يرد عليها ضمن الإدارة. وينطلق الرد من أن شروط الحد من الأضرار لن تعود متوفرة إذا اتسع أمر العمليات الحالي. وفي هذا الرد، وحده، ما يشي بالوعي الأميركي لحدود القدرة، وبالمخاوف من أن ترتفع فاتورة الحرب التي خسرتها أميركا حتى لو ربحتها(السفير اللبنانية)
&
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف