جريدة الجرائد

الرقابة الاردنية تمنع رواية بيضة القمر للكاتب البحريني احمد جمعة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عمان -عمر شبانة: منعت الرقابة الأردنية رواية الكاتب البحريني أحمد جمعة بيضة القمر . والرواية الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر (بيروت - عمّان) تدمج بين الغرائبي والمتخيل متطرّقة الي بعض التهويمات الجنسية. ولم يصدر جهاز الرقابة بياناً برر فيه بادرته. هنا قراءة في الرواية.
منذ ولادة خلف الفرض ، اعتقد المشرفون علي ولادته ان امه خديجة بنت غانم، الملقبة بـ خديجة الفرض ، أنجبت كتلة لحم عفنة ميتة من المحتم دفنها مع الأبقار والكلاب الميتة، حيث القطط ترمي حية للكلاب الجائعة. فالزمان كان كساداً ومجاعة وتحللاً نتيجة البحث عن الرزق اليومي المفقود. ولد خلف ذات قيظ شديد الحرارة، امتلأ فيه الأفق بغبار مشوب برطوبة دبقة، وبرائحة عفنة تنبعث من جهة البحر المحاذية لمقبرة النفايات التابعة للبلدية، في منطقة تقع جنوب المحرق... وقريباً من قاع المدينة المدمنة علي البغاء السري والرطوبة اللدنة ، وزمنياً في الفترة الممتدة من الخمسينات حتي نهاية الستينات .
في هذا الطقس الذي طبع المكان، ولد خلف وسط طقوس ونكهات مميزة تداخلت مع النكهات المحلية. ومن هذه الطقوس ولدت الحياة التي ينتمي اليها خلف الفرض، ومنها أيضاً تزاوج السحر بالارث وبنكهات البهارات الهندية، بالملابس المزركشة الألوان، الفاقعة المظهر، ذات الانثناءات الممتدة من الياقة حتي الذيل، كاشفة عن ذوق سحري، يصاحبها نطق لغوي مقعر يلوي عنق اللهجة الدارجة، ويستدرجها الي مفردات لزجة تطمس المعني المراد، ليسبح الكلام في عوالم أهازيجية من لغة البحر والصحراء والأزقة الضيقة ذات نكهة الزعفران والزيت الحيواني.
هذه هي بعض ملامح العالم السحري الذي ولد فيه خلف الفرض، كما يصوره الكاتب البحريني أحمد جمعة في أول عمل روائي له، مستخدماً أساليب سرد تمزج الغرائبي والواقعي في واقعية غرائبية - سحرية، ضمن خلطة تنتمي الي بيئة وثقافة محددتين، يستغل المؤلف مجموعة من مصادر التكوين الثقافي فيها، سواء ما تعلق منها بالأساس الخرافي الذي تقوم عليه الكثير من الشخصيات، أو بالأساس الرؤيوي الذي يعتمده المؤلف لتصوير البيئة المحلية المتخلفة، عبر شخصيات نسائية في الأساس، وفي اطار علاقتها مع المدعو بـ سيار ، ومن بعده بـ خلف الفرض نفسه الذي سيرث الابهة من معلمه سيار، وسيرث علاقاته كلها ايضاً.
في البدء يرسم الروائي خطاً من خطوط الشخصية الخرافية، فهو الذي حملت به أمه أحد عشر شهراً، وشهدت ساعة ولادته لحظة تحول الحي بأكمله، حيث أكثر من حادثة ارتبطت في ذاكرة أهل الحي مع لحظة ولادته، فثمة - أولاً - كسوف شبه كلي لقرص الشمس منذ الظهيرة حتي المساء، كما جري في الحي - ثانياً - انتحار فتاة بحرق نفسها بعد علاقة عاطفية واكتشاف حملها، وثمة - ثالثاً وليس أخيراً - وفاة الملا بوراشد الذي لا نعرف الكثير عن علاقته بالقصة. وفي ما بعد ستذهب هذه الشخصية الي وقائع المغامرة مستقبلاً.
تركز الرواية علي طفولة خلف ونشأته في بيت تمارس أمه فيه الدعارة مع البحارة، فتنشأ لدي الطفل حاسة تنصت شاذة وغريبة، قبل أن تنمو هذه الحاسة وتتطور في سياق شهواني يغمر كيانه كله، ويجعله مستفزاً لرائحة أي أنثي، أو لصوتها ووقع خطاها، ويغدو مالكاً للنظر الي ما وراء الحجب، وخصوصاً حين يتعلق الأمر بالمرأة.
ومنذ البداية نحن أمام طفل بدأ في سن الخامسة يحلم بامرأة تكون رائحتها كهذه الرائحة التي تنفذ من الحمام، وتجعله يتحول... الي صَدَفة تمتلئ بالسر . وهو يتحول تدريجاً الي عيون ونظرات تحدق وكأنها تبصر وتلمس كل ما يجري ، وقد تركزت حواسه وشعاعات ذهنه في عينيه ، حتي غدا قادراً علي أن يغزو الأجساد باختراق عشوائي . وعلي رغم أن هوس السحر الذكوري بطقوس سحرية هذا لم يتعلمه من أحد، وانها ولدت معه منذ الشهور الأولي في عمره، حين كان يتمتم بكلمات وحروف هجائية مبهمة... إلا أن البيئة المحيطة هي التي أنتجت هذه الملكات الخارقة والمعجزة.
فهو في طفولته وصباه كان يتلقي الشبق بأن يلصق أذنيه بالجدار، ليسمع صوت الأجساد وهي تتصارع... لغة التحاور باللحم. وقد أحاطت به بيوت الدعارة غربي المدينة حيث تتكدس الكتل اللحمية من مختلـف الأجناس والألوان والأعمار مما يجتذب الرجال والشباب وحتي الصبية الذين لم تتجاوز أعمارهم الثانية عشرة، ممن كانوا يختلقون الأعذار للاختباء في تلك الأكواخ والبيوت الاسمنتية والخشبية... . واستمرت علاقة خلف هذه مع الأصوات والظلال وتداعيات طيف الأنثي... وامتدت به حتي السبعين من العمر محفورة في خزانة الوعي، ولم تزله حياته الحقيقية التي جرت بعد التحاقه بسيار، علي رغم كل جولاته في ما يسميه مركز الشرور الغرائزي ... هو الذي لم يمسك بامرأة ويخضعها لاختبار المواجهة... وظل حتي السابعة عشرة يقود المضاجعة من مركز السيطرة الكلية بخياله وسحره.
ثمة سلسلة طويلة من شذرات السحر سيتعلمها الفتي من معلمه (الذي نشعر في لحظات من الرواية أنه والده من زواج غير شرعي مع والدته) وستكون سبيلاً لسطوع نجمه واللقب، علي رغم خلفيته وجذوره، وربما بسببها أيضاً. لكن هذا التشخيص لحال خلف سيكون ضرورياً لربطه بسيار أولاً، ثم لتوضيح مجموعة من المسائل المتعلقة بوضع المرأة وظروفها ومشكلاتها. فهو يتناولها في وضع الحبيبة والزوجة والعاهرة، ويقدم تنظيرات ناجمة عن تجربة معيشة عبر سيار وعبره هو نفسه. ومن أبرز استخلاصاته في شأن المرأة، ما يقوله سيار له وهو يعرفه بأحوالها، فهي خير وشر... عندما تكون لك فهي خير، وعندما تكون عليك فهي شر. وإياك أن تحبها، دعها تحبك وقبل أن تتعلق بك تسلل مع الريح، واختفِ في الغيوم...لا تدعها تغرقك . وقوله المرأة كالعنكبوت، دعها تتسلقك، ثم اطمرها تحتك .
ولعل ما يجدر ذكره ان صورة علاقة الشخصين بالمرأة، هي أقرب الي التصور التقليدي الذي يحمله المثقفون اليساريون عن مثل هؤلاء، لكن الصورة هنا غنية بتفاصيل حول المشروب السحري الذي يعده المعلم له وللمرأة التي تأتيه ليعالجها بسحره وشعوذته، وحول الجو الساحر في البيت المتصل بالبحر في علاقة يحشد لها المؤلف الكثير من الهلوسات والهذيانات. ومما يحسب للرواية رصدها صور البؤس الاجتماعي والاقتصادي التي تنتج حياة ثرية بالتنوع في الشخصيات النسائية، وفي العلاقة بين الرجل والمرأة، هذه العلاقة القائمة علي بعد واحد هو الجنس فقط.
لعل النسوة في الرواية مثل شريفة وفرخندة ومحفوظة بلا ارادة أمام المعلم ورغبته وارادته، وكذلك امام رجال آخرين في الحارة يعتدون علي المرأة بسهولة ويسر وبلا رقيب أو حسيب. وليس من مبرر كاف لذلك سوي البؤس والفقر. وربما يكون الطقس الحار عاملاً في نضج مبكر يدفع في ظل مجتمع البؤس هذا الي الانفلات.
هل ثمة مبالغة؟ بالتأكيد، وثمة محاولة لتأسيس عالم أقرب الي الخيال. وثمة أيضاً تكرار في الوصف وتطويل كان يمكن التخلص منه. لكن العمل الروائي قد يحتمل وجهة نظر اخري لا تري ما نراه. (عن "الحياة" اللندنية)
المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1002، 092 صفحة قطع وسط.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف