جريدة الجرائد

الجزيرة .. وحرب الإعلام الغربي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

بقلم: فيصل الشيخ* المعروف عن الدول الغربية فيما يختص بالجانب الإعلامي والصحفي أن هنالك منافسة محتدمة وحربا على أوجها بين شبكات التلفزة وخاصة الإخبارية فيما بينها في سبيل التميز في الأخبار غير المسبوقة بما يؤمن لها بالتالي قاعدة عريضة من الشرائح المتابعة. الولايات المتحدة على سبيل المثال فيها شبكات تلفزة إخبارية رفيعة المستوى تتصدرها بالطبع الـ "سي.إن.إن" وتنافسها أخرى شهيرة مثل الـ "إن.بي.سي" و"سي.بي.إس"، وبين هذه الشبكات وغيرها التي تحاول المنافسة الجدية حرب إعلامية جلية تتمركز حول سعي كل منها إلى البروز بشكل مختلف ومبهر يجعلها في المرتبة الأولى على مستوى الولايات وعلى مستوى العالم.
ولو نظرنا إلى المستوى الدولي لوجدنا غالبية عظمى تفضل قناتين محددتين هما الـ "سي.إن.إن" الأميركية تليها هيئة الإذاعة البريطانية الـ"بي.بي.سي"، وهاتان المحطتان تستأثران بالفعل باهتمام العالم وخاصة حين تستجد مسائل فجائية على الساحة تسترعي الانتباه العام وتجعل الجميع يترقب الجديد من الأخبار والأنباء كما حصل في حرب الخليج وغيرها من أحداث إلى يومنا. كانت النظرة السائدة لدى المجتمع الغربي أن إعلامه بالفعل هو المتسيد عالميا وهو المتبوئ سدة الريادة في إبراز الأخبار وسبقها، مقابل ذلك كانت النظرة نحو الإعلام العربي تتسم بالدونية والازدراء الضمني وكأن لسان حال الغرب يقول "إن الإعلام العربي خُلق معوقا هزيلا وسيبقى هكذا". قناة "الجزيرة" الفضائية شكلت سابقة واستثناء لنظرة الغرب المجحفة بحق الإعلام العربي، وأكدت من خلال عمرها القصير علو كعبها في ركب المنافسة الإعلامية بل كانت بداية لانطلاق العديد من المحطات العربية الإخبارية التي رسمت لها نهجا يشابه نهجها كقناة فضائية سباقة في اقتناص الأخبار "الثقيلة العيار". الأحداث الحالية التي تشهدها أفغانستان منحت البطولة الإعلامية المطلقة لقناة الجزيرة، وهي تستحقها بالفعل كونها بدأت تحركها الجاد وبصورة "حرفنية" تامة بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر الماضي وأعقبتها باستعدادات من نوع خاص لمواكبة عمليات التحالف المناهض للإرهاب في أفغانستان.
الجزيرة رتبت لها وضعا خاصا في الأراضي الأفغانية ومدت موفديها هناك بأحدث الوسائل التكنولوجية في النقل والتصوير، بل تمكنت من أن تكون القناة الوحيدة الموجودة في مواقع القصف الصاروخي الحي ومع المدنيين، واستطاعت أن تقتنص لقاءات مع قادة طالبان وخاصة اللقاء الذي ظهر فيه بن لادن مما جعل العالم يركز أنظاره عليها تاركا شبكات التلفزة الأمريكية والبريطانية. قناة الجزيرة شكلت بالفعل قلقا للشبكات الغربية بتحولها للقناة الأولى التي تبث أخبار الحملة على أفغانستان ومباشرة بالصوت والصورة، والقناة التي ينقل عنها العديد من الشبكات الغربية الأخبار والصور المتعلقة بالأحداث الحالية. هذه القناة أكدت بالفعل أن الإعلام العربي يمكنه تبوؤ موقع الصدارة بين وسائل الإعلام الغربية، وبإمكانه أن يثبت للعالم تفوقه المهني أيضا، وأن يُسخر كأداة قوية تدافع عن القضايا العربية وتتصدى للدعايات المضللة التي تروجها وسائل الإعلام الغربية. لكن ما هو الموقف الغربي المتوقع من قناة كالجزيرة أدى نجاحها الى انحسار الأضواء عن قنواته الكبرى؟! حسب مفاهيم التنافس الإعلامي ومواكبة الأحداث على الساحة وتسارع تداعياتها، يمكننا الجزم - كما أسلفنا سابقا - بأن قناة الجزيرة الفضائية العربية هي المهيمنة حاليا والبارزة بصورة طغت على وسائل الإعلام الغربية الشهيرة. كان التساؤل مطروحا حول ردة فعل الإعلام الغربي على هذا التميز الإعلامي العربي، وخصوصا أن الغرب تعود السلبية وضعف المستوى من الإعلام العربي فكيف به الآن وهو يفاجأ بأنه يقبع خلف قناة عربية في ركب المنافسة الإعلامية؟! الحكومات الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وجهت رسالة إلى الحكومة القطرية تدعوها إلى فرض قيود على الجزيرة بما يضبط أداءها الإعلامي، وكانت الذرائع أن توجهات هذه القناة واضحة المعالم في كونها تستهدف الولايات المتحدة وسياستها.
هذا الكلام غريب جدا، إذ يصدر عن مجتمعات غربية متشدقة بمنظومات الديمقراطية ومتفاخرة بمقومات المجتمع العصري الحديث القائم على حرية المؤسسات والأفراد والكفالة المطلقة لحريات التعبير والنقد، والولايات المتحدة التي تدلل دائما على مستوى الانفتاح الديمقراطي لديها بضرب أمثلة بالشبكات الإعلامية تأتي هنا لتطالب بوضع قيود على قناة عربية تواكب تماما سياسة الانفتاح ومعايير الحرية التي توصف بها القنوات الأمريكية. وفي محاولة أخرى لوضع عثرات أمام تألق الجزيرة طالبت الحكومات الغربية وسائل إعلامها بعدم نقل أي أخبار أو تقارير أو مقابلات عن الجزيرة وخاصة بعد مقابلة بن لادن الذي توعد فيها الغرب والولايات المتحدة بالانتقام، معللة ذلك بأن هذه التقارير الإخبارية عبر شاشة الجزيرة ما هي إلا رسائل وأوامر مشفرة ترسلها القاعدة إلى رجالها في الخارج. وهذه حجج واهية، كوننا ندرك الهدف الحقيقي منها وهو أن وسائل الإعلام الغربية تملكتها بسبب الجزيرة موجة غضب عارمة دفعتها لشن حرب إعلامية صريحة عليها، فكيف وهي المتفاخرة بسيادة الإعلام الدولي تقبل الرضوخ الآن أمام تميز قناة إعلامية عربية؟! فالرغبة الغربية مازالت قائمة حول وجوب استمرارية العالم العربي والإسلامي في التبعية المطلقة لها في كافة الجوانب الحيوية، والعمل مطلوب على غمسه أكثر في مستنقعات الجهل والتخبط مما يفرض عليه اللجوء الدائم إلى الغرب، وتقدم هذه المجتمعات في أحد المجالات بصورة تتفوق على الغرب كما هو حال الحركة الإعلامية اليوم المتمثلة في قناة الجزيرة لهو مؤشر خطير يهدد رغبات الغرب. بقيت مسألة قد لايدركها الكثيرون هي أن الإعلام الغربي له دور كبير في تضليل شعوبه وإبعادها عن إدراك الحقائق الجلية وخاصة في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وبروز قنوات اتصال عربية تدحض هذه المحاولات المغرضة وتضطلع بمهمة توصيل الحقائق إلى تلك الشعوب من شأنه التأثير على الرأي العام للشارع الغربي وتدفعه حتى إلى الضغط على حكوماته بهدف تعديل سياساتها. وهذه ليست فرضية تقبل الصحة أو الخطأ، بل هي خطوط واقعية يؤكدها من لمس دور الإعلام الغربي هناك في بلاد الغرب.(أخبار الخليج البحرينية)
* كاتب وصحفي بحريني
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف