غسان تويني : عدالة... في مهب العواصف الأميركية ؟
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
-1-
الخطبة العاصفة التي أطلقها الرئيس جورج بوش أمام جمعية عمومية للأمم المتحدة كان يحضرها 48 رئيس دولة و114 وزير خارجية تدلّ على انه كثير الاغتباط بدور "الديّان" الذي يدّعيه لأميركا، قليل المعرفة بتاريخها الديبلوماسي المتراكمة احباطاته...
إذ لو قرأ تاريخ أميركا الديبلوماسي - العسكري، من حرب فيتنام الى حرب الخليج والعراق، مروراً بدور أميركا في حرب ايران والعراق، ناهيك بالقضية الأهم والأشد خطراً وخطورة: القضية الفلسطينية التي صارت تعرف حيناً بقضية الشرق الاوسط، وأحياناً بحروب اسرائيل والفلسطينيين والعرب...
نقول: لو قرأ التاريخ هذا، لأدرك معنى الخلاصة التي توصّل اليها صانع معظم هذا التاريخ، هنري كيسينجر، حين قال في كتابه الأخير (وعنوانه "هل تحتاج اميركا الى سياسة خارجية؟") ان فقدان اميركا "مصداقيتها" الدولية يعود الى سجلها الحافل في "التخلي عن الحلفاء والأصدقاء" من فيتنام الى شاه ايران الى كوبا (خليج الخنازير) الى نصف قرن من المحاولات شبه العسكرية في لبنان، وقد انتهت كلها بالمآسي (!!!)... زائد "عجزها العضوي في ترجمة النجاحات العسكرية الى وقائع سياسية صلبة". والكلام لكيسينجر، وليس لنا !
* * *
ومع ذلك، فلنحاول أن نلعب اللعبة!
ماذا مثلاً لو سألنا الرئيس بوش، رافع سيف النقمة وحامل ميزان العدالة، مَن يقصد بتهديده حتى اولئك الذين يتوسلون الارهاب في الدفاع عن مطلب وطني؟... هل يشمل تهديده، مثلاً، اسرائيل التي يتباهى شارونها بحملة الاغتيالات التي شنّها، كما ولا مرة من قبل في التاريخ، بواسطة الدبابات والطائرات الاميركية الصنع، مهدّماً المدائن وبيوتها ومقدساتها فوق رؤوس النساء والأطفال... بحجة "الدفاع عن امن اسرائيل".
هل يتجرأ الرئيس بوش ويصبّ بعضاً من جام غضبه على شارون، معلّم الارهاب التاريخي المستمر، والملاحَق أمام العدالة الدولية بتهمة ارتكاب المجازر؟
أم الارهاب فقط، في نظره، ان يطلق المتّهمون بالارهاب النار على الدبابات التي تستبيح ارضهم وارواحهم وحقوقهم؟
* * *
ثم، ثم، ثم... هل نسأله، وقد تحدث عن حوار الثقافات، اذا كان قد تنبّه مرة كم "تعولم الثقافة الاميركية" (الكثيرة المحاسن العلمية والاكاديمية) حضارة العنف والاجرام فضلاً عن الاباحية، افلاماً وتلفزيوناً وكتباً؟ وماذا - وقد تحدث عن المخدرات - عن مجتمعات لن نسهب في وصفها تقع - كحفرة برجي التجارة التي دعا الى زيارتها - على بضع كيلومترات من مبنى الامم المتحدة، انما في الاتجاه الآخر، شمالاً؟
وأخيراً، وليس آخراً، من درّب بن لادن على الارهاب، ومن حكّم الطالبان بافغانستان؟ فكيف يحاسب الرئيس بوش الناس، ولا يحاسب ولا مرة ضميره؟
&
-2-
ومع ذلك كله، ورغم ذلك، شكراً جزيلاً لأن يكون الرئيس بوش قد تذكّر ان في الشرق العربي شيئاً آخر غير هواجسه الارهابية وكوابيسها فأعلن "التزامه العمل لارساء سلام عادل" (...) بحيث "تتعايش دولتا اسرائيل وفلسطين في سلام وضمن حدود آمنة ومعترف بها طبقاً لقرارات الأمم المتحدة".
ولكن كيف؟... فقط بالتحذير من "ان السلام لن يأتي الا عندما ينبذ الجميع والى الأبد التحريض على العنف والترهيب"؟
أم بلجوء أميركا الى ديبلوماسية عقلانية، غير ارهابية هي ذاتها، تدعو السلطة الفلسطينية - صراحة، وليس بمجرد التلميح - الى ان تعلن نفسها دولة معتَرَفاً بها دولياً تجتمع الى دولة اسرائيلية مدجّنة، ممنوعة من الارهاب، حول طاولة المفاوضات الموعودة، وليس في زواريب الاغتيالات وساحات تنزه الدبابات!!!
ولكن... هل نحلم؟ أم ان أميركا قررت انها "لا تحتاج الى سياسة خارجية" (كما قال كيسينجر)... فقط الى اصدقاء تتخلّى عنهم بعد ان تسوقهم الى الانتحار؟!
* * *
الأمير سعود الفيصل، الذي يبدو انه لا يزال يحاول حتى المستحيل مع اميركا، باسم حليفتها العربية الأولى، اطلق من نيويورك صرخة تقارب اعلان اليأس، لم نسمع منه مثلها منذ توليه وزارة الخارجية: ثمة "ما يجعل الانسان العاقل يفقد عقله"!
لا، لا... لن نفقد عقلنا ولا صبرنا، ولا السعودية تيأس من الجهد والايمان.
أمير سعودي عاقل آخر، كبير بين الأمراء في تحرّره من التزامات الحكم: الأمير التقدّمي طلال بن عبد العزيز كان في اليوم ذاته يترأس مؤتمراً، وفي بيروت، وفي بيت "الأمم المتحدة" الذي جعل نفسه، ومن ثروته الخاصة، شريكاً لها في مشاريعها الانمائية، ومنها (بعد العناية بيونيسيف الطفولة) تنمية المرأة العربية وترقيتها. وكانت تمثل الأمم المتحدة في المؤتمر الأمينة العامة المساعدة للأمم المتحدة العالمة الناشطة الدكتورة ريما خلف هنيدي (نائبة رئيس مجلس الوزراء الاردني سابقاً)... وبين الأعضاء أكثر من وزيرة ونائبة عربية.
أليس في ذلك بعض الرد على ادعاء الرئيس بوش ان بعضاً من أهداف حربه (الارهابية) على الارهاب في افغانستان ان تتولى اميركا انماء البلد بعد هدمه و"تحرير المرأة الافغانية من عبوديتها"؟
ثم ماذا عن مؤتمر دولي آخر في أصغر العواصم العربية؟ دوحة قطر تستضيف "منظمة التجارة العالمية" ولا تظاهرات كما في "سياتل" (اميركا) بل قرار تاريخي بقبول الصين في عضوية المنظمة؟...
اذاً، اذاً... لا حوار الحضارات ينتظر فروغ الرئيس بوش من حربه على الارهاب... فالحوار في لبنان قدر اميركا التائهة الى عنصرية مستحدثة، وربما اكثر هذه الايام... كما في المحاولات السعودية ولا اصعب وكما في قطر والامارات المتحوّل بعضها الى عواصم لعولمة العلم والاعلام.... اسلامي المشاركة والجذور، ولو لم يخرس مدّعو حق الجهاد!
تماماً كما هي المقاومة في فلسطين وليدة بيت لحم واورشليم القدس في آنٍ واحد، وانسانٍ واحد متَّحدٍ مع ذاته التاريخية والرب الواحد الصمد، الذي لا شريك له أحد، ولا هو ملك حزب أحد!!!
-3-
ويبقى لبنان.
هنا كذلك مسلك العقل، لا الارتهاب، هو الطريق الى تجنب العواصف. وهذا الطريق يمر في اوروبا العريقة العقلانية في السياسة الخارجية... من باريس، وقد سلكه في هدوء ولا تهويل، الرئيس رفيق الحريري. ومن باريس غداً الى برلين المعروفة بأنها أكثر تحفظاً - لأنها أقل تاريخاً - في تحركها الديبلوماسي مع لبنان والعرب.
لكن التحصين اللبناني ليس فقط في تعزيز الجبهة الاوروبية لتوازن بدورها الاندفاع الاميركي الى "اللامكان" العربي. التحصين الحقيقي في تحكيم العقل، العقل، في الحكم اللبناني، فلا نستمر في الأمر ونقيضه في آنٍ واحد كأن نعتمد "منطق الثورة" فنترك للمقاومة ان تسترجع وحدها أرضاً لا تزال مفقودة... في حين كان على الجيش ان يكون هو حارسها و"المقاوم" الحلال من أجلها، بموجب "منطق دولة المؤسسات والقانون"... ثم نعلن ان "تعويضات العسكريين وتقاعدهم حقوق مكرّسة لا يجوز المسّ بها"... ولو في سبيل تقليل عجز الخزانة، ومشاركة الادارات الاخرى في خفض التعويضات والمخصصات والامتيازات الخ... الخ...
* * *
... بينما الكتيبة الايرلندية في "يونيفيل" تغادر لبنان، وسكان القرى التي رابطت فيها يشكرونها هي في الاذاعات العالمية - لا كتائب كانت تكون بالشكر أحق! - لأنها ساعدت الأهالي في اعادة بناء المنازل المهدَّمة والمعابد.
فشكراً لايرلندا. أعطتنا في لبنان امثولة ثانية.
امثولتها الأولى انها، عندما قامت "الحرب العالمية على الارهاب" ادركت ان للمقاومة، بل للحروب الأهلية زمانها، وللسلام الأهلي، المقرَّر كونياً، ولدولة المؤسسة العسكرية الشرعية (دون سواها) زمانه. فطوى "الجيش الجمهوري الايرلندي" صفحة حربه الدائمة من نصف قرن، وسلّم سلاحه الى جيش السلطة.
"وكفى الله المؤمنين شر القتال"!!! (النهار اللبنانية)
&
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف