ثقافات

الفصل الثالث من رواية "الفتيت المبعثر" للكاتب العراقي محسن الرملي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

-3-

اندفع أحمد عبر بوابة الحوش العتيقة التي صنعها جد أبيه قبل أن يـقتل الضابط الإنجليزي (ابن الكلب) ويختفي حتى يوم القيامة. بوابة كبيرة ثقيلة من خشب البلوط ومسامير المدافع.. حتى دود الأرض يئس من نخرها فقرض فيها قليلاً ثم انسحبت أسرابه الصفراء إلى بوابة الجيران.
&& دفع فلقتها هذه المرة دون أن يشعر بثقلها الذي كان ينهك جسده النحيل عند كل عودة..إنّ فرحته جعلته لا ينتبه حتى إلى وجودها، وصاح من عندها: أبي. فالتفت الجالس تحت النخلة كعادة أسلافه؛ إما لقراءة القرآن أو لمراجعة سلم أسماء الجدود في شجرة العائلة. كم تمنى عجيل لو أن جده أو أباه الذين ورث عنهما هذه القائمة(الشجرة) قد مدوا تسجيل جذورها حتى أجداد عظام كآشور وحمورابي وكلكامش ويونس ونوح وشيت وقابيل وآدم. وأن لا تنتهي بعد الخمسين بلفّاف زبه على الأوتاد.
&& أقبل أحمد على أبيه، وقبل أن يصل، عرف عجيل أن الولد قد نجح في الدراسة أيضاً، وذلك من التماعة عينيه والورقة التي يلوح بها في الـهواء، فانتابته الحيرة أيضاً: كيف سيكافئ هذا الابن العاقل.. الناجح أبداً ؟!... فيما مضى كان يقبّله ويدس في كفه درهماً ثم يربّت عـلى كتفه ويقول ـ متخلّصاً من عجزه عن التعبير السعيد ـ: اذهب وبشر أمّكَ في المطبخ... ولكن هذه المرّة الحال يختلف؛ فقد أصبحت قامة أحمد بارتفاع قامته، ونتيجة اليوم تعني خُلاصة اثني عشر عاماً من الدراسة. دفعها إلى أبيه هاتفاً: أنا الأول على طلاب المحافظة... فاختنق الحاج بحيرة الإجابة السعيدة كاختناقه بعجز التعبير قبل أن يصرخ في مجلس القرية "إني أعبد وطني" وراح يحدّق في الورقة دون أن يقرأها، لأنه لا يجد ضرورة للتأكد من نصاعة قول ولده، فيقينه أبداً بأنه صادق...
&حدّق إلى الأرقام الضخمة مفكراً في الرد المكافئ، فيما راح الولد يطقطق أصابعه بجذل وتصبر حتى رفع الأب إليه وجهه، تلاقت عـيونهما ببعضها، بتوتر المسرّة الأكبر منهما، فمد أحمد خده إلى أبـيه كعادته السنوية كلما نجح؛ وبذلك قد أنقذ عجيل من صمته، ومن منزلق أن ينسى حتى القُبلة... قبله بشفطة قوية أصدرت صوتاً شبيهاً بأصوات فتح الزجاجات أو استلال أقدام مغروسة في الطين، ثم عاود التحديق إلى عينيه، مستـنجداً بنفسه علّها تمده بأقوى جملة تليق بهذا الفخر...عدّل نظاراته الطبية ثم مد كفيه إلى الكتفين الضامرتين، وقال دامعاً:" ..أنتَ..أنتَ ولد نشنن يا أحمد" وخفض وجهه فأبصر قائمة أسماء الأجداد ملقاة في حضنه.
&التقطها بسرعة وقال:" ستكون هذه لكَ أنتَ من بعدي.." شَـعر بعدئذ بالارتياح وقال:
ـ اذهب وبَـشّر أمكَ في المطبخ.
&& دلف أحمد إلى المطبخ فصدحت الزغاريد فيه من وردة وأمها. لعلعت كلمات التبريك، ولم تحتملا حبس الفرح في المطبخ فخرجتا إلى باحة الدار ناشرتا زغاريدهما في كل الاتجاهات. إلتم الجيران وأبناء الأخوة والعـمومة، جاء الصِـبية الصغار والعجائز المتعـكّزات على عصيّهن.ضجت الدار فأسرعت عمتي إلى صندوقها الخاص ـ جداً ـ&&& أخرجت كيس الحلوى الذي كانت تحتفظ به منذ عرس قاسم وراحت تنثرها في الفضاء، فوق رؤوس الحشد. تدافع الواقفون وفاز بها الأولاد الصغار، ملتقطينها من بين انفراج الأقدام، وانهالت القُبل على أحمد من الأفواه الدرداء... وقبل أن يوشك الحشد على الانفضاض، ارتفع صوت عبد الواحد ـ بإيعاز من أمه التي تشاورت مع عجيل سلفاً ـ:
ـ اسمعوا.. اسمعوا... غداً، أنتم وكل من يشاء مدعوّون إلى وليمة عشاء.. سنذبح كبشاً.
&& ارتفع صفير الصغار وهتافهم. حيّـا الكبار عبدالواحد وعجيلاً الجالس تحت النخلة مكتفياً بالابتسامة وهز الرأس... ثـم خرجـوا...
&& مـد عجيل "نشنن" أصابعه إلى بلعومه متحسساً موضع إبرة القنفذ في تفاحة آدم. شعر لأول مرة في حياته بأن هذه الإبرة ـ التي لم يرها أبداً ـ عزيزة.. عزيزة عليه بمَـعَـزّة التـفاحة.. بمَـعَـزّة الحياة، واستعاد ذكرى عيون أصحابه الجاحظة حوله وحول أمه حين خطر له في تلك اللحظة: أنه ربما سيموت ـ بلا معركة كما يموت البعير ـ لأنه سمع أحد الأولاد يهمس في أذن آخر:" هل هي سامّـة؟"، ولم يلتـفت حينذاك ـ رغم ارتجاف القلب ـ لم يسأل أحداً عن ذلك، ولم يُـظهر خوفـه لأحد... وها هو الآن: رجل قد ملأ دار أبيه بسبعة أولاد تسطع بينهم وردة كالقمر. يطوقه نجاح أحمد بالزغاريد والعيون الحاسدة. فكر أن الملا صالح سيضرب بأحمد مثلاً لابنه الفاشل، وربما سيتغاضى عن فداحة تعبيره في تلك الجلسة من أنه " يعبد الوطن " لأنه سيتأكد بذلك ـ وأنا مُـتـأكد من أنه متأكد ـ من صدق عجيل ومن نجاح ابنه.. الوطني...
&& أحمد ولد هادئ، طَـموح، كثير العزلة والدراسة. تُـدلّـله أمه بأن تضع على رأسه ريش الديكة الملون... صحيح أن أولاده لا يرفعون رأسه بالفَخر جميعهم.. وليسوا كلهم كأحمد أو كوردة أو عبدالواحد، ولكن.. لابأس، فحتى أصابع اليد الواحدة تتباين، ثم وإن كان أكبرهم ـ قاسم ـ هارباً من الجيش، إلا أن الجميع يحترمه لسلوكه ومنطقه، ويحتاج الناس إليه في تصليح تلفزيون أو مذياع أو ثلاجة، أو في خط لافتة موت أو دكان أو وليمة أو شاهدة قبر، في رسم واجهات بيوت الأغنياء والمدارس: بحيرة وبط وزوارق، فهو ـ حقاً ـ نافع للناس..و..وللوطن أيضاً ـ كاد أن لا يقول الوطن ـ
& طرأ لعجيل أن يستثمر أفانين قاسم لأول مرة بعد أن كان يحاربه فيها، يسخر منها ومنه ويسميها " خربشات قطط ". سيستدعيه ـ هذه الليلة ـ من داره، وسيقول لمن يبعثه إليه؛ أن قُـل له:" إن الحاج يطلبك لأمر مهم " وحتى يحين وقت وصوله، سيفكر بشيء وطني يكلفه برسمه... عبدالواحد ـ هو الآخر ـ " ابنٌ نشنن ". يلتزم بالأصول مثل أبيه: يذهب إلى المآتم والأفراح، يزور المرضى مع أمه، يجدّ في زراعة الحقل ويصاحب (الخيّرين) من أبناء جيله، ولا بأس في أن يجعله زحف الصلع المبكر في رأسه أن يطلب الزواج حتى قبل أحمد.. انه أكثر أولاده التزاماً بتقاليد العشيرة وإطاعة لوالديه. أشد ما يَحّذَره ويحسب له دائماً في كل تصرفاته:(كلام الناس). وإذا كان لكل فرد في العائلةـ بل وفي القرية ـ كلمة ترتبط به بشكل ما: مثل (نشنن) التي ارتبطت بوالده، و(أبو زاوية) بسعدي، و(لا شئ) بمحمود، و (مجنون) بعبود، و (تُـجَـنّن) بوردة، و (فنان) بقاسم، و (دِراسة) بأحمد، فان كلمة (عَيب) هي أكثر الكلمات استخداماً في قاموس عبدالواحد.. انه أكثر اخوته حساسية تجاه الآخرين.. أما سعدي فلا يجد ـ عجيل ـ لوصفه تعبيراً غير استعادة جملة زوجته التي تصرخ بها في وجه سعدي كلما أغضبها:" لو لم تكن خارجاً من بطـني التي أعرفها، لقلت عنكَ ابن حرام "، ثم وردة: حنان الروح وزهرة الفؤاد.. دفء الدار والدنيا وهدية الله... أما محمود، فهذا الولد يُـحيّـره/ يُحيرنا/يُحيركم..لأنه غالباً ما ينساه/ننساه/ تنسونه/وينسى نفسه، ولعل أبلغ ما يقال فيه؛ ما قاله والده: " انه لا شئ.. هذا الولد لا شئ إطلاقاً.. انه آدميّ بلا ظل، ولكـنه رقم في تعداد السُـكّان "... كأنه بلا ذاكرة.. كأنه بلا انفعال.. كأنه بلا رأس.. عادي جداً.. بل أكثر عادية من شخص عادي... يغيب أحياناً فلا ينتبه لغيابه أحد مثلما لا ينتبه أحد لوجوده، فهـو.. حتى لا يمرض، لا يرفع صوتاً وليس له رغبات أو مرفوضات، لا يتحمس ولايعترض، لايتميز بشيء.. تنساه العائلة كثيراً/ننساه/تنسونه/ وينسى نفسه... لا أحد يحتاج إليه، لا يحتاج هو إلى أحد، لا يكره أحداً ولا أحد يكرهه، لا يحب أحداً ولا أحد يحبه.. لا يذكرونه/لن تتذكره إلا عندما تراه، ثم تنساه فور ابتعاده/لا أتذكره تماماً، ولا أجد ـ الآن ـ تفسيراً حقيقياً لزعمي البحث عنه في بلاد الأجانب.. هل لأنه آخر أخوته، وان أعدته إلى عمتي ستفرح ؟.. هل ان جل ما أريده هو نقل عبارة وردة إليه حين ودعتها في الليلة السابقة لخروجي:" قل له أن يصبح رجلاً يستحق الاحترام "؟.. هل لأنني لا أعرف ما ينبغي عليّ فعله في هذا الظرف /..هذه الحياة، فأدعي بحثي عن الغائب في المجهول مع أنني في الواقع لا أبذل جهداً جاداً في ذلك.
& لا أريد توصيف محمود بأنه وهم، فقد سبقت لي معرفته واقعاً.. انه أعصى على الذاكرة من كل ماعرفت، وربما ـ في ذلك تحديداً ـ ما يغريني بحلم إعادة صياغته وفق الاشتهاء... ليس فيه شئ غير عادي، ولذلك فلا شئ يرسخ منه في ذاكرتك/ ذاكرتي/ذاكرتكم، ولولا أنه كائن، وانه أحد أبناء العم عجيل، كلفه اسماً ومعيشة، وكلف عمتي حملاً وطَـلقاً ورضاعة.. لما ذكرناه.. انه أكثر الناس جدارة بالنسيان.. يا إلهي .. كم يصعب وصفه.. انه حقاً " إنسان بلا ظل " كما يقول أبوه.. انه بكل دقة.. (لا شئ) حتى بعد أن ظل يصاحب المغني إبراهيم ـ ابن أخيه قاسم ـ إلى حفلات الأعراس في القرى المجاورة... تقول عنه عمتي:" هذا المخلوق بلا ملح "، وتقول وردة:" دائماً عندما أحسب اخوتي أنساه "،" وحين أغسل الثياب يدهشني وجود جورب زائد، فأتـوقف إلى أن أتذكره " و " حين أجلب الملاعق لمائدة الطعام تنقص واحدة " فينهض بصمت وبلا انزعاج. يتجه إلى المطبخ ليجلب ملعقة ـ دون أن يشعر أحد بذلك ـ وقد يبقى ليأكل هناك، وأحياناً يستل ملعقة من جيبه... انه لا يغضب أبداً.. بارد.. أبرد من مؤخرة بياع عصير السوس ".. انه بلا أهمية لأحد، انه بالنسبة لهم/لنا/لكم/لنفسه/للجميع كأي سمكة صغيرة لا نعرفها في ظلمات قاع المحيط الهادي ـ مثلاً ـ أو.. لا أدري.. انه حتى ليس بمجنون مثل عبود ولا مخنث مثل سعدي ولا اجتماعي مثل عبد الواحد ولا متفوق مثل أحمد ولا فنان مثل قاسم ولا جميل مثل وردة ولا وطنيّ مثل أبيه ولا صبور مثل أمه ولا قاسٍ مثل حسيبة ولا مغنٍ مثل إبراهيم ولا ....... انه إنسان بلا ظل.. انه مخلوق بلا ملح.. انه لا شئ .. لا شئ.. ولكنه رقم في تعداد السكان... فحتى قاسم الذي رسم صوراً لأشياء كثيرة: النهر والمزرعة والقرية والبقر والحمير والدجاج والكلاب والأهل والأصدقاء، لم يجد فيه ما يدعو للرسم.. لم يجد ما يرسمه، على العكس من وردة التي رسمها سبعمائة مرة، كانت آخرها في الليلة السابقة لظهيرة إعدامه... كائنان ـ فقط ـ من فكر في رسمهما، حاول ولم يستطع، اثنان لا غيرهما: شقيقه محمود و"القائد"... محمود لأنه لم يجد فيه ما يُـرسم، أما " القائد " فلأنه لا يعرف.. بل لا يطيق أن يرسم شيئاً يشعر بالعداء تجاهه، فكيف إذا كانت مشاعره تتفجر كراهية له؟ ولذلك فقد صُـعِـق من طَلب أبيه المباغت، حين بعث إليه وردة مساءً لتقول: إن الحاج يطلبك لأمر مهم. وتوجست حسيبة خيفة: أن يحاول إعادتهما للعيش معهم في البيت الكبير مرة أخرى . توقع قاسم كل أمر، إلا أن يتعلق بالفن ومن ثم.. هذا الطَلب المستغرب بعد أن أوصد الباب خلفهما كعادته حين يتداول في شأن خطير: " أن يرسم صورة كبيرة للقائد"؟!. تراجع قاسم عن أبيه مسافة دهشة وهو يحدق إليه كأنه يراه مذبوحاً.. أو كأنه يراه أول مرة .. بل أنها كانت أول مرة فعلاً: أن يعترف به& ـ والده ـ رساماً ويطلب منه الرسم الذي ظل يسميه (خربشات قطط) ويصِمه بالحرام.
ـ ها.. متى ستكملها ؟. لأنني أريد تعليقها هنا في واجهة غرفة الضيوف.(واقترب من الحائط رافعاً سبابته): هنا.. أمامي.
بلع قاسم ريقه وتمتم:ـ أبي.. لا.. أستطيع.
صعدت الدهشة إلى وجه الأب:ـ مــاذا..؟.
طأطأ قاسم رأسه وأعاد تمتمته:ـ أبي.. لا أستطيع.
تساءل الأب بحدة:ـ ولكنك رسمت كل شئ.. حتى سابع*؟!.
ولم يعرف قاسم كيف يفسر لأبيه: عجزه عن رسم هذا المخلوق، فدمدم وكأنه يؤكد الحال لنفسه هذه المرة:ـ أبي.. لا..أستطيع.
اقترب الحاج إلى وجهه وصاح:ـ لماذا؟؟؟.
ـ لا أدري.. لقد حاولت ذلك أكثر من مرة وفشلت.
ـ ما هذا الهراء.. أتكذب على لحية أبيكَ يا ولد؟!.
ـ أُقـسم لكَ..
ـ لا تُـقسم، أنتَ تكذب.
ـ صدقني يا أبي.. حاولت ذلك عندما كنتُ في السجن العسكري، وكنت أرسم السجناء على اختلاف إجرامهم أو تجريمهم، وأرسم فأر السجن وكلابه وحُراسه.. ولكن حين طَلبَ مني مدير السجن هذا الطَلب ليضعها في واجهة المبنى، مقابل أن يُحسن معاملتي ويسعى في عفوي... لم أستطع، ولم يَصدقني، مثلك الآن.. لم أستطع يا أبي..
وتحت تأثير هذا الكشف، حار الأب ـ أيضاً ـ بإطلاق غضبه فدار حول نفسه، ثم صرخ بأعلى صوته المبحوح تحت إبرة القنفذ:ـ يا قاسم.. أنتَ .. أنتَ لستَ ابن أبيكَ.. أنتَ لستَ نشنن.
&& اندفع الباب ووردة وعمتي لاستجلاء الصياح الذي على. أمسكت عمتي بالحاج تهدئه فيما وضعت وردة ذراعها على رقبة قاسم تسأله، وراح عجيل يبث غضبه لعمتي على مَسمَع.
ـ أبنكِ يا أُم.. قاسم.. يكره الوطن!.
فهبط قاسم إلى كف أبيه يقبلها: ـ لا يا أبي.. لا تظلمني، أُقسم لكَ.. أنني أحب بلدي مثل حبكَ له ومثل حب جَدْي.. لكنني أكره هذا الرجل.
&& تساءلت عمتي:ـ أي رجل ؟.
فأجابها زوجها:ـ أسمعتِ؟.. يقصد القائد.. وما الفرق؟ القائد هو الوطن والوطن هو القائد.
ـ لا يا أبي.. هذا كلام التلفزيون، أما بالنسبة لي فإنني أرى العكس؛ لقد خَـرّبَ " القائد" البلد.
ـ يا جبان .. أتسمي هذه الانتصارات العظيمة خراباً .. أنتَ لستَ رجلاً ولـذلك تـركتَ أخـوتك في جبهات القتال وفررت إلى حُضن حسيبة.
ـ صَـدقني لم أهرب جُبناً ولكن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* سابع: هو اسم حمارهم الذي لا يتذكر أحد كيف أُطلق عليه، ولكنني أُرجح ـ مع نفسي ـ أن هذه التسمية ربما أُطلقت تعويضاً عن إحساسهم بعدم وجود محمود(الابن السابع) ولا أستطيع أن أجزم./المؤلف: ابن خال محمود.
ـ ولكن أنتَ ابن كلب ولا تريد أن يكون القائد من أبناء الشعب، وإنما تريده .. فـناناً وانـجليزياً ابن كلب مثلك، أو مثل أخيكَ العار سعدي.
&& وهمّ عجيل بضرب قاسم بالعِقال على رأسه، إلا أن عمتي تلقت صدره باحتضان وتقبيل.
ـ اهدأ يا حاج.. أتوسل إليك. استعذ بالله من الشيطان.. أتريد أن تضربه وهو الآن رجل وله أربعة أبناء ؟!.
&& ظل عجيل محمر الوجه، مهتز اللحية، مُـهَـدِداً بعقاله، كاشفاً عن صلعته، يكرر بغضب محتدم:ـ جبان.. خائن.. خائن.. وعمتي تتوسل:ـ اهدأ ياحاج، إجلس.. استرنا..الحيطان لها آذان.
فأجلسته وأشارت لوردة أن توصد الباب، لكنها حين ذهبت لتغلقه، وجدت عبوداً يحبو عند العـتبة فأدخلته وأغلقت الباب وعادت لتشارك أمها الإمساك بذراع أبيها الأخرى متوسلة:
ـ أرجوكَ يا أبي لا تغضب على جاسم.
&& ووصل عبود متعثراً في زحفه لينكب على حجر أبيه، يمطره بالتقبيل من وجنتيه ولحيته وكتفيه، وهو يثغو مثل جَديٍ صغير، فأجهشت عمتي بالبكاء، وأدركت وردة للمرة الأولى بأن ذلك&& البـعـيـد الذي ترى صوره في كل الأماكن ـ دون أن تكترث بوجوده ـ.. بإمكانه أن يصبح مثار فتنة بين أبيها وأخيها.. انتبهت ولكن صعب عليها الفهم فلجأت إلى مشاركة عبود قبلاته للحاج: لا تغضب منه يا أبي.
&& وعبود الذي لم يُقبل أحداً من قبل كان سبباً لتهدئة عجيل، فقد حرك هذا الابن الممسوخ حنان الأبوة في صدره، إن لم يكن الأب في قرارته ليناً تجاه ابنه البِكر:
ـ حسنٌ.. أعطيني ماء بارد يا وردة.
& فهَبت بمسرةٍ، لاكزةً قاسم في ظهره عند نهوضها، فعرف مرماها ودنـى من أبيه بانحناءة واعتذار ليُـقبل كفه، فتركها الأب له قائلاً:ـ أُغرب عن وجهي الساعة.
نهض وخاطب والده برجاء: " أعدك يا أبي بأن أرسم لك رسماً يُرضيك "... وخَـــرج.

&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف