جريدة الجرائد

ريتشارد هولبروك* :أفغانستان بعد طالبان.. مطلوب قوة أمن متعددة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
&
والآن وبعدما أتت العملية التي قادتها أميركا في أفغانستان أولى ثمارها البارزة ـ التي تمثلت في إزاحة طالبان من كابل ـ تبدو هناك أربعة عناصر رئيسية للحيلولة دون تدهور الأوضاع في البلاد كما حدث عقب نجاحنا الأول هناك في عام 1989. وبعد أن طردت القوات التي مولتها الولايات المتحدة القوات السوفياتية، تخلى الغرب عن تلك الأمة البعيدة التي أنهكتها الحرب، الأمر الذي مكن طالبان وأسامة بن لادن من ملء الفراغ.
أول متطلبات المرحلة المقبلة بطبيعة الحال، هو التخلص من بن لادن ومن كبار مساعديه الأساسيين، وتدمير قوات طالبان العسكرية. ذلك إن استمرار ضغط القاعدة لا يشكل فقط تهديدا مباشرا وآنيا لأمننا الداخلي، بل إنه سيكفل أيضا استخدام تلك الأجزاء من أفغانستان كمرتع للإرهاب الهائج والكراهية من أنحاء العالم. وهذا غير مقبول، ومبرر استمرار ملاحقة بن لادن وطالبان يجب أن يتواصل بأي شكل يبدو ضروريا.
ما زلت واثقا من أن هذا الجزء من العملية سينجح، وان مزيجا من القوة الجوية وتطوير أساليب جمع المعلومات وشن غارات قتالية محكمة التدبير سيؤدي، مع مرور الوقت، إلى العثور على العدو وتدميره، وربما بدون الحاجة للوحدات القتالية الأميركية التقليدية.
أما الأجزاء الثلاثة الأخرى من المعضلة، وهي تلك المتعلقة بمستقبل أفغانستان، فهى إلى حد ما أكثر ميلا للنسيان من أكبر المطاردين في العالم. وهي تتطلب سياسة واضحة وقطعية يجب تنفيذها سريعا. فالآن وبعدما سقطت كابل لا يوجد ما يبرر التأجيل.
ويأتي في المقدمة تشكيل حكومة جديدة في كابل. وهذه العملية يجب أن تبدأ حتى مع استمرار القتال. إذ أن إجراءات التوازن العديدة في أوساط الأجنحة والجماعات العرقية الأفغانية لا تؤثر على مصالحنا القومية بشكل مباشر ـ بل إن غياب محصلة سلمية قد يفعل ذلك. وهذه المشكلة المعقدة بشدة تتطلب قيادة قوية من ممثل الأمم المتحدة الخاص الأخضر الإبراهيمي، الذي يدرك القضايا جيدا لكنه يحتاج أيضا إلى إدراك أن توصياته ستحظى بالدعم ـ أي إنها ستطبق في كابل ـ من قبل جميع القوى ذات العلاقة، بما فيها الدول السبع المجاورة لأفغانستان إضافة إلى الولايات المتحدة وروسيا والهند. فالإبراهيمي بحاجة إلى تفويض مطلق من مجلس الأمن الدولي، لكي يتمكن من تشكيل سلطة حكومية "مؤقتة" أو "وقتية". وكان اثنان من الممثلين الخاصين للأمم المتحدة قد مرا بظروف مشابهة وأديا مهمتهما بنجاح ـ وهما برنارد كوشنر في كوسوفو وسيرغيو فيرا ديميللو في تيمور الشرقية ـ حيث تمتعا بمثل ذلك التفويض المطلق من مجلس الأمن. وبذلك التفويض تمكنا من إقامة مؤسسات سياسية هشة لكنها ذات معنى في ظل ظروف صعبة ومخيفة.
والجزء الثاني يحظى بنفس الأهمية أيضا ـ كما "ان هناك سابقة معاصرة تفي بالغرض. وعلى الأمم المتحدة ان تستعد الآن لإرسال عدد كبير من المسؤولين الدوليين المؤهلين الذين يمكنهم إقامة بناء إداري لدولة تعرضت كوادرها الخاصة المدربة للتدمير نتيجة لما يقرب من ثلاثين عاما من الحرب والقتل والنفي، وذلك متى ما تأمن الوضع الأمني، بالإضافة إلى المساعدات الإنسانية الهائلة.
ووفقا لتقديرات مبدئية فإن مثل هذا الجهد في أفغانستان قد يتطلب ما يقرب من ثلاثة الاف موظف مدني تابع للأمم المتحدة، وقد يستغرق ما بين عامين وأربعة أعوام قبل أن يصل إلى مرحلة التسليم لحكومة محلية. وهذه الجهود تتطلب موظفين مدنيين دوليين يتمتعون بشجاعة نادرة وبقدرة نادرة على الالتزام. لكن وبالمقارنة مع نفقات العمليات العسكرية، ناهيك من تكلفة فراغ سياسيي آخر في أفغانستان، فإن المسألة تستحق القيام بهذه العملية.
أما العنصر الثالث والأخير لتحقيق التوازن الأفغاني بعد طالبان، فهو الأكثر صعوبة وأكثر تكلفة ـ لكنه مهم للغاية. ويتمثل بطبيعة الحال في قوة أمنية توفر للسلطة السياسية الجديدة وللبناء المؤسسي الإداري الدولي فرصة النجاح. وقد توقع البعض في الأمم المتحدة وفي واشنطن ان مثل هذه القوة يمكن تشكيلها من داخل أفغانستان نفسها. وهذا بالنسبة لي نوع من الخيال، فالأفغان ظلوا يقاتلون بعضهم البعض إلى الحد الذي يجعل من قدرتهم على تكوين قوة أمنية متجانسة الآن أمرا صعبا. وهكذا فالخيارات الوحيدة الممكنة تكمن في قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة أو قوة متعددة الجنسيات يشرف عليها مجلس الأمن الدولي لكن تدار بعيدا عن الأمم المتحدة.
والتفريق بين هذين الخيارين عادة ما يثير الارتباك بالنسبة لأولئك الذين يعيشون خارج عالم الأمم المتحدة، لكنه حيوي. فتشكيل قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة يستغرق الكثير من الوقت، كما انها تبدو ضعيفة في جميع الأحوال من حيث بناؤها القيادي وتبدو مسيسة إلى حد كبير بالنسبة للمهمة. وهذه كانت حكاية قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والتي فشلت في رواندا والصومال والبوسنة خلال أوائل التسعينات، إلى درجة إنها أوشكت على تدمير الأمم المتحدة معها.
وفي الجانب الآخر فإن تشكيل قوة متعددة الجنسيات يكتسب شرعيته القانونية من مجلس الأمن الدولي ـ لكنها فيما بعد تدير شؤونها. وتلك كانت الحالة في تيمور الشرقية، حيث بعثت أستراليا بقواتها إلى هناك خلال 96 ساعة بعدما أصدر مجلس الأمن الدولي قراره، وقد دعمتها بشكل عاجل عدد من الدول. وفيما بعد قال كوفي أنان إن الأمر كان سيستغرق ما لا يقل عن أربعة أشهر لتشكيل قوة تابعة للأمم المتحدة.
وهكذا فإن التصويت بشدة هنا سيكون لصالح قوة متعددة الجنسيات، تعرف في هذا الشأن بـ"إم إن إف". لكن من الذي يجب أن يقوم بالدور الذي لعبته أستراليا في تيمور الشرقية؟ أفضل خيار هنا سيكون تركيا، الدولة الاسلامية الوحيدة العضو في حلف ناتو، والتي يتوفر لديها جيش شرس حسن القيادة. وخلفها قد يأتي عدد من الدول، التي يمكن أن تكون في الأساس، وليس قطعا، إسلامية. وقد أشارت بنغلاديش إلى استعدادها للمشاركة، كما قد تكون دول أسلامية رئيسية أخرى فعلت ذلك كالمغرب والأردن وغيرهما. وبالنسبة للولايات المتحدة، لن يكون من صالح أي طرف أن توفر هذه الدولة أكثر من عدد محدود من مواد التموين وقوات مساعدة على الاتصالات. فوجودنا في مواقع محددة في أفغانستان قد يكون مجرد الهدف الذي سيرحب به الجيل الثاني من حاملى القنابل الانتحاريين. والدور الأميركي يجب أن يقتصر على المهمة الأولى ـ العثور على بن لادن ومؤيديه والتخلص منهم.
سيكون علينا الاستعداد لمواجهة حصة جيدة من تكاليف مثل هذه القوة. وهي لن تكون رخيصة، لكنها ستخدم على المدى الطويل مصالحنا القومية. الآن وقد تحقق الهدف الأول للولايات المتحدة وحلفائها، يجب علينا قبول نتائج وتكلفة نجاحنا، لا أن ندعه يتبخر من خلال فشلنا في متابعته.

* المندوب الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة (الشرق الأوسط اللندنية)
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف