ثقافات

انطولوجيا إيلاف الشعرية: مؤيد الراوي

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
مؤيد الراوي _________________ تصوير صموئيل شمعون ولد مؤيد الراوي سنة 1939 في مدينة كركوك بشمال العراق لأمٍ مسيحية وأب مسلم. درس في كركوك وتخرج ليعمل في سلك التعليم.
كانت المدينة في طفولته تتوسع على نحو متسارع وفوضوي،بسبب حقول النفط المكتشفة التي جذبت الاف العوائل النازحة، واستقطبت مجتمعات وافدة شكلت على الدوام تناقضا في الثقافات وفي المصائر الجماعية والفردية، وهي في حالة تحول قلق دائم تمارس عاداتها وطقوسها الخاصة وتتحدث بلغات مختلفة.
من خلال معرفة مؤيد الراوي المبكرة باللغات العربية والكردية والتركمانية، بالاضافة الى الانكليزية، ومن خلال معايشته التجمعات القومية والأثنية والعرقية تعلّم السماحة والليبرالية وتجاوز الارث القومي لينعكس ذلك في أدبه، وليغامر في تجريب كتابة جديدة طليقة من القيود. كتابة تشكل قطيعة في الشعر لجهة الوزن والايقاع الخارجي، واغراض الشعر الكلاسيكي العربي الذي لم يتخلص منها ما سمي بالشعر الحديث. وكذلك لجهة الغنائية والعاطفة السطحية الجماعية البعيدة عن أزمة الذات التي تعيش تحولات دراماتيكية لتتعرف على نفسها أولاً.
نُفي مؤيد الراوي بسبب من أفكاره الراديكالية الى قرى الشمال. على ان المنفى الاول، في المكان، منحه تجربة حياة مباشرة مع الفلاحين.
اعتقل ثلاث مرات، وعذّب اثر انقلاب شباط (فبراير) 1963. ورأى أناسا يقتلون تحت التعذيب. كانت تلك الفترة تجربة المواجهة مع الذات وغسل الروح والتساؤل عن معنى العدالة ومكونات جوهر المجتمعات البشرية، بينما آلاف المعتقلين يعذبون بيد آلاف الجنود والناس العاديين يمثلون بجثث الضحايا.
في العام 1966 انتقل الشاعر مؤيد الراوي الى بغداد وعاش فيها معدما ومشردا، ولكن مغامرا في تجريب الكتابة الجديدة، مختلطا بالتجمعات الادبية والفنية، لاعبا دورا أساسيا في تطوير روح الستينات الشعرية والفنية في العاصمة، مستوعبا التحولات البارزة التي كانت تصرخ في العالم وفي المنطقة العربية.
عمل في الصحافة العراقية والعربية، وكان له دورا بارزا في الصحافة الادبية. وقد دعا في معظم ما كتب الى القطيعة مع الادب الذي سبق وعي الستينات، ونبذ الخطاب المعتمد على الجماليات الشكلية. ونشر الراوي لأول مرة قصائد تشهد خارطتها توزيعا جغرافيا جديدا للاشطار. كما حاول نشر قصائده الاولى في كتاب "نزهة في غواصة" الا ان الرقابة الرسمية في اواخر الستينات لم تسمح باصداره وبقيت المخطوطو في أرشيف الأمن العراقي، ولا يعرف أحد مصيرها.
كتب مؤيد الراوي مجموعة من المقالات عن الفن عن جواد سليم وارغوفيسكي وعن الفن البصري والزخرفة الاسلامية، و"يكاد يكون الشاعر الوحيد الذي نظّر دفاعا عن الفنانين المجددين، وعن عدد من الفنانين العراقيين مثل مهدي مطشر وضياء العزاوي باعتبار ان لا أحد يفرض على الفنان شرطه القبلي، وليس هناك وسائل محددة وقسرية تضعه على طريق معين. ذلك ان الفنان يتفاعل وينمو داخل ملابساته الخاصة وعالمه الشخصي، فيبدع عندما يحل أزمته بحرية وبجرأة دون ان يكون ظلا للاخرين"(من مقدمة بيان المجددين، 1970).
غادر مؤيد الراوي العراق في نهاية الستينات الى الاردن، ثم الى سوريا، ثم استقر في بيروت. عاش هناك مع المقاومة الفلسطينية نهوضها وأفولها، وكذلك عاش الحرب الاهلية التي مزقت البلاد.
دخل العراق في العام 1874 ليعتقل مرة اخرى في زنزانة أنفرادية، وأطلق سراحه بعد احتجاجات ووساطات من العديد من الهيئات الثقافية والشخصيات السياسية في لبنان والعراق، ليعود مرة اخرى الى لبنان.
نشر كتابه الشعري الاول "احتمالات الوضوح" في بيروت في العام 1978، واعتبره النقاد والشعراء من أهم الدواوين التي صدرت في وقتها.
يعد الان كتابه الشعري الثاني "ممالك الوهم". (ترجم له الشاعر العراقي سركون بولص بعض قصائد هذا الديوان الى الانكليزية وسوف تنشر في العدد 12 من مجلة "بانيبال" الانكليزية التي تصدر في العاشر من ديسمبر القادم).
يعيش مؤيد منذ العام 1980 في برلين، وقد عاش تجربة سقوط الاشتراكية وانهيار جدار برلين. وهو متزوج وله طفلان. الذئب هو الذي ينامُ كل وقتهِ،
ذئبٌ جريحٌ يختفي من الذئاب
يتأملُ لحظةً في منتصف الليلِ
هناكَ قناعهُ المعلق
خيطُ دمٍ في صحرائهِ
ومنذ بدء الريحِ يأتي اليهِ هذا العواء
طالعاً من الروحِ
ترددهُ الأيام
وماذا فعلت به الأيام. بلادهُ تحتَ جفنيهِ وهمُ قارةٍ عتيقة
فيغمضُ عينيهِ
أراضٍ يصلُ اليها الدمُ، بركةً منهُ، والأثرُ على الجليد
هذا الثلجُ، فوقَ الكراسي، قربَ النافذة
يدخلُ منها قمرٌ محمرٌ
ونداءُ بنات آوى
يجوبُ في أحراشِ رأسهِ التالفة
فيمدُّ الرأسَ بين قناعٍ وقناع
لينام يرى التحولات
في الشخوصِ والأشياء
تدخلُ المشهدَ ثم تغادر
بأيديها نذورٌ
وشموعٌ للمياه
تضيءُ الزمنَ الذي مضى
الزمن الذي هو الآن تموجاتٌ من التذكّرِ
في الجبالِ تجوبُ الضواري
والقرى فيها مختبئةٌ
تفزُّ القطا
ويدوسُ بيوضها الصياد بين لحظة النومِ والنومِ
يستحضر الأهلَ
أناسٌ يتبادلونَ خبزَ الحياة
أناسٌ يشترونَ وقودَ الروح
بفخاخٍ منصوبةٍ للروح
هناك قصّابونَ يشحذونَ السكاكين
وفي سريرهِ أطيافُ حملانٍ يتطهرون
هكذا طقوسٌ تقامُ
فتقرعُ طبولٌ
للمغفرة
أناسٌ يرتدون الأقنعة
فيأتي عواء الذئاب هو الزمنُ قديمٌ
زمنٌ جديدٌ يقلِّبهُ
يستدعي له الذئاب
يعوي في منتصف الليل لقارته المغطاةِ بالجليد
قناعهُ في النهارِ وسامٌ معلقٌ
وفي حروب الليلِ، بين غفوةٍ وغفوة،
يغرز مخالبهُ في قلوب الملائكة
ليشمَّ رائحةُ الدمِ
في يديه وهم المكان
البيت الذي تسكنهُ الآنَ
كهفٌ
تفوح منهُ رائحةُ الثوم
ويكتس فيه هيكلك بالكلسِ والوسخ.
الريحُ آتيةٌ اليه، وبها نشرٌ لزجٌ بردائها البالي
بينما الماءُ عطنٌ تغرفهُ
فيكثر فيكَ ما تحمله الرأسُ
من فقاعات. هذا ما قلته ليَ أنتَ
وداري، انا، لا تركنُ اليها القطا
وتموتُ فيها الروح. هكذا طُردنا
من الاماكن:
من البيتِ الذي كان صفحةً من الوهج
وظلالا من الأمهات.
مع النهرِ أُبعدنا في مجراهُ العميق
ليعود مرة اخرى
الى الصخرة
مصلوباً لدى النبعِ بالوقوف. نرى الريحَ
تُخنقُ في البئرِ
لا تمسُ الشجرَ وقتَ الظهيرة
وحين تديرها - تدير الأشياءَ- يدُ الشيطان
تأتي لنا بالرمال، تملأ أعيننا
- نحن الملائكة الممنوعين -
يُحْجَبُ النورُ عنّا
تسقطُ وجوهنا
مثلومةً بالزمن
عتيقةً بوشمِ الاماكن
وقد أُقصينا منها
مرةً
الى
الأبد. سركون بولص ومؤيد الراوي عند بقايا جدار برلين (تصوير صموئيل شمعون)

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف