وليد شميط يتحدث عن كتابه "يوسف شاهين، حياة للسينما": حرصت على صورة السينمائي المثقّف والمحرّض الفكريّ والاجتماعيّ
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
هنا تبرز أهمية هذا المؤلف لوليد شميط، بأناقة تبويبه وعرضه لسينما يوسف شاهين، وبمنهجيته الكرونولوجية الشاملة والوافية، حتى انه بات في وسعنا القول اننا نملك الآن مرجعاً كاملاً حول سينما يوسف شاهين، شخصه، فكره، هواجسه، التزاماته، أفلامه (كلها)، موضوعاته، المحطات الأساسية في حياته والتحولات. كتاب مرجع يمكن الاتكاء عليه في أي بحث او مناسبة تفرض العودة الى فيلموغرافية شاهين الغنية منذ اكثر من نصف قرن.
&
* تسمُ كتابك لغة شغفٍ مماثل لشغف يوسف شاهين بالسينما.
- انطباع صحيح تماماً. انه اولاً اسلوبي، السهل الممتنع، القريب من القارئ. نحن هنا ازاء مادة ليست بالضرورة مادة النقد السينمائي. لعلّ القارئ لا يلتفت كثيراً الى مادة النقد، لذا من واجب المادة النقدية ان تيسّر القول. كتبت عن يوسف شاهين في حب، في شغف. التعبير في مكانه مئة في المئة. شاهدت سينما يوسف شاهين كثيراً، ثم اني شديد الاعجاب بشخصه ومسيرته انساناً ومثقفاً وسينمائياً مبدعاً ومحرّضاً فكرياً واجتماعياً، وهو من الكبار في العالم العربي.
* يدلّ كتابك على معرفة وثيقة بكل انتاج يوسف شاهين، وبدا لي ان رفقتك معه قديمة جداً، أي انك تعرف افلامه كلها. هل تتذكر تحديداً متى بدأت علاقتك بسينماه؟
- في اواسط الستينات قدم يوسف شاهين الى لبنان وانجز فيلم "بياع الخواتم". ومذذاك كنت راغباً في التعرّف اليه كمخرج عربي كبير. تمّ التعارف، انما على نحو سطحي. وترك لبنان اواخر الستينات عائداً الى مصر. في تلك الفترة اتيح لي العمل مع الناقد والسينمائي الراحل سمير نصري كمساعد مخرج في "انتصار المنهزم" وربطتني به صداقة. ولدى عودة يوسف شاهين ثانية تعرفت اليه اكثر عبر سمير نصري الذي تعاون معه مراراً ككاتب سيناريو وكتب له "فجر يوم جديد". وفي تلك الفترة ايضاً اعددت لـ"تلفزيون لبنان" برنامجاً عن السينما، وكانت حلقاته الاولى تحت عنوان "تاريخ السينما المصرية" هيأت منها آنذاك نحو ثلاث عشرة حلقة عن تاريخ تلك السينما عبر المخرجين، والمخرج الأول الذي استضفته كان يوسف شاهين. وتابعت انتاجه من أواخر الستينات الى اليوم، واتيحت لي محاورته مراراً قبل التصوير وبعده، ونشأت بيننا علاقة صداقة تتجاوز علاقة الناقد بالسينمائي.&
&
* هل شاهدته خلال التصوير على البلاتو؟
- بلى، شاهدته، انما ليس كثيراً. رافقته في مراحل المونتاج اكثر لدى اشتغاله على النسخ النهائية لأفلامه في مختبرات باريس. اني مقيم في فرنسا منذ ،1975 لذا كنت ألتقي شاهين هناك حيث كان يذهب دوماً لاتمام العمليات النهائية لأفلامه. في تلك المراحل من العمل كنت ألمس حرصه الدقيق.
* كيف تصفه اثناء العمل؟ هل هو عصبي، قلق، متوتر؟
- انه قلق جداً، لكنّ قلقه داخلي. يحرص على عدم نقل توتره الى الآخرين. لكن الأهم لديه دقّته وحرصه الشديد على النوعية. لا يتهاون. راقبته لساعات طويلة يعمل على الصوت وتصحيح الألوان.
* انظر الى كتابك بوصفه حدثاً مهماً في الاصدارات السينمائية اذ لطالما افتقدنا في العالم العربي وجود مراجع من هذا النوع، في حين ان كل سينمائي في الغرب خُصّ بالعديد من المؤلفات. هل تعتقد انه الكتاب الأول عن يوسف شاهين؟
- انه الأول باللغة العربية على ما اعتقد.
* حتى في مصر لم يصدر مؤلَّف متكامل عن شاهين، لو استثنينا بعض الدراسات المتفرقة.
- لم أقع على كتاب بهذا المعنى. انه في الحقيقة أمر مؤسف. النقاد العرب مقصّرون. انهم في النهاية سينمائيونا.
* نأمل كتابك فاتحة لسلسلة.
- آمل ذلك.
*& كتاب عن صلاح أبو سيف مثلاً.
- وضع زميلنا التونسي خميّس خياطي كتاباً عن صلاح ابو سيف عبارة عن دراسة جامعية صدرت في كتاب.
* لكن اعتقد ان الكتاب بالفرنسية.
- بلى.
* اذن يلبث النقص موجوداً. أتحدث هنا عن مؤلفات سينمائية باللغة العربية.
- كما ذكرت، مكتبتنا العربية تفتقر كثيراً الى مثل هذه الكتب والمراجع. لا بد من تغذيتها بأبحاث ودراسات نقدية. اليوم تحديداً، أبدت لي إحدى خريجات معاهد الاختصاص السمعي - البصري والسينمائي في لبنان سعادتها بصدور كتابي لأنها كانت، على ما ذكرت لي، تبحث عن مراجع حول السينما العربية ولا تعثر في سهولة.
* كم استلزم منك الكتاب جهداً ووقتاً.
- استلزم وقتاً كثيراً. علماً أني احتفظ بمدونات خاصة عن كل فيلم من أفلام يوسف شاهين. كلّما شاهدت واحداً منها أسجّل ملاحظات واحتفظ بها في ملفّ خاص. وبعض تلك الافلام كتبت حوله نقداً في الصحف او المجلات وكانت المادة جاهزة. وحين قررت العمل على الكتاب راجعت تلك المواد التي احتفظ بها وارتأيت دراسة زمنية، كرونولوجية، من اول افلام شاهين ("بابا أمين"، 1950) الى فيلمه ما قبل الأخير ("الآخر"، 1999) إذ لم أشاهد الأخير ("سكوت ح نصوّر"). كنت حريصاً على إبراز شخصية يوسف شاهين الانسان عبر أفلامه، لأنه من السينمائيين العرب والعالميين القلائل الذين يستحيل فصل افلامهم عن شخصياتهم. انه نفسه، هو وافلامه، تنطق سينماه بهواجسه وعالمه، وحرصت على اظهار هذا الجانب في الكتاب، كما حرصت على تناول الموضوعات التي شغلت يوسف شاهين والتركيز عليها وتذكير القارئ بتكرار تلك الموضوعات في افلامه بغية تقديم فكرة عامة عن يوسف شاهين انساناً وسينمائياً مبدعاً ومفكراً.
* لعلّ هذه الجوانب التي ذكرت غلبت في كتابك على تقويم الجانب التقني في سينما يوسف شاهين.
- ملاحظتك صحيحة مئة في المئة. انه خيار في النهاية. يوسف شاهين جدير بأن يوضع عنه أكثر من كتاب. لم أكتب كل شيء عن سينما شاهين. انها كتابة أوّلية، عن امرئ طرق أموراً مهمة جداً نواجهها كعرب ولبنانيين، مثل التعامل مع الآخر وقبول الآخر والتعامل مع الغرب، الى تقبل الهزيمة... توقفت في هذا الكتاب عند القضايا الكبرى التي تناولها يوسف شاهين...
* عنوان كتابك "يوسف شاهين، حياة للسينما" له في هذا الاطار ما يبرره. انك تتناول جانباً محدداً.
- ثمة جوانب أخرى، جمالية وتقنية متصلة مثلاً بكيفية تعامل يوسف شاهين مع المونتاج، مع الكاميرا، مع الممثلين، الخ. يمكن معالجتها في كتب اخرى. لم لا؟ ثمة جانب آخر ركّزت عليه: نظرة يوسف شاهين الى السينما كصناعة وليس كفن فحسب. أهميته انه ادرك السينما فناً، انما صناعةً أيضاً. ادراكه هذا الجانب اتاح له الاستمرار. مجيء يوسف شاهين منتصف الستينات الى لبنان كان لخلافه مع القطاع العام في مصر. ثم اكتشف انه ينبغي التعامل مع السينما لا من برج عاجي أي بمنطق "تعالوا انتجوا لي أفلاما". كلا. وعى ان ثمة في السينما مشكلة اقتصادية، فدخل اللعبة الانتاجية للسينما وانشأ مؤسسة انتاجية تهتم حتى بالتوزيع. وتلك المؤسسة سمحت له بانجاز انتاجات مشتركة مع بلدان عربية، كالجزائر وسواها، ثم مع فرنسا، وحقق استقلاليته كسينمائي عبر هذا الوعي. شادي عبد السلام، مثلاً، مبدع كبير. لكنه مات ولم يترك سوى فيلم واحد. كذلك توفيق صالح الذي توقف في منتصف الدرب لعجزه عن حلّ اشكالية الانتاج. لذا توقفت عند هذا الجانب لدى شاهين الذي لعله يقدم نموذجاً وقدوة.&
&
* فتحت شهيتنا على المزيد من الكتب والدراسات النقدية المماثلة. ألا مشاريع مقبلة لديك حول سينمائيين آخرين؟
- أملك المادة وأملك الرغبة في ذلك، وثمة سينمائيون أودّ وضع كتب عنهم.
* مَن مثلاً؟
- أودّ كتاباً عن توفيق صالح مثلاً. لكن دعني اقول لك أمراً: أعلم ان لديك أنت أيضاً مادة كبيرة أذ مضت عليك سنوات عديدة ناقداً. وهنالك زملاء كثر ايضاً لديهم مثل هذه المادة. لذا أعود للقول ان المكتبة السينمائية العربية تفتقر الى المراجع. ونحن جميعاً مطالبون باغناء هذه المكتبة، واعتقد انه بات لدينا قراء لهذا النوع من الكتب ولمادة السينما. والسينما اليوم تستميل الشباب كثيراً. ثمة العديد من المعاهد السينمائية في لبنان تخرّج مئات الطلاب.
* كأنه حقل بكر عندنا.
- الثقافة السينمائية في لبنان قديمة.
* اعني اليوم إثر فترة خمود في الحرب.
- حتى في الحرب، كانت هناك نواد للسينما وبعضها نوادي فيديو. مما يعني ان الرغبة موجودة ومستمرة، وبالتالي الجمهور موجود.
* كنت لسنين قبل الحرب ناقداً سينمائياً ولديك محاولات سينمائية. صرفتك عن النقد هموم العمل والحياة فضلاً عن الهجرة وتوقفت كذلك تجاربك السينمائية. أين أصبحت اليوم من هذين الشأنين؟ ألا تحنّ الى ممارسة النقد السينمائي مجدداً؟
- تجربتي السينمائية متعددة وقديمة قليلاً. عملت مساعد مخرج ومديراً للانتاج في عدد غير قليل من الافلام اللبنانية والعربية والاجنبية، بين اواخر الستينات واواخر السبعينات. وعملت كثيراً في التلفزيون ومنحته الكثير من وقتي واهتمامي. ثم اتيح لي انجاز بعض الافلام التسجيلية خلال الحرب. واختارني بعض الاصدقاء السينمائيين لأكون ممثلاً في أفلام مثل "سيّد تقدّمي" لنبيل الملاح، و"عارضة الازياء" للتونسي صادق بن عايشه، و"الرأس" للعراقي فيصل الياسري. اما لناحية التلفزيون فان ما يتحقق اليوم في الفضائيات العربية تحدثت عنه في أواخر السبعينات، اي ضرورة التعارف وتبادل المعرفة. وضعت مشروعاً لم يتحقق لاسباب عدة ليس هنا مجال الخوض فيها. ذاك المشروع كان برنامجاً تسجيلياً حول المدن العربية. اليوم، ارى فرحاً ان زملاء لنا حققوا هذا المشروع مع التلفزيون التونسي واتحاد الاذاعات& العربية وثمة اثنا عشر فيلماً او ثلاثة عشر عن المدن العربية. تسألني: هل سأعود الى السينما؟ لا أعتبر نفسي أني تركت السينما. حين اصدر كتابي هذا عن يوسف شاهين وأنوي وضع كتب أخرى، فهذا يعني اني لم أهجر السينما. (عن "النهار" البيروتية).
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف