جريدة الجرائد

فهمي هويدي : حفاوة واجبة بالمبادرة الليبية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تستحق اهتماما تلك المبادرة الليبية التي دعت الى اخراج العرب والاجانب من افغانستان، وترتيب عودتهم هم واهليهم الى بلادهم. وإذ ينبغي ان يحسب اطلاق تلك المبادرة للرئيس معمر القذافي، الذي كان قد اجرى اتصالا بخصوصها مع رئيس التحالف الشمالي الشيخ برهان الدين رباني، وتباحث بشأنها نجله سيف الاسلام هذا الاسبوع مع قيادة باكستان، فانني اتمنى ان تتبناها الجامعة العربية، وان يبادر امينها العام الى القيام بدور رئيسي فيها، بالتنسيق مع السلطات الليبية بطبيعة الحال.
وهو امر مؤسف، بل مشين حقا، ان تترك تلك الالوف من ابناء الامة العربية والاسلامية فريسة لبعض عناصر التحالف، الذين سحلوا اعدادا منهم في الشوارع قبل ان يعذبوهم ويقتلوهم، كما انه لا يعقل ان يترك هؤلاء اسرى لكي يتعرضوا لاذلال عناصر المخابرات، أو لكي يقصفوا ويقتلوا بالجملة، كما حدث مع اسرى قلعة جانجي القريبة من مزار شريف، وهي الفضيحة الدولية، التي طالبت منظمة العفو باجراء تحقيق فيها، ولكن الذين ارتكبوا الجريمة تجاهلوا امثال تلك المطالبات، وصموا اذانهم عنها.
ازاء تعرض هؤلاء العرب والمسلمين من غير الافغان للابادة، كما للتعذيب والسحل، وتعرض ذويهم من زوجات وابناء وبنات للقتل من جراء القصف الوحشي والغارات التي لم ترحم احدا من الافغان أو غيرهم، ولاسباب انسانية فوق أي اعتبار اخر، كان ينبغي الا يقف العرب والمسلمون متفرجين، وعاجزين عن فعل شيء.
الان وقد اوشك ذلك الفصل من المأساة الافغانية ان ينتهي، سواء بعد الاتفاق ـ ولو مؤقتا ـ على تشكيل الحكومة الانتقالية في مؤتمر بون، أو بعد الاخبار التي تواترت خلال الايام القليلة الماضية عن موافقة الملا عمر على تسليم قندهار حقنا للدماء، وسواء صحت تلك الانباء أم لم تصح، فان السؤال حول مصير العرب وغيرهم من المسلمين غير الافغان يظل معلقا.
الوافدون الذين انحازوا الى صف طالبان، ولا تعرف اعدادهم بالضبط، نسبة غير قليلة منهم ذهبت الى افغانستان حين كانت الابواب مفتوحة على مصارعها، وحين كانت دعوات المشاركة في الجهاد تتردد بصوت عال في جنبات العالم الاسلامي، وهناك اخرون وجدوا في النموذج الذي اقامته طالبان عنصر جذب لقي عندهم هوى، فالتحقوا بصفوف الحركة واستطابوا العيش في ظلالها، وهناك من غادروا اوطانهم لان لهم مشكلات مع انظمتها، ومن هؤلاء الاخيرين من ارتكبوا اعمالا غير قانونية وكانوا أو اصبحوا مطلوبين للعدالة في بلادهم، ثم هناك ايضا اعداد غير معروفة من المعوقين الذين اصيبوا في المعارك التي دارت اثناء حرب التحرير من الاحتلال السوفياتي، وهناك اعداد من المرضى والعجزة، واضافة الى كل هؤلاء هناك زوجات اولئك الاشخاص وابناؤهم.
حتى الاعداد الكبيرة نسبيا، ما كان لها ان تترك في ايدي قوات التحالف، ولا يطمأن الى مصيرها ان وقعت في ايدي غيرهم، وفي الوقت ذاته فلا يعقل ان تقف "الامة" منها موقف المتفرج واللامبالي.
وقبل ان أدعو لان تتحرك الامة لحماية ابنائها من الهلاك، اكرر التذكير باننا ندافع عن كرامة وانسانية هؤلاء لا عن افعالهم أو مواقفهم، ونرى ان الذين ارتكبوا اعمالا غير قانونية ضد مجتمعاتهم فانهم ينبغي ان يحاسبوا عما فعلوه، اذا كانوا في حالة تسمح بذلك، كأن لا يكونون قد اصبحوا معوقين أو مرضى. وهو موقف مسؤول عبر عنه الامير سعود الفيصل في حديث صحافي متوازن ادلى به هذا الاسبوع في واشنطن حيث قال بالحرف الواحد "انهم ابناؤنا.. سنأخذهم وهؤلاء الذين تورطوا في اعمال اجرامية سيعاقبون. انهم مسؤوليتنا ونأمل ان تفعل بقية الدول الشيء ذاته". وهذا موقف عاقل وعادل.
لست الآن في موقف يسمح بالحديث عن افعالهم، كما انه ليس من المروءة ان نشهر في وجوههم لوائح الادعاء والاتهام، بينما هم يواجهون خطر الهلاك. فضلا عن ان ذلك قد يدفع نفرا منهم الى تفضيل الهلاك في افغانستان، فرارا من هلاك اخر ينتظرهم في اقطارهم.
ولا يسعنا في هذا الصدد الا ان نرحب بالخطوة الحكيمة الشجاعة التي اعلنها الرئيس القذافي قبل اسبوعين، حين اصدر عفوا عن كل الليبيين الموجودين في افغانستان (يقدر عددهم بحوالي مائتي شخص) ودعاهم للعودة الى بلادهم مع عائلاتهم بضمانة "مؤسسة القذافي الخيرية العالمية" لكي يمارسوا حياتهم بصورة طبيعية.
طبقا للمبادرة الليبية، من خلال تصريحات منسوبة الى سيف الاسلام القذافي، ابن الرئيس الليبي الذي يرأس المؤسسة الخيرية التي تحمل اسمه، من المفترض ان يتم الاتفاق حول اجلاء العرب وغيرهم، مع الرئيس الباكستاني وممثلي حركة طالبان، على ان يتم نقلهم الى معسكر يخصص لهم في بلدة "كويتا" الباكستانية القريبة من الحدود الافغانية، شريطة ان يكون النقل تحت اشراف الامم المتحدة أو الصليب الاحمر الدولي، حتى لا يتعرضوا للقصف وبعد ان يتم تجميع اولئك الاشخاص وعائلاتهم يجرى ترتيب اعادتهم الى اوطانهم، وقد فهمت ان المؤسسة الليبية لديها الكوادر والامكانيات التي تستطيع بها انجاز مهمة التجميع، لكن الخطوات التالية تتطلب جهدا ربما جاوز قدرات المؤسسة، ذلك ان ترتيب اخراجهم من افغانستان وتأمينهم يحتاج الى اتصالات مع بعض الدول الكبرى والمنظمات العالمية المعنية بالاغاثة وحقوق الانسان، كذلك فان اعادة هؤلاء الى اوطانهم مرحلة اخرى تحتاج لاتصالات مع السلطات المعنية في كل بلد، وهي آفاق قد تتجاوز قدرة المؤسسة الليبية.
لهذه الاسباب تمنيت ان تدخل الجامعة العربية طرفا في الموضوع، وليت منظمة المؤتمر الاسلامي تنضم الى ذلك الجهد، الذي اذا حقق مراده فسيكون انجازا طيبا لا اشك انه سيلقى تقديرا واسعا في انحاء العالم الاسلامي.
ونحن بصدد الحديث عن المحاربين في افغانستان فاننا لا نستطيع ان نتجاهل اعدادا اخرى من ابناء العالم الاسلامي المشردين في آسيا واوروبا الذين التحقوا يوما ما بالعمل الجهادي أو الاغاثي في الشيشان أو البوسنة أو كشمير ثم تحولوا بسبب من ذلك الى مطلوبين في بلادهم، فظلوا يهيمون في الارض بحثا عن ملاذ أو ملجأ وربما تورط نفر منهم بسبب اليأس والاحباط في اعمال عنف هنا وهناك، ومن هؤلاء المشردين من حاربوا في افغانستان زمنا ثم تسللوا الى باكستان وغيرها من الدول المجاورة لافغانستان وتشردوا بدورهم هناك، وظلت اقامتهم غير قانونية ولذلك فهم معرضون للايقاف في كل لحظة وقد ارتضوا ذلك المصير خشية تعرضهم لما هو اسوأ إن هم عادوا الى اوطانهم.
وهي مفارقة لا ريب، ان يذهب هؤلاء في البداية لتحرير افغانستان من الروس، ثم تمضي الايام وتصبح المشكلة هي تحرير العرب من الافغان ثم تغدو المشكلة الاكبر بعد ذلك هي كيف يمكن ان يصبح هؤلاء عربا عربا بدلا من "عرب أفغان".
واذا سارت المشكلات على هذا النحو ممن يتحدث عن اغاثة الشعب الافغاني أو تعمير بلاده المدمرة، وهو كلام سنظل بمنأى عنه الى اجل غير قصير فيما يبدو، حيث ستصبح الساحة فارغة للامريكيين والاوروبيين والجمعيات التبشيرية التي سترتع في الفضاء الافغاني كما شاءت وبغير قيود.(الشرق الأوسط اللندنية)
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف