في عامه التسعين .. يشكو "لعنة نوبل" ، ويؤكد أن "السلام هو التطبيع" :أمثال حركة "طالبان" مجرد "دمامل تاريخية"نجيب محفوظ : لا أسمع .. لا أرى .. لا أتكلم
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أجرى المقابلة : نبيل شرف الدين
&
على عتبة التسعين.. وعتبة بيته استقبلني الكبير نجيب محفوظ ـ كعادته دائما ـ مرحباً بضيوفه بنفسه في حفاوة وبشاشة وحيوية وابتسامة عريضة ، وكان المشهد مؤثراً إلى أبعد الحدود ..
الروائي والإنسان الكبير ، والعربي الوحيد الحائز على نوبل ، والذي يحتفل عشاق شخصه وأدبه ببلوغه التسعين ، مازال يصر على القيام بطقوس الترحيب بنفسه مهما كانت صفة هؤلاء الزوار أو أعمارهم ، ويمد يدا مرتعشة بعد أن أصيبت أعصابها بالشلل عقب محاولة اغتياله الجبانة وطعنه في عنقه على يد أحد الأصوليين الإرهابيين، واستمع إلى صوتي بصعوبة بالغة عبر السماعة المغروسة في أذنه اليسرى وطلب بإلحاح أن أرفع صوتي قبل أن يقول ضاحكا: أهلا وسهلاً ، وهو يتحرك داخل "الروب دي شامبر" بصعوبة وببطء لنصل إلى الصالون .
وفي هذا الحوار الاستثنائي يتحدث "عم نجيب" بصراحة شديدة، مؤكدا انه أصبح غير قادر على المشي وعاجزا عن الكتابة والقراءة بل وسماع الموسيقى، ووسط كل هذه الظروف الصحية الصعبة قال نجيب محفوظ رأيه بصراحة في "لعنة نوبل"، التي جعلت أحوال حياته تتدهور إلى ما لا نهاية، وأعلن عن موقفه الصريح من التطبيع مع إسرائيل، وقال انه كان يوافق على زيارة الإسرائيليين لبيته وانه يرفض أن يفصل الكاتب علي سالم من اتحاد الكتاب بدون مناقشته حتى ولو كانت التهمة زيارة إسرائيل، والدعوة للتطبيع معها، فهذا موقف سياسي لا ينبغي أن نتعامل معه بالقمع، وقال انه لم يوقع عقدا مع الإسرائيليين لنشر رواياته هناك، وان الحصار الأميركي على العراق طال أكثر مما ينبغي، وان حجة أسلحة الدمار الشامل "كلام فارغ" .
نجيب محفوظ .. يكشف أيضاً في هذا الحوار عن جوانب أخرى تتعلق بحرفية كتابة الرواية ومدى تأثره بالأساليب الحديثة في الأدب العالمي مع تعليقات ساخرة عن أحوال الأدب والأدباء.
حال الدنيا
داخل بيته كل شيء هادئ لدرجة تشبهه ، تابلوهات الصور الناعمة لم تتغير ، الصالون البسيط والضوء الخافت .. وزوجته الصامتة الخجول التي تحرص على وضع المشروب للضيوف على المنضدة بنفسها ، ثم تختفي تكاد لا تسمع لها صوتاً أو تلحظ لها طيفا، وكانت بداية الحوار عن الرجل الذي ساهم كثيراً في منح الفرصة لنجيب محفوظ في لحظة البداية ، سألته :
هل تتذكر الآن وبعد كل هذه السنوات الطويلة سلامة موسى؟
لا أنسى هذا الرجل أبدا، سلامة موسى صاحب فضل، على المستوى العام، كان دائما يدافع عن المجتمع والفقراء ويدعو للعدالة الاجتماعية والديمقراطية، وكان الكاتب الوحيد صاحب الرسالة الاجتماعية، وعلى المستوى الشخصي أفادني إلى أقصى درجة، واختصر مسافات طويلة من معاناتي عندما فتح أمامي أبواب مجلته لأكتب فيها مقالات وقصصا وانا مازلت طالبا بالثانوي·
ولقد ساعدني وجوده على حسن اختياري الأدبي، وبدأت اكتب في المجلة الجديدة منذ انشائها عام 1929 وكنت طالبا في البكالوريا، واذكر انني في احدى زياراتي له سألني في قلق عما إذا كان متاحا للرواية ان تنجح في مصر؟! وإذا كان الفن الروائي يقوم على تصوير الرجل والمرأة فهل سيكون هناك من يجرؤ على تصوير صادق للمرأة؟! بل وأين هي المرأة المصرية في الحياة العامة حتى يمكن تصويرها؟· كان سلامة موسى يشعر بالحزن لأن أغلب الذين يكتبون القصة في مصر من المتأثرين بالغرب، وينتظر ظهور رواية مصرية لحما ودما، وفي احد الأيام قال عابساً ، ربما كان الأزهريون هم الأقدر على القيام بهذه المهمة، ليت أزهريا يكتب لنا رواية مصرية ، أي أنه كان يريد كاتبا لم يتأثر بروايات الغرب ليعرف كيف يكون خياله وتعبيره في كتابة رواية مصرية ، يومها قلت له إنني اكتب رواية ، فقال: هل نُشرت؟ ، قلت: لا ولكنني اكتب لنفسي ولا أدري إذا كان ما اكتب يستحق النشر .. وطلب أن يطلع على شيء مما اكتبه .. وفعلا أطلعته ، فقال أنت موهوب لكن هذه الأعمال لا تصلح للنشر ، وبعد فترة أطلعته على مسودة رواية "عبث الأقدار" ، ففاجأني بقوله : هذه تصلح للنشر ، واحتجزها وكانت فرحتي لا توصف ، كنت قد سميتها "حكمة خوفو" ، فلم يعجبه العنوان ، وقال هذا عنوان غير روائي واستقر الرأي على اسمها الحالي "عبث الأقدار" .
عشر سنوات كاملة بين 1929 و1939 كان سلامة موسى هو الراعي والمربي الأدبي لي، نشر لي وأنا تلميذ في الثانوي ، ثم الجامعة عشرات المقالات وكتابا مترجما عن مصر القديمة ، ومن النادر في الماضي وفي الحاضر ان تجد رجلا مثله ، يكتشف الموهبة ويتابع نموها ويشجعها ويدعمها بالرعاية الكاملة حتى تعرف طريقها ، ومن النادر أيضا أن تجد مثل الأخلاق الرفيعة التي كان عليها سلامة موسى الذي باع كل ما يملك من أجل الرسالة التي نذر نفسه من أجلها .
منذ بداياتك الأولى كنت تعمل 18 ساعة يومياً .. أريد ان اسألك بصراحة هل حرفة الأدب تكفي للإنفاق على أديب ؟
في عالمنا العربي لا اعتقد ، هناك بالفعل أموال طائلة في بلادنا، لكنها موظفة في أغراض بعيدة عن الثقافة، والحكومات تحارب الأمية لكن المتعلمين يقرؤون نادرا جداً ، وبصورة لا تسمح بتغطية نفقات معيشة الأدباء أو تأمين حياتهم، والاديب في حياتنا يبحث عن وظيفة لتسانده على مواجهة الحياة، سواء في الحكومة أو الصحافة، إلا إذا كان من الأعيان مثل تيمور بك عليه رحمة الله، فهذا لا يحتاج الى وظيفة الحكومة ولا الصحيفة، انما إذا كان الأديب متوسط الحال أو حتى ميسورا فان الأدب سيؤدي الى إفلاسه .
ولا حتى في مثل حالتك كأديب حقق شهرة عالمية عريضة ؟
حتى في مثل هذه الحالة، ولنقل حالتي بالتحديد، ماذا فعل الادب ؟ حقق المعيشة المتوازنة لكن في آخر سنوات العمر، والسؤال من القادر على الانتظار إلى ما بعد الثمانين ومشارف التسعين
هل انتظرت أنت وتعبت وعانيت ؟
لنفترض ان هناك منْ يكسبون حاليا من الأدب وهم في نهاية حياتهم، فما جدوى ذلك ؟ لقد ضاعت حياتهم من أجل الأدب، ثم هذه المسافة الطويلة التي وصلوا من خلالها، كيف كانوا يعيشون أثناءها .. هل يتسولون في الشوارع ؟، للأسف احوال الادباء العرب صعبة جدا وغير إنسانية بالمرة .. خاصة هؤلاء الذين لا يمتلكون سوى موهبتهم .
في سوق الأدب .. لماذا يربح الناشر ويخسر الأديب ؟
الناشر تاجر ، ويتعامل مع السوق بمنطق الاحتياج، ولا ينشر لأديب واحد أو نوعا واحدا من الكتابة، بل يعرض بضاعة متنوعة، ودائما لديه زبائن، من لا يشتري قصة يشتري مسرحية أو كتابا علميا أو مذكرات .. وهكذا .
هل اللصوصية والقرصنة مازالت مستمرة ضد أعمال الأدباء العرب؟
هذا شيء طبيعي، ومازال مستمرا إلى الآن .. وأظنه سيبقى طويلاً .
لماذا لم تتقدم للجامعة العربية لتقوم بدورها في حماية الإبداع العربي؟
الفكرة طيبة .. وليتك أنت تحاول مع الجامعة العربية .. وسأكون شاكرا إذا سمعتك الجامعة!
ولماذا لم تشك انت شخصيا؟
شكوت كثيراً .. لكن دون فائدة ، ثم اكتشفنا أننا نشكو لأصدقائنا ، وهم لا يفعلون شيئاً .
طقوس الكتابة
كيف تشعر عندما تترجم أعمالك إلى لغات اخرى وهل يمكن للأديب ان يكتب عن بلدان أخرى؟
حين يترجم لي كتاب أتمنى نجاحه بلا شك، كما إنني كأي أديب، تمنيت لو كنت كاتبا عالميا، ولكني أؤمن إيمانا عميقا بان هدفي الأول والأخير هو الوصول إلى قرائي، أي القراء الذين يمكن أن يستجيبوا لرؤيتي الفنية، لا يهمني بعد ذلك ان ينبذني الجيل الذي يتلوهم، وان كنت أتمنى ألا ينبذني، كذلك لا يهمني ألا يحس بي أو يستجيب ليّ قراء العالم، وان كان من الأفضل لو أنهم استجابوا، فهدفي الأول واضح، وهو ان اصل إلى قراء العربية، وهدفي الثاني لا يستوقفني· والفن الروائي لا يستطيع ان يكتب خارج دائرة تجربته، انه ليس كالشعر، الشعر مجرد، إذ يمكنك ان تكتب قصيدة عن أي حاجة ما دمت تعبر عن عاطفتك الخاصة لكن عندما تكتب رواية إذا كنت لا تعرف أشياء في حاشية الفن وليس في صميمه، فانك لا تستطيع ان تكتب هذه الرواية ، مثل الشارع والإنسان والزي والغذاء ، والعلاقات اليومية ، كلها مفردات تجسد الرواية وبدونها يستحيل أن تقف الرواية على قدميها .
أما أن يكتب الأديب عن بلد لم يره فهذا أمر مستحيل، ثم إذا كتبت عن مكان خيالي فلن يحاسبني أحد، وأنا عندما اكتب لا ابحث عن الجديد، انما ابحث دائما عن المناسب لموضوعي، وعندما يكون المناسب لموضوعي أسلوبا واقعيا تقليديا أكتب بهذا الأسلوب الواقعي التقليدي، وعندما يكون مناسبا ان اكتب متأثرا بالتراث مثل ألف ليلة وليلة أو رحلة ابن بطوطة، اكتب بأسلوب تراثي، وفي بعض الظروف دفعني المجتمع لأكتب بما يسمى أسلوب اللامعقول أو "العبث" ، إذن أنا لا أبحث عن الجديد أو التجريب ، إنما ابحث عن موضوعي وعن الأسلوب الذي يناسبه·
هل تأثرت ببعض الأشكال الأدبية مثل تيار اللاوعي عند جيمس جويس في رواية عوليس؟
طبعاً ، في كل رواية تأتي لحظات يستفيد فيها المؤلف من تجربة جويس أو غيره ، أنا لم آخذ المذهب كأداة في الكتابة ، إنما واحد مذهول أو سكران مثلا كيف تكون خواطره وتداعياتها إلا بطريقة جويس؟ .. هذا فقط ما كنت استخدمه
عند كتابة الرواية هل كنت تضع خطة ؟
حسب الظروف والموضوع، هناك خطة شاملة ونصف خطة، وأحياناً أبدأ من الصفر، جربت كل هذه الأنواع، والرواية شأن الحياة، يحكمها قانون الموقف، ولا يوجد "كتالوج" نموذجي للإبداع .
هل تبدأ من الصفر .. في الرواية ؟
لا .. الرواية صعبة .. لابد ان تبدأ ومعك فكرة براقة وواضحة لترسم الشخصيات ، البداية من الصفر كانت في القصص القصيرة .
السلام يعني التطبيع
بعد فصل الكاتب علي سالم من اتحاد الكتاب المصريين واتهامه بالتطبيع مع إسرائيل صرحت بأن هناك خطأ في الإجراءات وأنك غير موافق على الفصل؟
لم أقل هذا الكلام·· وما حدث بالضبط ان هناك صديقا سألني في الصباح: هل عرفت انهم فصلوا علي سالم؟ فقلت: لم أعرف·· وقلت له ان واحدا مثل علي سالم أديب من عشرات السنين وكل اعضاء اتحاد الكتاب من زملائه واصدقائه وتلاميذه، وكل هذه المواصفات كانت تقتضي ان يتناقشوا معه قبل مفاجأته بقرار الفصل·· هذا ما قلته بالتحديد·· هم قالوا أنهم طلبوه للمناقشة ورفض الحضور، وهو يقول لم يطلبني أحد·
ما رأيك في التطبيع الثقافي مع إسرائيل الذي يدعو إليه علي سالم؟
ما معنى تطبيع؟
تطبيع بمعنى اقامة علاقات ثقافية وحوار مع الإسرائيليين؟
منذ ان اقامت مصر صلحا مع إسرائيل وحل السلام بيننا وبينها، حدث التطبيع بطريقة طبيعية وبكل انواعه، هل يمكن ان تسالم انسانا وتصالحه وإذا قال لك السلام عليكم لا ترد عليه السلام؟! هذا مستحيل ، لذلك كان التطبيع والصلح بعد السلام الذي اجراه السادات رحمه الله شيئا طبيعيا، ونحن فرحنا بالنصر وفرحنا باسترداد أرضنا وفرحنا بالسلام·
معنى ذلك انك موافق على التطبيع؟
نعم .. وبعد السلام جاء بعض الاسرائيليين إلى القاهرة وزاروني في بيتي·· وكان منهم أناس يعرفونني عن طريق الكتب والروايات واحبوا ان يعرفوني على الطبيعة فرحبت بهم واصبحت العلاقة سلمية وطبيعية .
لكن هذا الكلام يخالف رأي قطاعات كبيرة من المثقفين المصريين والعرب ؟
لا أحد يستطيع ان يقول لي لماذا تفعل ذلك، لأن ذلك شيء طبيعي، سلام يعني تطبيع، ولنفترض ان بعض الناس غير موافقين على السلام أو غير موافقين على الصلح·· فعلى هؤلاء ان يرفضوا التطبيع·· وهذا حقهم·· تماما مثلما ان من حقنا التطبيع مع إسرائيل· هؤلاء من حقهم الرفض، وفي النهاية ينبغي علينا ان نتعلم ان نعيش مع اختلافنا في الرأي .
ألا ترى ان الأجواء الحالية تكشف اعتداء إسرائيل على الفلسطينيين وابتعادها عن طريق السلام؟
دعني اكمل كلامي من فضلك .. هذا الموقف المؤيد للتطبيع ظللت متمسكا به إلى ان حدثت الانتفاضة الأخيرة، ولم اكن أتصور بعد المساعي الهائلة للصلح ووصولنا إلى أوروبا ولم يبق سوى التوقيع ليحل السلام ان تحدث انتكاسة وتقوم إسرائيل بالرد على الحجارة بالصواريخ والطائرات اف 16 والبحرية والدبابات .
ولأول مرة من أيام السادات نفرت من السياسة الإسرائيلية والإسرائيليين، واليوم أنا غير قادر نفسيا ولا قلبيا على الترحيب بزيارة إسرائيلي لبيتي، قبل تصفية حساباتهم مع الفلسطينيين وإعطائهم حقوقهم .
ما قصة نشر كتبك في إسرائيل بالعبرية ؟
أعرف انهم ينشرون كتبي قبل الصلح، يعني ونحن اعداء، اخبرني بذلك الصديق محمد يوسف نجم، وطبعوا جزءا جديدا بعد الصلح، وهذا أيضا كان بلا اتفاقات أو تعاقدات أي انني لم احصل على مليم واحد، اختاروا كتبا لترجمتها ونشروها، وبعد ان اعطيت الجامعة الأميركية بالقاهرة حق الوكالة في الإشراف على طباعة كتبي في كل بلدان العالم لم يترجموا في إسرائيل سوى كتاب واحد، وكان الاتفاق مع الجامعة، انا لم أوقع أي اتفاق، ليس مع إسرائيل فقط، بل الجميع كل هذا يتم بعيدا عني، مع الوكيل المالي لي وهو الجامعة الأميركية في القاهرة .
عندما ضربت قوات التحالف العراق التقيت بك، وقلت لي أن صدام حسين يجب أن يذهب ، وان لقوات التحالف الحق في إعلان الحرب .. فما رأيك في الحصار المفروض الآن على العراق ، والتلويح بتوجيه ضربة عسكرية له ؟
الظرف التاريخي تغير الآن ، فالحصار صار طويلاً وسخيفاً ، وزاد عن حدوده ، والحلفاء يقولون ان هناك مخاوف من قدرة العراق العسكرية ، وانا اعتقد ان الشعب العراقي عُوقب بطريقة قاسية للغاية، وانا متعاطف مع هذا الشعب، وأرى انه تعذب جدا واكثر مما ينبغي، وان كل ما يقال الآن كلام فارغ والعراق لا يمتلك اسلحة دمار شامل ولا كلاما فارغا من هذا .
ما رأيك في الحرب التي تشنها أميركا على أفغانستان الآن ؟
سمعت بها .. لكن للأسف فأنا كما قلت لا أسمع جيداً ، ولا أرى جيداً ، لذلك لم أتمكن من الإلمام بالموضوع جيداً .. لكن أحد أصدقائي أصر أن يريني مشهد تدمير برج التجارة العالمي بالطائرات المختطفة .. هذه جريمة استثنائية في بشاعتها .. ولابد من التدقيق فيها طويلاً .
وما رأيك في أسامة بن لادن وحركة "طالبان" ؟
لا أعرف عنهما الكثير ، لكني سمعت أن أسامة هذا رجل غني ضحى بكل أمواله من أجل الجهاد في أفغانستان ، وأن أميركا تتهمه بدعم الإرهاب .. يبدو أن القضية شائكة ومعقدة ولست مؤهلاً لإصدار أحكام أو التعبير عن آراء فيها ، فلست ملماً بقدر كاف من المعلومات حولها .
أما حركة "طالبان" فقد سمعت عنها كلاماً ليس جيداً .. ذكرني بتمرد حسن الصباح زعيم طائفة "الحشاشين" المعروفة تاريخياً، وكان طبيعياً أن تلقى نفس المصير .. هذه مجرد "دمامل تاريخية"
علاج نفسي
دعنا نعود إلى الماضي مرة اخرى هل تتذكر ايام عشقك للموسيقى والطرب؟
"بدا التأثر واضحاً عليه"، وقال: هذا كان زمان عندما كنت اسمع ، كنت أطرب لأم كلثوم وعبدالوهاب وسيد درويش وأحمد عدوية ، باختصار القديم والحديث لكني فقدت حاسة السمع .
زمان أيضا تعرضت للاهمال من النقاد 15 عاما كاملة وبعدها بدأوا يهاجمونك بضراوة ثلاث سنوات في صحيفة "الجمهورية" المصرية ، خصوصا الشيوعيين الذين كانوا يعتبرونك رجعياً ، فهل تغير موقف هؤلاء منك الآن ؟
الموقف تغير كثيرا واصبحوا يقدرونني ويكتبون في صالحي ، وهذه أحوال الدنيا، لكن بعضهم ظل على خلافه السياسي معي .. لكن انا طول عمري كنت معنياً بالإبداع قبل اي شيء آخر
هل صحيح انك تعالج نفسيا الآن على يد د. يحيى الرخاوي ؟
"باسماً" .. لا أعالج نفسيا بالمعنى المعروف، والحكاية انني بعد ان تعرضت لمحاولة القتل أصبحت أخضع يدي للعلاج الطبيعي ، لأن الضربة اثرت على اعصاب يدي واصابتها بالشلل، اما العلاج النفسي فهو شيء آخر، انا في التسعين من عمري ، فقد حُرمت من القراءة والكتابة ومشاهدة السينما والمسرح وسماع الاغاني، وبالتالي كنت صيدا سهلا للاكتئاب والدكتور يحيى الرخاوي مشكورا قام لهذا السبب بتنظيم يومي، بحيث اجلس يوميا مع مجموعة من الأصدقاء الأدباء وغيرهم .. يكلمونني وأكلمهم ليخففوا عني الوحدة .
هل عندك فلسفة ما في الحياة ؟
كل الفلسفة الموجودة عندي كتبتها في رواياتي .. لم أدخر معرفة ما لم أدونها .
لماذا توقفت عن الكتابة في الماضي؟
لا اعرف حتى الآن ، فقد كنت مثل شخص مات، وظننت نفسي قد أفلست تماما وملأت فراغي بالعمل في السينما بكتابة السيناريو ، ومجالسة الأصدقاء والانغماس في الحياة .
هل أفادتك السينما ؟
طبعاً .. أدبيا ومادياً .
وهل أفادتك أيضاً جائزة نوبل أدبياً ومادياً ؟
لا .. والحقيقة ان "لعنة نوبل" حلت على نجيب محفوظ، وبعد الجائزة اجريت عملية جراحية خطيرة وتعرضت لحادث اعتداء اعالج منه حتى الآن وتدهورت احوالي الصحية وفقدت القدرة على الكتابة والاستماع والقراءة .. يعني فترة كلها هبوط .
وسط كل هذه الظروف عادات نجيب محفوظ الشهيرة هل مازالت كما هي؟
كيف تبقى كما هي؟ كنت عاشقا للمشي ، لكن كيف امشي الآن ولو مترا فقط .. لا أستطيع
والإسكندرية .. غرامك المعروف؟
للأسف .. لم اعد قادراً على زيارتها
الثقافة إلي أين؟
إلى أين تتجه الثقافة المصرية خاصة والعربية عموما؟
أرى أن الجو الثقافي ليس كما يجب ولكن الإنتاج والمنتجين موجودون ومتوفرون والذي أتيح لي قراءته وهذا لأنني قد توقفت عن القراءة منذ عشر سنوات كانوا ناسا منتجين وعظماء جدا سواء الذي تربينا على أيديهم ويطلق عليهم جيل المربين أو جيل الزملاء الذي عاصرتهم والأجيال التي جاءت بعدنا ابتداء من جيل الستينيات وكل واحد من هؤلاء أعطى عطاءه وبينهم من لا يزال يعطي والدليل على ذلك الذي قرأته سواء في سوريا والعراق وأفريقيا الشمالية لكن توقفي عن القراءة أسفت له جدا لأنه حرمني من متع القراءة والفن سواء المقروء أو حتى المسموع .
هل تعتقد أن الصراعات والخلافات السياسية أثرت في اتجاهات المثقف العربي؟
بالتأكيد أثرت لأن المثقفين العرب تختلف مذاهبهم واهتماماتهم وبسبب ذلك حدثت صراعات بينهم ومعارك، ولا تزال ولكن من وجهة نظري هذه المعارك تعتبر من منشطات الحركة الثقافية عموماً وعلى المثقف العربي أن يظل على اتجاهه مهما واجه من صعاب وخلافات .
ما هي النصيحة التي يقدمها نجيب محفوظ للنهوض بالثقافة العربية ؟
أفضل شئ هو الانتماء للثقافة العربية وتعليمها في مراحل التعليم المختلفة ثم الاهتمام بها من جانب أجهزة الإعلام وأن تكريم الأدباء والمثقفين له دور أساسي للنهوض بالثقافة العربية.
هناك من يقول أن الثقافة العربية سوف تتوه في الثقافة الكونية التي بدأ العالم في تكوينها في الفترة الأخيرة.. فما رأيك؟
كل ذلك يعتمد على قوة وأصالة الثقافة العربية ويجب أن نثق تماما في أنفسنا فالأمة العربية ليست فقيرة في الثقافة ولا هي هشة حتى تخشى الثقافات الأخرى ، فمنذ مئات السنين وربما الآلاف وهي تنتج الثقافة والفنون بأرقى ما يكون ولها شخصيتها رغم الأزمة الطارئة التي تعيشها الآن فيجب ألا نخشى من أي فكر أجنبي بل أهلا به.. فهل يجوز أن ترفض الصحيح لا شيء إلا أنه جاء من عند الآخر؟! ، إننا بذلك نعادي أنفسنا.. فالصراع الثقافي غير الصراع العسكري يحتوي على القتل والإبادة وتنتهي فيه المعركة بغلبة أحد الأطراف المتصارعة بينما الثقافة لا يمكن إلا أن تزيد من رقعة الجمال التي يمكن أن تستمتع به البشرية لذلك فتعبير مثل الغزو الثقافي.. مثلا يعني شيئان مختلفان تماما عن الغزو العسكري إذا أطلعت على ثقافة أجنبية لدولة حديثة أو عدو فاستنفدت منها ربما تكون سببا غير مباشر من أسباب تفوقي في المستقبل.
إلى أي مدى يمتلك الأديب حرية التعبير من وجهة نظرك؟
هذه النقطة تختلف من بلد إلى آخر ولكن عموما أرى أن حرية الفكر والكتابة تتحسن مع الوقت.
في ضوء تجربتك الطويلة ما هي مواطن الخلل في الجسد العربي التي أعاقت النهوض العربي ؟
العرب وحدة ثقافية من قديم الزمان وحتى الآن وإلى الغد كان يجب أن يصاحبها وحدة اقتصادية أي سوق اقتصادية واحدة واتحاد في الفكر السياسي بقدر الإمكان وعليهم أن يعيشوا عصرهم وأن يهتموا بالعلم والثقافة.
المرأة .. والوطن
لعبت المرأة دورا كبيرا في إلهام الكتاب فمن هي المرأة التي كانت لها دور كبير في حياتك ؟
بالفعل المرأة لها دور أساسي في حياة كل إنسان ، فضلاً عن أديب ، وكانت ولكن بالنسبة للمرأة التي كانت مصدر إلهامي فهي مسألة خاصة جداً ، ولا أريد الخوض فيها ، وقد بلغت التسعين ولا يليق بي الأمر .
حتى أمك .. لا تريد الحديث عنها ؟
الله يرحمها ..
هل نجيب محفوظ وفدي ولا يزال ؟
ليس هناك ما يسمي بالوفد الآن هذا تاريخ ، والوفد الحالي ليس امتدادا لتراث الوفد الذي عرفته في الأربعينيات ولكن يبقى لنا من الوفد قيم لا تزاول مثل الحرية الديمقراطية والوحدة الوطنية.
ما هي أسباب تعدد الأحزاب المصرية ، وعدم فعالية أي منها ؟
الأسباب كثيرة ولكن أهمها اختلاف الرأي واختلاف الرؤيا ومن وجهة نظري أن الأحزاب في تعددها خير وليس شرا لأن لكل حزب رأيه واتجاهاته وهنا في مصر من يميل للحزب الفلاني وآخرون يميلون للحزب الفلاني وهذا يجعل لدى الناس الفكر السياسي والدراية الكاملة لكل ما يدور في الوطن حتى لا يعيش الناس في غفلة ولذا فانها خير للمواطنين.
ما تعليقك على القرار الأخير لمجمع البحوث الإسلامية بعدم مصادرة الكتب المخالفة والاكتفاء بالرد عليها ألا ترى أن وجود تلك النوعية من الكتب يمكن أن تشوش على فكر الجيل الحالي؟
لو تركت بمفردها قد تسمم أفكار الجيل وتشوش عليه ، لكن طالما أنها عرضت للمناقشة، ومن المؤكد سوف يكون القرار النهائي اختفاء وزوال هذه الكتب تماماً .
ما هي الرواية التي أثرت فيك ؟
ليست واحدة بل هناك روايات كثيرة كان لها اثر في وجداني ولا أستطيع حصرها الآن ولكن بالطبع الذي أذكره الآن هو أشهر رواياتي وهي الثلاثية و"أولاد حارتنا" .
أين تقف الرواية العربية الآن ، وما موقعها في عالم اليوم برأيك ؟
أقول أن الرواية العربية في حالة نشاط الآن بل أنني أتنبأ لها بمستقبل افضل وخاصة عند تحويلها إلى أعمال تلفزيونية مما يخلق قاعدة جماهيرية لها. فالاتجاه الغالب الآن هو الأدب المصور.. أما عن موقعها في العالم اليوم فأود أن أقول أننا نكتب كذلك الأمر فيما يخص أصحاب الرواية في العالم كله.. سواء الرواية العربية أو الغربية فكل يحمل خصائص وشخصية البيئة التي نبع منها كما أن لكل منهما وجوده وأثره وتأثيره.. فكل رواية عربية بلا شك إضافة تعالج مشكلات وقضايا البيئة النابعة منها وتناقش عادات وتقاليد وظروفا اجتماعية عاشها الأديب ويكشف عنها وله فيها رؤية وأسلوب يتميز به.. وخلاصة القول أنه لابد وان يكون للرواية روح خاصة وأسلوب خاص متأثر بالذات نابع من الأرض اشتقت منها أفكار هذه الرواية.. بهذا يمكن أن تتميز الرواية العربية.
هل لنجيب محفوظ مثل أعلى؟
بالطبع هناك الكثير من المثل العليا ، واذكر منهم على سبيل المثال سلامة موسى والعقاد وطه حسين والمازني وتوفيق الحكيم وهيكل ، وكان قبلهم المنفلوطي وأحب أن أشير إلى أن توفيق الحكيم لو كان حيا الآن لعرفت جائزة نوبل طريقها إليه قبلي .. إنه يستحقها بجدارة .
كيف ترى الحياة في التسعين؟
على المستوى الشخصي أحمد الله على كل شيء ، ولكن هذا هو "أرذل العمر" ، ولم أكن أتمنى أن أصل إلى تلك المرحلة حيث أوشكت أن أفقد معظم حواس السمع والبصر ، فلم أعد أقرأ ولم أعد أكتب، وأصبح السمع ضعيفا للغاية وكذلك البصر ، وبذلك فقدت معظم وسائل الاتصال مع الناس ومع الحياة ، والآن لم أعد أطلب من الله سوى حسن الختام .
العالمية أحيانا قد تؤدي إلى كارثة : طعنة نوبل
"زعبلاوي " قصة نجيب محفوظ
&
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف